المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أحمد العِنَايَاتِيّ صديقُ الصِّدق، وخِدْن الصلاح، شقيق النَّدى، وتِرْب السَّماح، رَوض - ريحانة الألبا وزهرة الحياة الدنيا

[الشهاب الخفاجي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌القسم الأول

- ‌في محاسن أهل الشَّام ونواحِيها

- ‌أحمد العِنَايَاتِيّ

- ‌محمد الصَّالِحِيّ الهِلَاليّ

- ‌سانحة

- ‌فصل

- ‌حسن بن محمد البورِينِي

- ‌أبو المعالي دَرْويش محمد الطَّالُوِيّ

- ‌محمد بن قاسم الحَلَبِيّ

- ‌فصل

- ‌فائدة

- ‌فصل

- ‌الأمير أبو بكر الحَلَبِيّ المعروف بابن حلالا

- ‌إبراهيم ومحمد ابنا أحمد الْحَلَبِيّ، المعروف بالمُلا

- ‌يوسف بن عِمْران الْحَلَبِيّ

- ‌سُرور بن سنين الْحَلَبِيّ

- ‌حُسَين بن أحمد الْجَزَرَيّ الْحَلبِيّ

- ‌أبو بكر تقِيُّ الدين التاجر المعروف بابن الجَوْهَرِيّ

- ‌شمس الدِّين محمد المعروف بابن المِنْقَار

- ‌ابنه عبد اللطيف

- ‌شيخ الإسلام عماد الدِّين الْحَنَفِي الشَّامِيّ

- ‌بدر الدِّين بن رَضِيّ الدِّين الغَزِّيّ العَامِرِيّ الشامِيّ

- ‌أبو الصَّفاء مصطفى بن العَجَميّ الْحَلبِي

- ‌تقيُّ الدِّين بن معروف

- ‌فائدة مهمة

- ‌محمد بن الرُّومِيّ

- ‌المعروف بمَامَاي ابن أخت الخَيَّاليّ، نزيل دِمَشق الشام

- ‌زَيْن الدِّين الإِشْعَافِي

- ‌أبو بكر الْجَوْهَرِيّ الشَّامِيّ

- ‌شمس الديِّن محمد بن إبراهيم الْحَلَبِيّ

- ‌المعروف بابن الْحَنبَليّ

- ‌أبو الفتْح بن عبد السلام الِمالكيّ المغْرِبِيّ، نزيل الشام

- ‌تكملة في قوله) مستغرقا (إلخ فوائده

- ‌علاء الدِّين بن مَلِيك الْحَمويّ

- ‌القاضي مُحِبُّ الدين بن تَقّيِ الدين الْحَموِيّ

- ‌شهاب الدين الكَنْعَانِيُّ الشَّامِيّ

- ‌معروف الشَّامِيّ

- ‌نجم الدين بن معروف

- ‌محمد بن محمد الحكيم المعروف بابن المشْنُوق

- ‌فتح الله بن بدر الدين محمود البيلونيّ الحلبيّ

- ‌القاضي ظهِير الدين الحَلبيّ

- ‌بهاء الدين) محمد (بن الحسين العَامليّ الْحَارثيّ

- ‌خِضْر المَوْصلِّي

- ‌فصل

- ‌فيمن لقيتُه بالشام في رحلتي لمصر راجعاً من الروم

- ‌المولى عبد الرحمن بن عِماد الدِّين الشَّامِيّ الْحَنَفيّ

- ‌أحمد بن شاهين الشَّامِيّ

- ‌الأمير منجك بن الأمير محمد بن منجك

- ‌الفاضل أبو الطيب بن رضى الدين الغزي، نزيل الشام

- ‌عبد الحق الشامي، المعروف بالحجازي

- ‌رحلة المؤلف إلى حلب

- ‌أبو الوفاء بن عمر بن عبد الوهاب الشافعي، العرضي الحلبي

- ‌أخوه محمد بن عمر العرضي

- ‌عمر بن عبد الوهاب العرضي

- ‌صلاح الدين الكوراني الحلبي

- ‌السيد احمد بن النقيب الحلبي

- ‌القسم الثاني

- ‌محاسن العصريين من أهل المغرب وما ولاهما

- ‌مولاي أحمد أبو العباس المنصور بالله

- ‌فصل

