المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ - زهرة التفاسير - جـ ٤

[محمد أبو زهرة]

الفصل: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ

(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ‌

(44)

* * *

ذكر سبحانه في الآيات السابقة ما عليه اليهود من أنهم كانوا سماعين للكذب، وأنهم يأكلون السحت، وأنهم لَا يتبعون الحق في أحكامهم، بل يجعلون الحكم تبعا لأهوائهم يفرقون في الأحكام بين الشريف والضعيف، والغني والفقير، والقوي المستعلي، والضعيف المستخذي، وأنهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بعض قضاياهم راجين أن يكون عنده ما يرضي أهواءهم، فكشف الله سبحانه وتعالى خبيئة نفوسهم، وبين أن الحكم عندهم ثابت فيها، وأن الإسلام لم ينسخه، وقضى عليه الصلاة والسلام به أو أشار عليهم باتباع ما عندهم في هذه المسألة إن كانوا طلاب حق، ثم بين سبحانه أن التوراه التي بأيديهم لَا يزال بها ذلك لم يغيروه.

وقد بين سبحانه وتعالى من بعد ذلك مقام التوراة في الأحكام التي قررتها لليهود، وتململوا بها، وخرجوا عليها، وكان ذلك من أسباب ضياعهم، وقساوة قلوبهم. فقال سبحانه:(إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ).

في هذا النص الكريم بيان لشرف التوراة قبل أن يحرفوها ومكانها من الحق، فبين سبحانه شرفها الذاتي، وشرفها الإضافي، بين أنها منزلة من عند الله

ص: 2198

تعالى، فقال تعالت كلماته:(إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ) هو سبحانه وتعالى المنزل لها، وأكد ذلك الشرف بـ (إِنَّا)، وبإضافة ذلك التنزيل إلي " تعالت كلماته، وتقدست كتبه.

وبين سبحانه وتعالى شرفها الذاتي بما اشتملت عليه من هداية ونور، والهداية أو الهدى ما اشتملت عليه من بيان الأحكام في المعاملات والزواجر الاجتماعية وما يرشد إلى التطبيقات العملية، وأما النور فهو ما تشتمل عليه من مواعظ مبصرة، وأخلاق منيرة للحق، مقومة للسلوك مكونة للرأي العام الفاضل، وعبادات مطهرة للنفوس منيرة للقلوب، وبذلك تكون الهداية ما يتعلق بمعاملات الناس وتنظيم الجماعة والنور ما يتعلق بالعقيدة والعبادة والمواعظ، وسائر ما يتصل بالتوجيه النفسي وتطهير القلوب.

وقد فسرت الكلمتان بغير ذلك، فقد فسر الزمخشري كلمة " الهدى " بأنه: يهدي إلى الحق والعدل، و " النور " بما فيه بيان ما اسْتُبْهِمَ من الأحكام، والمؤدى على التفسيرين هو الرد على اليهود، وبيان وجه العجب في قوله تعالى:(وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ) بأنهم لو كانوا طلاب حق فالتوراة عندهم فيها الهداية إلى العدل وهي كاملة في بيانه وتوضيحه، لَا تحتاج إلى مبين، ولا إلى موضح.

ويجب أن ننبه هنا إلى أن التوراة التي فيها هذه الأوصاف من أنها منزلة من عند الله، وأنها هدى ونور - إنما هي التوراة التي لم يحرفوها، ولم يزيدوا عليها أو ينقصوا منها، فإنها دخلت فيها الزيادة والنقص عندما ضُربت أورشليم (1) بأيدي التتار والرومان، وحرقوها، فلا يحتج بهذا الكلام للتوراة التي بأيدي اليهود وغيرهم في هذه الأيام، فقد نسوا حظا مما ذكروا به، وزادوا ما لم ينزل من عند الله.

(يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ) التوراة الصادقة التي أنزلت من الله تعالى لم تكن شرائعها معَطلة بل كانت ثابتة معمولا بها، والذين

(1) أورشليم: بيت المقدس بالعبرانية.

