الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيخ الإسلام عماد الدِّين الْحَنَفِي الشَّامِيّ
ماجد طويل النِّجاد، له بيت كرمٍ رفيعُ العِماد، من غير قَدْحٍ فيه وارِى الزِّناد، ممن رُفِع فوقَ هامة السِّماك مِهادُه، إذا شُيِّد بيتُ الشِّعر وعُمِّر رَبْعُ الأدب فهْو عمادُه، وإذا بدَى ربيعُ طَبْعه نشَر على البقاع وشَائِع، يُحْيي دارسَ الفضلِ فيُصبِح وهو مشهورٌ بها وَشائِع، وجواد قَرِيحتِه مَلآْن العِنان، سبَّاق إلى مغارِس قُصُب الرِّهان، بعَذْب مشرَب كأنه جَنَى النَّحل ممزوجاً بماء الوقائِع، فما رِيح الشَّمال وما الرَّاح الشَّمول، وما وَجَنات الورْدِ خَمَشَتْها راحةُ القبول.
له لُطْفُ خُلُقٍ يسْعَى اللطفُ لينظُر إليه، ورقيقُ محاسن يقِف الكمالُ متحيِّراً لدَيْه، ألذُّ من إغْفاءِة الصَّباح، وأحْلَى من مذاقِ الظَّفَر من ثَمرات النَّجاح.
وأنا وإن لن تقَعْ لي عليه عَيْن، فسماع الأخبار إحدى الرُّؤيتَيْن، على أنِّي إن لم أرَ الأسدَ فقد رأيتُ شِبْلَه، وسيأتي ما بْيني وبينه من المحبَّة والخلَّة، لمَّا قِلْتُ بظلِّ الشَّام، في روضة أطلَّت على نَهَر تَفْتَرٌّ مباسِم النَّوْر فيها عن لآلئِ المطر.
وكان صَدْراً لكلِّ نَاد، حتى قرَض الدهرُ منه رفيعَ العِماد:
وزهْرةُ الدنيا وإن أيْنعَتْ
…
فإنَّها تُسْقَى بماء الزَّوال
وللطَّالُوِيّ فيه مدائح وبينهما محاورات، منها قوله:
عهدَ السرورِ ورَيْعانَ الهوى
…
النَّضِرِ سقاكَ عهدُ الحَيَا رَقْراقَ مُنحِدرِ
وجاد رَبْعَك وَسْمِيٌّ تُكرِّرُه
…
رِيحُ الصَّبا بين مُنْهَلٍّ ومُنهمِرِ
وغرَّدتْ برُباكَ الوُرْقُ وابتكَرتْ
…
بلَحْن مَعْبَد تتلُو طَيِّبَ الخَبرِ
ولا برحتَ مغان للحِسان ولا
…
رمَتْك أيدِي النَّوى بالحادثِ الغَدِرِ
ولا أغَبَّتْكَ أرواحُ النَّسيم ولا
…
عَدَتْ مغانِيكَ أخْلافٌ من المطرِ
كم لي بها وشَبابي الغَضُّ مُقتبِلٌ
…
من منْزلٍ آهل بالشوقِ والذّكرِ
كم اجْتلَيْتُ بدوراً من مطالِعها
…
قد لُحْنَ تحت سناءٍ من سنَا قمرِ
من كلِّ رُعْبُوبٍةَ تهْفُو بمُصْطَبَرِي
…
قد زانَها الحسنُ بين الدَّلِّ والخَفَرِ
وَودٌ كسَتْها يدُ الأيَّام ثوبَ صِباً
…
وصيَّرتْها الليالي فِتنَةَ البشرِ
هيْفاءُ صَبَّ الصِّبا ماءَ الشبابِ على
…
أعْطافِها وكساها حُلَّةَ الخفَرِ
قامت تُعانِقُني عند الوِداع وقد
…
قلَّدْتُها من دموعي رائِقَ الدُرَرِ
تقول والبَيْن تغْشاها ركائبُه
…
بمَدْمَعٍ فوق روضِ الخدِّ مُنْحدِرِ
لا تعتِبِ الدهرَ إن حالَتْ خلائقُه
…
فصَفْوُ رَوْنَقِه لم يخْلُ من كَدَرِ
وإن تَرُمْ تتَّقى من صَرْفِه نُوَباً
…
فالْجأْ لظلِّ عماد الدِّين تسْتتِرِ
مولَى غدَا رَبْعُه أمْنَ المَرُوعِ كذا
…
جنابُه ظلَّ مأوَى الخائفِ الْحَذِرِ
لا زال يسمُو إلى العَلْياء مُرتقِياً
…
بسُؤُدَدٍ مجدُه عالٍ على الزُّهرِ
حتى امْتطَى صَهَواتِ المجدِ ساميةً
…
يخْتالُ في حُلَلِ الأوْضاحِ والغُرَرِ
بهِمَّةٍ تُجْتَلَى كالليثِ ذا أشَرٍ
…
وعَزْمْهٍ كمضاءِ الصَّارمِ الذَّكرِ
ما فاضلٌ قطُّ جارَاه إلى أمدٍ
…
في البحْثِ ألا انْثَنى بالعِيِّ والحصَرِ
أقْلامُه السُّمْرُ في بِيض الطُّروسِ إذا
…
سمَتْ أرَتْكَ فِعالَ البِيضِ والسُّمرِ
له سجاياَ كزَهْرِ الروضِ غِبَّ نَدًى
…
وقد تَوشَّحَ بالأبهارِ والغُدَرِ
يْلقاكَ طَلْقَ المُحَيَّا وهْو مُبتسِمٌ
…
بمَنِطقٍ وِرْدُه أحْلَى من الصَّدَرِ
ما الروضُ جادَتْ له الأنْواءُ بالبُكَرِ
…
فكلّلَتْ دَوْحَهُ الْمُخْضَلَّ بالزَّهَرِ
جادَ الغَمامُ له سَحَّا بوابِلِه
…
وقد كسَتْه الصَّبا من رِقَّةِ السَّحَرِ
تخالُ زَهْرَ الأقاحِي في خمائِلِه
…
زُهْرَ الْمَجَرَّة صِينَتْ عن يَدِ الغِيَرِ
يَشدو الْحَمامُ على أغْصانِهِ سحَراً
…
فيَبعثُ الشَّوقَ في أحْشاءِ مُستعِر
يا فاضلاً قد جلَت أبكارُ فِكْرَتِه
…
غُرَّ المعاني بها في أحْسنِ الصُّوَرِ
يا ابنَ الكرامِ ومَن شادُوا بعزْمِهمُ
…
ركنَ العُلا سامياً في سالِفِ العُصُرِ
يا عِماداً لِبَيْت الفضلِ يرفُعه
…
وكان من ضَعْفِه يُلْقَى على خَطَرِ
إلى ذُراك انْتَمَتْ فاقْبَلْ على دَخلٍ
…
نسِيجَها يا رئيسَ البدْوِ والحَضَرِ
لا زالتَ في نِعمةٍ تسمُو بسُؤُدَدِها
…
هامَ السِّماكيْن حيث النَّسْرُ لم يطِرِ
ما ناح بالأيْك قُمْرِيٌّ وما سجَعتْ
…
وُرْقُ الحمائم بالآصالِ والبُكُرِ
فأجاب رحمة الله وأجاد بقوله:
أحَلْىُ حَوْراءَ أم عِقدٌ من الدُّرَرِ
…
أم زَاهِرُ الزُّهْر أم زَاهٍ من الزَّهَرِ
أم الحُبابُ على راحٍ مُروَّقةٍ
…
أم نَفْثةُ السِّحرِ ذِي أم نَسْمةُ السَّحَرِ
أم نظمُ دُرٍّ زَهَتْ آياتُ منْطقِة
…
فأعْجَزتْ كلَّ ذِي نظْمٍ ومُنتثِرِ
