الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السيد حسن بن أبي نُمَىّ
ثم خلفَه ابنه حسن، ومَن حديثُ مناقِبه مستفيضٌ حَسن.
وما محاسٍنُ شَئ كلُه حَسَنُ
فقد سارتْ بمآثره الرُّكبان، وتحلّى بذكرِه كل لسان.
فالحِلّ يعرفُه والَحَرم، والمجدُ ينطِقُ بمحامدِه والكَرَم.
وإنما المرءُ حديثٌ بعدَهُ
…
فكُنْ حديثاً حَسناً لمن وَعى
فقد خَفَتْ في الخافِقَين راياتُ مَكارمِه، ونُصِبتْ على أعلام كماتِها بين مَعالِمه، وسرَتْ سحائبُ كرمِه ولها من غُرَّته برِيق، وتفرَّقت أنهارُ جودِه في كلّ فَريق، حتى طَفت على هضَباتِ الُعذَيْب والعقِيق.
وله فَضْل فضاء عَلَوي حلَّ بين الرّفْق والباس، وأبس عن إدْراك حَدْسه فيه إياس،
بين حماسةٍ وسماحة، وفصاحةٍ وصَباحَة.
إذا زان قوماً بالمناقبِ واصِفٌ
…
ذكَرْ فضْلاً يَزينُ المناقِبَا
وجلالهُ هْيبةٍ لا تُريد حاجباً، وشِيمٌ شمٌ لو تجسَّمت كانت بوجهِ الدَّهر عَيْناً وحاجبا.
فكم أوردَ النجَّيعَ سيفَه المجرّد عن العلاِئق، وأصدَره ثائرا على غَدِير لامَته من الدماء شقائِق.
مِن فِتْية إذا تصافحوا بالصِّفاح، تهللَّتْ ضاحكةً بالنَّجِيع ثُغورُ الجراح.
حَلِيمٌ إذا ما الحِلمُ فَكَّ حِزامَهُ
…
وَقُوفٌ ولو كان الوُقُوفُ على جَمِرْ
مع محاضرات لو سمع بها الرَّاغب سعَى لها راغِبا، وأبكارُ أفْكارٍ لا يكافِئها إلا مَن كان بمتاع الحياةِ خاطِبا.
ما عُذْرُ مَن ضربَتْ به أعْراقُه
…
حتَّى بلغْنَ إلى النَّبيّ مُحَمدٍ
أنْ لا يَمُدّ إلى المكارم باعَةُ
…
وينالَ غاياتٍ العُلا والسُّوددِ
مْتخلفّاً حتىَّ تكونَ ديُولهُ
…
أيْدِي الزَّمانِ عمائماً للفَرقَدِ
بلَغني أن بعض بني عمَه ورَد نَدِبَّه، جارا لِذيْل التّيهِ والَحمِيَّة الهاشِمَّية، فتصدَّر عليه شخصٌ في ذلك النَّادي، فتجعَّدت أساريرُ وسيفُ حِدَّتِه من غْمِد التَّصير بادِى، فلما فِطن لذلك قال: إنه ليقودُنِي زِمامُ العجَب، ويُهزُّ عِطْفَ أرْيَحِيَّني ساعدِ الطَّرب، بقصيدِة المُتنّبي، التي أوَلها:
فؤادٌ ما تُسلَّيهِ المُدامُ
…
وعُمْرق مثل ما تهَبُ اللَّئامُ
فتسلَى بذلك وتعلَّل، وتبَّسمَ وجهُ مسَرَّته بعد القُطوب وتهلَّل، إذ فِهم تلْويَحه، لقوله فيها.
ولو كان المكانُ له عُلُوٌّ
…
لطارَ الجيْيشُ وانْحَطَّ القَتامُ
وفي معناه قولي، من فصل: لو كان الشَّرفُ بالمكان، ما انحطَّتْ النارُ وعَلَا الدُّخان.
