الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله من قصيدةٍ في مدح أستاذي سعد الدين الشاعر:
صَباحُ الأمانِي في صَباح مكارم
…
تجلّتْ على عَرْشِ الجلالةِ والحمْدِ
مطالعُ ما زالَتْ طَوالِعُ بالَسَّنَا
…
تُعِّممُ آفاقَ المكارمِ بالسَّعْدِ
)
فائدة مهمة
(
سُئِلتُ عنها في حال تحْريري هذه) الريحانة (، وهي أنه منَع بعضُ علماء المالكيَّة من الألْقاب المضافة للدِّين، كسعد الدين، وعز الدين.
فقلتُ: قال العارفُ بالله ابن الحاج في كتابه المسمى ب) المدخل (الذي استقْصى فيه أنواع البدع، ما نصُّه: فصلٌ، من ارْتكب بدعه ينْبغي له إخفاؤُها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:) مَنِ ابتُلِىَ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ هذِهِ الْقَاذُورَات فَلْيَسْتَتِرْ (والعالِم يجب عليه التَّستُّر أكثر من غيره؛ لأنه ربما يُقال: عنده عِلْم بجواز ما ارْتكبَه، فيَقْتدي به غيرُه، كما قال أبو منصور الدِّمْياطِيّ، في قصيدةٍ له:
أيها العالمُ إيَّاك الزَّلَلْ
…
وأحذَرِ الهَفْوةَ فالخَطْبُ جَلَلْ
هَفْوةُ العالِم مُستَعظَمةٌ
…
إن هَفَا أصبح في الخَلْقِ مَثَلْ
وعلى هَفْوتِه عُمدَتُهمْ
…
وبه يَحْتَجُّ من أخْطَا وزَلْ
فهو مِلْحُ الأرضِ ما يُصْلِحُه
…
إن بدَا فيه فَسادٌ أو خَلَلْ
فمَمَّا ينْبغي التَّحفُّظ عنه من البدع الأعلامُ المخالفة للشَّرع، المُضافَة للدِّين؛ لما فيها من تزْكيه النَّفس، المَنْهِيِّ عنها، كما صرَّح به القُرْطُبيّ في) شرح الأسماء الحسنى (.
وللفَضْل بن سَهْل قصيدةٌ في ذمِّها، فمنها قولُه فيمَن لُقِّب بعز الدين وفخر الدين:
أرَى الدِّين يَسْتَحِي من اللهِ أن يُرَى
…
وهذا له فَخْرٌ وذاك نَصِيرُ
فقد كثُرَتْ في الدِّين ألقابُ عُصْبةٍ
…
هُمُ في مَراعِي المُنْكَرات حَمِيرُ
وإنِّي أُجِلُّ الدِّين عن عِزِّهِ بهِمْ
…
وأعلمُ أن الذَّنْبَ فيه كَبِيرُ
فمن نادَى بهذا الاسم، أو أجاب به، فقد ارتكب ما لا ينْبغي؛ لأنه كذَب؛ وفي الحديث:) عَلَيْكُمْ بالصِّدْقِ فإنَّهُ يَهْدِي إلَى الْبِّر والْبِّرُّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، والْكَذِبُ فُجُورٌ والْفُجورُ يَهْدي إلى النَّار (الحديث.
فإذا قال أحدٌ) مُحْي الدين (يُقال أهذا الذي أحْيى الدِّين؟ فإذا أخذ صحيفتَه وجدها مَشْحونةً بالكذِب.
ولما دخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أمِّ المؤمنين زينب، قال لها:) مَا أسْمُكِ؟ (قالت: بَرّة. فكرِه صلى الله عليه وسلم ذلك، وقال:) لا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ (وسمَّاها زَينب.
ولا يُقال: إنها خرجَت عن أصْلِها بالنَّقْل للعَلَميّة؛ لأنه لو كان كذلك ما كرهوا ترْكَها مع ما فيها من التَّشبُّه بالعَجم المنْهَيّ عنه.
