الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معروف الشَّامِيّ
هو ممَّن اتسم بالأدب في الحديث والقديم، وسَرَى ذكرهُ كما سرى من الرياض النَّسيم، فسَمَتْ مقاصِدُه، وعَذُبتْ مصادِرُه وموارِدُه فليس للرَّبيع نَضارةُ تلك الشِّيَم، ولا للغْيثِ شِيَمُ ذلك الكرَم، فرَوْضَةُ مآثرِه يانعة الزَّهْر، ونُسخةُ محاسنِه مُخلَّدةُ في صحائفِ الدَّهْر.
لا زال جَدَثُه روضةً من رياض الجِنان، ومَنزِلاً تحُلُّ فيه قوافلُ الغُفْران، ما بكَى المطَرُ لِفراق الغَمام، فضحِك النَّوْرُ على بُكائِه في الأكْمام.
فمما أنشدتُ له قوله:
يا مُفرَداً أضْحَتْ ظواهرُ شأْنِهِ
…
ما فوقَها في الحُسْنِ غيْر المَخْبَرِ
يا سالباً فلبي الشَّجِيْ وما اشْتَكى
…
منه الجفاءَ إلى السَّميع المُبصِرِ
مِنِّي إليكَ مع النسَّيمِ تحيَّةً
…
فتَقتْ نوافِجُها بمِسْكٍ أَذفَرِ
مِن مَنْطقٍ يزهُو بحسنِ بَرَاعةٍ
…
تُزْرِي حلاوتهُ بطَعْم السُّكَّرِ
فكأنَّها وكأنَّه وكأنَّها
…
من جَوْهرٍ في جَوْهرِ جَوْهرٍ
يُبدِي التَّداخلَ في الجواهرِ عَنْوةً
…
لبَصيرةِ المِقْدامِ لا المُتَحَيِّرِ
فكأنَّما قِرْطاسُها أسرارناُ
…
والبَيْنُ بينهما سَوادُ الأسْطُرِ
أرجُو على قُرْبِ المَزَارِ يُقرَّب الْ
…
بارِي تعالى مَوْرِدي من مَصْدَرِي
في ذلك الشَّرفِ المُعَلّى المُنّتهى
…
طَربُ المشُوقِ وجَنّة المُتّذَكِّرَ
) ونقلِ لي عنه فصلٌ في كَحَّال، صورته (فلان انْتَهى إلى فوق ما يُضرَب به المثَل، إن قيل يَسْرِق الكُحْلَ من العَيْن، فهذا يسرِق العيْنَ من الكُحْل، فقد أوْدَع كُحلَه حُزْنَ يعقوب، فمن كُحِل منه ابْيَضَتَّ عيْناه، وجحَد مُعجزةَ القميص اليُوسُفِيّ، فلو مَرُّوا به على ناظرِ تقرَّح جَفْناه، وهو من الذين إذا رَفَعوا أمْيالَهم فإنما هي لعَيْن الشمسِ، ولشَمْس العين مِزْوَلة، وإذا أوْلَج أحدُهم المِيلَ في المُكْحُلَة، فهو أولى بالرَّجم ممَّن أوْلَج المِيل في المُكْحُلة انتهى.
وأنا أظنُّ أن هذا من كلام القاضي الفاضل.
ومن هذا قولُ مِهْيار، في طبيب كَحَّال:
أفْنَى وأعْمَى ذا الطبيبُ بطِبِّه
…
وبكُحْلِه الأحْياءَ والبُصَراءَ
فإذا نظَرتَ رأيتَ من عُمْيانِه
…
أمماً على أمْواتِه قُرَّاءَ
ومنه أخذ الزغاري قوله:
أعْمَى الورَى بكِحالهِ
…
والموتُ من وَصفاتِهِ
فكثيُر من عُمْيانِهِ
…
يقرَا على أمْواتِهِ
وإنما خصُّوا العُميان بالقراءة؛ لأنهم معروفون بكثرة الحِفظ، وقد قيل: إنه ما أخذَ اللهُ من عبدِه حاسَّة إلا نقَل قُوَّتَها لغيرِها.
ولابن عُنَين:
لو أنَّ طُلَاّبَ المطالبِ عندهُمْ
…
عِلْمٌ بأنَّك للعُيونِ تُغَوِّرُ
لأتَوْا إليكَ بكلِّ ما أمَّلْتَه
…
منهُم وكان لك الجزاءُ الأوْفرُ
ودعَوْك بالصَّبَّاغ لمَّا أن رأَوْا
…
يغشَى لدَيْك ماءٌ أصْفَرُ
وبِكفَّكَ المِيلُ الذي يَحْكِي عَصَا
…
مُوسَى فكم عينٍ به تَتَفَجَّرُ
ولمحمد بن الأكْفَانيّ:
ولقد عجِبْتُ لِمَن أتَى بالكِيِميَا
…
في كُحْلِه إذ جاءَ بالشَّنْعاءِ
يُلْقِي على العينِ النُّحاسَ يُحيِلُها
…
في لَمْحةٍ كالفِضَّةِ البَيْضاءِ
وأحسن منه قولي:
كُحْلُ كَحَّالِنا غدَا إكْسِيرَا
…
منه قد عَلَّم الورَى الكِيميَاءَ
فحَديدُ الأبصار يُلْقَى عليه
…
عادَ في الحالِ فِضَّةْ بَيْضاءَ