الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا تعْتِبِ الدَّهرَ الخَؤُونَ فدَأْبُه
…
لعَقْدِ اجتماعِ الشَّملِ دون المَدى حَلُّ
لَحَى اللهُ دهراً لا يزال مُولعاً
…
بتكْديرِ صَفْوِ العيشِ ممَّن له فَضْلُ
يُفرَّقُ حتى شَمْلَ رِجْلِي ونَعْلِها
…
أشدَّ فِراقٍ لا يُرَى بعدَهُ شَمْلُ
فما شئْتَ فاصْنَعْ ما اللبيبُ بجازِعٍ
…
ولا تاركٍ صَفْواً إذا زَلَّتِ النَّعْلُ
بحقِّكَ قُم نَسْعَى إلى الرّضحِ سُحْرَةً
…
نُجدِّدُ أفراحاً لكلِّ صَداً تجْلُو
إلى دارِ لذَّاتٍ وروضِ مَسرّضةٍ
…
برَحْبِ فِناها من غُصونِ المُنَى ظِلُّ
ولابن قلاقس، وقد سرقت نعله:
قُلْ لنجْم الدين يا مَن نهْتَدي
…
من مُحَّياهُ بأسْنَى قَبَسِ
ما الذي أوْجَب عَوْدِي راجلاً
…
بعد أن وَفيْتُكمْ ذَا فَرَس
خلَعوا نعْلِيَ لمَّا علِمُوا
…
أنَّني من رَبْعِكم في قُدُسِ
)
تتمة
(
يقال في المثل للمتساويين في الخير: فرسا رهان.
وهذا كما أفاده بعضهم باعتبار ابتداء الجري؛ لتساويهما حين الإرسال، وأما في المنتهى فيغلب سبق أحدهما، فكيف يجعلان متساويين، وقد ضربت أنا المثل للمتساويين في الدناءة بفردتي النعل، وثوري الحراث؛ فإنه لا ينتفع بأحدهما دون الآخر، فقلت:
وثَقِيليْن هما ما افْتَرقاَ
…
منهما الدَّهرُ أبو الغَدرِ اسْتَغاثْ
فكأنَّ اللُّؤْمَ قد صاغَهُما
…
فَرْدَتَيْ نَعْلَيْه أو ثَوْرَيْ حِراثْ
وقد ضربت العرب المثل في هذا برجلي النعامة، فقال الشاعر:
وإني وإيَّاها كرَجْلَيْ نَعامةٍ
…
على كلِّ حالٍ مِن غِنِّي وفَقِيرِ
قال القالي في) أماليه (: أي أننا في اتفاقنا لا نختلف؛ لأنه ما من بهيمة تنكسر إحدى رجليها، إلا وتنتفع بالأخرى غير النعامة. انتهى.
ولما قدم رغب في صحبتي، وخطب راغبا مودتي، وود انقطاعي عمن سواه، فلما رأيت كفاءته وصدق مدعاه، كتبت له:
سَلَا بأَنَةَ الوادي لدَى المنْزِلِ الرّحْبِ
…
متى فقَدتْ غُرّض المناقبِ من صَحْبي
فهل في حِماها نَفْحةٌ عَنْبريَّةٌ
…
قد استَوْدعَتْها الرِّيحُ من نفَسِ الرَّكْبِ
وهل بين أطْلالِ الرسومِ ونُؤيِها
…
حمائِمُ بَانٍ في الرُّبَى طَيَّرتْ لُبِّي
وهل من عُهودٍ قد تقضَّتْ بَقِيَّةٌ
…
يُوَفَّى بها حقِّي ويُقْضى بها نَحْبِي
سقى اللهُ عهداً للأحبَّةِ صَيِّباً
…
من الطَّرْفِ تغنِيه عن الوابلِ السَّكْبِ
وهَيْفَ غُصونٍ جادَها هاطِلُ الغنى
…
فتُنْبِتُ أوراقاً من الشَّجرِ القَضبِ
وكلُّ خليلٍ رَقْرَق الوُدّض صافياً
…
فكلُّ مَلامٍ في محبَّتِه يُصْبِي
أُصدِّق فيه الظَّنّ من ضِنَّتِي بهِ
…
على كلِّ شيءٍ قد عرفْتُ سِوى قَلْبِي
وما ذاك من سُوءِ الفِعالِ جِبِلَّةٌ
…
فكم جاءَ سُوءُ الطَّنِّ من شِدَّةِ الحُبِّ
هذا معنى غير ما قاله المتنبي:
إذا ساء فعلُ المرءِ ساءَت ظُنونُه
…
وصدَّقَ ما يعْتادُه مِن تَوَهُّمِ
والحديث شجون.
