الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب عتق أمهات الأولاد]
ش: (أمهات) واحدتها، أم، وأصلها أمهة، فلذلك جمعت على أمهات باعتبار الأصل، وأمات باعتبار الواحدة، وقيل: الأمهات: للناس، والأمات للبهائم، وقد أشعر كلام المصنف في الباب بجواز التسري ووطء الإماء، وهو إجماع لا ريب فيه، وقد شهد له قَوْله تَعَالَى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5 - 6] واستفاض أن النبي صلى الله عليه وسلم استولد مارية القبطية أم إبراهيم عليه السلام، وعملت الصحابة على ذلك، فاتخذ عمر وعلي وكثير من الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أمهات الأولاد والله أعلم.
[أحكام أمهات الأولاد]
قال: وأحكام أمهات الأولاد أحكام الإماء في جميع أمورهن، إلا أنهن لا يبعن.
ش: أما كون أحكام أمهات الأولاد أحكام الإماء في جميع أمورهن، عدا ما استثناه فلأنها مملوكة، فأشبهت القن.
3922 -
ودليل الوصف ما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: «من وطئ أمته فولدت له فهي معتقة عن دبر منه، أو قال من بعده» . رواه أحمد وابن ماجه، وفي لفظ:«أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه، أو قال: من بعده» رواه أحمد فدل على أنها قبل ذلك باقية على الرق، فعلى هذا لسيدها كسبها وإجارتها، وتزويجها وعتقها، ووطؤها ونحو ذلك من أحكام الإماء، ولا يرد عليه كونها لا تورث، بل تعتق بموت سيدها، ويحد قاذفها، وتستتر سترة الحرة على رواية فيهما، لذكر المصنف عقب هذا، نعم يرد عليه تدبيرها فإنه لا يصح، لانتفاء فائدته، ولهذا لو طرأ الاستيلاد على التدبير أبطله، قاله ابن حمدان.
قلت: يصح إن جاز بيعها، وقلنا: التدبير عتق بصفة، وقد يرد عليه ما أشعر به كلام أحمد في رواية أبي طالب، وسأله: هل يطأ مكاتبته قال: لا يطؤها لأنه لا يقدر أن يبيعها ولا يهبها، فجعل العلة في امتناع الوطء منع [البيع، والبيع هنا ممنوع كما سيأتي، لكن المعروف في المذهب خلاف هذا، وأنه يجوز الوطء، وقد يرد عليه أيضا ما ينقل الملك غير] البيع كالهبة ونحوها، أو يراد للنقل كالرهن، فإنه لا يجوز، مع أنه لم يستثن إلا البيع، وقد يقال: إنه استثنى البيع وهذه في معناه.
3923 -
وأما كون أمهات الأولاد لا يبعن فلما روى ابن عمر رضي الله عنهما «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد، وقال: «لا يبعن ولا يوهبن، ولا يورثن، يستمتع منها السيد ما دام حيا، فإذا مات فهي حرة» رواه الدارقطني وهو نص، ورواه مالك في الموطأ، والدارقطني من طريق آخر عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما من قوله، قال أبو البركات: وهو أصح.
3924 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أعتقها ولدها» رواه ابن ماجه والدارقطني.
3925 -
ويؤيد هذا ما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال «جاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله إنا نصيب سبيا فنحب الأثمان، فكيف ترى في العزل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وإنكم لتفعلون ذلك؟ لا عليكم أن لا تفعلوا ذلك، فإنها ليست نسمة كتب الله عز وجل أن تخرج إلا وهي خارجة» رواه أحمد والبخاري.
3926 -
وروى البخاري عن عمرو بن الحارث، أخي جويرية بنت الحارث قال:«ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا، ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا، إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضا جعلها صدقة» .
3927 -
وروى سعيد في سننه: حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة عن الشعبي، عن عبيدة قال: خطب علي رضي الله عنه الناس فقال: شاورني عمر رضي الله عنه في أمهات الأولاد، فرأيت أنا وعمر أن أعتقهن، فقضى به عمر حياته، وعثمان حياته، فلما وليت رأيت أن أرقهن. قال عبيدة: فرأي علي وعمر رضي الله عنهما في الجماعة، أحب إلينا من رأي علي وحده. وهذا دليل الإجماع. وحكى جماعة عن أحمد رواية أخرى: يجوز بيعهن مع الكراهة، أخذا من قول أحمد في رواية ابنه صالح وسأله: إلى أي شيء تذهب في بيع أمهات الأولاد؟ قال: أكرهه، وقد باع علي بن أبي طالب. وفي رواية ابن منصور وقال: لا يعجبني
بيعهن.