وهذه التَّسْمِية أوَّلَ ما ظهرتْ من مُتغلِّبة التُّرْك مضافةً للدَّولة، وكانوا لا يُلقِّبون أحداً إلا بإذن السلطان، وكانوا يبذُلون عليه المال، ثم عَدَلوا عنه بالإضافة إلى الدِّين.
ونقل عن النَّوَوِيّ رحمة الله أنه كان يكره من يُلقِّبه بمُحْي الدِّين، ويقول: لا أجعل مَن دعاني في حِلٍّ.
ولذا تحاشَى عنه بعض العلماء، وهذه نَزْغَة شيطانيَّة من أهل المشرق، ولما كان في أهل المغرب من التَّواضُع كانوا يغيَّرون الأسماء، لما هو مَنْهِيٌّ عنه أيضاً، فيقول لمحمد:) حمو (، ولأحمد) حموس (، وليوسف) يسو (ولعبد الرحمن)
رحمو (ونحوه. انتهى.
أقول: أمَّا كونُ هذه بدعة حدثَتْ بعد العصر الأول فلا شُبْهة فيه.
وأما كونُها ممنوعة شرعاً، أو مكروهةً فلا وجهَ له، وما تشبَّثَ به أوْهى من بيْتِ العنْكبوت، وما نقله عن النَّووِيّ وغيرِه من السَّلف لا أصْلَ له، وكذا ما نُقِلَ عن شيخ والذي ناصر الدين اللَّقَانِيّ، أنه كان يكتب في الفَتاوَى) ناصر (لهذا.
وقد غرَّني ذلك مُدَّةً، ثم رجعتُ عنه؛ لعدم ثُبوتِه.
وكونُه كذباً يُكتَب في صفحة مجازَفةٌ لا ينْبغي أن يُقال مثلُه بالرَّأْي، وهذا لم يضَعْه الإنسان لنفْسِه، وإنمَّا سماه به أبَوَاه في صِغَره، وعدمِ تكْليفه.
وكونُه تزكيةً لنفْسِه أيضاً غيرُ صحيح؛ لأن الإضافة تكون لأدْنى ملابَسةٍ، فهو مُضاف للسَّبب تفاؤُلاً، فعِزُّ الدين بمعنى يُعِزُّه الله بالدِّين، وكذا مُحي الدين، بمعنى مُحي نفسِه بالدِّين، فقياسُه على) بَرَّة (قياسٌ فاسد، مع الفارق، ولو صح هذا مُنِع أحمد، ومحمد، وحسن، وهو محمود.
وقد قال المُحَدِّثون: إذا اشْتهر اللَّقب جازَ، وإن كان ذَمَّاً، كأعرج، وأعمش، فما ذكر تضْييق وحَرَج في الدِّين.
وفي هذا الكتاب كثيرٌ من هذا النَّمَط، فإيَّاك والاغْترارَ به.
والأعلام إنما تدلُّ وضْعاً على الذَّات، والتَّفاؤُل بالأمور المُسْتَحسَنة مُستَحب؛ لقوله في الحديث: كان يُحِبُّ الفَأْل، ويكْرَه الطِّيَرَة. ويحمدهقائلة لا يعتقد ثبوت ما يقال به، وإنما سُمِّيَ به، فلا كَذِب.
والأعلام لا حَجْر فيها، والتَّشبُّة بالعَجم فيما لا يُزاحِم الشَّرْع غير منْهىٍّ عنه، إلا للعصَبِيَّة المذمومة، بدليل حديث الخَنْدق.
ويدل على ما ذكرناه حديثُ تسْمِية النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمحمد.
وأما حديث) بَرَّة (إن صحَّ، فإنما فعلَه صلى الله عليه وسلم لكوْنِه من أعْلام الجاهِليَّة، أو لمعنًى آخر، بدليل أنها كانت بَرَّةً في نفسِها. اه.