الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على روايتين] ، مع أنه قطع بجواز الحكم على الغائب وفيه نظر، وكلام القاضي وكثير من أصحابه محتمل لذلك، فإنهم قالوا واللفظ للقاضي في الجامع: يجوز القضاء على الغائب إذا أقام المدعي البينة بالحق، وكذلك إن كان حاضرا ممتنعا من حضور مجلس الحاكم في إحدى الروايتين، والأخرى لا يجوز، وهذا يحتمل أن يعود إليهما، ويحتمل عوده إلى الامتناع فقط، وعلى كل حال فهو مخالف لقول أبي البركات، والله أعلم.
[حكم القسمة وكيفيتها]
قال: وإذا أتاه شريكان في ربع أو نحوه فسألاه أن يقسمه بينهما قسمه وأثبت في القضية بذلك أن قسمته إياه بينهما كان عن إقرارهما، لا عن بينة شهدت لهما بملكهما.
ش: الأصل في جواز القسمة في الجملة الإجماع، وقد شهد له قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر على ثمانية عشر سهما، وقسمه الغنائم، وقوله «الشفعة فيما لم يقسم» ثم الحكمة تقتضي ذلك، إذ بالشركاء حاجة إلى ذلك، ليتمكن كل منهم من التصرف، في حقه بما شاء، ويتخلص من سوء المشاركة.
إذا ثبت ذلك فإذا أتى الحاكم اثنان أو أكثر فادعيا أنهما شريكان في ربع - وهو العقار من الدور ونحوها - أو نحوه، وهو ما عداه من الأموال وسألاه أن يقسمه بينهما، فإنه يقسمه بينهما وإن لم يثبت عنده ملكهما، اعتمادا على ظاهر أيديهما، ولهذا جاز شراؤه واتهابه منهما ونحو ذلك، وإذا قسمه أثبت في كتاب القسمة أن قسمته بينهما بسؤالهما، لا ببينة شهدت لهما، حذارا من أن يكون لغيرهما، وذكر الخرقي العقار لينبه على مذهب النعمان، فإن عنده أن الشريكين إذا نسبوا العقار إلى إرث لا بد وأن يثبت الموت والورثة، بخلاف غيره، والشافعي يعمم الثبوت في الجميع، والله أعلم.
قال: ولو سأل أحدهما شريكه مقاسمته فامتنع الآخر أجبره الحاكم على ذلك، إذا ثبت عنده ملكهما، وكان مثله ينقسم، وينتفعان به مقسوما.
ش: الأموال على ضربين (أحدهما) ما لا ضرر في قسمته ولا رد عوض، كأرض واسعة، ودكان كبيرة، وقرية وبستان، ومكيل أو موزون من جنس واحد، وإن مسته النار كدبس ونحوه، ومذروع متساوي الأجزاء والقيمة، فلا تنقص قيمته بقطعه ونحو ذلك، فهذا تجب قسمته إذا طلب أحد الشريكين ذلك، لتضمنه جلب مصلحة من تصرف كل واحد منهما في ماله بحسب اختياره، من غراس وبناء وإجارة وغير ذلك وزوال مفسدة، وهي ضرر الشركة، وإن مبنى الشريعة على ذلك.
واشترط الخرقي مع ذلك أن يثبت عند الحاكم ملكهما، وأقره أبو محمد على ذلك مريدا ببينة، ومعللا بأن الإجبار على القسمة حكم على الممتنع منهما، فلا يثبت إلا بما يثبت به الملك لخصمه، وفي هذا نظر، فإنهما إذا أقرا بالملك فينبغي أن يلزما بمقتضى إقرارهما، فيجبر الممتنع منهما على القسمة، كما لو قامت البينة بذلك، وقد أهمل هذا الشرط أبو الخطاب وأبو البركات، وابن حمدان في الصغرى، وألحقه بخطه في الكبرى، ويحتمل أن يكون مراد الخرقي بثبوت الملك ما هو أعم من البينة أو الإقرار، ويحترز عما إذا ادعى أحدهما الشركة وأنكر الآخر، وسكت غيره عن ذلك لوضوحه.