وقولي من قصيدة:
لم أدْرِ يومَ الحربِ هل ثار الثَّرَى
…
أم خَيْمةٌ نُصِبتْ عليه وقد سَرَى
أم نالَهُ شرَفٌ بِمَسّ نِعالهِ
…
فَعلَا رُءوسَ عِداهُ حين تكبَّرَا
أم راح مُشْتكِياً إلى خَلَاّقِه
…
دَوْسَ الجِيادِ عليه حّتى يُنْصَرَا
ومما يحسُن إيراده هنا قول أحمد المعرّىّ:
قل للرّئيس أبي محَّمدِ الرّضا
…
قولَ أمْريِ أبْلَاه حُسْنَ بلاءِ
مِن حوْلِ برْكتِك البهية سادةُ الْعلماء والفضلاء والرؤساءِ
لو أنْصفوك وهم قِيامٌ أشْبَهَتْ
…
أشخاصُهمْ أمْثالَها في الماءِ
ومنه أخذ الأرَّجاِني قوله:
هذا الزمانُ على ما فيه من كَدَرِ
…
يحْكى انْقلابُ لياليهِ بأهْليِه
غديرَ ماء تراءَى في أسافِله
…
خَيالُ قومٍ تمَشَّوْا في نَواحِيهِ
فالرّجلُ تنُظْرُ مرفوعاً أسافِلُها
…
والرأسُ ينُظْرَ منكَوساً أعاليهِ
وقوله) على ما فيه من كدر (من حَشْو الَّلوزِيَنج، أما ترى قول المعرّي
والخِلُّ يُبْدِى لي ضمائِرَهُ
…
مع الصّفاءِ ويُخْفِيها معَ الكَدَرِ
وأحسن من هذا كله قولي:
خليَلّى ذِي الدنيا الدّنَّيةُ لم تزَلْ
…
تُعادِي حُرّا شريفَ المناقبِ
أسافِلُها تعلُو أعالِيهاَ كما
…
يَراهُ لبيبٌ عارفٌ بالعواقبِ
إذا صُوّرتْ للنّاسِ معكوسةً بدَتْ
…
فلا تَعْجَبَبنْ والدّهرُ بَحْرُ العجائبِ
عَوْدٌ إلى سيرة ابن سيد النَّاس، الذي تسير الصبا بعبير لطفه ديبة الأنفاس: كنت قبل أن تعرى أفراس الصَّبا، ويتفرَّق شْملُ الأيام أيْدِي سَباَ، لمَّا أرْتحا مع والدي لذلك المُمَجَّد، لنجْتليَ وجهَ المليحةِ في الخِمارِ الأسْود، رأيتُه وقد أبْيَضَّ على لِمَّتِه، وثَقب الشيبُ مِغُفَرَ هامتِه، وقد علا هامَ السَّتين، وتَرقّى شرَف السَّبعين.
وإن امرأ قد سار سْبعين حِجَّةَ
…
إلى مَنْهلٍ من وِرْدِه لَقريبُ
مُشمَّراً لِمخَاضِها واقفاً على حياضِها، بفكْرةٍ ما كانت النّيرانُ تخ لو رُزقتْ بعضَ ذكائها، وبِكْرِ هِمَّة إذا جُليِتْ لا يُعَدُّ غير المجد أكْفائِها.
قد قَلَّمَتْ يدُ عزائِمه أظفارَ الخُطوب، وكادت لا تطأ الحرمً بغْير إذْنِه الصَّبا والَجنوب.
يسوق لأعْدائِه جُنودً الحتوف، ويرى وُجودَهم ذنْباً لا يعتذِرُ عنه غيرُ ألسنةِ السيُّوف.
فكل حديث صدَر منهم وحَدثَ، لا يرفُعه إلا التّيمًم بتراب الجَدَث.
ولى صَوارِمَه تْذيبَ قولِهمُ
…
فُهنَّ إلسِنةٌ أفْواهُها القِمَمُ
إذا تربَّعَ رأيهُ في نادٍ واحْتَبى، قامتْ بين يدَيَه الهِمَمُ وحُلَّت الحُبَى.
يضَطْرب لهِيبتِه إذ هبَّت رياحُ النَّصر سُمْر الرّماح، وساَلت بسوابح الجُرْدِ وأعْناق المطايا الوِهادُ والبِطاح.
وكان من سُنَّةِ سلَفه، ومَن خَلَفهم مِن خير خَلَفِه، أن يُقدَّم للإمامة مَن قَّدمَتْه الأيَّام، وفي المثَل:) أكبرُ منك بيومٍ أعرفُ منك بعام (.
وكان يليه سِنَّا ذُو الرَّأْي الصَّائب، أغرُّ السَّعْد والوجهِ والمناقب: