المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أبو المعالي درويش محمد الطالوي - ريحانة الألبا وزهرة الحياة الدنيا

[الشهاب الخفاجي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌القسم الأول

- ‌في محاسن أهل الشَّام ونواحِيها

- ‌أحمد العِنَايَاتِيّ

- ‌محمد الصَّالِحِيّ الهِلَاليّ

- ‌سانحة

- ‌فصل

- ‌حسن بن محمد البورِينِي

- ‌أبو المعالي دَرْويش محمد الطَّالُوِيّ

- ‌محمد بن قاسم الحَلَبِيّ

- ‌فصل

- ‌فائدة

- ‌فصل

- ‌الأمير أبو بكر الحَلَبِيّ المعروف بابن حلالا

- ‌إبراهيم ومحمد ابنا أحمد الْحَلَبِيّ، المعروف بالمُلا

- ‌يوسف بن عِمْران الْحَلَبِيّ

- ‌سُرور بن سنين الْحَلَبِيّ

- ‌حُسَين بن أحمد الْجَزَرَيّ الْحَلبِيّ

- ‌أبو بكر تقِيُّ الدين التاجر المعروف بابن الجَوْهَرِيّ

- ‌شمس الدِّين محمد المعروف بابن المِنْقَار

- ‌ابنه عبد اللطيف

- ‌شيخ الإسلام عماد الدِّين الْحَنَفِي الشَّامِيّ

- ‌بدر الدِّين بن رَضِيّ الدِّين الغَزِّيّ العَامِرِيّ الشامِيّ

- ‌أبو الصَّفاء مصطفى بن العَجَميّ الْحَلبِي

- ‌تقيُّ الدِّين بن معروف

- ‌فائدة مهمة

- ‌محمد بن الرُّومِيّ

- ‌المعروف بمَامَاي ابن أخت الخَيَّاليّ، نزيل دِمَشق الشام

- ‌زَيْن الدِّين الإِشْعَافِي

- ‌أبو بكر الْجَوْهَرِيّ الشَّامِيّ

- ‌شمس الديِّن محمد بن إبراهيم الْحَلَبِيّ

- ‌المعروف بابن الْحَنبَليّ

- ‌أبو الفتْح بن عبد السلام الِمالكيّ المغْرِبِيّ، نزيل الشام

- ‌تكملة في قوله) مستغرقا (إلخ فوائده

- ‌علاء الدِّين بن مَلِيك الْحَمويّ

- ‌القاضي مُحِبُّ الدين بن تَقّيِ الدين الْحَموِيّ

- ‌شهاب الدين الكَنْعَانِيُّ الشَّامِيّ

- ‌معروف الشَّامِيّ

- ‌نجم الدين بن معروف

- ‌محمد بن محمد الحكيم المعروف بابن المشْنُوق

- ‌فتح الله بن بدر الدين محمود البيلونيّ الحلبيّ

- ‌القاضي ظهِير الدين الحَلبيّ

- ‌بهاء الدين) محمد (بن الحسين العَامليّ الْحَارثيّ

- ‌خِضْر المَوْصلِّي

- ‌فصل

- ‌فيمن لقيتُه بالشام في رحلتي لمصر راجعاً من الروم

- ‌المولى عبد الرحمن بن عِماد الدِّين الشَّامِيّ الْحَنَفيّ

- ‌أحمد بن شاهين الشَّامِيّ

- ‌الأمير منجك بن الأمير محمد بن منجك

- ‌الفاضل أبو الطيب بن رضى الدين الغزي، نزيل الشام

- ‌عبد الحق الشامي، المعروف بالحجازي

- ‌رحلة المؤلف إلى حلب

- ‌أبو الوفاء بن عمر بن عبد الوهاب الشافعي، العرضي الحلبي

- ‌أخوه محمد بن عمر العرضي

- ‌عمر بن عبد الوهاب العرضي

- ‌صلاح الدين الكوراني الحلبي

- ‌السيد احمد بن النقيب الحلبي

- ‌القسم الثاني

- ‌محاسن العصريين من أهل المغرب وما ولاهما

- ‌مولاي أحمد أبو العباس المنصور بالله

- ‌فصل

- ‌أبو بكر بن إسماعيل بن شهاب الدين

- ‌محمد الفشتالي

- ‌وزير مولاي أحمد

- ‌فصل

- ‌تتمة

- ‌فصل

- ‌محمد بن إبراهيم الفاسي

- ‌نزيل مصر

- ‌فصل

- ‌الوزير عبد العزيز الثعالبي الأديب

- ‌العلامة محمد دكروك المغربي

- ‌تتَّمة وفائدة مهمَّة

- ‌الخاتمة

- ‌حسان الدَّين بن أبي القاسم الدَّرْعِيّ المغربي

- ‌عبد العزيز الفشتْاَلِيّ

- ‌عبد السلام بن سَنوُس المَغْرِبِيّ

- ‌السيد عبد الخالق الفاَسِيّ

- ‌السيد يحيى القُرطْبِيّ

- ‌فصل

- ‌ذكر مكة المشَّرفة ومن بحماها

- ‌صانها الله وحَماها وزادها تشريفا وتكريما وتعظيما

- ‌ذكر الدولة الحسَنيَّة

- ‌ومن بها من بَقِيّة العلماء والشعراء والأعيان

- ‌أبى نُمىّ بن بَرَكات

- ‌شهاب الدين أحمد الفَيّوميّ

- ‌السيد حسن بن أبي نُمَىّ

- ‌أخوه السيد الجلّ ثَقَبَة

- ‌مسعود

- ‌أبو طالب

- ‌قطْب الدين المكّيّ النَّهْروانِيّ أصلاً ومَحْتِدا

- ‌جمال الدين بن صدر الدين بن عصام الدين، العلامة الإسْفَرَايِنِىّ

- ‌أخوه علي العِصاميّ

- ‌أحمد المدَنىّ، المعروف باليُتَيْم، مصغَّرا

- ‌سراج الدين بن عمر الأشْهل المدَنيّ

- ‌عبد الرحمن، وعلى ابنا كثير المكّيَّان

- ‌محمد بن أبي الخْيْر ابن العلامة حَجَر الهيَتْمي

- ‌العلامة شِهاب الدين أحمد بن حَجَر الَيْتَمي

- ‌علامة الدين بن عبد الباقي

- ‌القاضي حسين المالِكيّ المَكّيّ

- ‌العلامة عليُّ بن جَار الله المَكّىّ

- ‌الحَنفّي الخطيب مفتى الحرمين الشَّريفْين

- ‌علي الكيزواني المغربي

- ‌معين الدين بن البكَّاء

- ‌نفحة من نفَحات اليمن

- ‌عبد الله بن شمس الدين بن مُطهرَّ اليمَنيّ

- ‌لطيفة

- ‌السيد حسين بن مُطَّهر اليَمَنيّ

- ‌عبد الهادي السوديّ

- ‌صاحب) الديوان (المشهور

- ‌إسماعيل بن إبراهيم بن إسماعيل

- ‌بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن محمد بن يوسف بن عمر بن عليّ العَلَوي

الفصل: ‌أبو المعالي درويش محمد الطالوي

‌أبو المعالي دَرْويش محمد الطَّالُوِيّ

وحيدٌ له الحزم تِرْب واللطف قَرين، وماجدٌ ماله في قَصَب السَّبْق رَهين، وَرِيق قُضب المُرُوَّة، فاتح حصون المُلِمَّات عُنْوَة، سليل المعالي والكرم، رقيق حواشي الطبع والشِّيَم، فكم في عُلاه مسرح للمَقال، ومجال لمُضْمَرات الأماني والآمال.