(الضرب الثاني) ما في قسمته ضرر أو رد عوض، كدار صغيرة وحمام، أو طاحون كذلك، وأرض لا تتعدل بأجزاء ولا قيمة، كبئر، أو بناء أو شجر في بعضها ونحو ذلك، وكعبد وسيف، فهذا ونحوه إذا رضي الشريكان بقسمته قسم، لأن الحق لهما لا يعدوهما، وإن امتنع أحدهما لم يجبر.
3822 -
أما مع الضرر فلقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار» رواه ابن ماجه، وفي لفظ: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا ضرر ولا
إضرار» .
وأما مع رد العوض فلأنه إذًا بيع، والبيع لا إجبار فيه والحال هذه، قال سبحانه {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] لا يقال: وفي عدم القسمة ضرر.
لأنا نقول: يندفع ذلك بالبيع عليهما إذا طلب أحدهما ذلك، كما نص عليه أحمد رحمه الله في دابة مشتركة بينهما، وعممه غير واحد من الأصحاب في كل ما في قسمته ضرر، ويرشح ذلك أيضا بأن حق الشريك في نصف القيمة، لا قيمة النصف، انتهى.
واختلف في الضرر المانع من القسمة (فعنه) - وهو ظاهر كلامه في رواية الميموني - هو أن تنقص القيمة بالقسمة، إذ مثل ذلك يعد ضررا، وإنه منفي شرعا (وعنه) - وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار أبي محمد في العمدة - هو ما يتعذر معه انتفاع أحدهما بقسمه مفردا فيما كان ينتفع به مع الشركة، كدار صغيرة إذا قسمت حصل لكل واحد منهما موضع لا ينتفع به، قال أبو محمد: أو ينتفع به لا على وجه الدارية، بل على وجه المخزنية ونحو ذلك لأن كل واحد منهما دخل على الانتفاع بها
على وجه الدارية.
ففي العدول إلى دون ذلك ضرر، وإنه منفي شرعا (فعلى الأول) إذا نقصت القيمة بالقسمة فلا إجبار، وإن انتفع بها فيما كان ينتفع به قبل (وعلى الثاني) الاعتبار بالنفع وإن لم تنقص القيمة، وظاهر كلام أحمد في رواية حنبل اعتبارهما، قال: كل قسمة فيها ضرر لا أرى قسمتها.
(فإن كان الضرر على أحدهما دون الآخر، كرجلين لأحدهما الثلث، وللآخر الثلثان، يستضر صاحب الثلث بالقسمة، دون صاحب الثلثين (فعنه) - وهو ظاهر رواية حنبل المتقدمة، وبه جزم القاضي في الجامع، والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما والشيرازي - لا يجبر واحد منهما، إذ هذه القسمة لا تخلو من ضرر (وعنه) - وإليه ميل الشيخين - إن طلبها صاحب الثلث والحال هذه أجبر الآخر عليه، لأنه رضي بإدخال الضرر على نفسه، ولا ضرر على شريكه، وإن طلبها صاحب الثلثين لم يجبر الآخر، لما فيه من الضرر عليه، وحكي عن القاضي عكس ذلك في الصورتين وفيه بعد، انتهى.
(تنبيه) حيث توقفت القسمة على التراضي فهي بيع بلا ريب، وحيث لم تتوقف عليه بل يجبر الممتنع عليها فهي إفراز، على المذهب المشهور المختار لعامة الأصحاب لأنها تنفرد عن البيع باسم وحكم، فلم تكن بيعا كسائر العقود، يحقق ذلك دخول الإجبار فيها مطلقا، وليس لنا نوع من البيع كذلك،
ووقع في تعاليق أبي حفص العكبري عن شيخه ابن بطة، أنه منع قسمة الثمار التي يجري فيها الربا خرصا وأخذ من هذا أنها عنده بيع، كما أخذ من نص أحمد على جواز الخرص في هذه الصورة أنها إفراز، وذلك لأنه يبذل نصيبه من أحد السهمين، بنصيب صاحبه من السهم الآخر، وهذا حقيقة المنع.