3928 -
لما «روى أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه سمعه يقول: كنا نبيع سرارينا أمهات أولادنا والنبي صلى الله عليه وسلم فينا حي، لا يرى بذلك بأسا» . رواه أحمد وابن ماجه.
3929 -
وعن عطاء عن جابر رضي الله عنه قال: «بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم» - وأبي بكر، فلما كان عمر رضي الله عنه -
نهانا فانتهينا، رواه أبو داود، وإنما كره ذلك أحمد للاختلاف فيه، كما أشعر به كلامه، ولا ريب أن المذهب هو الأول، وقد امتنع أبو محمد من حكاية ما تقدم رواية، وقال: إن السلف يطلقون الكراهة على التحريم. وقال: إن قول جابر ليس بصريح في أن ذلك كان بعلم النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعلم أبي بكر، بل وقع ذلك من فعلهم على انفرادهم، توفيقا بين الأدلة، وإذا لا حجة فيه، وأجاب غيره بأنه كان مباحا ثم نهي عنه، ولم يظهر النهي لمن باعها، ولا علم أبو بكر رضي الله عنه بمن باع لقصر مدته، واشتغاله بأهم أمور الدين، ثم ظهر ذلك زمن عمر رضي الله عنه، فأظهر النهي والمنع اعتمادا على النهي، لامتناع النسخ بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى. وتقدم الإشعار بأن حكم الهبة والرهن ونحو ذلك حكم البيع، والله أعلم.
قال: وإذا أصاب الأمة وهي في ملك غيره بنكاح فحملت منه ثم ملكها حاملا عتق الجنين، وكان له أن يبيعها.
ش: (أما عتق الجنين) فلأنه من ذي رحمه المحرم، فيدخل في قوله عليه السلام:«من ملك ذا رحم محرم فهو حر» الحديث، والخرقي صور المسألة في النكاح، وكذلك حكم وطء الشبهة، نظرا للحوق النسب، بخلاف الزنا فإن النسب لا يلحق به، فلا يعتق الولد على المذهب المنصوص، (وأما كون له بيعها) فمبني على أن من شروط صيرورة الأمة أم ولد أن تحمل في ملكه، وهذا إحدى الروايات، نص عليه أحمد في رواية ابن منصور، وبه قطع القاضي في الجامع، والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما، وابن عقيل في التذكرة، والشيرازي وغيرهم، واختاره أبو محمد، لما تقدم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: من وطئ أمته فولدت له وهذا لم يطأ أمته، فلم يدخل في الحديث، ولأن الأصل الرق، خولف فيما إذا حملت منه في ملكه، فيبقى فيما عداه على الأصل (والرواية الثانية) لا يشترط ذلك، بل متى وطئها ثم ملكها ولو بعد وضعها صارت أم ولد حكاها ابن أبي موسى، لأنه يصدق عليها إذا أنها أم ولد له، وهو مالك لها، فأشبهت التي حملت في ملكه، قال أبو محمد: ولم أجد ذلك عن أحمد فيما إذا ملكها بعد ولادتها، إنما نقل عنه مهنا التوقف، فقال: لا أقول فيها شيئا (والرواية
الثالثة) إن ملكها حاملا [صارت أم ولد، وإلا فلا، اعتبارا بأن الإيلاد في الملك (والرواية الرابعة) إن ملكها حاملا ووطئها، وكان الوطء يزيد في الولد] صارت أم ولد، وإلا فلا، نقلها صالح.
3930 -
لأنه مروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أبعد ما اختلطت دماؤكم ودماؤهن، ولحومكم ولحومهن بعتموهن.
فعلل بالمخالطة، والمخالطة هنا حاصلة، إذ الماء يزيد في الولد، وهذه اختيار القاضي على ما حكاه عنه أبو محمد، وابن حامد، إلا أن ابن حامد جعل الزيادة بأن يطأها في ابتداء الحمل أو توسطه، والقاضي قيد ذلك بأن يطأها قبل تمام خمسة أشهر.