- ‌أبو بكر بن إسماعيل بن شهاب الدين

- ‌محمد الفشتالي

- ‌وزير مولاي أحمد

- ‌فصل

- ‌تتمة

- ‌فصل

- ‌محمد بن إبراهيم الفاسي

- ‌نزيل مصر

- ‌فصل

- ‌الوزير عبد العزيز الثعالبي الأديب

- ‌العلامة محمد دكروك المغربي

- ‌تتَّمة وفائدة مهمَّة

- ‌الخاتمة

- ‌حسان الدَّين بن أبي القاسم الدَّرْعِيّ المغربي

- ‌عبد العزيز الفشتْاَلِيّ

- ‌عبد السلام بن سَنوُس المَغْرِبِيّ

- ‌السيد عبد الخالق الفاَسِيّ

- ‌السيد يحيى القُرطْبِيّ

- ‌فصل

- ‌ذكر مكة المشَّرفة ومن بحماها

- ‌صانها الله وحَماها وزادها تشريفا وتكريما وتعظيما

- ‌ذكر الدولة الحسَنيَّة

- ‌ومن بها من بَقِيّة العلماء والشعراء والأعيان

- ‌أبى نُمىّ بن بَرَكات

- ‌شهاب الدين أحمد الفَيّوميّ

- ‌السيد حسن بن أبي نُمَىّ

- ‌أخوه السيد الجلّ ثَقَبَة

- ‌مسعود

- ‌أبو طالب

- ‌قطْب الدين المكّيّ النَّهْروانِيّ أصلاً ومَحْتِدا

- ‌جمال الدين بن صدر الدين بن عصام الدين، العلامة الإسْفَرَايِنِىّ

- ‌أخوه علي العِصاميّ

- ‌أحمد المدَنىّ، المعروف باليُتَيْم، مصغَّرا

- ‌سراج الدين بن عمر الأشْهل المدَنيّ

- ‌عبد الرحمن، وعلى ابنا كثير المكّيَّان

- ‌محمد بن أبي الخْيْر ابن العلامة حَجَر الهيَتْمي

- ‌العلامة شِهاب الدين أحمد بن حَجَر الَيْتَمي

- ‌علامة الدين بن عبد الباقي

- ‌القاضي حسين المالِكيّ المَكّيّ

- ‌العلامة عليُّ بن جَار الله المَكّىّ

- ‌الحَنفّي الخطيب مفتى الحرمين الشَّريفْين

- ‌علي الكيزواني المغربي

- ‌معين الدين بن البكَّاء

- ‌نفحة من نفَحات اليمن

- ‌عبد الله بن شمس الدين بن مُطهرَّ اليمَنيّ

- ‌لطيفة

- ‌السيد حسين بن مُطَّهر اليَمَنيّ

- ‌عبد الهادي السوديّ

- ‌صاحب) الديوان (المشهور

- ‌إسماعيل بن إبراهيم بن إسماعيل

- ‌بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن محمد بن يوسف بن عمر بن عليّ العَلَوي

الفصل: ‌ ‌أحمد العِنَايَاتِيّ صديقُ الصِّدق، وخِدْن الصلاح، شقيق النَّدى، وتِرْب السَّماح، رَوض

‌أحمد العِنَايَاتِيّ

صديقُ الصِّدق، وخِدْن الصلاح، شقيق النَّدى، وتِرْب السَّماح، رَوض سجيَّته غضٌّ ناضر، لو رآه المُتَنِّبي لقال ما هذا إلا ساحر، خلَب الأسماع بنَفَّاثاتِه، ونسَج على مِنوال الرِّقَّة حُللَ عِناياتِه.

ذو حسَب تَليِد، وبَاعٍ في المجد طويلٍ مَدِيد، لم يُسطَّر مثلُ محاسنِه في كتاب الزمان، ولم نُملأ بأنْفسَ من جواهره حِقاقُ الآذان، فيالَها جواهر إذا شاهدها مُفنقِر إلى البيان، أغْناه يا قوتُها وجوهرُها، وخَرائد جَمَعت له بين الحُسْن والإحسان منظرها طِّيب ومخبرها، تُغرِّد على قُضُب براعتهحمائمها، وتفرح أنوارُ بلاغتِه إذا فَضَّت الطُّروس عنها كمائِمها، طلعت شمسُ الأدب من أُفُق أشعارِه، وتفجَّرت ينابيعُها من خِلال آثارِه.

