الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
)
فصل
(
هنا تُكَسب العَبرات، لتُطِفئ نيران الحَسرات.
فهذه الأنْدلس دارُ الإسلام، ملكها الكفُارُ وبُدَّل نورُها بالظَّلام.
وجوامعُها صارت كناِئس، وأسودُها لكِلاب الكفرِة فرائس.
وجامعُ قُرْطبَةَ الكبيرة مملوءة بالكتُب مسدُودُ الباب، ومأْوًى للحشَرات ومَرْقدٌ للكِلاب.
وأسطولُ الرُّوم يُنْفَق عليه الأموال، فتخرجُ رؤساؤهم بُعدَد الحرب والرّجال، ويأخذون الجِزيْة من فقراء المسلمين، فإذا عادوا عَدُّ أنفسهم عُزاةً غانِمين.
ولولا أهلُ المغرب والجزائرِ، لم يكن للدّين مُعين ولا ناصر.
وقد سلَّط الله عليهم بنى الأصْفر، فصار عَيْشُهم أسودَ بالموْتِ الأحمر.
وسَّلط على قُسْطَنْطِينيَّة دوامَ الطَّاعون الجارِف، فقلوبُهم راجِفة وعيونُهم بالدّماء ذوارِفِ.
وتَرى حريقَ تلك الدّيار، لا يخُمد في ليلٍ ولا نهار، لما بِها من ظَلمَة الوُزَرا، وإنّما طَغَوا بُعلماء سوء وقضاة عمّ جهلهمُ سائر الورَى.
لعَمْركَ قد عمّ الحريقُ بَبلْدَةٍ
…
بها علماءُ الروم في الجهل والعَمَى
ومن مالكِ وافَى رسولُ حريقهمْ
…
دعاهمُ إلى نارِ الجحيم جَهَنمَّاَ
فقال أقفلوها واقبضوا أُجْرةً لها
…
فإن هُدِمتُ يُنْبنَى بها ما تهدّماَ
فطالَبْهم خُزَّانُها بَوقودٍها
…
وما صَرفوهُ في زمانٍ تًقدَّماَ
فأفْتاَهُم المْفتى بأنَّ ضَمانةُ
…
عليهمْ وأن الغُرْمَ للبُطء مَغْنمَاَ
ومن كثْرة الدَّيْن المحيط بما لِهْم
…
أباح رِشاً قد كان رَبّىَ حرَّماَ
فهذه إِنْذارات ثلاث، جرت عادةُ الله بعَدها بالخَراب، واسْتئصال مَن بها بأشدّ العذاب والعِقاب، كما قال الله تعالى) وَإذَا أَرَدْناَ أَنْ نُهْلِك قَرْيةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِها فحقّ عَلَيْها القَوْل فَدَمَّرْناَهَا تَدْمِيرا.
وهذا المعنى في الحريق ظنَنْتُ أنَّى لم أسَبق إليه. ثم رأيتُه شعر أبى الحسن المنجَّم حيث قال:
أقولُ وقد عانْيتُ دارَ ابْنِ صورةٍ
…
وللنّار فيها مارِجٌ يتَضرَّمُ
كذا كلُّ مالٍ أصُله من نهاوِشٍ
…
فعمَّا قليل في نَهابرَ يُغرَمُ
وما هُو إلا كافرٌ طالَ حَبْسُه
…
فجاءتُه لَّما اسُتَنبْطاتهُ جَهَنَّمُ
ومثله قول الآخر، فيمن انْكسَرت يدُه.
قالوا فلان على ما فيهِ من عِبرَ
…
قد أصْبَحَتْ مذُه مَذْمومَةَ الأثَرِ
تأخَّرَ القْطعُ عنها وهُىَ سارِقةٌ
…
فجاءها الكسُرُ يسْتَقْصى عن الخبرِ
وقوله) يستقصى (الخ فيه لُطف، يعرفه من له شَمَّة من الأدب