يا نافثَ السِّحرِ مِن فِيه بمُعجِزَةٍ
…
عقَدْتَ ألسُنَ أهل البدوِ والحضَرِ
ويا مُديراً سُلافاً من بلاغِته
…
هلَاّ ترفَّقْتَ بالألبابِ والفِكَرِ
ويا أبنَ طَالُو وإن طال الزَّمانُ فما
…
لنا بلوغٌ إلى عَلْياك فاقْتصِرِ
أخذْتَ فَصَّ المعاني من معادنِه
…
وغُصْتَ في أبْحُرِ الآدابِ الدُّرُرِ
وحُزْتَ جَمْعَ المزايَا وانْفرَدتَ بها
…
ولم تدَعْ للسِّوَى شيئاً ولم تذَرِ
وجئتَ من كلِّ معنًى رائقٍ حسَنٍ
…
بكلِّ ما قد خلَا في الذَّوْقِ والنَّظَرِ
كأنه ضرْب قدٍّ شَابَهُ شَنَبٌ
…
بكلّ ما قد خلَا في الذَّوْقٍ والنَّظَرِ
وقد شهِدْنَا بما أُوتيتَ مُعجِزةً
…
جَمْعَ الفضائلِ في فَرْدٍ من البشرِ
أهْدَيْتَ لي غادةً جلَّتْ محاسنُها
…
وقد تجلَّتْ لنا في أحْسَنِ الصُّوَرِ
رعْبُوبةً من بَناتِ البدوِ مذ خطَرتْ
…
لبي بها صار مِن وَجْدي على خَطَرِ
حيَّتْ فأحْيَتْ بألفاظٍ مُنَّمقةٍ
…
وغازَلتنا بلُطفِ الدَّلِّ والخَفَرِ
وأسفَرتْ عن سنَا بَرْقٍ وعن شَفَقٍ
…
وعن ضِياءِ وعن شمسٍ وعن قمرِ
زارَتْ على حينِ إشْرَاقٍ لبَهْجَتِها
…
ومتَّعتْنا بذاكَ المنظرِ النَّضِرِ
وضَاعَ عَرْفُ شَذاها عندما برَزتْ
…
مِسْكاً وعطَّرتِ الآفاقَ بالقُطُرِ
سألْتُها قُبلَةً أَطْفِي بها حُرَقاً
…
شبَّتْ بقلبٍ شديدِ الوَجْدِ مُستعِرِ
فأوْمأت لِشتِيتٍ زانه شَنَبٌ
…
وأنعَمت بلذيذِ الوِرْدِ والصَّدَرِ
ونادَمتْني بليلٍ قد سُرِرتُ به
…
لكنِّه ساءَني واللهِ بالقِصَرِ
وبتُّ أُنْشِد مَدْحاً في محاسنِها
…
ما قالهَ شاعرٌ في سالِف العُصُرِ
ياَ نُزْهَةَ النَّفسِ يا مَن زانَ مَنطِقَها
…
قُسُّ بنُ ساعِدَةَ المشهورُ في السِّيَرِ
خُذْها إليْكَ وإن كانتْ مُقصِّرةً
…
فشأْنُ مثلِك سَتْرُ العَيْبِ بالسُّتُرِ
وإن تكُنْ أوْجَزت في المدحِ مُقصِّرةً
…
فالعَذْبُ يُهجَرِ للإفْراطِ في الْخَصَرِ
وإن تكُنْ من بديعِ القولِ عاطِلةً
…
فقد تحلَّتْ بِعقْدٍ من مديحِ سَرِي
فاعذُرْ فإني تركْتُ الشِّعرَ مِن زمنٍ
…
لشاغلٍ عنه غَشَّي مُقلَةَ الفِكَرِ
لا زِلتَ تسمُو على الأقرانِ مُرتدِياً
…
ثوبَ البلاغةِ في أمْنٍ من الحَصَرِ
ما طرّز الطّرْسَ تّنمِيقْ اليراع بما
…
يزْهو على الرّوضِ أو يعلْو على الزّهَرِ
أو شبَّبَ المادحُ المُطْرِي بَمدْحِكَ في
…
بيْتٍ من الشِّعرِ في رَوْضٍ على نَهَرِ