(تنبيه) قد تقدم أنه هل من شرط صيرورة الأمة أم ولد أن تحمل في ملكه أم لا؟ وهذا يدخل فيه ولو وطئها بزنا، وصرح به أبو الخطاب في الهداية، وابن حمدان، وأبو محمد في الكافي،
وكلامه في المغني يقتضي نفي الخلاف من هذه الصورة، لأنه جعل ذلك أصلا، وقاس عليه المنع، وكذلك قاس عليه الشريف وأبو الخطاب في خلافيهما، والله أعلم.
قال: وإذا علقت منه في ملكه، ثم وضعت منه ما يتبين فيه بعض خلق الإنسان كانت له بذلك أم ولد.
ش: أي وإذا علقت الأمة منه، وهذا يعطي أنه يشترط في صيرورة الأمة أم ولد شروط ثلاثة أحدها أن تعلق بحر، لأنه الذي حكم له النبي صلى الله عليه وسلم بحريتها به، «وقال في أم إبراهيم عليه السلام:«أعتقها ولدها» ونحو ذلك، ويخرج من ذلك ما إذا علقت أمته بمملوك [وذلك في موضعين (أحدهما) العبد إذا ملكه السيد أمة، وقلنا يملك، فإن ولده مملوك] ولا يثبت لأمه حكم المستولدات (الثاني) المكاتب إذا استولد أمته فإن الولد يتبعه، فيصير حكمه حكمه كما تقدم، وهل تتبعه الأمة، فتصير أم ولد إن أدى أم لا؟ فيه وجهان تقدما. (الشرط الثاني) أن يكون العلوق وهي في ملكه، فيخرج منه ما إذا علقت منه وليست في ملكه، وقد تقدم هذا الشرط قبل، فلا حاجة إلى إعادته، وقد يورد عليه الأمة المشتركة إذا أولدها الشريك، إذ
مقتضى كلامه هنا كون جميعها في ملكه، لكن قد تقدم هذا له فلا يرد عليه، وقد يورد عليه أيضا الوالد إذا وطئ أمة ولده فحملت منه، فإن الملك ينتقل له إذا وتصير أم ولد، فحال العلوق لم تكن مملوكة له، وقد يقال: إن بالعلوق تبينا الملك سابقا قبله، ويدخل في عموم كلام الشيخ كل مملوكة له، وإن حرم وطؤها، كالمكاتبة غير المشترط وطؤها، وقد تقدم له ذلك، وكالمجوسية والوثنية، والمحرمة لرضاع، أو حيض، أو ظهار، ونحو ذلك، وكالمزوجة، صرح بذلك أبو محمد هنا، لكن اختلف كلامه في أنه هل يلحقه نسب الولد؟ فقطع في النكاح بعدم لحوق النسب له، وهو منصوص أحمد في رواية حرب ومحمد بن حرب، ومقتضى كلام أبي محمد هنا لحوق النسب له، لأنه حكم بحرية الولد، وهو الذي قاله القاضي في المجرد، معتمدا على ما إذا وطئ أحد الشريكين الجارية المشتركة، وإذا يمنع صيرورتها أم ولد، لانتفاء لحوق النسب، كما تقدم في المزني بها إذا ملكها بعد. (الشرط الثالث) أن تضع ما يبين فيه بعض خلق الإنسان، كأن تضع رأسا أو رجلا أو أصبعا أو تخطيطا له، أو بطريق الأولى إذا وضعت إنسانا، لأن بذلك يعلم أنه ولد، فيتحقق صيرورتها أم ولد.
3931 -
وقد روى أبو القاسم البغوي عن علي بن الجعد، عن سفيان،
عن أبيه عن عكرمة، عن عمر رضي الله عنهم قال: أم الولد أعتقها ولدها، وإن كان سقطا، فيه إرسال، وروي عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم، وروي عن ابن عباس مرفوعا.
