الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا
(159)
* * *
" إن " هنا النافية، والمعنى ما من أحد من أهل الكتاب اليهود أو النصارى، أو بعبارة أدق الذين يسمون أنفسهم نصارى أو مسيحيين إلا ليؤمنن به حق الإيمان، ويخضعون حق الخضوع قبل موته عليه السلام، فالضمير في موته يعود إلى المسيح عليه السلام، وهذا يسير على أن عيسى سيعود، ويحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤمن به أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وهناك تخريج آخر، وهو أن الضمير في (موته) يعود إلى أحد المطوية في الكلام ومقدرة، والمعنى ما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى عند موت أي كتابي، لأنه عند حشرجة الموت يتنبه الشخص لما أنكر وجحد، فيؤمن، كما كانت حال فرعون إذ قال عندما أدركه الغرق: آمنت أنه لَا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل. وإن عيسى عليه السلام سيكون شهيدا بالحق يوم الحق يشهد على اليهود بما كفروا به، ويشهد على الذين يقولون إنهم نصارى، وأنهم كفروا به فادعوا أنه إله أو ابن الله، وأن كلامهم في هذا باطل، وأنه عبد الله ورسوله.
وهنا نريد أن نشير الى موقف الإسلام، ومن يقولون أنهم نصارى - من المسيح عليه السلام: هم يقولون أنه قتل وصلب ليطهر الخليقة من ذنب أبيهم آدم، وأن الله اختار ابنه ليكون فداء، وأما الإسلام فإنه يقول إن الله نجاه، ورفعه إلى المنازل العليا.
ولا نريد أن نقول إنهم يرمون الله تعالى بالجهل إذ سكت أزمانا طويلة - حتى بدا له أن يجعل ابنه فداء، ولا نريد أن نقول إن العنصر الإلهي كيف حل في مريم البتول، ولا نريد أن نقول إن الله عفا عن آدم، وإن لم يعف فإن العقاب يكون عليه ولا يكون على غيره، لَا نريد أن نقول إن هذا كله مخالف لكل معقول، ولكن نقول كيف يتصور أن يكون الفداء للخليقة بإنزال ابنه إلى الأرض ليقتله بعض ذرية آدم الذي عصى؟!! إن المعقول أن يكونوا قد أضافوا إلى قولهم جريمة أخرى هي قتل ابن الله بل إنها جريمة أشد وأنكى، وإذا قيل لهم ذلك
القول قالوا إن الدين له منطق غير منطق العقل. ولكن عيسى ابن مريم، الحق فيه ما قاله القرآن ولكنهم يمترون.
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4).
* * *
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)
* * *
في قلوبهم قسوة، وفي نفوسهم جفوة، وعقولهم غُلْف لَا تنفتح للحق، ولا تذعن له، ظهرت آياته وقامت بيناته، أتتهم آيات الحق والمعجزات فكذبوا بها وطلبوا غيرها، وقالوا أرنا الله جهرة، ورأوا الجبل يعلو عليهم، فقبلوا ميثاق الإيمان، ثم نقضوه، وقتلوا بعض الأنبياء لغلظ قلوبهم، وانطماسها، وغفلتها عن الحق، ورموا مريم البتول ببهتان وكذب، ومحاولتهم قتل عيسى ابن مريم رسول الله، وافتخارهم لقتله وما قتلوه، فهذه مظالم تتلوها مظالم، ولا بد من تربية نفوسهم على الحق، وتهذيبها لتذعن له، والنفس الشرهة الشرسة لَا يهذبها إلا الحرمان أبدا، عسى أن تنقشع عنها غياهب المادة فترى، ولذا قال سبحانه:
(فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) الظلم هنا خاص بالكفر الذي ذكرته الآيات سابقا، كفروا بمواثيق الله، ولم يذعنوا للحق، إذعانا
ظاهرا إلا بعد تهديد غليظ، ثم نقضوا ما عاهدوا الله تعالى عليه وقتلوا الأنبياء وكذبوا على الأبرياء.
فالظلم إذن هو هذا الكفر الذي أوغلوا فيه إيغالا. ولا شك أن ما جاء بعد ذلك ظلم بين، فالصد عن سبيل الله ظلم، وأخذهم الربا ظلم، وأكلهم أموال الناس بالباطل ظلم، وكل واحدة من هذه الجرائم التي أركسوا فيها ظلم وذنب، ولذلك صح أن تذكر كل واحدة منها منفردة، وإن كانت تدخل في عموم كلمة ظلم. ولكن عند اجتماعها مع هذه الجرائم تخصص كل كلمة بما ذكر أولا أنهم ارتكبوه، ودل على غلظ أكبادهم وقسوة قلوبهم، وكفرهم الصريح وهو أشد أنواع الظلم، وإن الشرك لظلم عظيم.
وقد ذكر سبحانه وتعالى العقوبة بقوله تعالى:
(حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا) هذا هو حكم الله تعالى الذي قرره تهذيبا وتأديبا لهم، وفطما لنفوسهم عن الشهوات، ولقلوبهم التي استغرقتها المادة، والنفوس إذا فطمت تتهذب، وقد تذهب قسوتها. حرم الله سبحانه وتعالى أمورا كانت حلالا لهم، وهي بتكوينها من الطيبات التي أحلها الله تعالى، وليست من الخبائث التي يحرمها الله تعالى، فهي في أصل تكوينها طيبات من شأنها الحل، ولكن حرم بعضها عليهم تهذيبا وتربية لكي تذهب عن قلوبهم بعض القسوة، وبعض الأنانية التي استولت عليها، والتنكير في قوله تعالى:" طيبات " فيه إشارة إلى أنه لم تحرم كل الطيبات، بل بعض منها، وقد بينه سبحانه وتعالى بقوله تعالى:(وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146).
وإنه يلاحظ أن هذه المحرمات من الطيبات من شأن الإكثار منها أن يوجد شحما في الجسم واسترخاء، وحيث كان الجسم كذلك تضعف الهمة، وحيث ضعفت الهمة، كانت محبة المادة، والكسب الرخيص، وطلب من غير الله، وقد