إذا أعجبْتك خِصالُ امْرئٍ

فكُنْه تَكُن مثلَ ما يُعْجِبُكْ

فليس على المجدِ من حاجبٍ

إذا جِئتَه زائراً يَحجُبُكْ

حسَّان عصره، وأبو عُيَادة دَهْره، له في المجد زَنْد ورِىّ، وللأسماع من مَورِده العذب شِرْب ورِىّ، نور مُحيَّاه في ظلمة الخطوب هادٍ، وصِيتُ كَرَمه لركائب الآمال حادٍ، وبحر فكره المديد سريع، ونسجُ طبعه أبْهى وأبْهج من وَشْي الربيع، إذا حَلَّى أجيادَ الغصون بعقود در الغمائِم، وألبس هاماتِ الرُّبَى من النَّبْت مُخضَرّ العمائم، فكأنه بسحر البيان، أعْدَى عيون الغِيد الحسان.

ص: 53

نَجْمٌ تُجْلَى عليه المعاني صورةً فصُورة، وتُتْلَى عليه آياتُ الفضل سُورة بعد سُورة.

وإذا كاتب بألفاظه الرقيقة، وَدَّ السِّحْرُ لو كان قِنه ورقيقَة، فكم سرَّح طِرْفَ طَرْفي في رياض المنثور، فجَنى من حدائِقه بَيد الفكر غضَّ الزهور، ففاح نَشْرُ بلاغتِه في ليل حِبْره، ولا بدع للمنثور إذا عَبَق في عَنْبَر الظلماء عبيرُ نَشْرِه، فحلَّيْتُ لساني بعقود إِنشائِه الدُّرِّيّة، وأشرق عليَّ من فلك المُسامرةِ كواكبُها الدٌّرِّيّة، ورأيت سَبْح سطورها في يد المجد، وخِيلانُ نَقطها تَزين من وجه الطِّرس صفحة الخدّ، فسبَّحت عجباً من دُرٍ لونُه السَّواد، ومن رياضِ كافورٍ تُنبت مِسكَ المِداد.

فكأنَّ أسطُرَه غصونُ حديقةٍ

ومن القوافي فوقَهُنَّ حَمامُ

وهو فرعٌ من شجرة آل طَالُو، الذين فاقوا في رتب العُلى وطَالُوا.

إن حاربُوا ملأُوا البلادَ مَصارِعاً

أو سالُموا عمرُوا والدِّيارَ مساجِدا

طلَعُوا في رُبَى الجياد غصوناً مُورِقة بالسلاح، وبَسَقتْ فروعُها من بيض الصِّفاح وسُمْر الرِّماح، صيَّروا أكفّهم للمكارم مَعْدَنا، وأبوابَهم لوفُود السَّعادة مَوْطنَاً، فكم من راكب عَجِل استوقفتُه فوقَف، وأهدى إليَّ مِن آثاره تحفاً بكل طرْفَةٍ تُحَفّ، حتى ورد عليّ بالروم فقَرَّ بهِ نظري، ولم تسمع أُذني بأحسن مما قد رأى بصري فطار غُرابُ البَيْن من وَكْرِ العَنا، ونثرت عليَّ قوادمُ يُمْنِه، نِثار الثَّنا، وأنا ثَمَّت غريبُ

ص: 54

الوجه واليد واللسان، وليست الفُرقة فقدُ الأهل بل فقد الأحبَّة والإخوان، فدار بيني وبينه كئوس مُحاورات تُسكر الأذهان، ويحْتَسِي حُميَّاها فكرُ كل لبيب بأفواه الآذان، ويُوسَم بها عقلُ الدهر، وتُغْضِي حياءً منها عيون الزَّهر.

فممَّا كتبتهُ إليه: لأسْتمطر سحائبَ طبْعِه الغُرّ، وأستجْدي كرماً من رَقِيق خُلِقه الحُرّ، وأستَمْرِي منها ماء الحياة على غُلَّة، قطراتٍ لو وقعت في بحور الأشْعار لم يكن بها عِلَّة، قولِي:

قبَّلتُ مُصطبِحاً شِفاهَ الأكْؤُسِ

والصبحُ يَبْسَمُ لي بثَغْرٍ ألْعَسِ

حتى غدتْ منه الغزالةُ واخْتفَى

مِسْكُ الدُّجَى عند الجوارِي الكُنَّسِ

والنهرُ سيفٌ والنسيمُ فِرِنْدُه

وله حمائلُ من خمائلِ سُنْدُسِ

أو صدرُ خُودٍ فتَّحتْ أطواقَها

أو شقَّقتْ للوجدِ حُلةَ أطلَسِ

والطَّيرُ تشدُو والغصونُ رَواقِصٌ

في وَشْيِ ديباجِ الرَّبيعِ السُّنْدُسِي

وعلى الخلاعة ليس جيدِي عاطلاً

من حِلْيِة المجد العزيزِ الأنْفَسِ

ولواحِظ مرْضَى بها اعتلَّ الصَّبَا

والصَّبُّ بالسُّقْم المُبرَّح مُكْتَسِ

فتَنتْ بأنفسها ففيها عِلَّةٌ

من وجدِها وفتورُ مهجورٍ نُسِي

فلكم قطفْتُ ثمارَ لهوٍ أيْنَعتْ

وغفِلتُ عما قد جنًى الدهرُ المُسِي

وطردتُ آماليِ براحةِ عِفَّتِي

إن التِّمنِّي رأسُ مالِ المُفْلِسِ

رامَ التَّلَمُّسُ بذْلَ شعرِي بُرهةً

فطرحُته كصحيفةِ المُتَلَّمسِ

ص: 55

وكَحَلْتُ طَرْفيِ بالسُّهاد صبابةً

ووهبتُ نومي للعيون النُّعَّسِ

ونظرتُ خدَّ الورد لما احمرَّ من

خجلٍ وقد بُهِتَتْ عيون النَّرجِسِ

وأظنُّ خَجْلَته لخدِّ الطِّرس إذ

أمسى بوَشْيِ عِذارِ شَعرك مُكْتَسيِ

يا عِقدَ جِيد الدَّهر غُرَّةَ فجره

وطِرازَ ما حاك العُلا من مَلْبَسِ

بل كعبةً حجَّتْ لها آمالُناَ

فدنَتْ إلى حَرَر الكمال الأقْدَسِ

مِن آل طالُو فتية طالُوا الورَى

بذُرَى أشَمَّ من المعالي أقْعْسِ

بمناقبٍ تُلِيتْ لنا آياتُها

عنها يكاد يُبين نُطْقُ الأخْرَسِ

ورياض فِكرٍ بالفضائل أثمرتْ

فغدَتْ تُحَدِّثُنا بِطيب المَغْرِسِ

أسكَرْتنا بسْلافِ شِعرٍ لفظُه

كأسٌ له فِكري بسمعي مُحْتَسِ

وسرَتْ نُسَيماتٌ سُحَيْرا أرقصَتْ

طرباً بها عقلَ اللبيب الأكْيَسِ

فاعجَبْ لها من أكؤُسٍ ما برِزتْ

ألا رآها الذَّوقُ نَقْلَ المجْلِسِ

وسهامِ أقلامٍ له تُصْمِى العِدا

وتظَلُّ بين مُسَدَّدٍ ومُقَرْطَسِ

ناجَيْتُه وظلامُ فكري قد دجا

وصباحُ صَفْوى عنه لم يتَنَفَّسِ

فجلا السُّرورَ له بثغْرٍ باسمٍ

طَلْقِ الجبينِ كوجْهِ يوم مُشْمِسِ

فإليْكَها منِّي قوافيَ دَوْحُها

زاهٍ بغير يدِ النُّهَى لم يُمْسَسِ

بِكراً إلى كُفءِ تُزَفُّ ومهرُها

نَقْدُ الجواب براحةِ المستأنسِ

لا زِلتَ في حُلَلِ المسرَّةِ رافلاً

ما حَدَّقتْ ليلاً عيونُ الخُنَّسِ

ص: 56

فأجاب وأجاد رحمه الله:

خدٌّ تورَّدَ من لهيبِ تَنَفُّسِ

أم قَدُّ مَعْسولَ المَراشِفِ ألعْسِ

مِن رِيم وَجْرَةَ أو جَآذِرِ جَاسِمٍ

لبسَ الشَّبابَ الرَّوق أحسنَ مَلْبَسِ

مُتوشِّحاً خَطِّىَّ قامتِه فإن

ماسَتْ فيا خجلَ الغصون المُيَّسِ

فإذا رنا فاللَّحظُ منه بابِلٌ

هاروتُ منه نُطْقُه كالأخْرَسِ

أم عِقدُ غانيةِ الحسان زهَتْ به

تيهاً على زُهْر الجوارِي الكُنَّسِ

أم لُؤْلُؤٌ رَطْبٌ توائِمُ زَانَه

حُسنُ النِّظام يِجِيد ظَبْيَةِ مَكْنَسِ

أم روضةٌ غنَّاءُ في ذُرَى

أغصانِها وُرْقٌ بلحْنٍ مُؤنِسِ

حاكتْ لها أيدي الجَنوبِ مَطارِفاً

وكسَتْ معاطفَها غلائلَ سُنْدسِ

ما بين أصفرَ فاقعِ أو أحمر

قانٍ وأبْيضَ ناصعٍ ومُوَرَّسِ

أم غادَةٌ هْيفاءُ أذْكَرت الصِّبا

صَبِّا تنَاسَى العهدَ منه وما نَسِي

وافتْ وأفراسُ الصِّبا قد عُرِّيتْ

والقلبُ أقصرَ عن هواه وما أَسِي

وافتْ وَفِيَّ بقيَّةٌ ألهو بها

مِن شَرْخِيَ الماضي تَعِلَّةَ مُفلِسِ

مِن ماجدٍ وشِهابِ فضلٍ ثاقبٍ

حُلوِ الشَّمائل بالفضائل مُكْتَسِ

فظنَنْتُ رَيْعان الشَّبابِ أُعِيد لي

حتى الوصالُ مِن الحبيب المُؤُنِسِ

فطِفقْتُ أهصِرُ بانَةً من قَدِّها

والقلبُ بين تَوَجُّسٍ وتهَجُّسٍ

حتى اطمأنَّتْ فاجْتَلْيْت بوجهِها

قمرَ السَّماءِ بلَيْلِ شَعرٍ حِنْدِسِي

ص: 57

لمَّا بدا خفِيتْ له شمسُ الضُّحَى

في ثوب غَيْمٍ ترتْديه وتكْتَسِي

نطقَتْ مناطقُها فأُخْرِس دونها

نُطْقُ الفَصيحِ وحار فِكْرُ الكَيِّسِ

لِمَ لا وناظُمها الشِّهابُ من اعْتَلى

شُهْبَ العُلى بكَمال فضلٍ أقْعَس

فَرْعٌ نَماه إلى خفاجةَ مَحْتِدٌ

والفرعُ يُنْبِئ عنه طِيبُ المْغرِسِ

وافتْ لنا منه حديقةُ روضةٍ

خجِلتْ لبهْجَتهِا عيونُ النَّرْجِسِ

طِرسٌ به زُهْرُ النجومِ كأنه

صبحٌ وهُنَّ به بقايا الْحْنِدِسِ

لثَمتْ شِفاهُ الغِيد قِدْماً نِقْسَه

فغدا له فيه حياةُ الأنْفُسِ

إنِّي لأَعجبُ من شِهابٍ قد سما

مُتَبَوَّأَ العَلْياءِ أرْفَعَ مَجْلِسِ

والشُّهْبُ تطلُعُ في السَّماء وحَدُّها

فلَكُ الثَّوابتِ وهْوَ فوق الأطْلَسِ

لا زلتَ في حُلَلِ الفضائلِ رافلا

مُتوشِّحاً بُرْدَ الشَّبابِ الأنْفَسِ

خُذها وإن كانت مُقصَّرةً فمِن

شأنِ الكرام قبولُ عذرٍ من مُسي

شامِيَّةً يعنوُ لباهرِ حسنِها

وجهُ الغزالة والغزالِ الألْعَسِ

وانْعَم بها لا زالتَ تُرشِفُ سمعَنا

من رَاحِ نظْمِك مُتْرَعات الأكْؤُسِ

ومما أنشدَنيه قولُه من قصيدة له:

يَراعَك أمْضَى من شِفارِ الصَّوارِم

ورأيُك أجْلَى من يُراقِ المَباسِمِ

مَضاءٌ يقُدُّ المُرْهَفاتِ وعَزْمَةٌ

لها في ضِرامِ الخَطْبِ فعلُ الضَّراغِمِ

ومنها:

بسَيَّارةٍ مثلِ النُّجوم طوالعٍ

قوافِ لعَمْري أفحمتْ كلَّ ناظمِ

تَساقْطَ في الأسماع لُؤُلُؤُ لفظِها

تَساقُطَ طَلٍّ فوق زَهرْ الكَمائمِ

ص: 58

بقِيتَ لهذا المُلْكِ تحمي ذِمارَه

بسُمْرِ يَرَاع الخطِّ لا بالصَّوارِمِ

جنابُك محروسٌ وبابُك كعبةٌ

لبطْحائِها حَجِّى وفيها مَواسِميِ

وله أيضاً:

وكفى به جائراً في الحُكمِ ما عدَلا

لو كان يسمعُ في أحبابِه عذَلَا

وراح يُضُمِر سُلْواناً بخاطره

عن مَائِساتِ قُدودٍ تُخجِل الأسَلَا

بل كيف يصحو غَراماً أو يُفِيق هَوّى

مَن باتَ بالأحْور العيْنَين مُشتغِلاً

فما الهوى غيرُ أجفانٍ مُسهَّدةٍ

تهْمِي بقلبٍ بنيران الأسَى شُعِلَا

ولا الغرامُ سوَى وَجْدٍ يُكابِدُه

إلى الحِمَى يا سَقَى اللهُ الحِمَى نَهَلَا

حِمَى دِمَشْقٍ سقاها غيرَ مُفسدِها

صَوْبُ الغمام وروَّى روضَها عَلَلَا

حتى تظَلَّ بها الأرْجاءُ باسمةً

ويضحك النَّوْر أكمامِه جَذَلَا

وخصَّ بالجانبِ الغربيَّ مَنْزِلةً

لبِسْتُ فيها الشبابَ الرَّوْقَ مُقْتبِلَا

مَغْنى الهوى ومغاني اللهو حيث به

مَهاً إذا طلعتْ بدرُ السَّما أَفلَا

تلك المنازلُ لا شَرْقيُّ كاظِمةٍ

ولا العقيقُ ولا شِعْبُ الغُوَير ولَا

ديارُ كلِّ مَهاةٍ كم أقول لها

والصبُر ينْحَل في جسمي كما نَحَلَا

بما بِعْنِيكِ من سحرٍ صِلىِ دَنِفاً

يهْوَى الحياةَ وأمَّا إن صَددْتِ فلَا

اللهُ يعلم أني بعد فُرْقتِها

فارقتُ شَرْخ الصَّبا واللهوَ والغَزَلَا

ص: 59

ما كنتُ لولا طِلابُ المجدِ أهجرُها

هجْرَ امرئٍ مُغْرَمٍ بالرَّاح كأْسَ طِلَا

ولا تخيَّرْتُ أرضَ الرُّوم لي سكناً

ولا تعوَّضْتُ عنها بالصَّبَا بدََلاً

ولا امتَطْيتُ عِتاقَ الخيلِ راميةً

بِيَ الْمَوَامِي تجوبُ السَّهلَ والجبلَا

مِن كل مِرْفٍ يفوق الطَّرفَ سُرعتهُ

وسابحٍ مثل سِيد الرَّمل ما عَسَلَا

إذا تطلَّع من لُجِّ السَّرابِ يُرَى

بدْراً غدا بهلالِ الأفْقِ مُنْتَعِلَا

ومنها:

متى أتى بِيَ أرضَ الرُّوم مُنتجِعاً

روضاً أريضاً وماءً بارداً وكلَا

وقال بُشْراك روضُ الفضل قلتُ له

روضُ ابن بُستانِ مولانا فقال بَلَى

هو الجوادُ الذي سارتْ مواهبُه

تدعو العُفاةَ إلى نْعمائِه الجَفْلَى

ومنها:

وهاكَها من بناتِ الفكرِ غانيةً

شاميَّةَ الأصْل مهما سائلٌ سأَلَا

غريبة في بلادِ الرُّوم ليس لها

كُفْؤٌ سِواك فأنقِدْ مَهْرَها عَجَلَا

وكتب له أحبابه قصيدةً هَزَّت بنسيم عُتْهِا عِطْفَ آدابه، فأجابه بقوله، عفا الله عنه:

توشَّحَتْ كالنجوم الزُّهر في الظُّلَمِ

سِمْطيْن من لُؤُلُؤِ رَطبٍ ومن كَلمِ

وقلَّدت جِيدَ آرَام النَّقَا دُرَراُ

بزَّتْ بهنَّ دَرَارِي الأفْقِ بالقلمِ

وأقبَلتْ في مُرُوطِ الزَّهو رِافِلةً

تجرُّ تِيهاً فُضُولَ الرَّيْط من أَمَم

ص: 60

جيداءُ مصقولةُ القُرطيْن ماَئِسةُ الْ

عِطْفين مخضُوبةُ الأطْراف بالعَنَمِ

كأنها حين وأفَتْ والفؤادُ بها

صَبٌّ صُبابةُ شَرْخٍ مَرَّ كالحُلُم

فما الرَّياض بَكاَها الفطرُ

ليلَتَه بُكاءَ طَرْفٍ قريحٍ بات لم يَنَمِ

شوقاً لِطَيْفِ المُزْن فيه الأقحوانَ ضُحًى

عن ثَغْرِ مُبْتسِمٍ بالدُّرّ مُنْتَظِمِ

فالوُرْقُ صادِحةٌ والروضُ ضاحكةٌ

تغورهُ بَيْن مُنْهَلٍ ومُنْسجِمِ

تجاذِبُ الرِّيحُ أطرافَ الغصون بها

فتنْثَني والهوى ضَرْبٌ من اللَّمَمِ

يوماً بأحْسَنَ مَرْأى من شمائِلِها

وقد أتتْ بعِتابٍ من أخي كَرَمِ

مُهذّب القول إلا أنه أُذُنٌ

يُصْغى إلى قول واشٍ بالنِّفاق سُمِى

لا يعرفُ الوُّدُّ إلا مَذْقَ ساعته

والشَّاهدُ العَدْلُ ما يتلُوه من قَسَمِ

هيْهات ما الوُدٌّ ممَّن كنتُ أعهدَهُ

باقٍ وقد حال عن عهْدِي ولم يَدُمِ

فيالَه من عِتابٍ لم يَفُهْ أبداً

بمثْلهِ أحدٌ في سالفِ الامَمِ

سِوى امْرئٍ ساء ظنَّا في صنائِعه

فساءَ ظناَّ بخِلٍّ غير مُتَّهَمِ

وشاتمُ العرْض فيما قيل، كُنٌ فطِناً

مَن بلَّغ القولَ لا مَن ذاك عنه نُمي

لا يُعزَيَنْ ذاك للإحسان والنِّعَمِ

بل ذاك يُعْزَى لبُهْمِ القاع والنَّعَمِ

كم من أخٍ صارمٍ وُدِّي صبَرْتُ

حتى ارْعوَى ووِدادِي غُيرُ مُنصرِمِ

ص: 61

يا مَن تُعمِّر منه بيْتَ باطنِه

وظاهرُ الأمر أن البيْتَ لم يرمِ

يا مَن به مِن وِدادِي كلُّ خالصةٍ

أصفوُ بها صَفْوةَ الأخْلاقِ مِن شِيَمي

أصِخِ إلى القول وأسْمعْ ما أقول فَليِ

صَبْرٌ ركنُ رَضْوَي غيرُ مُنْهَدِمِ

قد كُنْتَ رَيْحانةَ العيْشِ التي بَسَقَتْ

أغصانُها في حِمَى المعروفِ والكرَمِ

فصَّوحتْ وذَوَى الغصنُ الرَّطيبُ فلا

دارٌ بَحزْوى ولا رَبْعٌ بذَي سَلَمِ

ولا مَعاجٌ على سِقْطِ اللِّوى وبه

جآذرٌ قد كَحلْنَ الوُدَّ بالسِّقَمِ

ولا على طلَلٍ دَمْعٌ يُراقُ ولا

يُؤَرِّقُ الجَفْنَ ذكرُ اْلبانِ والعلمِ

ولسلَمْ على حالَتيْ وُدٍّ وصَدْق وَلَا

ما زَان عِقْدَ نِظامِ جَوْهرُ الكَلَمِ

وكان له غلام تُعصَر من شمائله سُلافةُ اللّطَّافة هَمَّتْه في خِدمتِه خِفَّةُ النشاط إلا أردافُه، أحْلَى من ظَفَر عَانى، وألذُّ من حديث الأماني، لو قيل للحُسْنِ تَمَنَّ المُنَى. تمنَّى أنه مثلُه، لشغَفِه به سلَّم له قلبَه، فَسرى به رَبْطه وحَلَّه، فسلبَه منه الزمانُ أبو البدائِع، وما كلُّ خَرْفٍ إذا وَهَى له راقِع، فكتب إلى الشريف أمير الشام، يستعْدِيه على أعدائِه، وأقسم عليه بالحَمِيَّة الهاشميَّة الموْرُوثة من آبائِه، بقوله:

باللهِ يا نَشْرَ العَبي

ر سرَى بِرَوْضاتِ الغَرِيَّ

طاف المشاهدَ وانْثْنَى

نَشْوانَ مِن كأسٍ رَوِىِّ

ص: 62

وأقام بالزّوْراء مِنْ

ها في رياض الَخْابريِّ

مُتَنَزَّلِ الآى الكري

م ومَهْبطِ الوَحْي السَّنِيِّ

إن جئْتَ رَبْعَ الشَّام فاقْ

صِدْ ساحةَ الشَّرفِ العَليِّ

أعني الشريفَ ابنَ الشري

ف ابن الشريف المُوسَوِيِّ

مُتحمِّلا عِنِّي السَّلا

مَ كمِسْك دَارِين الذَّكِيِّ

لِجَنابِ مولانا الوزير

ر وَلِيِّ مولانا عَليَّ

ثم أشرَحَنْ مِن حالِ مو

لاه المحبَّ الطَّالُويِّ

ماذا لَقى في ثَغْرِ صَيْ

دا مِن دُرُوزِيٍّ غَوِيِّ

دينُ التنَّاسُخِ ديُنه

لا بل يَدِيِن بكلِّ غَيِّ

ويرى الطَّبائعَ أنها

فعَّالةٌ في كلِّ شَيِّ

وافَي بمكتوبِ الشري

ف إليه من بلدٍ قَصِيِّ

يُوصِية فيه كأنَّما

أوصاهُ في أخْذِ الصَّبيِّ

فسقاهُ يوم فِراقهِ

لا كان بالكأسِ الرَّوىِّ

وغدا الحشاَ مِن بعدهِ

يْبِكي بدمعٍ عَنْدَمِيِّ

في غُربةٍ لا يشْتكى

فيها إلى خِلٍّ وفيٍّ

لا جارَ يْحميهِ ولا

يأْوِي إلى رُكْن قَوِيٍّ

إلَاّ إلى رُكنِ الشري

ف الطاهر الشِّيَمِ الزَّكِيِّ

حامي حِمَى الشرع الشري

ف بكل أبْيَضَ مِخْذَميِّ

ص: 63

مولاي لي حقٌّ علْي

ك فجُدْ به من غْيرِ لَيِّ

بولاءِ حَيْدَرةَ الوَصِي

أخي النبيِّ الهاشِمِيِّ

لا تُهْمِلن مِن أخْذِ ثا

رِي من كَفورٍ بالنَّبيِّ

وابْعثْ إليه مَقانِباً

فيها الكمِيُّ على الكميِّ

لو حاربَتْ جُنْدَ القضَا

ءِ ثنَتْ سُراهُ عن مُضِيّ

جرَّافَةٌ لم تُبْقِ في

أَطْلالِه غيرَ النُّؤِىِّ

وأُشَيْعِثٍ ينْعِي الدِّيا

رَ مع ابن دَايَةَ في النَّعيِّ

قلتُ: هذا بُردْ سابِريّ أو سحرٌ سَامِرِيّ، تجري منه مياه الفصاحة، وتزهو من مُحَّياه أنوارُ الملاحة، وفيه نَفْحة عَلويَّة، وشِكايةمن ابن مَعْن، وهو من الطائفة الملحدة القائلين بالتَّناسخ، على رأي الحاكم بأمر الله، ويقال

ص: 64

لهم: دُرزِيّة نسبة لحسين الدُّرْزِيّ، وهو صاحب دعوة الحاكم، ومعنى الدُّرْزِيّ: الخيَّاط.

وقوله:) الوصي (هو عليّ رضي الله عنه، زعم الشيعة أن صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة للأمام عليّ رضى الله عنه حين تآخى معه في غَدِير خُمّ، وهو أمر مخالف لأهل السنة، إلا أن ممدوحَه كان يقول بذلك، فجرى في شعره على مُعْتْقَدِه، والله أعلم بالسَّرائر.

وقوله:) لو حاربت (غُلُوٌّ كان ينْبغي تركه.

و) الغَرِيّ (موضع بالكوفة، دفن فيه عليّ كرم الله وجهَه.

) والنُّؤِىّ (بضم النون والهمز، جمع نُؤْى، وهو ما يُحفَر حول الخِباء حتى لا يدخله المطر.

والمراد) بأُشَيْعِت (تصغير أشعث، الوَتِد؛ لأنه يشعَت إذا دُقَّ.

) وابن دَايَة (كُنْيَة الغراب، والمراد إنه لا يُبْقى لهم أثراً.