3932 -
وكذلك روى الأثرم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أعتقها ولدها وإن كان سقطا. وكلام الخرقي يشمل وإن كان ميتا، وهو كذلك لما تقدم، ويشمل ما إذا وضعت جسما لا تخطيط فيه، فشهدت القوابل أن فيه صورة حقيقة، وهو كذلك، لأنه قد تبين فيه خلق الإنسان بشهادتهن، ويخرج منه ما إذا
وضعت مضغة لا تخطيط فيها لا ظاهرا ولا بالبينة، وله حالتان (إحداهما) لم يعلم كونه مبتدأ خلق آدمي، فلا تصير به أم ولد، اعتمادا على الأصل (الثانية) علم أنه مبتدأ خلق آدمي، بشهادة القوابل أو غير ذلك، ففيه روايتان (إحداهما) وهي ظاهر كلام الخرقي وجماعة لا تصير بذلك أم ولد؛ قال في رواية جماعة: تعتق الأمة إذا تبين وجهه أو يده، أو شيء من خلق الإنسان، لأن ذلك يسمى ولدا، وعتقها مشروط بصيرورتها أم ولد (والثانية) تصير بذلك أم ولد، لأنه مبدأ خلق آدمي، أشبه ما لو تبين، ونقل حنبل عن أحمد: إذا أسقطت أم الولد فإن كان خلقه بائنا عتقت، وانقضت به العدة، إذا دخل في الخلق الرابع، بنفخ الروح، فظاهر هذا أنه يشترط مع التبيين تمام أربعة أشهر، ولا نزاع أنها إذا ألقت نطفة لا تصير بها أم ولد، وكذلك عند جماعة إذا ألقت علقة؛ حتى إن أبا البركات وأبا محمد في الكافي قطعا بذلك، ونص أحمد في رواية مهنا، ويوسف بن موسى أنها تصير بها أم ولد، قال: إذا ألقت مضغة
أو علقة تعتق، وإن لم تتم أربعة أشهر، بعد أن يرى خلقه، ويعلم أنه ولد.
(تنبيه) قول أحمد رحمه الله، تعتق الأمة إذا تبين وجهه. مجاز باعتبار ما يئول إليه، وهو «كقوله عليه السلام في أم إبراهيم:«أعتقها ولدها» أي أنه كان السبب في عتقها، إذ لا نعلم أحدا قال يتنجز العتق فيها في الحمل، والله أعلم.
قال: فإذا مات فقد صارت حرة وإن لم يملك غيرها.
ش: أما صيرورتها حرة بموت سيدها فلما تقدم من قوله عليه السلام: «من وطئ أمته فولدت له فهي معتقة عن دبر منه» «وقوله عليه السلام في أم إبراهيم: «أعتقها ولدها» ونحو ذلك، وأما عتقها من رأس المال فلظاهر ما تقدم، وهذا كله إن لم يجز بيعها على المذهب، أما إن جاز بيعها فقطع أبو محمد بأنها لا تعتق بموته، وظاهر إطلاق غيره يقتضي العتق، ولهذا قدمه ابن حمدان، قال: وقيل إن جاز له بيعها لم تعتق عليه بموته، وكلام الخرقي يشمل وإن كانت كافرة فاجرة، أو كان السيد كذلك، وهو كذلك، نظرا للعموم السابق، والله أعلم.
قال: وإذا صارت الأمة أم ولد بما ذكرنا، ثم ولدت من غيره، كان له حكمها في العتق بموت سيدها.
ش: نص أحمد على ذلك، اقتداء بالصحابة رضي الله عنهم.
3933 -
فقال: قال ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما: ولدها بمنزلتها. وكلام الخرقي يشمل وإن ماتت الأم، وهو كذلك، لأن سبب الحرية قد انعقد، وهو سبب بنفس العتق، فكما لا يرتفع العتق بعد وقوعه، كذلك سببه وأورد على هذا المكاتبة يتبعها ولدها في الكتابة، فإذا بطلت الكتابة في الأم بطلت في الولد، وأجيب بأن سبب العتق فيها إما الأداء في
العقد، أو وجود الصفة، وببطلان الكتابة يتعذر كل واحد منهما، والسبب في أم الولد موت سيدها، ولا يتعذر ذلك بموتها، ويورد على هذا الفرق المعلق عتقها بصفة، فإن موت الأم ونحوه لا يتعذر معه وجود الصفة، ومع هذا لا يعتق الولد. وقول الخرقي: ثم ولدت، يخرج منه ما ولدته قبل الاستيلاد، وهو كذلك، لأنه لا يتبع في العتق المنجز، ففيما هو سبب له أولى، ويتخرج رواية بالتبعية من الرواية الضعيفة في ولد المدبرة.