ومنها:
إذا غاب بَدْرُ التِّمِّ طَلْتُ مُراقِباً
…
لمَطْلَعِه من مشرِقِ العيْنِ والغرْبِ
ولكنَّ شمسَ الحُسْنِ من وَجْهِ مُنْيَتِي
…
لقد برَزتْ للنَّاظرين بلا حُجْبِ
كذلك بشَمْسِ الغَرْبِ أشرَقَ شرقُنا
…
بفضلٍ له قد شاعَ في العُجْمِ والعُرْبِ
وقد كنتُ قِدْماً تُبْتُ عن كلِّ خُلْطةٍ
…
تُنَكِّدُ عَيْشِي وهْي من أعْظَمِ الذَّنْبِ
فلمَّا صفَى منه الودادُ ومَشْرَبٌ
…
يرُوقُ لِظَامٍ ذِيدَ عن مَوْرِدٍ عَذْبِ
نَقضْتُ على حُكْمِ المُرُءةِ تَوْبَتي
…
وقد طَلَعت شمسُ المعالي من الغَرْبِ
وبعد الشعر فصل: مولاي أحمد قد ملأ فضله الجبال والوهاد، فسد على حساده طرق الجحد، وحاز السيادة من ساعة الميلاد، فإنك مهدي إليها من المهد.
وهو يعلم أن عقائل الوداد في خدور الخمول كمينة، وأنها لا تنجلي لغير المحرم ولا يبدين زينة، فإن الزمان مشتق من الزمانة، والإخوان لتقلب قلوبهم من الخيانة، وإن أطلع السباخ النخلة الفينانة، فقد ينبت المرعى على دمن الثرى، وتقطع
الأزرار مالها من ضيق العرى، وما كل جوهر له مشترى، وما كل صاحب يعرف قدر العسكري.
فلذا نفرت حتى عن ظلي، وقاطعت حتى ولدي وأهلي، لكن ما لك من حسن الأخلاق، جذب لك مودتي بالأطواق، والسلام.
قولي:) وما كل صاحب (الخ، إشارة إلى ما ذكره ياقوت في) معجمه (، من أن الصاحب ابن عباد تمنى لقاء ابن أحمد العسكري، فكاتبه في الحضور له، فتعلل بكبر السن، فلما يئس منه جذب السلطان لذلك الصوب، وسار معه، فحين أتى عسكر مكرم، كتب له:
ولمَّا أبيْتُمْ أن تزورُوا
…
ضَعُفْنا وما نَقْوَى على الوَخَدانِ
أتيْناكُم من بُعْدِ أرضٍ نزورُكمْ
…
على منزلٍ بِكْرٍ لنا وعَوَانِ
نُسائِلُكمْ هل من قِرًي لنَزِيلِكمْ
…
بِملْءِ جُفونٍ لا بملْءِ جِفانِ
فأجاب، بنثر، ونظم منه:
أرومُ نُهوضاً ثم يَثْنِي عزِيمَتِي
…
تَعوُّذُ أعْضائِي من الرَّجَفانِ
فضَمَّنْتُ بيتَ ابن الشَّريد كأنَّما
…
تعمَّد تشْبِيهِي به وعَنانِي
) أُهمُّ بأمْرِ الحزْمِ لو أسْتطِيعُه
…
وقد حِيل بين العَيْرِ والنَّزَوانِ (
فلما قرأه استحسنه، وقال: لو خطر ببالي هذا المثل، ما أرسلت ذلك الشعر، لكني ذهلت عنه.
ثم أن العسكري قصده بحجم غفير من تلامذته، في ساعة لا يصل غليه أحد في مثلها، فحجبه الحجاب، فرفع صوته، يقول:
مالِي أرى القُبَّة الفيْحاءَ مُقْفَلةً
…
دُونِي وقد طال ما اسْتَفْتَحْتُ مُقفَلَها
كأنها جنَّةُ الفِرْدَوْسِ مُعْرِضَةً
…
وليس لي عَملٌ زَاكٍ فأدْخُلَها
فناداه الصاحب: أدخلها يا أبا أحمد، فلك السابقة.
فبادر له الخدم، وحملوه حتى جلس عنده، فأقبل عليه، ورفعه إلى ارفع مجلس، ثم تحادث معه، وسأله عن مسألة، فقال له: الخبير صادفت.
فقال له: مازلت تغرب في كل شيء حتى المثل السائر.
فقال: تفاءلت عن السقوط للحضرة.
فأدر عليه، وعلى من معه بصلات كانوا يأخذونها إلى أن توفى.
فانظر ما في هذه القصة من لطائف الآداب، وما للصاحب مع جلالة قدره من مكارم الأخلاق، الذي طير ذكره في الآفاق، وخلده في صحائف الدهور، وهكذا فلتكن الصدور.
ولما أراد العود إلى المغرب، قال لي: عندي أمانة من مولاي أحمد، لا أرى غيرك لها أهلا ومحلا، فطال العهد ولم أر لها محلا، فقلت:)
إن محلا وإن مرتحلا (فلما أزف الرحيل كتبت له رقعة فيها: أطال الله عمرك طول مواعيدك، وجعل آمالنا الكمونية مورقة من سحائب جودك.
ولعمري، لقد طال المطال فعرقوب لا يبلغ عرقوبه، وزاد العتب على الإلحاح والعتب بغير جرم عقوبة، ولو لم يكن أملي أضعف من الذباب، ما أرتبط بحبال العنكبوت على هذا الباب، فلله أنت ما أحلمك وما أصبرك على كثرة السؤال والجواب، ولم أر مثلك في الجود، إذ بذلت لي ألوف ألوف من الوعود، ولم تلمني على مقابلتها بالكفران، وها أنا ذا تائب شاكر لهذا الحرمان، إذ لم يكن لمثلك علي منة، وأحمد الله على كل حال متبعا للسنة.
وقد كان يعجبني قول أبي محمد الحكيم:
لُبْسُ الثِّيابِ وتشْييدُ القصورِ وفي
…
تلك الثِّيابِ رأيْنا أنفُساً خَرِبَهْ
لأضْرِبَنَّ رجائي ألفَ مَقْرَعةٍ
…
فِيكُمْ وأصْلُب آمالِي على خَشَبَهْ
فلما رأيت بعد العهود، وطول حبال الوعود، قلت:
طالتْ مواعيدُك يا سيِّدِي
…
والعمرُ قد يقْصُر عن ذَا المِطالْ
فخِلْتُ آمالي لها دُرْبَةٌ
…
قد علَّمَتْها المشْيَ فوق الحِبال
ولو ترَى مِثْلاً لها ربَّما
…
جرَتْ على فُرْجتِها بالنَّوالْ
واللائق بالعارف بالزمان، أن لا يتعب على أحد من الإخوان، فإن الدهر خرف وهرم، ولو سأل شقيق شقيقه درهما لقال: أودى درم.
فرحم الله الكرام، وعلى الجود الرحمة والسلام.
وهذه رقعة قصدت بها المزح والمجون، ورياضة الطبع الحرون.
وقولي:) أودى درم (مثل.
قال الأعشى:
ولم يُودَ من كنْتَ تسْعَى له
…
كما قِيلَ في الحرْبِ أوْدَى دَرِمْ
قال السكري في) شرح ديوان الأعشى (: درم هو دب بن مرة بن ذهل، وكان النعمان يتطلبه، فجهز له سرية؛ فلما ظفروا به مات في أيديهم، قبل وصوله للنعمان، فلما سأل عنه، قالوا: أودى درم. فذهبت مثلا. انتهى.
وقصدت به الدرهم؛ لأن الدرهم فارسي معرب، وأصله درم، وقد يتلفظ به على أصله.
ومثله قولي في الرجل الجليل، يكون خاملا لا يواسيه أحد، فإذا مات عظموه، وتأسفوا عليه:
بكى الخلقُ ذا الفضْلِ لمَّا مضَى
…
وقالوا ألا لَيْتَه لو سَلِمْ
ولو كان يسْألُهمْ دِرْهَماً
…
لقال له النَّاس أوْدَى دَرِمْ