الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَاللَّه عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) هو قادر على كل شيء في هذا الوجود، يفعل به ما شاء، يفنيه ويبقيه على ما يشاء، وقد وجد كل شيء بالقدرة والإرادة، لا بالعلية والسببية، فلا يقال: إن الأب سبب للابن، فإن وجد له من غير أب فالله سبحانه أبوه، لَا يقال ذلك؛ لأن الله تعالى لَا يتقيد بالأسباب، فهو خالق الأسباب وخالق المسببات وخالق نواميس الكون، وكل ما فيه، وهو القاهر فوف عباده، فهو خالق عيسى وليس أباه، وإن النصارى واليهود مع أنهم يخطئون في جنب الله، ولا ينزهونه كمال التنزيه، ولا يطيعونه يزعمون أنهم أبناء الله تعالى وأحباؤه؛ ولذا قال سبحانه:
* * *
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ
…
(18)
* * *
اليهود يعلنون للناس أنهم شعب الله المختار، والنصارى يعلنون أنهم هداة هذا الوجود، وأنه لَا سلامة إلا في دينهم على الوضع الذي وضعوه، وعلى الزعم الذي زعموه، وبذلك يعتبرون أنفسهم أبناء الله وأحباءه، وعلى هذا يكون المراد بالبنوة بنوة مزية الاتصال بالله أكثر من اتصال غيرهم به، وأن الاتصال اتصال إيمان به وإدراك له، وأنهم اختصوا بنعمة المحبة، فالبنوة بنوة الاتصال والمحبة، ويكون عطف أحباء من قبيل عطف التفسير المشير إلى معنى البنوة. وهناك احتمال آخر، وهو أن تكون البنوة هي البنوة التي زعمها اليهود لعزير إذ قالوا: عزير ابن الله، وهم أتباعه وشيعته، وزعم النصارى أن المسيح ابن الله، وهم أتباعه، فهم أبناء الله بهذا الاتباع، وقد قال الزمخشري في توضيح هذا الاحتمال: " أبناء الله أي أشياع ابني الله عزير والمسيح، كما قيل لأشياع أبي خبيب، وهو عبد الله بن الزبير، وكما يقول رهط مسيلمة: نحن أنبياء الله، ويقول أقرباء الملك وذوو حشمه نحن الملوك؛ ولذلك قال مؤمن آل فرعون:(. . لَكُم الْمُلْكُ الْيَوْمَ. . .).
وفى الحق أن كلا من اليهود والنصارى ادعو أن لهم صلة خاصة بالله، وأنهم دعاة الحق، وأنهم وحدهم أحباب الله، وأهل الاتصال به، ولهذا رجح الأول.
(قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ)" الفاء " هنا فاء الإفصحاح، لأنها تفصح عن شرط مقدر، والمعنى إذا كنتم كما زعمتم أحباء الله تعالى وأبناءه فلم يعذبكم إن ارتكبتم ذنوبا تؤثمكم؛ فأنتم كسائر الناس تذنبون، ولو كنتم متصلين بالله أكثر من غيركم ما أذنبتم، ولو أذنبتم ما عُذِّبتم، وفي كتبكم التي بأيديكم أنكم تعذبون على ما تقترفون من آثام. وقد أقر اليهود بأن العذاب سيقع بهم، إذ قال الله تعالى عنهم:(وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً. . .)، وإن النصارى يقرون بأنه سيُديِّن الناس يوم القيامة، ويجازي المحسن على ما أحسن، والمسيء على ما أساء.
وقد رد الله سبحانه أصل الادعاء بقوله تعالى: (بَلْ أَنتُم بَشَرٌ ممَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ) أي أن صلة الله تعالى بكم هي صلته بخلقه، وأنتم بعض منهم، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، فهو يغفر لمن يشاء، واقتضت حكمته الغفران له لتوبته ولصغر ما ارتكب، ووازن حسناته بسيئاته، وأن الحسنات يذهبن السيئات، ويعذب من يشاء بمقتضى حكمته؛ لأن الخطيئة أحاطت به، ولم يقلع عما ارتكب وأساء، والله عليم حكيم، وغفور رحيم.
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) هذه الجملة من تتمه الرد عليهم، ويحتمل أن تكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر أن يقوله، ويحتمل أنها من كلام الله تعالى تأكيدا لحكمته تعالى وكمال سلطانه، وقد تأكد الرد بقوله تعالى:(وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أي أنه سبحانه وحده هو الذي تصير إليه أمورهم يوم القيامة، وهو الذي يعلن حينئذ محبته. لمق استحق محبته بالطاعة والتقوى، ويكون مآله إلى الجنة والنعيم المقيم، ولن تكون للذين غيروا وبدلوا في دينه وأشركوا به - تلك المحبة التي ادعوها، ولا ذلك النعيم الذي وعد به، وسيكون العذاب لمن عصى أمر ربه، وغالى في تقديس عباد الله تعالى وأشرك به، والله هو الذي يتولى الفريقين بعدله وحكمته. .