قال: وإذا أسلمت أم ولد النصراني منع من وطئها والتلذذ بها.
ش: حذارا من أن يطأ مشرك مسلمة، وإنه ممنوع بلا ريب، قال سبحانه:{فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] . ومقتضى كلام الخرقي أن ملكه يقر عليها والحال هذه، وهو المذهب المختار لأبي بكر، والقاضي، وأبي الخطاب والشريف، والشيرازي وأبي محمد وغيرهم، لأن عتقها مجانا فيه إضرار بالسيد، وبالسعاية فيه إضرار بها، لإلزامها الكسب بغير
رضاها، والضرر منفي شرعا، ونقل الملك فيها ممتنع لما تقدم (وعن أحمد) رواية أخرى - قال القاضي: نقلها مهنا - تستسعى في قيمتها ثم تعتق، لأن بيعها وعتقها مجانا منتفيان لما تقدم، وكذلك إقرار الملك عليها، لما فيه من إقرار ملك الكافر على المسلم، فسلك بها طريقة وسطى، وهي الاستسعاء، وحكى في الكافي (رواية ثالثة) أنها تعتق بإسلامها من غير استسعاء، وقال: نقلها مهنا. ولا أعلم له سلفا في ذلك، على أن أبا بكر لم يثبت الثانية، فقال: أظن أن أبا عبد الله أطلق ذلك لمهنا على سبيل المناظرة للوقت. ومقتضى كلامه أيضا أنه يصح إيلاد الذمي، وهو كذلك، بل والحربي، كما يصح عتقهم، ومن ثم قال المجد: إذا أسلمت أم ولد الكافر.
(تنبيه) الخرقي رحمه الله منع من الوطء ونحوه، وظاهره أنه إن أمكن ذلك من غير إحالة بينهما لا يحال بينهما، وقال الشيخان وغيرهما: يحال بينه وبينها، والله أعلم.
قال: وأجبر على نفقتها.
ش: لأنه مالك لها، ونفقة المملوك على سيده، وهذا هو المذهب المعروف، والمنصوص من الروايتين (والثانية) لا تجب عليه نفقتها، قال في رواية الميموني - وسئل: من أين تنفق؟ قال: من أين كانت تنفق لو مات عنها. وبنى أبو البركات هذه الرواية على القول بوجوب الاستسعاء وهو حسن، وتبعه على ذلك ابن حمدان، ثم إن القاضي جعل وجوب النفقة على السيد منوطا بما إذا لم يكن لها كسب، أما إن كان لها كسب فإن النفقة تجب فيه، حذارا من أن يبقى له عليها ولاية بأخذ كسبها، وتبعه على ذلك جماعة من الأصحاب، وعلى هذا إن فضل منه شيء فهو للسيد، واختار أبو محمد في مغنيه أن نفقتها على سيدها، وكسبها له، يصنع به ما شاء، وهو ظاهر كلام الخرقي، وكلام أحمد في رواية ابن منصور، قال: يمنع من غشيانها، ونفقتها عليه، والله أعلم.
قال: فإن أسلم حلت له.
ش: لزوال المانع من الحل وهو الكفر والله أعلم.
قال: وإن مات قبل ذلك عتقت.
ش: إذا مات قبل الإسلام عتقت، لأنها أم ولد، وشأن أم الولد العتق بموت سيدها لما تقدم، والله أعلم.
قال: وإذا عتقت أم الولد بموت سيدها فما كان في يدها من شيء فهو لورثة سيدها.
ش: لأن أم الولد كما تقدم حكمها حكم الإماء، إلا ما استثني، فما في يدها من كسب أو غيره فهو لسيدها، فإذا مات وعتقت انتقل ما في يدها لورثة سيدها، كما في يد المدبرة، والله أعلم.
قال: وإذا أوصى لها بما في يدها كان لها إذا احتمله الثلث.
3934 -
ش: لما روى الإمام أحمد وسعيد، عن هشيم: حدثنا حميد، عن الحسن، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوصى لأمهات أولاده بأربعة ألاف درهم، ولأنها في حال نفوذ