وهو الآن في جبهةالشام غُرَّة، وفي حدائقها النَّضِرة زُهَرَة، وفي سماء كمالها الزَّاهية

ص: 17

زُهَرَة، وقد حَلَّى بحُلَل الزهد كمالَه، ورأى برأْيِه الصَّائبِ أسْماَلَه أسْمَى لَه، لم يحتفِل بأمر غَد، قانعاً بظلِّ الخُمول نكَداً أم رَغَد، قائِلاً في خمائِله الرِّحاب، عفَّ السَّريرة طاهرَ الأثواب، لم يَشْرَق بسُؤال، ولم يَغَصّ بنَدامة الآمال، ولم يأْلَف سكَنا، ويتوطَّن مَسْكناً.

كما قيل:

ومِن عجيبً أن أكونَ شاعراَ

وليس لي في النَّاسِ بيتٌ يُعرَفُ

كما وصف زِيّه في قصيدته الزَّائيَّة بقوله:

إذا لم أعِزَّ فمن ذا يعِزُّ

وفَقْرِي وقَنعِي كنْزٌ وحرْزُ

لِبستُ من اليأْس في الناسِ ثوباً

عليه من العقْل والفضْلِ طَرْزُ

ولستُ أدرى الذُّلَّ إلا إذا كا

ن في الحُبِّ والذلُّ عِزُّ

ومثْلِيَ حرُّ عَبَاةٌ غِنَاهُ

إذا استعبدَ الناسَ خَزٌّ وبَزُّ

وسِيَّان مَن حَبَّ أو مَن قَلَى

ومَن راح يمدحُ أو راح يهْزُو

ومن غرره قوله:

قلبي على قَدِّك الممشوقِ بالهيَفِ

طيرٌ على الغصن أم همْزٌ على الألفِ

وهل سُوَيْداه أم خَالٌ بخدَّك أم

خُويدِمٌ أسودٌ في الرَّوضةِ الأُنُفِ

وهذه غُرَّوٌ في طُرَّةٍ طلعتْ

أم بدرُ تِمٍّ بدََا في ظُلمةِ السُّدَفِ

تخْفى النجومُ بنورِ البدر وهو بنُو

ر الشمس وهْيَ بنُور منك غيرُ خَفِي

ص: 18

يا بدرُ وطرفي فيك مُنتصِفٌ

بالوصْل منك وهذا غيرُ مُنتِصفِ

القلبُ واصَلْتَ فيه وَصْلَ مُمتزِجٍ

والطَّرفُ صَدَّيت عنه صَدَّ مُنحرِفِ

ظَبْيٌ تألفَّتُ منه غيرَ مُلتَفتٍ

غُصنٌ تعطَّفتُ منه غيرَ مُنعطِفِ

شِفاءُ حَرِّ غليلي بَرْدُ رِيقَتِهِ

والُبرْءُ مِن دَنَفي في لَحظِهِ الدَّنِفِ

وَيْلاهُ من وردِ خدٍّ غيرِ مُقتَطفٍ

مِنْهُ ومن خَمْرِ ريقٍ غير مُرتشَفِ

عذلتُ عاشقَ عَذْلي في محبَّتِهِ

فاعْجَب لذي شَغَفٍ يلْحِى على الشَّغِفِ

يظُنُّ أن سِواه منهُ لي خَلَفٌ

أساء في الظَّنِّ هل للروح من خَلَفِ

عُذْريَّ عِشقي عُذْرِي فيه مُتِّضِحٌ

كوجهِه وهو مثلُ الشمسِ في الشَّرَفِ

فنِيتُ سُقماً بِخَصْرٍ منه مُخَتَصَرٌ

فيه وطَرْفِي ونوْمي جِدُّ مُختِلفِ

يطير قلبي إلى ألحاظِهِ شَغَفاً

فاعْجَبْ له كيف يرْمى السَّهْمَ بالهدفِ

يا أيها الرَّشَأُ الضَّارِي على مُهَجِ الْ

آسادِ بالسَّيْف مِن جَفْنَيهَ لم يَخِفِ

بما بحُسِنك مِن تِيهٍ ومن صَلَفٍ

وما بعِشْقِيَ من ذُلٍّ ومن كَلفِ

الله في كَبدٍ للوجدِ في كَمَدٍ

إليك أسْرَف فيها الشوقُ في السَّرَفِ

ومُغْرمٍ ماله مِن مُسعِفٍ لعبتْ

به اللَّواعجُ لِعْب الرِّيح بالسَّعَفِ

أشْفَى مِحَاق الضَّنَى لما هجرتَ به

على التّلاف ولو واصلْتَه لشُفِي

يا باخِلاً بلِقاهُِ باذلاً لدمى

فالوعدَ يُخلِف منه والوَعيد يَفي

حُزتَ الجمالَ ألا تُولىِ الجميلَ فقد

يُصادَفُ الحُسن بالإحسان في الصَّدَفِ

ص: 19

) تتمة (اعتُرض على هذا المطلع بأنه لا وجه لتشبيه القلب بالهَمْز.