ص: 65

ومما أنشَدِنيه قوله، وقد أرسلها من الروم إلى الشام:

أنُسَيْمةَ الرَّوضِ المطيرِ

بالعهْدِ في زمنِ السُّرورِ

وأَنِيِقَ أيامِ الشَّبا

ب وعَيْشِه الغَضِّ النَّضيرِ

ووَثيقَ أيامِ التَّصا

بي يالَمَعْهدِها الخطيرِ

ومعاهدٍ كان الشَبا

بُ وشَرْخُه فيها سَميرِي

هوَّمْتُ فيه فصاح بي

داعي الصباح المُستَنِيِرِ

فطِفتُ أنظرُ منه في

أعْقابِ بَرْقٍ مُستَطيرِ

قد كان حسَّانُ المرا

بِع فيه حسَّانَ البُدورِ

أيامَ غُصنُ شبيبَتِي

ريَّان من ماءِ الغرورِ

وُذؤابتي شَرَك المَهَا

وحُبَالَة الظَّبْي الغَرِيرِ

حيثُ الشَّبيبةُ روضةٌ

غنَّاءُ صافيةُ الغديرِ

فَنَّاءُ رائدُها المَهَا

ةُ الرُّودُ من رِيمِ الخُدورِ

من كلِّ مُخْطفة الحشَا

كأخِى الرَّشا أختِ الغَرِيرِ

طلعَتْ بليل ذوائبٍ

أبهْى من القمرِ المنيرِ

بيْضَاءَ وشَّحَت التَّرا

ئبَ والنُّحورَ من الثغورِ

فكسى معاطِفَها الشَّبا

بَ الرَّوْقَ حسَّانُ الحَبِيرِ

تمْشِي أنَاةَ الخطْوِ في

ها رَوْعةُ الظَّبْيِ النَّفُورِ

ص: 66

قوِيتْ على قْتلِي وفي

ألْحاظِها ضَعْفُ الفُتورِ

وبما جرَى يومَ النَّوى

من دُرِّ مَدْمِعها النَّثيرِ

كالعِقْد أسْلَمه النِّظا

مُ من التُرائبِ والنُّحورِ

وبوَقْفةِ التَّوديعِ والْ

أَنْفاسُ تَصْعَد بالزَّفيرِ

ويَدُ الفِراق تشبُّ في الْ

أحشاءِ نِيرانَ السَّعيرِ

إلَاّ سَرَيْتِ مع الصَّبا

يا نَسْمةَ الروضِ المطيرِ

فاجْتَزْتِ من أرض العرا

قِ على الَخْوَرْنقِِ والسَّديرِ

ووقفتِ بالزَّوراءِ وَق

فةَ زائرٍ أوفى مَزُورِ

وحملْتِ للكرْخِ التَّحِيَّة

من أخِى شجَنٍ أسيرِ

ونزلتِ من نهر الأُبُلَّ

ةِ والصَّراةِ على شَفِيرِ

وأقمتِ في شطَّ الفُرا

تِ بمُلتَقى العذْبِ والنَّميرِ

وسمعْتِ هَينَمةَ الرِّيا

ض وصوْتَ جائشةِ الخريرِ

ص: 67

وجذَبْتِ في تلك الحداِ

ئقِ طَوْقَ ساجعةِ الهَدِيرِ

خُفَّتْ بسَرْوٍ كالقِيا

نِ تلفَّعتْ خُضْرَ الحريرِ

ولثَمْتِ خدَّ الروضِ في

هـ نباتُ رَيْحان طَرِيرِ

وثنَيْتِ عِطْفك والصّبا

حُ يكاد يُؤذِنُ بالسُّفورِ

وأتيتِ بابل فاصْطَبَح

تِ بمثل مصباح منيرِ

يُغْنِيِك مُتْهِمَةً ومُنْ

جِدَةً سناها عن خَفيرِ

ثم انبريْتِ مع الجَنُو

ب وحُدْتِ عن مَسْرَى الدَّبُورِ

حتى نزلْتِ على الأرا

كَةِ أو رسَيْتِ على ثَبِيرِ

فسقطتِ مِن أرض الخُزَا

مَي والبَشاَمِ على الَخبِيرِ

وطلْعتِ نَجداً والدجى

يُسْتَلُّ من أثواب قِيرِ

ومشيْتِ فوق عَرَارِه

ما بين حَوْذانٍ وخِيرِ

وهبَطتِ غَوْرَ تِهَامَةٍ

والشُّهبُ مالَت لِلغوير

ونزلْتِ في سَفْحِ الأرا

كِ وشُفْتِ زاهيةَ البريرِ

ص: 68

وسلكَتِ من وادي العِقي

ق منابتَ العَجَم الشَّكِيرِ

وأمَلْتِ فيه ذوائبَ ال

أغصانِ من طَلْحٍ نضيرِ

وهصَرْتِ باناتِ النَّقا

هصْر الرَّوادف للخُصورِ

فحملْتِ منها من غَوا

لي المِسْك فاغِيةَ الزَّهورِ

وعبرْتِ دَارِيِنَ العطا

رِ وشِمْتِ غالِيةَ العبيرِ

وازْدَدتِ من أرَج الكبا

ءِ ورَنْدِه عند المسيرِ

وجَزَعْتِ وادي الشَّحْر ليلاً وانثنَيْتِ مع البُكورِ

والصبحُ يخطُر في الدجْى

كالوحْيِ يخطُر في الضميرِ

والنَّسْر فيه واقعٌ

خوفَ الصباح لدى الوُكورِ

وكواكبُ الجوْزاءِ مُمْ

سكةُ الأعِنَّة عن مسيرِ

خافت سُهَيْلا فانتضَتْ

سيفاً من الشِّعْرَي العبورِ

ص: 69

والنجمُ يهْوي للغرو

بِ كأنه كفُّ المُشيرِ

فهبطْتِ رَبْع الشامِ دا

رَ اللَّهْو بل مغْنى السُّرورِ

ونزلْتِ بالوادي المقدَّ

سِ شاطئاً غيرِ الشطيرِ

وخطَرْتِ من بطْحاءِ وا

دي النَّيِربَيْنِ على الصخورِ

ووقَفْتِ في تلك الرُّبى

ما بين روضٍ أو غديرِ

وقرأْتِ سُكَّانِ القصو

ر بها السلامَ بلا قُصورِ

لا سِيمَّا شيخِ العلو

م مفيدِ أربْابِ الصُّدورِ

شمسِ الهدايةَ والدِّرا

ية شيخِ جامِعها الكبيرِ

كشَّافِ أسرار البلا

غةِ عُمْدةِ الفتْحِ القديرِ

مُعلىِ منارَ الشّرعِ مُغْ

نى المُعتَفِى كنزِ الفقيرِ

ورئيسِها قاضي جما

عتِها المُحكَّمِ في الأمورِ

الفاضلِ اللَّسِن المفُوّ

هِ والمُنزَّهِ عن نظيرِ

أعْنِي به القاضي مُحبَّ

الدِّين ذا الرأيِ المنيرِ

مَوْلَى أراعَ يَرَاعُه

قلبَ الطُّروسِ مع السُّطورِ

ببديع وشْيٍ مُخجِلٍ

وشْيَ البديعِ أو الحَرِيرِي

وأبى الضِّياَ حسنِ حلي

فِ الفضلِ والأدبِ الغزيرِ

عجَباً له فاق الأوا

ئلَ وهو في الزّمنِ الأخيرِ

أدبٌ يروقُك مثلُ زه

رِ الروضِ غِبَّ حَياً مطيرِ

ص: 70

ومنها:

ومُشيَّدِي أرْكانها

أمراءِ مُعلمِها الخطيرِ

منهم جَنابُ الطَّا

لُوِيّ سليلُ أرْتَقَ ذِي السَّرِيرِ

مُحْيِي مكارمَ حاتمٍ

بين الأنام بلا نَكيرِ

والمنجَكِىُّ مُحمدُ السَّ

امِي على الفَلَكِ الأثِيرِ

فهو الأميرُ ابن الأمي

رِ ابن الأميرِ ابن الأميرِ

ذكَرتْهُمُ الأنواءُ ذِكْ

رِى بالعَشِيَّ وبالبُكورِ

وكساهمُُ خُلَعَ الشبا

بِ الرَّوْقِ مُقتَبلُ الدُّهورِ

وقد عارض بهذه القصيدة ما في) الحماسة (وللناس على مِنوالها قصائدُ كثيرة، أحسنها ما للشَّريف الرَّضِيّ:

نطَق اللسانُ عن الضَّميرِ

والسِّرُّ عُنْوانُ الصُّدورِ

وعلى مِنْوالها لأبي بكر الخُوَارَزْمِيّ قصيدةٌ، مطلعها:

إن الأُلى خَلْفَ الخُدورِ

هم في الضَّمائرِ والصُّدورِ

وقع الغُبارُ عليهمُ

فغدا يَتِيه على العبيرِ

ص: 71

لمَّا مشَيْن على الثَّرى

تاهَ الترابُ على الأثيرِ

يا سائِلي مَن في الهوا

دجِ والبَراقعِ والستُّورِ

فيها الرَّضاعُ من الِمنَّية والفِطامُ عن السُّرورِ

وأنشدني من قصيدة أخرى له:

ذكر العقِيقَ فسال في أجْفانه

فاشْتفه وجداً إلى سُكَّانِهِ

واشْتَمَّ في ريح الصِّباَ

فصباَ حليفَ جَوًى إلى أوطانِهِ

وشجاهُ مسجورَ الفؤادِ إلى الحِمَى

وُرْقٌ سواجِعُ هِجْنَ مِن أحزانِهِ

تملى من الورق الغرام وطالمَا

دُرِستْ فنونُ العِشْق من أفنْاَنِهِ

فيهِنَّ سالِمةُ الحشاَ من لوعةٍ

لم تَدْرِ طعمَ الوصلِ من هِجْرانِهِ

تمسِي وتصبحُ في أرائِكِ أيْكِها

مع إلْفِها والعمرُ في رَيْعانِهِ

ترْتادُ أرضَ الشامِ أخْصبَ منزلٍ

حيثُ العَرارُ صفاَ إلى حَوْذَانِهِ

حيثُ المغاني مُشرِفاتٌ بالدُّمَى

والغانياتُ يطُفْنَ حول مغانِهِ

في ظلَّ مُنْبَجِس اللُّجَيْنِ جرى به

ذهبُ الأصيل يسيلُ من عِقْياَنِهِ

أحْوَى الظِّلَالِ كان سُمرَتَهُ لُمًى

عذْبٍ المراشِفِ نَدَّ عن غزْلانِهِ

بَيْناَ تردَّد فيه من عذْبٍ إلى

عذْبٍ يتُوق إلى العُذَيْبِ وباَنِهِ

مع صَفْوِ عيشٍ إذ رمَتْها نِيَّةٌ

للرُّوم فاجَتْها يُسود رِعانِهِ

ص: 72

هبطَتْ بها الأقدارُ أرضاً لم يكُنْ

فيها نزولُ الوَحْيِ مَعْ فُرْقانِهِ

سوداءُ مُظلمِةُ الرِّحابِ كأنها

قلبُ الحسودِ علَتْهُ ظُلْمةُ رَانِهِ

فغدَتْ تَنوُحُ على البلادِ بمَدْمَعٍ

سَحٍّ يُباَرِي الغيْثَ في تهتْاَنِهِ

مأسورةَ القلبِ المُعنَّى من جَوًى

مسجورةَ الأحشاءِ من نِيرانِهِ

تبْكيِ إذا ذُكرِ الحِمَى حيث الحِمَى

روضٌ تُغرِّد في ذُرَى أغْصانِهِ

تنْفَكُّ تنثُر لؤلؤاً من أدمُعٍ

كالدُّرِّ يُنْظَم في سُمُوط جُمَانِهِ

حتى ترى روْضَ الحِمَى أو تجْتلِي

روضَ ابن بُستانٍ وحيدِ زمانِهِ

ذو رُتْبةٍ في المجدِ رامَ بلوغَها الْ

فَلَك المُحيطُ فلَجَّ في دوَرانِهِ

سبقَته فاستْعدَى عليناَ طاوياً

لصحائفِ الأعمارِ في سَرَعانِهِ

وله من أخرى:

لي فيكمُ كدَرَارِي الأُفْقِ سائِرةٌ

هِيِ اللآَّلِئُ ألا أنَّها كَلِمُ

مِن كلَّ شامخةِ العِرْنيِن تَحسَبُهُاَ

في الشَّعر ليْثاً لها من نفْسِها أجَمُ

تبْقَى على صفحاتِ الدهر خالدةً

كالأنجُمِ الزُّهْرِ عِقْداً ليس ينْفَصِمُ

أو غادةٌ حسنُها قَيْدُ النَّواظرِ في

ألْحاظِها سَقَمٌ في أنفِها شَمَمُ

وله من أخرى:

حِمَى الشَّام جادَ الغيثُ ما حلَّ تُرْبَه

مغانيِ الهوى فيها مغاَنيِ أحبَّتِي

وباتتْ بأَغلَى النَّيْرَ بَيْنِ مع الصَّبا

تطارحُها ذِكْرى عهودٍ بربَوْةِ

ص: 73

على نَهَرٍ حَصْباؤُه الشُّهْبُ قد جرى

خِلالَ سَمَا رَوْضاتَها كالمجرَّةِ

يجاوبُ تَسْجاعَ الحَمامِ خَرِيرُه

فتُصغِي له الوَرْقاءُ من فَوْقِ أيْكَةِ

ولله دَرُّ أبي الحكمِ، في قوله في هذا المعنى:

وتحدَّث الماءُ الزُّلال مع الحصَى

فجرى النَّسيمُ عليه يسمعُ ما جرَى

فكأنَّ فوق الماء وَشْياً ظاهراً

وكأنَّ تحتَ الماءِ سِرُّا مُضْمَرَا

وقوله من أخرى:

بَيَاضُ طِرْسِ جرى ذَوْبُ النُّضَارِ على

لُجَيِنِه بلآلٍ حيَّرتْ فِكَرِي

كاللُّؤلؤِ الرَّطْبِ إلا إنها فِقَرٌ

غيرُ الأديب إليها غيرُ مُفتقِرِ

ومنها في السُّفُن:

ركائبٌ ليس ترْضَى بالجديلِ أباً

لكنها من بناتِ الماءِ والشَّجرِ

شُمُّ العَرانِين دُهْمٌ ما بها وَضَحٌ

إلا نُجومُ الَّياليِ مَوْضِعَ الغُرَرِ

ما زلتُ أجِدفُ طُوفانَ الخُطوب بها

وأتَّقِي حادثَ الأيامِ والضَّررِ

ومنها:

خُذْها فدَتْكَ نفوسُ الشِّعر قاطبةً

فقد علَتْهُ بمدحٍ فيك مُبتَكَرِ

طائِيَّةُ الأصلِ إلا أنها نشَأتْ

برَبْوة الشّامِ في روضٍ على نَهَرِ

ص: 74

ورأى نَيْلَوْفَرَة صدَفَاً لِدُرَ السحاب، وحُقَّه لجوهر النَّدى المُذاب، كأنها بَوْتَقة أذابَ بها الجوُّ نُضارَه، أو كأسٌ في يد مُصْطبِح يُداوِي بها خُمَاره، أو مقلةُ صَبٍّ كئيب قد فَجأة على الغفْلةِ الرَّقيب، بعد ما امتلأتْ بدمعِ الهوى، وتردَّد فيها الدَّمعُ من حَيْرة النَّوى، وقد طفَا عليها الماءُ الزُّلال، فبلغ حافاتِها وما سال، بل لِخَشْية فراقِها، تشبَّثَ بأهْداب أوراقِها، فقال مُضِّمناً وأجاد:

ونوفرةٍ كعين الصَّبِّ شَكْرَى

تَجُمُّ الماء خشيةَ أن يُراقَا

ذكرتُ لها النَّوى يوماً ففاضَتْ

وصارت كلها للدِّمعِ ماقَا

) وشكري (بشين معجمة بمعنى ممتلِئة، وهو من قصيدة للمُتَنَبِّي، أوّلها: نظرتُ إليهمُ والعين شَكْرَى فصارت.........الخ وأنشدني له أيضاً:

شامَ بَرْقَ الشَّامِ بالرُّومِ خدوعا

فانبرَتْ أجفانهُ تذْرِى الدُّموعَا

هَبَّ من عَلْيا دِمشْقٍ مُوهِناً

هَبَّةَ المِصْباح في الليل ذَرِيعاً

جَزَع الآفاق في هَبَّتِه

وأتى الرُّومَ سُرَى الأيْم جزوعا

خفَقت راياتهُ في أُفْقِه

خَفَقَان القلبِ قد أمسى مَرُوعَا

وقعتْ شُعلتُه وَسْط الحشا

وسَنَاه طارَ في الجوَّ رفيعاَ

ص: 75

ليس يدْرِي وَقْعَها غيرُ شَجٍ

فارق الأوطانَ مثلِي والربُّوعَا

أو مُعَنَّى بهوَىً تَيَّمَهُ

من غزالٍ لراح للوصلِ مَنوُعَا

يُخجِلُ الشمسَ سناهً وسناً

ومَهاةَ الرَّمل جِيدا أو تَلِيعَا

أسْهَر الجَفْنَ خَلِيَّا عن كَرًى

مُقْلَةً لا تَطعَمُ النومَ هُجوعَاً

كيف يكْرَى ناظرٌ فارقَه

ناضِر العيشِ من اللَّيلِ هَزِيعاً

وشبابٌ شَرْخُه مُقتبِلٌ

كان للصَّبِّ لدى الغِيدِ شَفيعَا

لم يكن ألا كحُلْمٍ وانْقَضَى

أو خيالٍ في الكرى مَرَّ سريعَا

أزْمَعَتْ حسْرتهُ لا تنْقضِى

آهِ ما أسرعَ ما ولَّى زَمِيعَا

لستُ أرضى منه بالسُّقْياَ له

وسحابُ الْجَفْن يسْقيه النَّجَيعَا

والذي هاج الهوى قُمْرِيَّةٌ

بالضُّحَى تهتِفُ بالأيْكِ سَجُوعَا

كلما ناحَتْ على أفْناِنها

هاجَت الصَّبَّ غراماً ووُلوعَا

وإذا عنَّتْ له غَنَّت له

ذكَر الشَّامَ فزادَتْه صُدُوعَا

يا سقىَ اللهُ حِماها وابِلاً

مُسْبَل الطَّرفِ من الغيْثِ هَمُوعا

حيث رَبْع اللهو منه آهِلٌ

والغواني في مغانِيها جميعاَ

كل رُودٍ لبستْ شَرْخَ الصِّبا

وهَوًى إن تدْعه لبَّى مُطِيعَا

كم لنا فيعنَّ من بَهْنَانةٍ

وَلِعَ القلبُ بها خُوداً شَمُوعَا

ص: 76

لستُ أنْسَى ساعةَ التَّوديع إذْ

وقفَتْ في موقفِ البَيْن خُضوعَا

وهْيَ تَذْرِي لؤلؤاً من نَرْجِسٍ

فوق وَرْدٍ كاد طِيباً أن يَضُوعَا

علِقتْ ذَيْلي وخانَتْها الهوى

فانثَنتْ من وقفةِ البَيْن صَريعَا

وأفاقَتْ وبها حَرٌّ الجوَى

ثم قالتْ وشكَتْ دهراً خَدُوعَا

لا رعَى اللهُ المعالي مَطلَباً

كم نرى صباَّ بها مُغْزًى وَلُوعَا

كنت لي بدراً منيراً فاخْتفى

في سِرارٍ بعد ما سَرَّى طلُوعَا

وشباباً لاح بَرْقاً عندما

أشعلَ الرَّأْسَ سَناً راح سريعَا

أيها الظاَّعنُ والقلبُ على

إِثْرِه مذ سار ما زال هَلُوعاَ

لا تكنْ للعهد بعدي ناسياً

يا حياتي واعْطِفَنْ نحوي رُجوعَا

وهي طويلة، ذكر فيها تغرُّ بَه بالروم، واشتياقَه للشام.

ص: 77