المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ومن هم أولئك المنافقون الذين أركسهم الله تعالى ذلك الإركاس؛ - زهرة التفاسير - جـ ٤

[محمد أبو زهرة]

الفصل: ومن هم أولئك المنافقون الذين أركسهم الله تعالى ذلك الإركاس؛

ومن هم أولئك المنافقون الذين أركسهم الله تعالى ذلك الإركاس؛ قيل: هم منافقو المدينة، أتباع عبد الله بن أبيّ، ومن معه. وقيل: قوم أقاموا بالمدينة مؤمنين، ثم خرجوا منها منحرفين في اعتقادهم، وأظهروا أن جوها لم يطب لهم! وقيل، كما روي عن ابن عباس: إنهم قوم آمنوا بمكة، وقالوا إن ظهر محمد صلى الله عليه وسلم فقد عرفنا، وإن ظهر قومنا، فهو أحب إلينا. وعندي أن المنافقين هنا تشمل من اتصفوا بذلك، وتخص الأعراب ومن على شاكلتهم من الذين كانوا يسلمون في قبائلهم، ويعلنون ذلك من غير أن يهاجروا إلى المدينة مناصرين للمؤمنين، ولم يكن من أعمالهم ما يدل على انتمائهم للدولة الإسلامية، وإعلان ولايتها عليهم. والحقيقة أن هؤلاء كانوا يتذرعون بكلمة الإسلام، لكيلا يحكم السيف الإسلامي فيهم. ولذلك ذكرت الآية أن الأمارة القاطعة الدالة على إيمانهم هي أن يهاجروا.

(أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا) أيها المؤمنون المختلفون أتريدون أن تحملوا على الإيمان من أضله الله، أي من كتب عليه الضلالة، بسبب أنه سار في طريقها، وانحرف عن جادة الحق وسبيل المؤمنين، فإن من يسير في طريق لَا بد أن ينتهي إلى نهايته، ما دام لم يرجع ولم يعد. ومن يضلل الله، أي من يكتب عليه في لوحه المحفوظ، وقدره المحتوم، أن يكون ضالا، فلن يجد أحد سبيلا إلى هدايته؛ لأن قَدَر الله تعالى لَا يتغير، وقضاءه لَا يتبدل، وحكمه لَا يتخلف، فمن حاول هداية المنافقين الذين حكم عليهم بالضلال، فكانما يحارب قدر الله سبحانه وتعالى.

وإن المؤمنين يحاولون هداية المنافقين، أو الحكم لهم بالإيمان، بينما المنافقون يودون للمؤمنين عكس ذلك.

* * *

ص: 1790

(وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً

(89)

* * *

وإن هؤلاء الذين تتمنون هدايتهم أو تحكمون بها عليهم، أو ترجونها لهم، يتمنون أن تكفروا كما كفروا، بحيث تكونون أنتم وهم على سواء؛ ومن تكون هذه حاله لَا يعد مسلما،

ص: 1790

ولا يحكم عليه بأن نور الإسلام دخل قلبه، فهو لَا يريد أن تجتمعوا معه على هدى، بل يريد أن تكونوا معه على ضلالة! فإذا كانوا يريدون الاتصال بكم اتصال مودة، فعلى أساس الكفر لَا على أساس الإيمان، وإذا كانوا كذلك، فلا يصح أن تتخذوا منهم أنصارا، أو ترتبطوا معهم بمودة أو صلة، ولذا قال سبحانه وتعالى بعد ذلك:(فَلا تَتخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتي يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الولي يطلق بمعنى المناصر، ويطلق بمعنى المحب الودود، والنهي منصب على الاثنين، فمانه لَا يصح للمؤمنين أن يتخذوا أولياء من هؤلاء المنافقين، الذين يظهرون الإسلام وهم مقيمون في ديار الأعداء يناصرونهم، وقوتهم لهم على المسلمين، فكيف يكونون مع هذه الحال نصراء أهل الإيمان!! وإذا كان لَا يصح أن يتخذوا منهم نصراء، فإنه لَا يصح أن يقال إنهم منتمون للدولة الإسلامية، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، ولا يجوز لهذا أن يضموا إليها.

وإنه لَا يصح أن يربط بعض المؤمنين معهم مودة؛ لأنهم ببقائهم في ظل الكفر، وقوتهم له، يكونون في ضمن من يحادون الله ورسوله، والله تعالى يقول:(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ). وإن أمر القلوب بيد الله سبحانه وتعالى، فلا يصح أن تحكموا عليهم بالإيمان حتى تظهر أماراته، وتبدو معالمه. وإن مظهره الحقيقي في هذا النوع من الناس هو أن ينضموا إلى جماعة المؤمنين بالهجرة إليهم، لتكون قوتهم للمؤمنين لا عليهم، ولذا قيد سبحانه وتعالى ترك ولايتهم بغاية، وهي الهجرة، فقال:(حَتَى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) بأن يخرجوا في سبيل الله تعالى مجاهدين مع المؤمنين ومناصرين ومؤيدين لهم.

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) أي فإن أعرضوا عن الهجرة، وهي واجبة، فلا تعتبروا إسلامهم؛ لأنهم

لايزالون قوة عليكم، وخذوهم من نواصيهم بالأسر، والترصد لمتاجرهم

ص: 1791