وأٌجيب بأن له وجهاً؛ لأنه وقع تشبيههُ بالطائر لخفقاته، وهم قد شبَّهوا الطيرَ على الغصن بالهمز، والغصنَ بالألف، ولما شاع هذا شبَّه به القلب، وقدَّ الحبيب، فهذا في باب التشبيه كالمجاز على المجاز، والنكاية على الكفاية، كما قيل في وصف قصيدة هَمْزيِّة:

والقوافي إليك حَنَّتْ حنِيني

فنأمَّلْ فهمْزُها ورْفاءُ

وقوله:) والبُرْءُ مِن دَنَفيِ (إلخ، معنى مشهور، كقول أبن مَطْرُوح:

أشتكى سِقَمِي إلى أجْفانِه

ومتى يُشْفَى سِقامٌ بسِقَمْ

وقوله:

ورنا إليّ بطَرْفهِ فكأنما

أهْدَى السِّقامَ لُمدنَفٍ من مُدْنَفِِ

وقول ظافر الحدّاد:

مريضُ لحاظِ الطَّرفِ لولا جُفُونُه

كما كنتُ أدْرِي السُّقْمَ كيف يكونُ

وأصله قول المتَنَبِّيّ:

أعارني سُقْمَ عْينْيهِ وحَّملنِي

مِن الهوَى ثِقْلَ ما تحْوِي مآزِرُهُ

وقوله:) فاعجب له كيف يرمي السهم بالهدف (نوع من البديع يُسمَّى العكس،

ص: 20

بديعٌ في بابه، وهو كقول الذَّهبيّ:

يطيرُ فؤادي لألْحاظِه

غراماً وشوقاً وفيها التَّلَفْ

فيا مَن رأى قبْلَها أسهُماً

يطيرُ اشتياقاً إليها الهدَفْ

ونحوه قوله ابن نُبَاتَة المِصْرِيّ:

صيِّرتَ نومي مثلَ عِطْفك نافراً

وتركتَ عزْمي مثل جَفْنِك فاتراَ

وسكنْتَ قلباً طار فيك مسَرَّةً

أرأيْتَ وكراً قطُّ أصبحَ طائراَ

ومما أنشدته له قولَه أيضاً من قصيدة:

يا أيُّها الملأُ المِلاحُ أفتُوني

مَن ذا أباح لكم دمَ المفتُونِ

مِن كل أسْمرَ سَنَّ قتلَ مُحبهِّ

إِن المكان مُشرَّفٌ بمكِيِنِ

روضٌ نضيرٌ لم يردْه ناظرٌ

إلا ورَدَّ عيونَه بعُيونِ

العيون: جمع عَيْن بمعنى الباصِرة، وبمعنى الجاسوس.

