الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معين الدين بن البكَّاء
نزيل مكَّة المكرَّمة المُعظَّمة، شرَفها الله نديمٌ دَمِث الأخْلاق، مُتوشّحٌ ببرُودٍ لُطْفُ حواشِيها رقاق.
فهو للأدباء صَدرْر، ونادِيه واسعُ الصّدر.
نبتَتْ دوحُته في رياض الحسَب، فاجْتَنى منها زَهرةَ الحياة وفواكهَ الأدَب.
وله من طِيب الأنْفاس، ما تسكَر منه الحُميّا والْكَاس، ممّا هو أحْلَى ثمراتِ الأمانِي غِبّ مَرارةِ اليَاس.
وهو ممَّن ساجلْتهُ وأنا للأدبِ مُمْتاح ونادَمْتُه والعمرُ مُورِقٌ بالمسَرَّة مُثْمرٌ بالنَّجاح.
لياليَ أعطيْتُ البَطالةَ مِقْوَدِي
…
تَمُرّ اللّيالي والشهورُ ولا أدْرِي
وكان بعد ما وقع له بالرُّوم هاجَر لبني حسن، وأقام في ظِلَّهم بمكة مُؤتلفِاً بهم ائتْلافَ المُقْلة بالوَسنَ.
فأينعتْ زَهْرته بعد الذُّبول، وسقاه صَيبُ كرمِهمْ وهّبتْ له نسماتُ القبول.
فلما تُوُفَّى السيدُ مسعود، تبدَّل بالنَّحسْ السُّعود.
فجدَّد ديباجَته وارْتحل، عملا بقولهم: إذا نَبَا بك منْزلٌ فتحوَّل.
ولأمْرٍ ما ثَنى القِرْنُ عطفْهَ، وجدَع قَصيرٌ أنْفَه.
وكانت أيامُه غَضَّةْ نَضِرة، تكاد في عصْرِه تقطُر منها مياهُ المسرَّة.
وكان في جَمْع المعارف والنّوادر ممَّن لم يرَ الدهرُ نَظيرَه، ولم يطِنَّ على سمعهِ حديثٌ كأحاديثِه النَّضيرة.
فهو ذُكاء الفلك، وهو بشَرٌ بل مَلَك.
فمما ترشَّح من قَطراتِه، وجرى في المسامع من عذْبِ كلماتِه، قوله
يا شقيقَ الروح والجسم ويا
…
دَوْحةً بالودّ فضْلاً أثْمَرتْ
بحياةِ الوُد إلا صُنْتهَ
…
لِمُحبٍ روحُه قد سُعِّرتْ
كنتُ ل أخْشى حسوداً لا ولا
…
عينَ واشٍ إنْ بسُوءِ نظرَتْ
وأرى الوُدّ وهَى بُنْيانهُ
…
ما كأنَّ العينَ إلا أثَّرتْ
ومن شعره تذْييل لبيت القاضي الفاضل:
تراءتْ ومرآةُ السماء صَقِيلةٌ
…
فأثَّر فيها وجهُها صورةَ البدرِ
ولاحتْ عليها حَلْيُها وعُقودُها
…
فأثّر فيها صورةَ الأنْجم الزُّهرِ
وله أيضاً:
حاذِرْ زُويلةَ أن تمرَّ ببابها
…
وطعامَها كُنْ آيسا من خْيرِه
فمُوسّط القْتلى يقول بها انظُروا
…
مَن لم يُمتْ بالسيفِ مات بغْيرِه
وهو تضمين لقول ابن نُباته السَّعْدي، من قصيدة:
ومَن لم يُمتْ بالسيف مات بغيرهِ
…
تعدّدتِ الأسبابُ والداءُ وأحدُ
ومن شعره قوله في تقسيم الأيام:
الدهرُ أربعةٌ أيامُهُ انحصَرتْ
…
صَحْوةٌ وغَيمٌ ورِيحٌ ثم أمطارُ
فالصحوُ ظَرْف لإصْلاح المآرِبِ إذْ
…
تُقْضَى من الصَّيد يومَ الغيمِ أوْطارُ
ويومُ ريحٍ لنَوْمٍ لا حَراك به
…
ويومُ هَطْلِ السَّما للكأسِ مِدْرارُ
واليومَ قد نُثرتْ دُرَّا سحائُبه
…
على بِساطِ رُباً يكْسوهْ أزْهارُ
فبادرِ الكأسَ يا بدرَ الزمان فمِنْ
…
ضيِاء وجْهِك لا في الأفْقِ أقمارُ
العلَاّمة عبد الرحمن الخِيارِيّ
نزيل المدينة المنورة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام فاضلٌ إذا جُمِعت الفضائلُ فهو مُنتهَى الجُموع، وكاملٌ كمالُه كثَمرَ الجنَّة غير مقطوع ولا ممَنْوع.
لَّما رأى الوقتَ سيفاً لا يقطَعُ إلاّ الأعمار، وأن المرءَ قبل فَوْتِ الفرصة على أيامِه بالخيار، لم يَمْضِ له وقتٌ في غير العبادة، ولا ساعةٌ في غير الاستفادة والإفادة.
بوجهٍ أبْلجَ وضَّاح، يلوح من رُتّه نورُ السَّداد والصَّلاح.
كأنَّ اللهَ جمع له المناقبَ فاختار منها وانْتَقى، ورأى أن أحْسنها وأكرمها التُّقَى.
وآثارُ أقلامه يحسدها الحورُ واللّمَا، ويعرق خجلاً منها خدُّ الروْض بالنَّدى.
أبْدى صنيعُك تْقصيرَ الزمانِ ففي
…
خدَّ الربيعِ طلوعُ الوردِ من خجلِ
وكان في زمن الطَّلب، ومنافسة إخواني أولى الأدب، صديقَ روحي وشقيقَها، وريحان مسرتي وشقيقها.
وعودُ الزمان خَضْرٌ ورِيق، ووجهُ بِشْره بسّامٌ طَليق.
ولما رأى أن اللهَ أوصى بالجار، رحل لطيَبْةَ الطّيبة وسكن في جِوار النبيّ المختار.
فدخل رَوْضةً من ريِاض الجنة في حياتِه، وإذا أنعم اللهُ على عبدٍ حَباه بِنعْمةٍ لا يسُلبها منه بعد مماتِه:
يا نسيماً من نحو طَيْبةَ سارِى
…
مُهْدياً عِطْرَ نَدّها والعَرارِ
مُزْرِياً نَشُره بعْنبرِ شِحْرٍ
…
في حشا جَوْنَةِ الفتَى العطَّارِ
خُذْ فؤادي فذاك مَجْمَرُ شوْقٍ
…
وغرامٌ بُمضْمَر الوجْد وارِى
موُقداً فيه عنْبراً من مديحي
…
لحبيبِ المُهيْمن المُختارِ
لمقامٍ بمُقْتضاه بليغٍ
…
لا يُوفّى بلاغة الأسْرارِ
وفصيحٍ فصاحةُ اللفْظِ فيه
…
زاد حُسْناً بكَثْرةِ التَّكْرارِ
ولمَن في ذُراهُ مِن كلّ جارٍ
…
حاز حِفْظاً لعَيشْه بالجِوارِ
فهمُ خَزْرجِي وأوْسِى وإن لم
…
يُسعِفِ الدهُر بالمُنَى أنْصارِي
سِمَّا صِنْوِىَ الشقيقُ لروحِي
…
وهْوَ عبد الرحمن حامي الذّمارِ
قد تملىَّ برَوْضةٍ حاز فيها
…
مُثْمِرَ السَّعدِ مُزهرَ الأنْوارِ
باع دنيا دنَتْ بأخرى تسامَتْ
…
فغدا في مَبِيعه بالخِيار
فعساه يُمن لي بدعاءٍ
…
مُستجابٍ في ليلهِ والنهارِ
ليحوز الشّهابُ أعظمَ سُؤالٍ
…
وأمانٍ من مطْلعَ الأنْوارِ
ما ارْتدَى الليلُ من برُود الدَّياجي
…
حُلَّة طُرزتْ من الأسْحارِ
فأجاب سقى الله ثراه:
بعدَ إهْدا أسْنَى السلام السَّارِي
…
من رُبا طَيْبةٍ أجلّ الدّيارِ
فائقاً طيِبةُ شذا كلَّ مسكٍ
…
فاتقاً نُورهُ دُجَى الأسحارِ
لحبيبٍ في الله خلِ وفىٍ
…
طيَّبِ الأصل ذي الثَّناء السارِي
أحمدُ الفعلِ والشّهابُ المُرجَّى
…
كاشفُ المشكلاتِ كنزُ الفَخارِ
دام في نعمةٍ وعزّ ولُطفٍ
…
من إله الورى الكريمِ البارِي
محُيِياً سُنةَ الأُلى سبقوه
…
باتّباع الأُلَى وحسنِ الوقارِ
وصلاةٌ مع السَّلامِ دَواماً
…
للنبيّ المُمجَّد المختارِ
ولآلٍ وصَحْبِه ما اضْمحلَّتْ
…
ظُلَمُ الظلم باجْتِلا الأنْوارِ
فإني أحمَد الله تعالى وأصلَّي وأسلم، على نبيّه صلى الله عليه وسلم.
وأعرض كثرةَ الأشواق، وتزايُدَ الوداد الذي لم يغيرْه تعاقبُ المُدَدِ والبِعاد.
ودوامَ الدّعاءِ المرجوّ القَبول، لا سيَّما تجاه أشرف وأكْرمِ رسول.
ووصول مكتوبكم الكريم، وحصولَ السُّرور بلوامِع مَضْمونه، وبدائع مكْنُونه.
وقد بلغَنا حسنُ سيرتكم في المناصب، ومزيدُ العِفة، فجزاكم الله تعالى خيرا، أعانكم وسدَّدكم.
ولا تقطعوا أخباركم السَّارَّة، جمع الله لنا خَيْري الدُّنيا والآخرة، بجاه المصطفى الأمين، آمين.