وينبني على الخلاف فوائد (منها) جواز قسمة الثمار التي يجري فيها الربا بالخرص (ومنها) جواز قسمة المكيل وزنا والموزون كيلا (ومنها) التفرق قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض في المبيع (ومنها) إذا حلف لا يبيع فقسم أنه لا يحنث (ومنها) جواز قسمة العقار الموقوف أو بعضه، وعلى قول ابن بطة ينعكس جميع ذلك، ولو كان بعض العقار وقفا، وبعضه طلقا، واحتيج إلى رد عوض، فإنه يتوقف كما تقدم على التراضي، ثم إن كان العوض من صاحب الطلق لم يجز، لأنه يشتري بعض الوقف، وإنه ممتنع، وإن كان من رب الوقف جاز على الأصح، المقطوع به عند أبي محمد، وعلى كلا القولين لا يوجب شفعة، وينفسخ بالعيب، والله أعلم.
قال: وإذا قسم طرحت السهام، فيصير لكل واحد ما وقع
سهمه عليه، إلا أن يتراضيا فيكون لكل واحد منهم ما رضي به.
ش: أي وإذا أريد القسم طرحت السهام، ويصير لكل واحد من الشركاء ما وقع سهمه عليه، إذ القرعة دخلت لقطع التنازع، وبيان المستحق، وقد حصلت فوجب أن يترتب حكمها عليها، فإن تراضيا على أن يأخذ كل واحد سهما بغير قرعة جاز، لأن الحق لهما لا يتجاوزهما، ويكون اللزوم هنا بالتراضي والتفرق كالبيع.
وظاهر كلام الخرقي يشمل كل قاسم، ونوعي القسمة، وكذلك تبعه على هذا الإطلاق أبو الخطاب في الهداية، وأبو البركات والشيرازي وابن البنا، وأبو محمد في المقنع، وزاد أبو الخطاب ومن تبعه قولا أنها لا تلزم فيما فيه رد؛ بخروج القرعة إلا بالرضا لأنها إذا بيع بعد القرعة، وعلى مقتضى هذا التعليل جميع قسمة التراضي لا تلزم إلا بالرضا، وفصل أبو محمد في المغني والكافي فقال في قاسم الحاكم في قسمة الإجبار: تلزم القسمة بخروج القرعة، إذ قرعة قاسم الحاكم كحكمه،
وفي قسمة التراضي وجهان (أحدهما) كالأول لما تقدم (والثاني) لا تلزم إلا بالتراضي، لأنها إذا بيع، وجعل حكم قاسمها حكم قاسم الحاكم إن كان بصفته، وإن كان كافرا، أو غير عارف بالقسمة ونحو ذلك لم تلزم القسمة إلا بتراضيهما، كما لو قسما بأنفسهما، وتبعه على ذلك ابن حمدان، وعلى هذا التفصيل كلام الخرقي ومن تبعه محمول على قاسم الحاكم.
(تنبيه) كيفما أقرع جاز إلا أن الأولى عند الأصحاب أن يكتب اسم كل شريك في رقعة ثم تدرج في بنادق شمع أو طين متساوية، قدرا ووزنا، وتطرح في حجر رجل لم يحضر ذلك، ويقال له: أخرج بندقة على هذا السهم.
فمن خرج اسمه كان له، ثم الثاني كذلك، والسهم الباقي للثالث إذا كانوا ثلاثة، واستوت سهامهم، ولو كتب اسم كل سهم في رقعة ثم قال: أخرج بندقة لفلان، وبندقة لفلان، وبندقة لفلان جاز، ولو كانت سهام الثلاثة مختلفة كنصف وثلث وسدس، جزئ المقسوم ستة أجزاء، وأخرج الأسماء على السهام لا غير، فيكتب باسم رب النصف ثلاث رقاع، ولرب الثلث رقعتين، ولرب السدس رقعة، ثم يخرج بندقة على أول سهم، فإن خرج عليه اسم رب النصف أخذه مع الثاني والثالث، وإن خرج اسم رب الثلث أخذه مع الثاني، ثم يقرع بين الآخرين كذلك، والباقي للثالث.
والله سبحانه أعلم.