المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مقتضيا أن يصدقوا بالرسائل الإلهية التي نزلت بين ربوعهم وفي - زهرة التفاسير - جـ ٤

[محمد أبو زهرة]

الفصل: مقتضيا أن يصدقوا بالرسائل الإلهية التي نزلت بين ربوعهم وفي

مقتضيا أن يصدقوا بالرسائل الإلهية التي نزلت بين ربوعهم وفي أوساطهم، فمن العرب وهم من آل إبراهيم من أشرك بالله وعبد الأوثان، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من آل إبراهيم بعث فيهم رحمة للعالمين، وأنتم معشر اليهود كفرتم وكذبتم الرسل من آل إبراهيم وقتلتم بعضهم، ولم ينفعكم أنكم من ذرية إسحاق بن إبراهيم، فلا عبرة بالأنساب، إنما العبرة بالاستجابة للحق، والإيمان به والإذعان لحقائقه.

وهنا بحثان لفظيان: أحدهما - أن (صَدَّ) تستعمل لازمة متعدية، وإذا كانت لازمة فمصدرها الصدود ومعناه الإعراض، وإن كانت متعدية فمصدرها الصد، ومن ذلك قوله تعالى:(. . . وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ. . .)، والنص هنا معناه الإعراض عن الهداية التي جاءت إليهم، فهو من اللازم.

والثاني: قوله تعالى: (وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) لم يذكر فيها من كانت جهنم كفاية لهم، وهو مفهوم من فحوى الكلام، والمعنى كفاهم أن تكون جهنم بسعيرها ولهيبها مصيرا لهم.

وإن هذا مصير كل كافر سواء أكان من اليهود أم كان من غيرهم، ولذا قال سبحانه وتعالى:

* * *

ص: 1719

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا

(56)

* * *

الصَّلى معناه إيقاد النار، وصَلِيَ وقع في النار، وأصليناهم نارا: ابتليناهم وعذبناهم بنار، فالتمييز هنا فيه تأكيد لمعنى العذاب بالنار والإيقاع فيها، وإن هذا العذاب الشديد الذي يستقبلهم يوم القيامة يستحقه الكافرون بسبب كفرهم، من غير تفرقة بين ذرية إسحاق وإسماعيل وغيرهم، ولذلك عبر بالموصول، إذ التعبير بالموصول يشعر بأن الصلة سبب الحكم، فهؤلاء حكم عليهم بالعذاب، لأنهم كفروا، ومتى تحقق السبب تحقق الحكم بلا فرق بين قبيل وقبيل، وأن عذاب الكفار دائم، وآلامه مستمرة، وقد أكد وجود العذاب بقوله سبحانه:(سَوْفَ نصْلِيهِمْ نَارًا) فسوف هنا كما قال سيبويه

ص: 1719

للتهديد، فهي لتأكيد العذاب المقبل ولو بتراخ، وتراخي العذاب مع تأكيده يجعل النفس في فزع حتى يقع.

(كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقوا الْعَذَابَ) فعذاب هؤلاء الكفار دائم لَا مناص لهم من الاستمرار فيه. فكلما أصاب العذاب موضع الإحساس من الجسم أعاد الله تعالى ذلك الإحساس إليه، وذلك أن موضع الإحساس في الجسم هو الطبقة التي تلاصق اللحم من الجلد، فإذا فسدت هذه الطبقة ذهب الإحساس بالألم، ولقد عبر الله تعالى عن موت الإحساس ثم إعادته بقوله تعالى:(كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا)، فشبه سبحانه وتعالى حالهم في تعذيبهم بالنار بحال قطع من اللحم تلقى في النار، فإذا تهدأت الجلود من شدة النار حتى صارت لَا تحس بدَّل الله تعالى هذه الجلود بأخرى، فيكون العذاب وآلامه في استمرار دائم! ولا موضع إذن لاعتراض الذين يقولون: كيف يعذب جلد لم يعص لجريمة جلد قد عصى؛ لأن الجسم المعذب واحد، ولكن الكلام تصويري لبيان استمرار الإحساس بآلام العذاب، فلا ينقلبون كقطعة فحم، بل يستمر الإحساس بالألم الدائم، وهذا يتلاقى مع ما روي عن الفضيل في تفسير هذا النص:" يجعل النضج غير نضيج " أي يجعل الجلد مع إصابة موضع الإحساس منه بما يميته لَا يموت، بل يستمر! ومن العلماء من قال: إن الجلد لا يتغير ذاته بل يتغير وصفه، فيخلق فيه هذا الإحساس بعد أن يبلى موضع الإحساس بالنار.

والغاية أن يذوقوا العذاب، أي أن يستمروا في ذوقه والإحساس به، وقد شبه الإحساس بالذوق، للإشارة إلى عظيم الألم، لأنهم يحسون به كمن يحس بذوق المرير من الطعام أو بمن يذوق النار ليأكلهما، واللسان أشد أعضاء الجسم حساسية، فإذا كان العذاب يذاق، فهذا دليل على شدة الإحساس، وحيث اشتد الإحساس كان الألم، وحيث مات الإحساس فلا ألم، وليس لجرح بميت إيلام! وقد ختم الله تعالى الآية بما يبين عظم سلطان الله:

ص: 1720