الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بهاء الدين) محمد (بن الحسين العَامليّ الْحَارثيّ
الشَّامِيّ أصلا ومَحْتِدا، الفَارِسيّ مَنشَأَ ومَولِداً.
فاضل لَمَعَتْ من أُفْقِ الفضلِ بوارِقُه، وسقاه من مُورِده النَّمِير عَذْبُه ورائِقُه، لا يُدرِك بحرَ وَصْفِهِ الإغْراق، ولا تلْحَقُه حركاتُ الأفْكار ولو كان في مِضْمار الدَّهر لها السِّباق.
زَيَّن بمآثِرِه العلومَ النَّقْليَّة والعقليّة، وملك بنَقْد ذهنِه جواهرَها السَّنِيَّة، لا سِيَّما الرياضيات، فإنه رَاضَها، وغرَس في حدائق الألْبابِ رِياضَهَا.
وهو في مَيْدان الفصاحةِ فارسٌ أيّ فارِس، وإن كان غُصنُه أيْنَع وربا برَبْوة فارِس، فإن شجَرتَه نبتَتْ عروقُها بنواحِي الشَّام الزَّاهِية المغارِس، والعِرْقُ نزَّاع وإن أثَّر الجِوار في الطِّباع.
ولما تدفَّق ماء كرمه خرج منها سائحاً، بعدما ألْقَى دَلوَه في الدِّلاء ماتحاً، لابساً خِلَع الوقار، قاطِعاً من رياض الكَوْن ثَمرات الاعْتبار، فجاب البلاد، وأتى إرَمَ مصر ذاتِ العماد، فنَمَّى متاعَ فضلٍ به اتّجَر، والمعالي في كَفَالات السَّفر، فاجْتَنى نَوْرًا انْفتحت كَمائمهُ، وَسَرى سُرًى قلبُ الوجود كاتمُه.
وسُرَّ دَهْرٌ هو صَدْرٌ له
…
بعالمٍ ذي نَجْدةٍ عامِل
وفي أثناء ذلك نظَم عقود أشْعارٍ حِقَاقُها العُقُول، وجمع مِن أزْواد فضله مجموعة سماها) الكَشْكول (، طالعْتُها فرأيتُ فيها ما تنْشرح له الصُّدور، وتَحُلُّ عُقَدَ الإشْكال عن كل مَصْدُور.
وكان رئيس العلماء عند عبَّاس شاه، سلطان العجم، لا يَصْدُر إلا عن رأيه إذا عقَد ألْوِية الهِمَم، إلا أنه لم يكن على مذْهبه في زَنْدقته وإلْحادِه لانْتِشار صِيتِه في سَدادِ دِينه ورَشادِه، إلا أنه عَلَوِيُّ بلا مَيْن، وهو عند العقلاء أهْوَنُ الشَّرَّيْن، فإنه أظهر غُلُوَّه في حبِّ آل البيْت، وجارَى في حَلْبة الوَلاءِ الكُمَيت، وأنشد لسانُ حالهِ لكلٍّ حيٍّ ومَيْت:
إن كان رَفْضًا حُبُّ آل محمدٍ
…
فلْيَشْهدِ الثَّقلان أنِّي رَافضِي
وشِعرُه باللِّسانَيْن مُهذَّب مُحرَّر، وبالفارسيَّة أحسنُ وأكثر.
ولما ساحَ في البُلدان، وأجتمع بمن فيها من الأعيان، عاد بدْرُ ذاتِه لفلَك أقطارِه، فعانق في أوْطانِه عقائلَ أوْطاره.
وهو الآن قُرَّة عيْنِ مجدِها، وغُرَّةُ جَبِين سَعْدِها، تطوف بحَرَمِه وُفُود الأفاضل، وتتَوجَّه شِطْرَه وُجُوهُ الآمالِ من كلِّ فاضل، بنعيمٍ مُقيمٍ تتحدَّثُ عنه طُروس الأسْفار، وتَكْتَحِل بإثْمِد مِدادِه عُيون الطُّروس والأسْفار.
