المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فقال إن لي خادما، قال: فأنت من الملوك، وقد روى - زهرة التفاسير - جـ ٤

[محمد أبو زهرة]

الفصل: فقال إن لي خادما، قال: فأنت من الملوك، وقد روى

فقال إن لي خادما، قال: فأنت من الملوك، وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من كان له بيت وخادم فهو ملك "(1) قد آتى الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل الحرية، ومنع ذلهم، ومنحهم رغد العيش، وبذلك جعلهم ملوكا بموسى عليه السلام. النعمة الثالثة - هي النعم التي أفاضها الله تعالى عليهم وقد عبر سبحانه وتعالى عنها بقوله تعالى حاكيا (وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ).

والعالمون: جمع أُريد به العقلاء من أهل هذه الأرض، ويفترق عن مفرده بأن المفرد يطلق على كل من هو على ظهر الأرض أو في باطنها من جماد ونبات، وحيوان وإنسان، بل إنه يشمل الأرض، والسماوات قاصيها ودانيها؛ ولذلك يقول العلماء: إن المفرد هنا أعم من الجمع، لأن الجمع لَا يشمل إلا العقلاء، بينما المفرد يشمل كل شيء، والمفرد هو العالم.

وقد قال العلماء: إن المراد هو العالمون في زمانهم، أما من جاء بعدهم، فقد أعطاهم الله تعالى ما هو أكثر وأبعد أثرا، وذكر الزمخشري هذه النعم، فقال:(مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ) من فلق البحر، وإغراق العدو، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، ويصح أن يضاف إلى ذلك إنقادهم من أذي فرعون.

وهذه نعم منها ما أخذها غيرهم ومنها ما اختصوا بها كفلق البحر اثنى عشر فرقا كالطود العظيم، وإنزال المن والسلوى، فهذه قد اختصوا بها دون العالمين، وإن لم يكن أكبر مما أعطاه غيرهم من نصر مؤزر.

* * *

(1) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (ج 6، ص 108) عن زيد بن أسلم.

ص: 2110

(يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ

(21)

* * *

كان تكرار النداء من موسى عليه السلام لعِظَم التنبيه، وخطر ما يدعوهم إليه، وعظم شأنه، وكان تكرار كلمة " يا قوم " للإشارة إلى أن فيما يطلبه منهم عزهم جميعا ورفعة أقدارهم، وقد قيلت أقوال كثيرة في الأرض المقدسة، وقد اتفقوا على أن معنى

ص: 2110

التقديس البركة والنماء، فهي مباركة، ولكن ما هي هذه الأرض التي عناها موسى عليه السلام بطلبه، وأصح الأقوال وأولاها هو ما قاله ابن جرير الطبري إذ قال:" وأولى الأقوال عندي بالصواب أن يقال هي الأرض المقدسة، كما قال نبي الله تعالى موسى صلى الله تعالى عليه وسلم، لأن القول في ذلك بأنها أرض دون أرض لَا تدرك حقيقته إلا بالخبر، ولا خبر بذلك يجوز قطع الشهادة به، غير أنها لن تخرج من أن تكون الأرض التي ما بين الفرات وعريش مصر، أي أنها تشمل سيناء والشامات كلها بما فيها فلسطين والأردن ولبنان ".

ولا شك أن هذا الكلام جدير بالأخذ، لأن هذه الأرض المقدسة طُلب منهم أن يدخلوها بعد أن اجتازوا البحر الأحمر، وعبروه إلى سيناء، وسمي بعضها الوادي المقدس، كما قال تعالى مخاطبا موسى:(. . . إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طوًى)، وقد خصصها الأكثرون بأرض إيلياء بيت المقدس وما حوله. وقد قرر الله سبحانه أنه كتب لهم أن يدخلوا بقوله تعالى:(كَتَبَ اللَّهُ لَكمْ) وهنا نجد المفعول غير مذكور، إلا أن المحذوف قد وجد ما يدل عليه، والمعنى كتب لكم أن تدخلوها، أي قدر لكم أن تدخلوها، وفرض عليكم دخولها لإنقاذكم من الأهوال التي نزلت بكم في أرض مصر من فرعون وأعوانه، وقد تعدى فعل كتب باللام، ولم يتعد بعلى للإشارة إلى أن ما فرضه عليهم إنما هو لأجلهم، ولحفظهم، وللإشارة إلى أنه واقع لمنع ضياعهم.

ولا يصح أن يقدر المفعول ضميرا، كما نهج بعض المفسرين، فيكون تقدير القول " كتبها لكم "، لأن مؤدى ذلك أن تكون لهم دائما، مع أن النص الكريم لا يقتضيه ولا يصرح به، إذ الذي يصرح به أنه سبحانه قدر لهم أن يدخلوها، لَا أن يكون قد كتبها وسجلها لهم.

وقد تمسك شُذَّاب اليهود بأن الله تعالى قد كتب لهم أرض الميعاد، وأن ذلك مذكور في الكتب المقدسة عندهم، والحقيقة أن الله تعالى كتب عليهم أن يدخلوا بعد أن خرجوا مصر ليجدوا فيها مأوى لهم، وإنما الأرض لله يرثها عباده الصالحون، وليسوا منهم.

ص: 2111