ص: 2199

كانوا يعملون هم النبيون الذين جاءوا من بعد موسى، فقد كانت التوراة الشريعة التي ينفذون أحكامها، ولم يكن عندهم ما ينسخ شريعة التوراة أو يبدل أحكامها أو بعض هذه الأحكام، ولقد وصفهم الله تعالى بأنهم:(الَّذِينَ أَسْلَمُوا) أي أخلصوا لله ولتنفيذ أحكامه، وأذعنوا للحق، ولا يحاولون أن يجدوا منه مناصا بتأويل، أو لإرادة تخفيف لشريف، وتشديد على ضعيف، وفي ذلك تعريض بما كان من اليهود من جعلهم للضعيف حكما صارما، وللشريف تهاونا ظالما، فإن خُلق النبيين الإخلاص وهو الإسلام والانقياد وتنفيذ حكم الله تعالى بقلب سليم، فذكر وصف الإسلام للنبيين، لبيان ما أوتوا من شرف الإذعان، وللإشارة إلى أن تنفيذ الأحكام من غير عوج ولا التواء هو خلق كل النبيين، ويقول بعض العلماء: إن ذلك تشريف لمعنى الإسلام إذ هو خلق الفضلاء، وخلق النبيين الصديقين، ويقول الإمام ناصر الدين بن المنير الإسكندري في ذلك: " إن الصفة قد تذكر للعظم في نفسها، ولينوه بها إذا وصف بها عظيم القدر، كما يكون تنويها بقدر موصوفها، فالحاصل أنه كما يراد إعظام الموصوف بالصفة العظيمة قد يراد إعظام الصفة بعظم موصوفها. . . فكذلك والله أعلم جرى وصف الأنبياء في هذه الآية بالإسلام تنويها به، ولقد أحسن الناظم في مدحه عليه الصلاة والسلام، إذ قال:

فلئن مدحت محمدا بقصيدتي

فلقد مدحت قصيدتي بمحمد

فيقرر ذلك العالم الجليل أن وصف النبيين بالإسلام تنويه بشأنه، وإعلاء لقدره؛ إذ إن النبيين هم المصْطَفوْنَ الأخيار، فالصفات تعلو بهم، وهم قد علوا باختيار الله تعالى لهم.

وحكم هؤلاء الأنبياء الذين جاءوا من بعد موسى بالتوراة التي نزلت عليهم كان لليهود، فكانت فاصلا بينهم مقيمة الحق فيهم، فما بال اليهود يتململون من حكمها، ويخرجون عن سمتها، ويطبقونها على الضعفاء، ويعفون من أحكامها الزاجرة الأقوياء، إنما أهلكهم ذلك الجور، وهم لَا يعيشون إلا في أزمان الجور، وحيث كان العدل أذلتهم أخلاقهم، وأركستهم أهواؤهم.

ص: 2200

(وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) وهذا النص يبين أن التوراة ما كان يطبق أحكامها النبيون فقط، حتى لَا يقال لسنا كالنبيين، وإن تطبيقها مقصور عليهم، ولكن الذين يطبقونها من غير النبيين يتصفون بصفتين: الإخلاص، والاتصال الروحي بالله، حتى يكون سمعهم الذي يسمعون به، وبصرهم الذي يبصرون به، والصفة الثانية: العلم الدقيق العميق، والإحاطة الكاملة بعلم الكتاب، بحيث لَا يكونون ممن يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض وهؤلاء هم الربانيون والأحبار.

والربانيون هم المنسوبون إلى الرب، وقد قال في تفسير هذا اللفظ الأصفهاني في مفرداته:" والرباني قيل منسوب إلى الربان، لفظ فعلان من فعل يبنى، نحو عطشان، وسكران، قلما يبنى من فعل، وقد جاء نعسان، وقيل هو منسوب إلى الرب الذي هو المصدر وهو الذي يرب العلم كالحكيم، وقيل منسوب إليه، ومعناه رلت نفسه بالعلم، وهما متلازمان؛ لأن من رب نفسه بالعلم فقد رب العلم، ومن رب العلم فقد رب نفسه، وقيل هو منسوب إلى الرب أي الله تعالى، فالرباني كقولهم إلهي، وزيادة النون كزيادته في قولهم لحياني وجسماني، قال على رضي الله عنه: " أنا رباني هذه الأمة ".