فمن أنوارِ كلامِه، التي أطْلَعَتْها غُصون أقْلامِه، قولُه من قصيدة:
يا ندِيمِي بمُهْجَتي أفْدِيكْ
…
قُمْ وهاتِ الكئُوسَ مِن هاتيكْ
هاتِها هاتِها مُشعْشَعةً
…
أفْسَدتْ عقلَ ذَي التُّقَى النَّسِّيكْ
خَمرةً إن ضَلِلْتَ ساحتَها
…
فسنَا نُورِ كأْسِها يَهدْيكْ
يا كليمَ الفؤادِ دَاوِ بهَا
…
قلبَك المُبْتلَى لكْي تشْفِيكْ
هي نارُ الكليمِ فاجْتَلها
…
واخلعِ النَّعْلَ واترُكِ التَّشْكِيكْ
صاح ناهِيكَ بالمُدامِ فدُمْ
…
في احْتِساهَا مخالِفاً نَاهِيكْ
عَمْرَك اللهَ قُل لنا كَرماً
…
يا حَمامَ الأراكِ ما يُبْكِيكْ
أتُرَى غاب عنك أهلُ مِنّي
…
بعدَ ما قد توهَّنُوا نادِيكْ
إن لي بين ربْعهِمْ رَشَأَ
…
طَرْفُه إن تَمُتْ أسًى يُحييكْ
ذُو قَوامٍ كأنه غُصُنٌ
…
ماسَ لمَّا بدَا به التَّحْرِيكْ
لستْ أنْساهُ إذْ أتى سَحَراً
…
وحْدَهُ وحْدَه بغير شَريكْ
طرقَ البابَ خائفاً وَجِلا
…
قلتُ مَن قال كلُّ ما يُرضِيكْ
قلتُ صْرِّحْ فقال تجهلُ مَن
…
سيْفُ ألحاظِه تَحكَّم فِيكْ
قمتُ من فَرْحتِي فتحتُ له
…
واعتَنقْنا فقال لي يَهْنيكْ
بات يَسْقِي وبِتُّ أشْربُها
…
خَمرةً تترُك المُقِلَّ مَلِيكْ
ثم جاذبْتُه الرِّداءَ وقد
…
خامرَ الخمرُ طرفهَ الفَتِّيكْ
قال ليِ ما تُريد قلتُ له
…
يا مُنَى القلبِ قُبْلَةً من فِيكْ
قمتُ من فَرْحتِي فتحتُ له
…
واعتَنقْنا فقال لي يَهْنِيكْ
بات يَسْقِي وبِتُّ أشْربُها
…
خَمرةً تترُك المُقِلَّ مَلِيكْ
ثم جاذبْتُه الرِّداءَ وقد
…
خامرَ الخمرُ طرفَه الفَتِّيكْ
قال ليِ ما تُريد قلتُ له
…
يا مُنى القلبِ قُبْلَةً من فِيكْ
قال خُذها فُمذْ ظِرتُ بها
…
قلتُ زِدْني فقال لَا وأَبِيكْ
ثم وَسَّدْتُه اليمينَ إلى
…
أن دنَا الصُّبحُ قال لِي يَكْفِيكْ
قلتُ مهْلاً فقال قُمْ فلَقَد
…
فاحَ نَشْرُ الصَّبا وصاحَ الدِّيكْ
وله من أخرى، مدح بها الأستاذ البَكْرِيّ، وقد اجتمع به، وهو مما يدلٌّ على سلامةِ عقيدتِه، قولُه:
يا مِصرُ سُقْياً لكِ من جنَّةٍ
…
قطوفُها يانِعَةٌ دانِيهْ
ترابُها كالتِّبْرِ في لُطفِه
…
وماؤُها كالفِضَّة الصَّافيهْ
قد أخجلَ المِسْكَ نسيمٌ لها
…
وزَهْرُها قد أرْخَص الغالِيةْ
دَقيقةٌ أصنافُ أوْصافِها
…
ومالَها في حُسنِها ثانِيهْ
مُنذ أنخْتُ الرَّكبَ في أرْضِها
…
أُنْسِيتُ أصْحابي وأحْبابِيَهْ
فيا حَماها اللهُ من رَوضةٍ
…
بهْجتُها كافِيةٌ شافِيهْ
فيهاَ شِفا القلبِ وأطْيارُها
…
بنغمةِ القانونِ كالزَّارِيهْ
ومنها:
مَن شاءَ أن يحْيا سعيداً بها
…
مُنعَّماً في عِيشَةٍ راضِيَهْ
فلْيدَعِ العلمَ وأصْحابَه
…
وليجْعلِ الجهلَ له غاشِيَهْ
والطَّبَّ والمنطقَ في جانبٍ
…
والنحوَ والتفسيرَ في زاوِيهْ