يحمِى بنَرْجِسِه أقاحِيَ ثغرِهِ

ويصونُ وَرْدَ الخدِّ بالمرسينِ

وحياتهِ وهي اليمينُ وإنها

وحياتِهِ عندي أبرُّ يمينِ

ما خنتهُ إنِّي وشخصُ جمالهِ

حيث اتّجهتُ عليَّ مِثلُ أمينِ

قرَن الودادُ له فؤادي بالأسى

أكذا يُجازَى وُدُّ كلِّ قَرينِ

فاتُركْ حديثَ شجونِ من قتل الهوى

قبْلي وخُذ منِّي حديثَ شجوني

قسماً لو أن العامريَّ مُعَمَّرٌ

ما جُنَّ إلا مُعجَباً بجنونِي

ص: 21

والعقلُ منِّي ضاع في ثغْرٍ له

فيه الثَّنايا بين مِيمٍ سينِ

يا ذا الْمَلاحةِ والذي بجَبينهِ

في كل ليل مَلامة يهْديني

لا يطرُقنَّ اللَّومُ باب مسامِعي

وعليه مِن صُدْغَيْك كالزُّرْفِينِ

يا لائمِي لك في الملامةِ دِينُكَ الْواهِ

ي كما ليَ في الصَّبابة دِيِنِي

لا يخطُرُ السُّلوانُ عنه بخاطرِي

إلا ورُدَّ من الجوَى بكَمِينِ

كم خُضْتُ بَحرَ الموتِ دون وصَالِه الْ

غالي ولم أكُ قانّعاً بالدُّونِ

وشَفَيْتُ حرَّ الوجد مِن برْدِ اللَّمىَ

عِلْماً بأن الماءَ مَا يشْفينِي

مُتعجِّباً من خدِّهِ بالماءِ يرْ

وينِي أسْاً وبنارِهِ يُورينِي

وبخطِّ عارِضِه أَساوِرُ أرْقماً

منه فأقرأُ منه ما يَرْقِينِي

ويظنُّني حاشاهُ أسلُو حبَّه

واللهُ مِن ظنِّ الحبيب يقينِي

وهي عِراض قصيدة الرئيس أبي منصور عليّ بن الفضل، الكاتب المعروف بصرَّدُرّ:

أكذا يُجازَى وُدُّ كل قَرين

أم هذه شِيَمُ الظِّباءِ العِينِ

قُصُّوا علىَّ حديثَ مَن قتَل الهوى

إن التَّأسِّي رَوْحُ كل حزينِ

ولئن كتمتُمْ مُشفِقين فقد درَى

بمصارعِ العُذرِىِّ والمجنونِ

ص: 22

فوق الرِّكاب ولا أٌطيل مُشَبِّهاً

بل ثَمَّ شهوةُ أنفُسٍ وعيونِ

هُزِّت قدودُهم وقالت للصِّبَا

هُزْؤا أعند البان مِثْلُ غُصونِي

وكأنما نقَلتْ مآزِرهم إلى ال

جَدَد الحمى الأنقْاءَ من يَبْرينِ

ووراءَ ذيِّاك المُقبَّل مَوْرِدٌ

حَصْباؤُه مِن لُؤْلُؤ مكنوُنِ

إمَّا بيوتُ النَّحْل بين شفاهِهم

منْضُودةً أو حانةُ الزَّرْجُونِ

ترْمي بعينْك الفِجاجَ مْقلِّباً

ذاتَ الشِّمال بها وذاتَ يمينِ

لو كنتَ زَرْقاء اليمامة ما رأتَ

من بارقٍ حَيَّا على جَيْرُونِ

شكْوك مِن ليل التَّمام وإنَّما

أرْقَى بليلِ ذوائبٍ وقرونِ

ومعُنِّفٍ في الوجْدِ قلتُ له أنَّئِدْ

فالدِّمعُ دمْعيِ والحَنين حَنيني

ما نافِعي إنْ كان ليس بنافعي

جاهُ الصَّبا وشفاعةُ العشْرينِ

لا تُطرُقَنْ خجلاً للَوْمةِ لأئمٍ

ما أنتَ أولُ حازم مَفْتُونِ

أأسومُهمْ وهمُ الأجانبُ طاعة

وهوايَ بين جوانحيِ يَعْصِينِي

ص: 23

دَيْنِي على ظَبْياتِهم مَا ينْقضِي

فبأيِّ حُكمٍ يقبضون رُهونِي

وخَشِيتُ مِن قلبي الفِرارَ إليهِمُ

حتى لقد طالبْتُه بضمينِ

كلَّ النَّكالِ أُطيقُ إلا ذِلَّةً

إن العزيز عذابهُ بالهُونِ

يا عينُ مثلُ قَذَاكِ رُؤيةُ مَعْشرٍ

عارٍ على دُنياهُم والدِّينِ

لم يُشبِهوا الإنسان إلا أنهمْ

مُتكوِّنونَ من الحَمْاَ المسْنُونِ

نجَسُ العيونِ فإن رأتْهُم مُقلتيِ

طهَّرتها فنزحتُ ماءَ جُفونِي

أنا إن هُم حسبُوا الذَّخائر دُونَهُمْ

وهمُ إذا عدُّوا الفضائلَ دُونِي

لا يُشمِتِ الحسَّادَ أنَّ مَطامِعي

عادتْ إليَّ بصَفقْةِ المغبُونِ

ما يستديرُ البدرُ إلا بعدما

أبصرْتَه في الضّمْر كالعُرْجُونِ

هذا الطريق اللَّحْب زاجرُ ناقتي

واليمُّ قاذِفُ فُلكيَ الْمشحونِ

فإذا عمِيدُ المُلْك حلَّ بربْعهِ

ظَفرِا بفَأْلِ الطائر الميْمونِ

قوله:) أأسومهم وهم الأجانب طاعة (، هو من قول البُحْتُرِيّ:

ولستُ أعجبُ مِن عِصْيان قلبِك لي

عْمداً إذا كان قَلبي فيكَ يعْصِيني

وبعده:

مَلِكٌ إذا ما العزمُ حثَّ جِيادَهُ

مَرِحتْ بأزْهرَ شامخِ العِرْنِينِ

ص: 24

ومثله قول الشريف الرضي:

أرومُ إنْصافي مِن رجالٍ أباعدٍ

ونفسِيَ أعْدَى لي مِن النَّاس أجمعاَ

إذا لم تكنْ نفسُ الفتَى من صديقِه

فلا يُحْدِثَنْ مِن خِلُة الغيْرِ مَطمعَا

وأصله مِن قول بَكْر بن حارثه:

قلبي إلى ما ضرَّنِي داعي

يُكثُر أسقامِي وأوجاعِي

كيف احتراسي مِن عدوِّي إذا

كان عدُوِّي بيْن أضْلاعِي

وقوله:) يا عين مثل قذاك رؤية معشر (إلخ، هو معنى بديع، وقد سُبِق إليه، قال الثعالِبيّ: أتفق لي في زمن الصِّبا معنىً بديع، لم أُسْبق إليه، وهو:

قلبيَ وجْداً مشتعلْ

وبالهمُومِ مُشتِغلْ

وقَد كستْنِي في الهوَى

ملابسَ الصَّبِّ الغَزِلْ

إنْسانةٌ فتَّانةٌ

بدرُ الدُّجَى منها خَجِلْ

إذا زنَتْ عيني بها

فبالدُّموعِ تغْتَسِلْ

وقد سبقه ابن هِنْدو، في قوله:

يقولون لي ما بالُ عيْنِكَ مُذ رأَتْ

محاسنَ هذا الظَّبيِ أدْمُعُها هُطْلُ

فقلتُ زنَتْ عيني بطلْعةِ وجهِهِ

فكان لها مِن صَوْبِ أدمُعِها غُسْلُ

ص: 25

قال أبو عليّ الفارسيّ: لستُ أعجب من توارُدِه، وإنما أعجب من قولهِ لم أُسْبَق إليه وقد قال أبو الطَّيِّب في الُحمَّى:

إذا ما فاَرَقْتنيِ غسَّلتْنيِ

كأنَّا عاكِفان على حَرامِ

وقد سلم من شَناعة ذكر الزِّنا، وما في قُبْح لفظِه من الْخَنَا، فمعناه أَصحّ؛ لأنه ذكر في هذا الشعر مِن نفسه وزائرته ذكراً وأنثى، جرى بينهما ما يقتضي الغسلَ.

وإن قيل: إن قوله) عاكفان على حرام (مِن لَغْو الكلام، وهما ذكراً، زِناً بين اثنين، ولو قال زني ناظري، أو لحظي، كان أحسن.

قلتُ: هذا كله كلام ناءِ عن حُسْن الأدب، وهو سُخْف، ولكن أيُّ الرِّجال المُهذَّب، ومع ذلك فقد وقع هذا في كلام من تقدَّمهم، ومعناه أصح ودِيباجتُه ألطف وأوضح، كقول يزيد بن معاوية:

وكيف تَرَى بعينٍ ترى بها

سِواهَا وما طهَّرْتَهَا بالمدامِعِ

أجِلُّكِ يا ليلى عن العينِ إنَّما

أراكِ بقلْبٍ خاشعٍ لك خاضعِ

ثم مشى على أثرهم الناسُ، وولَّدوا معانيَ لا تُحصَر، كقول السِّراج الورَّاق:

يا نازحَ الدَّارِ مُرْ نومي يُعاوِدْنِي

فقد بكْيتُ لفَقْدِ الظَّاعنينَ دَمَا

أوْجَبْتَ غُسْلاً على عيني بأدْمُعِها

فكيف وهْيَ التي لم تبلُغِ الُحُلمَا

ص: 26