وخلاصة ذلك الكلام: أن كلمة رباني إما منسوبة إلى الرب بمعنى تربية النفس وتهذيبها، وجعلها خاضعة لله تعالى ولمقتضى العلم والتهذيب، فهو قد صفى نفسه من أدران الهوى، وإما منسوبة إلى الرب الخالق المبدع المتصرف، أي أن الشخص قد جعل نفسه خالصا لله تعالى كإلهي، أي أنه عابد عبادة جعلت لكل شيء في نفسه لله تعالى، والمعنيان وإن افترقا في التصريف والاشتقاق متلاقيان في المؤدى، إذ المؤدى أن الربانيين هم الذين صفوا نفوسهم، حتى كانت لله تعالى خالصة لَا تزيفها الأهواء ولا الشهوات، فالحق ملء قلوبهم، ولا يشغلها غيره (1)، والأحبار هم العلماء جمع حَبْر، أو حِبْر، وهما لغتان، وهو مأخوذ من

(1) أي لَا يشغل قلوبهم غير الحق.

ص: 2201

معنى التزيين والتحسين؛ لأن الحبر هو الأثر الحسن ذو الرونق، ويكون المعنى الذين يجمعون العلم ويدرسونه ويزينونه بالقول الحسن والتطبيق الجيد، أو هو مأخوذ من الحبر مادة الكتابة لعنايتهم بتدوين علمهم وعرضه للناس، وإبقائه أثرا خالدا من بعدهم، والمفسرون على أن الربانيين والأحبار نوعان قد طبقوا حكم التوراة فالأولون صفت نفوسهم وربوها بالعلم والعبادة، والآخرون جمعوا العلم ورتبوه وعرضوه، وعلى هذا التفسير الذي يجعلهم نوعين متغايرين، نوجه القول فيه بأن الذين قاموا على التوراة صنفان: أحدهما - جمع علمها واستخرج ينابيعها، وأحاط بها، وآخرون طبقوها في الأقضية، أي أن الفقهاء وهم الأحبار قدموا خلاصة ما علموا نقيا محبرا تحبيرا جيدا، والآخرون وهم الربانيون طبقوه مجردين أنفسهم من كل شهوة وهوى، فالضعيف عندهم قوي، حتى يأخذوا الحق له والقوي منهم ضعيف حتى يأخذوا الحق منه، كما يفعل الربانيون من أمة محمد أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم رضي الله عنهم، وقدم الربانيون على الأحبار؛ لأنهم الذين يطبقون العلم على العمل، والمقام في الآية هو مقام التطبيق، فالعمل الواضح هو عمل الربانيين؛ لأنهم الذين يحكمون بحكم التوراة، وقد خص الله تعالى الفريقين بقوله تعالت كلماته:(بمَا اسْتُحْفطوا من كتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ).

" الباء " هنا متعلقة بـ " يحكم "، أي أن النبيين والربانيين والأحبار يحكمون بما في التوراة لأنهم حُمِّلوا أمانة حفظ كتاب الله، بحيث لَا يضيعونه، ولا يهملون أحكامه، وقد يقال إنها متعلقة بالربانيين والأحبار، على معنى أنهم أوتوا هاتين المنزلتين منزلة الربانية والعلم بسبب أنهم حملوا أمانة الكتابة وقاموا، و " استحفظوا " بالبناء للمجهول فيه بيان أنهم بمقتضى ما مُنحوا من صفات عهد إليهم أمر المحافظة على كتاب الله المنزل على نبيه، والمراد بكتاب الله هنا التوراة، وعبر عنها بكتاب الله تعالى للإشارة إلى منزلتها إبان نزولها قبل تحريفها، وإلى شرف من يقومون بحفظها، وإلى مكان التكليفات والأحكام التي اشتملت عليها، والاستحفاظ هو الحفظ المطلوب؛ إذ إن السين والتاء للطلب، والمعنى: أن الربانيين

ص: 2202

والأحبار حفظوا كتاب الله تعالى بإلهامهم طلب الحق والعلم وتوجيههم نحو الخير، وكان حفظهم مؤكدا؛ لأنه استجابة لطلب الله تعالى الخبير، وحفظ الكتاب بعلم ما اشتمل عليه، ومنعه من الضياع والتحريف، وتنفيذ الأحكام التي يأمر بها، وطاعته فيما ينهى.

وكان أولئك الربانيون والأحبار شهداء، أي رقباء يحافظون على نصوصه كاملة، ويشهدون بصدق ما نزل من عند الله، ويردون المحرف، وكانوا أيضا رقباء على تنفيذه، بحيث ينفذ من غير عوج.

(فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) الخشية هي الخوف مع تعظيم المخشي ومحبته، فليست مرادفة لمعنى الخوف؛ لأن الخوف أعم من أن يكون من مرهوب معظم محبوب، أو مرهوب مبغض ذميم، أو فيه مهانة لا عظمة فيه؛ ولذلك عبر عن الأخيار بالنسبة لله تعالى بالخشية دون الخوف، ومن ذلك قوله تعالى:(. . . إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عبَاده الْعلَمَاء. . .).

وقوله تعالى: (. . . وَخَشيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْب

). وقال سبحانه: (. . . وَيَخْشَوْنَ ربَّهمْ وَيَخَافَونَ سُوءَ الْحِسَابِ).

و" الفاء " في قوله تعالى: (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) هي للإفصاح، والمعنى: إذا كان الكتاب قائما وثابتا، ونفذه السلف والخلف إلى ما بعد عصر النبيين، فلا تخشوا الناس، والتعبير عن خوف الناس وملامتهم بالخشية من قبيل المشاكله اللفظية، في مقابل قوله تعالى:(وَاخْشَوْن). أي أن الله تعالى هو وحده الجدير بأن يخشى، كما قال تعالى:(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ).

والخطاب موجه إلى اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم -وعلمائهم، وفي الكلام يكون التفات إذ انتقل الكلام من أخبار الأخيار منهم إلى خطابهم، والمعنى: لا تخافوا ملامة الناس ولكن اخشوا الله تعالى وحده، فلا تمالئوا الأقوياء وتركنوا إليهم، بل اجعلوهم جميعا سواء مع غيرهم من الضعفاء كما كان يفعل النبيون

ص: 2203

والربانيون، الذين اقتفوا أثر النبيين ويكون معنى (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) لا تستبدلوا بأحكام آياتي، فتتركوها هاجرين لها معرضين عنها، في نظير رشوة أو ممالأة، فإن ما يكون ثمنا لترك الآيات قليل مهما يكن مقداره، ومهما يكن اعتباره، فآيات الله تعالى أغلى ما في الوجود؛ لأنها هدايته.

ولكن الخطاب " لا تخشوا "، و " اخشوا " ربما يكون أعلى من أن يكون لليهود الذين عاصروا النبي عليه الصلاة والسلام فقد وصفهم الله تعالى بأنهم سماعون للكذب أكَّالون للسحت، ولذلك أحيلُ إلى ما روي عن الحسن البصري من أن الخطاب للمؤمنين، فهم الجديرون بخشية الله تعالى، وهم الجديرون برفعة هذا الخطاب، وربما كان ما روي عن ابن مسعود من أن الخطاب عام للناس أجمعين هو الأسلم، وهو ما تدل عبارة صاحب الكشاف.

(وَمَن لَمْ يَحْكُم بمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) الإشارة في قوله تعالى: (فَأُولَئِكَ) للذين لَا يحَكمون بما أنزل الله، فهي إشارة تفيد أن النتيجة سببها الفعل، وهو تجنب حكم الله تعالى، وقد أكد سبحانه الحكم بالكفر عليهم بهذه الإشارة وبالجملة الاسمية، وبالفاصل (هم)؛ وبالقصر إذ هم مقصورون على الكفر، والكفر مقصور عليهم قصرا إضافيا، بمعنى أنهم بلغوا في الكفر أقصاه، حتى لَا يعد كفر غيرهم بجوار كفرهم شيئا مذكورا.

وهل يعد كل من يحكم بغير حكم الله تعالى الذي أنزله على رسله كافرا؟

يظهر لي أن الذي يحكم بغير حكم الله مستهينا به مستنكرا له، وقد يبلغ به الاستنكار درجة التهكم عليه يعد كافرا؛ لأن ذلك جحود وإنكار أو استهزاء بآيات الله إن كان يعلم أنها من عند الله تعالى، ويستنكر مؤداها، ومن جحد أحكام القرآن فقد كفر، وقد قال في ذلك عبد الله بن عباس:" من جحد حكم الله كفر، ومن لم يحكم به وهو مقر فهو ظالم فاسق " وبذلك يكون هذا النص واردا فيمن حكم بغير حكم الله تعالى منكرا. . اللهم املأ قلوب قومنا بالإيمان حتى يألفوا حكم الله، ويرتضوا كتابه حكما بينهم، ولا يجدوا حرجا في حكمه، إنك خير الحاكمين.

* * *

ص: 2204