وليترُكِ الدَّرسَ وتدْريسَه
…
والمْتنَ والشَّرحَ مع الحاشِيهْ
إلى مَ يا دهرُ وحتىَّ متى
…
تَشْقَى بأيّامِك أيَّامِيَه
تُحقِّقُ الآمالَ مُستعطِفاً
…
وتُوقِع النَّقْصَ بأمَالِيَهْ
وهكذا تفعلُ في كلِّ ذِي
…
فضيلةٍ أو هَّمِةٍ عاليَهْ
فإن تكنْ تحسَبُني منهمُ
…
فهْيَ لعَمْرِي ظِنَّةٌ وَاهِيَةْ
دَعْ عنكَ تعذِيبي وإلا فأشكُو
…
كَ إلى ذَي الحضْرةِ السَّامِيهْ
وله رباعيَّات لطيفة، منها:
أغْتَصُّ برِيقَتِي كحَسْيِ الحاسِي
…
إذ أذكُرُهُ وهْو لعْهدِي ناسِي
إن مِتُّ وجَمرةُ الهوى في كبدِي
…
فالويْلُ إذاً لساكِنيِ الأرْماسِ
وله:
كم بِتُّ من المَسَا إلى الإشْراقِ
…
من فُرقَتِكْم ومُطرِبي أشْواقِي
والهمُّ مُنادِمي ونَقْلِي نَدَمِي
…
والدَّمعُ مُدامِتي وجَفْني السَّاقِي
ومنها
لا تَبْكِ مُعاشِراً نأَي أو إلْفاَ
…
القومُ مَضَوْا ونحنُ نأتي خَلْقَا
بالمُهلةِ أو تَعاقُبٍ نَتْبَعُهمْ
…
كالعطْفِ بثُمَّ أو كعطْفٍ بِألْفَا
ومنها:
من أربعةٍ وعشرةٍ أمْدادِي
…
في ستَّ بِقاعٍ سكنُوا يا حادِي
في طَيْبَةَ الغرَّاء مع سامَرَّا
…
في طُوسَ وكَرْبَلا وفي بَغْدادِ
ومنها:
للشَّوقِ إلى طَيْبَةَ جَفْني بَاكِي
…
لو صار مُقامِي فلَكَ الأفْلاكِ
أستنْكِفُ إنْ مَشيتُ في روْضتِها
…
فالمْشْيُ على أجْنحِة الأمْلاكِ
ومنها:
هذا النَّبَأُ العظيُم ما فيه كلامْ
…
هذا لِمَلائِكِ السَّموات إمامْ
مَن يَمَّم بابهَ ينَل مطْلَبَه
…
مَن طاف به فهْو على النَّارِ حرامْ
ومنها:
هذا حَرَمٌ بفضْلهِ العقلُ أَقَرّ
…
فيه لملائِكِ السَّموات مَقَرّ
كلُّ منهم يقول يا زائَرِهُ
…
قبِّلْ عنِّي تُرابَ تلك الأعْتابْ
إن هُم سألُوا عن البَهاءِ فقُلْ
…
قد ذابَ من الشَّوقِ إليكم قد ذَابْ
ومنها:
يا ريحُ أقُصُّ قِصَّةَ الشَّوقِ إليكْ
…
إن جِئْتَ إلى طُوس فباالله عَليْكْ
قبِّلْ عنِّي ضريحَ مولايَ وقُلْ
…
قد مات بهاؤُكَ من الشَّوقِ إلَيْكْ
ومنها:
أَهْوَى رَشاً عرَّضنِي للبَلْوَى
…
ما عنه لقَلْبِ المُعَنَّى سَلْوَى
كم جئتُ لاشْتكِي فمُذْ أبصَرنِي
…
مِن لَذَّةِ قُربِه نسِيتُ الشَّكْوَى
ومثلُه قولي:
لو تُسْمَعُ لَذَّ للمُعنّى الشَّكوَى
…
لا مَنَّ بذا وليس عنه سَلْوَى
كلٌّ بهَواه مُبْتَلًى ذو دَنَفٍ
…
قالُوا وتَطيبُ إذ تَعُمُّ البَلْوَى
ومنها:
يا غائبُ عن عيْني لا عَن بالِي
…
القُرْبُ إليكَ مُنْتَهى آمالِي
أيامُ نَواكَ لا تَسَلْ كيف مضَتْ
…
واللهِ مضَتْ بأسْوأِ الأحْوالِ
وفي معناه وَوَزْنِه قول الأرَّجانِيّ:
لا بأسَ وإن أذَبْتَ قلبي بهوَاكْ
…
القلبُ ومَن سلَبْتَه القلْبَ فِدَاكْ
وَلَّيْتَ وقُلتَ أنْعَم اللهُ مَساكْ
…
مَوْلايَ وهل يَنَعْمَمُ مَن ليس يَراكْ