المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أن يكون بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم إلا ظالما، - زهرة التفاسير - جـ ٤

[محمد أبو زهرة]

الفصل: أن يكون بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم إلا ظالما،

أن يكون بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم إلا ظالما، حكمه فيه طغيان كثير؛ لأنه لَا يعتمد على قانون منظم للحقوق والالتزامات.

(وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) وإذا كان الله تعالى قد أمرهم أن يكفروا بحكم الهوى والغرض والظلم وبحكم الأوهام والكهنة، واختاروا هم الاحتكام إلى طاغية من طغاتهم، أو كاهن من الكهان، فقد كان ذلك بوسوسة الشيطان المضل في نفوسهم، وهو لَا يريد لهم إلا العدول عن الخط المستقيم.

فالضلال هو العدول عن الخط المستقيم، سواء أكان ذلك في المعنويات أم كان في السير الحسي. ومن عدل عن الطريق المستقيم واستمر في غيره، فهو كمن بعُد عن الطريق السوي، وسار في متاهات، كلما أمعن بعد. وهؤلاء قد ابتدأوا بالنفاق، فكلما وسوس لهم شيطانهم بالباطل أبعدهم عن الحق وعن طريقه. فمعنى يضلهم ضلالا بعيدًا يبعدهم عن الحق الذي ابتدأوا باجتنابه، فصاروا كمن يوغلون في متاهات من الأرض، كلما أوغلوا زادوا بعدا عن الطريق المستقيم.

وإن هذا النص يومئ إلى أنه لَا يتفق مع الإيمان الصادق أن يتحاكم المؤمن إلى غير النظام الذي يقرره القرآن والسُّنَّة. ويومئ النص أيضا إلى أن كل تحاكم لغير شريعة الله تعالى وما تقرره من أحكام، هو تحاكم إلى طغيان كبير لَا يقوم الحكم فيه إلا على الهوى. ألم تر كل النظم التي تحكم بغير القرآن لَا تعاقب الزاني، ولا تعتبر فعله جريمة إلا إذا كان فيه اعتداء على الزوجية أو اغتصاب، أو زنى بقاصرة! وأي طغيان وهوى أعظم من ذلك جرما؟!

ويومئ النص كذلك إلى أن من يرفض حكم القرآن يخضع لحكم الشيطان، ويضل به ضلالا، كلما سار فيه بعد عن الحق المبين:

* * *

ص: 1735

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ‌

(61)

* * *

إذا قيل لهؤلاء الذين ضعف إيمانهم فلم يذعنوا للحق، ولم يخضعوا لحكم الله: تعالوا وأقبلوا على الخضوع لله تعالى ولحكمه - رأيت الذين اتسموا بالنفاق منهم يعرضون عنك إعراضا شديدا، وذلك لأنهم لمرض النفاق في قلوبهم

ص: 1735

ينفرون من العدل والحق نفورهم من الإيمان الصريح الذي لَا دَخَلَ فيه (1)، ومن الطريق المستقيم الخالي من العوج.

وفى الآية الكريمة إشارتان بيانيتان:

إحداهما - التعبير بقوله تعالى: (إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ) فإن هذا يبين لهم أنهم يتركون الحكم المنزل من السماء من عند الله إلى حكم الأرض وأهواء أهلها، ويبين لهم أن الرجوع في الحكم إلى الرسول هو رجوع إلى حكم الله الذي ينطق به رسوله الأمين، وأن امتناعهم عن ذلك إنكار للرسالات الإلهية مع أنهم من أهل الكتاب، الذين يعتزون على العرب بأنهم يؤمنون بشرائع السماء ويخرهم أميون!! ثم يبين ذلك أن الخضوع لحكم الرسول خضوع لحكم الله تعالى وما أنزله الله، فالمعترض على حكم الرسول معترض على الله سبحانه وتعالى.

الثانية - في قوله تعالى: (رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) فإنه يشير إلى أن الذين يعرضون عن حكم الله تعالى وينفرون منه هم المنافقون الذين يسرون ما لَا يظهرون ويخفون ما لَا يبدون، فالإعراض عن حكم الله تعالى سمة من سمات النفاق أو بالأحرى أوضحها وأبينها.

والنص يشير مع هذا إلى أن الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت فريقان: فريق ضعيف الإيمان، وفريق منافق، وأن المنافقين من بينهم شديدو النفرة والإعراض. اللهم إلا أن يقال إن ذلك إظهار في موضع الإضمار، أي أن الذين يزعمون أنهم آمنوا بالله وبالرسول، الذين يرتضون حكم الطاغوت هم منافقون، وهم بسبب نفاقهم يعرضون عن حكم الله إعراضا شديدا، فهم طائفة واحدة!

(1) والدَّخَل: ما داخَل الإِنسانَ من فساد في عقل أو جسم، وقد دَخِلَ دَخَلا ودُخِلَ دَخْلاً، فهو مَدْخُول أي في عقله دَخَل. وفي حديث قتادة بن النعمان: وكنت أرى إِسْلامه مَدْخُولا، الدَّخَل، بالتحريك: العيب والغِش والفَساد، يعني أن إِيمانه كان فيه نِفَاق.

ص: 1736