المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

آخر يعبده ويؤمن به، فإنه الفاعل المختار المريد، ويكون القصد - زهرة التفاسير - جـ ٤

[محمد أبو زهرة]

الفصل: آخر يعبده ويؤمن به، فإنه الفاعل المختار المريد، ويكون القصد

آخر يعبده ويؤمن به، فإنه الفاعل المختار المريد، ويكون القصد بيان قدرة الله تعالى الشاملة، وإثبات أن كفر الكافر ليس بعيدا عن تقديره، وإيمان المؤمن كذلك، فهو الذي خلق الإنسان صالحا لأن يسلك طريق الشر وطريق الخير، وأن ذلك بإرادته، ولو أراد غيره لكان ما أراد لأنه هو الذي يقول للشيءكن فيكون، وهو الذي خلق الملائكة الذين لَا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، ويكون ذلك كقوله تعالى:(إِن يَشَا يُذْهِبْكُمْ وَيَأتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ).

وعلى التوجيه الثاني - وهو أن يكون الخطاب للمشركين الكافرين بالرسالة المحمدية والمسلمين الذين يكونون على طرف الإسلام - يكون المعنى إن استمررتم على الشرك أو كان منكم الكفر بعد الإيمان، فإن الله تعالى بمقتضى سننه في الفطرة الإنسانية يفنيكم بإذهاب قوتكم وسيطرة الفساد عليكم، ويجيء من بعدكم من ينصر الحق، ويكون النص كقوله تعالى:(وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدلْ قَوْمًا غَيْرَكُم ثمَّ لا يَكونوا أَمْثَالَكُمْ)، وكقوله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، وقد ذيل الله سبحَانه النص الكريم ببيان قدرته الكاملة على ذلك التغيير، فقال تعالى:(وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا) أي أن الله سبحانه وتعالى قدير على ذلك التغيير والتبديل الذي تستغربونه وتستبعدونه، وقد قدم الجار والمجرور وهو قوله (عَلَى ذَلِكَ) لموضع الاهتمام وهو التغيير والتبديل، الذي يستبعدونه لفرط إحساس المشركين بقوتهم، وغرورهم بدولتهم، واستضعافهم لشأن المؤمنين الصادقين.

* * *

ص: 1892

(مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

(134)

* * *

الثواب ما يعود على الإنسان من أي عمل يعمله، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ثم أطلق الثواب في القرآن على الجزاء، وذلك في مقابل العقاب الذي هو جزاء الشر، والمراد هنا على هذا الأساس نعيم الدنيا، والنتائج الطيبة لأعمال الدنيا. ومعنى النص السامي من يكون من شأنه وطوية نفسه أن يطلب نعيم الدنيا وما فيها من خير، فإن الله

ص: 1892

تعالى يعطيه ما يطلب إن اتجه إلى طلبها عن طريق الحق والدين، فإن الله تعالى ذا السلطان الكامل في الدنيا والآخرة هو وحده عنده نعيمهما معا، فمن أراد الدنيا عن طريق الخير والحق، فإنه سينال ذلك بتوفيق الله تعالى وتمكينه.

وهذا الكلام يطوي في ثناياه معاني ثلاثة:

أولها - أن الاستجابة لما يطلبه الله سبحانه وتعالى تؤدي إلى خير الدنيا من عزة ورفعة وقوة وسلطان في الأرض، وتعاون على إصلاحها ومنع فسادها، وتواصل وتراحم، من غير تقاطع ولا تدابر.

ثانيها - أن من يطلب الدنيا من غير طلب الآخرة ولا يستجيب لداعي الله، يكون قد طلب الأخس وترك الأخطر منهما، ولا يكون طالبا لها على وجه الحق، ويكون محاسبا على كل ما نال من مغانم في هذه، ولذا قال تعالى:(وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا). ثالثها - أن النص الكريم يفيد قدرة الله، وكمال سلطانه، وعدله في الثواب والعقاب، وأنه يعلم الخير ويجزي عليه والشر ويعاقب صاحبه (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8). ولذاً ختم سبحانه الآية بقوله:

(وَكانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) أي أن الله سبحانه وتعالى عالم علما دائما أزليا علم من يسمع ما يجهر به ويسر، ومن يطلع على حركات النفوس، وخلجات القلوب، وما يجيش في الصدور، وعالم علم من يبصر أدق الأعمال وأخفاها من خير أو شر، وإنه مجازي كل إنسان على مقتضى هذا العلم الذي لَا تخفى عليه خافية.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

* * *

ص: 1893