الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثلاثة أصلا ونسبا وعنصرا، لخبثه، وهو نشوءه من ماء الزنا، على أن الكلام في أحكام الدنيا، وليس في الحديث تعرض لذلك، والله أعلم.
[الصيام في كفارة اليمين]
قال: فمن لم يجد من هذه الثلاثة واحدا صام ثلاثة أيام.
ش: إذا لم يجد واحدا من الثلاثة السابقة - وهي الإطعام والكسوة والعتق - بأن لا يجد ذلك أصلا أو وجده وتعذر عليه شراؤه لعدم الثمن، أو لكونه محتاجا إلى ما هو أهم منه، كما هو مفصل في موضعه، فإنه ينتقل إلى صيام ثلاثة أيام بالإجماع، وشهادة الكتاب والله أعلم.
قال: متتابعة.
ش: قدر الصيام ثلاثة أيام بنص الكتاب والإجماع، وشرطها التتابع على المشهور والمختار للأصحاب من الروايتين.
3730 -
نظرا إلى أن ذلك قد ورد في قراءة أبي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ذكره الإمام أحمد في التفسير
وغيره، وناهيك بهما، وهو وإن لم يثبت كونه قرآنا - لعدم تواتره - فلا أقل من أن ينزل منزلة خبر الآحاد، على أنهما سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التفسير، فظناه قرآنا، وإذا فهو حجة يجب المصير إليه. (والثانية) : لا يجب التتابع فيها، عملا بإطلاق الآية الكريمة، والصحابي إنما نقل ذلك على كونه قرآنا، وإذا لم يثبت كونه قرآنا سقط اعتباره رأسا، وأصل ذلك أن ما صح من القراءة الشاذة هل يكون حجة، بحيث يخصص العام، ويقيد المطلق، ونحو ذلك أم لا؟ فيه قولان للعلماء، وهما روايتان عن إمامنا أشهرهما نعم، وهو مذهب الحنفية، والثانية: لا، وهو مذهب الشافعية، وحيث اشترطنا التتابع فأفطر فيها فلا يخلو إما أن يكون لعذر أو لغير عذر، وبيان ذلك قد تقدم مفصلا في الظهار والله أعلم.
قال: ولو كان الحانث عبدا لم يكفر بغير الصوم.
ش: قد تقدم الكلام على هذا في الظهار بما فيه كفاية، ونزيد هنا بأن ظاهر كلامه صحة يمين العبد، ولا ريب في
ذلك، لدخوله تحت الخطاب، وأن السيد ليس له منعه من الصيام وإن أضر به، وهو كذلك، لأنه حق لله تعالى، فأشبه صوم رمضان أو قضائه، وهذا بخلاف الحج، لأن الضرر كثير، لطول مدته، وفوات خدمته والله أعلم.
قال: ولو حنث وهو عبد فلم يكفر حتى عتق فعليه الصوم ولا يجزئه غيره.
ش: هذا ظاهر كلام أحمد في رواية الأثرم، في عبد حلف فحنث وهو عبد، ولم يكفر حتى عتق: يكفر كفارة عبد، لأنه إنما يكفر ما وجب عليه يوم حنث، ولو افترى وهو عبد ثم أعتق فإنما يجلد جلد العبد؛ وقد ذكر أحمد الحكم ودليله، وملخص القياس أن هذا حق تعلق به وهو رقيق فلم يتغير بحريته كالحد، وأيضا فإن الذي خوطب به وتعلق به هو الصوم، لا سيما على قول الخرقي، فإنه لو أذن له في التكفير بالمال لم يكن له ذلك، فإذا فعل غير ما خوطب به لم يجزئه. [كما لو وجبت عليه صلاة الصبح فصلى بدلها مائة ركعة أو أكثر فإنها لا تجزئه] .
وسيأتي لذلك تتمة إن شاء الله تعالى.
واعلم أن هذا على مختار الخرقي من أنه ليس له التكفير
بغير الصوم، أما من قال: يجوز له التكفير بالمال في الجملة في حال رقه فبعد عتقه أولى، ولهذا قال القاضي في قول الخرقي: إن فيه نظرا، قال: لأن المنصوص أنه يكفر كفارة عبد، أي لا يلزمه التكفير بالمال فإن كفر به أجزأه. (قلت) : ولا نظر في ذلك على قول الخرقي، إنما النظر لو كان الخرقي يجوز له التكفير بالمال في حال رقه، كما يقوله القاضي، ثم قال ذلك، اهـ.
وظاهر كلام الخرقي أن الاعتبار في الكفارات بحال الوجوب، إذ لو اعتبر أغلظ الأحوال لأوجب على العبد التكفير بالمال إذا قدر عليه قبل أن يأتي بالصوم، وقد اختلف عن إمامنا رحمه الله في هذه المسألة، (فعنه) - كما هو ظاهر كلام الخرقي - الاعتبار بحال الوجوب، وهذا اختيار القاضي في تعليقه، والشريف وأبي الخطاب في خلافيهما، وابن شهاب وأبي الحسين، والشيرازي، وابن عقيل وغيرهم، لأنه حين الاستقرار في الذمة، لأنه لو فعل ما وجب عليه إذ ذاك لأجزأه بلا ريب، ولأن الكفارة وجبت على وجه الطهرة، فاعتبرت بحال الوجوب كالحد (وعنه) : الاعتبار بأغلظ الأحوال، اختارها القاضي في روايتيه، وحكاها الشريف وأبو الخطاب عن الخرقي، وكأنهما أخذا ذلك من قوله: ومن دخل في الصوم ثم أيسر لم يكن عليه الخروج من الصوم إلى العتق أو الإطعام إلا أن يشاء. إذ
ظاهره أن من لم يدخل في الصوم كان عليه الانتقال إلى العتق أو الإطعام، وما تقدم أظهر (وبالجملة) وجه هذا القول بأنه حق يجب في الذمة بوجود مال، فاعتبر بأغلظ الحالين كالحج، والجواب القول بالموجب في الحج، لأنه ليس له حالتان، إنما له حالة واحدة، وهي حالة اليسار، يجب فيها ويستقر، وقبل ذلك لا يخاطب به أصلا، والكفارة يخاطب بها على كل حال، (وعنه) رواية ثالثة حكاها الشيرازي: الاعتبار بحال الأداء، قياسا على الوضوء، فالجامع أنه حق له بدل من جنسه، فكان الاعتبار فيه بحال الأداء كالوضوء.
إذا تقرر هذا (فعلى الرواية الأولى) يعتبر اليسار والإعسار حال الوجوب عليه، فإذا كان موسرا إذ ذاك ففرضه العتق لا يجزئه غيره، وإن كان معسرا ففرضه الصوم، ولا يجب عليه العتق بعد وإن أيسر، (وعلى الثانية) متى وجد رقبة من حين الوجوب إلى حين التكفير لم يجزئه إلا العتق، (وعلى الثالثة) الاعتبار بحال الأداء، فإذا كان موسورا إذًا وجب عليه العتق، وإن كان حين الوجوب معسرا، ولو كان حين الأداء معسرا أجزأه الصوم، وإن كان حين الوجوب موسرا، اهـ.
وقول الخرقي: ولو حنث وهو عبد. إلى آخره إشعار بأن حالة الوجوب هي حالة الحنث، وهو كذلك قطعا، فعلى هذا لو حلف العبد ولم يحنث حتى عتق فحكمه حكم الأحرار، وهذا في اليمين، أما في الظهار والقتل فوقت الوجوب العود والزهوق، والله أعلم.
قال: ويكفر بالصوم من لم يفضل عن قوت عياله يومه وليلته مقدار ما يكفر به.
ش: قد تقدم أن من لم يجد واحدا من الثلاثة المتقدمة - وهي العتق، والإطعام والكسوة - انتقل إلى الصيام، وبيان عدم الوجدان أن لا يفضل عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته مقدار ما يكفر به، لأنه إذا يدخل تحت قوله:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] بخلاف ما إذا وجد ما يكفر به فاضلا عما تقدم، فإنه واجد، فلا يدخل تحت الآية الكريمة.
وعموم كلام الخرقي رحمه الله يقتضي أن من وجد ما يكفر به فاضلا عما تقدم لا يجوز له أن يكفر بالصوم، وإن كان ماله غائبا، وهو كذلك بلا نزاع فعلمه، فيما إذا أمكنه الشراء بنسيئة، وكذلك إن لم يمكنه كما هو مقتضى كلام الخرقي، ومختار عامة الأصحاب، حتى أن أبا محمد، وأبا الخطاب والشيرازي وغيرهم جزموا بذلك، وقيل: يجوز والحال هذه العدول إلى الصوم، وهو الذي أورده أبو البركات مذهبا، وقيل: إنما يعدل إليه في كفارة الظهار خاصة إذا رجا إتمامه قبل حصول المال، وحكم الدين المرجو الوفاء حكم المال الغائب قاله أبو محمد.
وعموم كلامه أيضا يقتضي أن الدين لا يمنع وجوب الكفارة، وهو إحدى الروايتين، والرواية الثانية –
وصححها أبو محمد - يمنعها، ثم أن أبا محمد في المغني جعل محلهما في الدين غير المطالب به، أما المطالب به فيمنعها بلا خلاف، وغيره يطلق الخلاف.
قال: ومن له دار لا غنى له عن سكناها، أو دابة يحتاج إلى ركوبها، أو خادم يحتاج إلى خدمته، أجزأه الصيام في الكفارة.
ش: لأن ذلك من حوائجه الأصلية، أشبه الطعام المحتاج إليه، وفي معنى ما تقدم ما يلبسه ولو للتجمل، وما يحتاج إليه من كتب علم ونحو ذلك. ومقتضى كلام الخرقي رحمه الله أنه متى استغنى عن سكنى الدار، أو لم يحتج إلى دابة أو عبد، فإن الصيام لا يجزئه، وهو كذلك في الجملة، كما إذا كان له داران أو عبدان أو دابتان ونحو ذلك، يستغني بإحداهما، فإنه يبيع الأخرى، وينتقل إلى التكفير بالمال، وكذلك إذا كان له دار واحدة أو دابة واحدة، ونحو ذلك، وأمكنه بيعها وشراء ما يسكنه مثله أو يركبه مثله، ويفضل ما يشتري به رقبة، فإنه يلزمه ذلك، جمعا بين الحقين، وكذلك إذا كان مثله يخدم نفسه وله خادم، فإنه يلزمه عتقه، قاله أبو محمد، لأنه غير محتاج إليه، وعلى قياسه لو كان له دار يسكنها، ومثله يسكن بالأجرة، ولا ضرر عليه في ذلك، فإنه يلزمه بيعها والتكفير بالمال، ويستثنى من ذلك إذا كان له سرية يمكنه بيعها وشراء
سرية ورقبة يعتقها، فإنه لا يلزمه ذلك، وينتقل إلى الصيام، لتعلق الغرض بعينها، وكذلك إذا تعذر عليه بيع ما تقدم، أو أمكن البيع وتعذر الشراء، فإن له الانتقال إلى الصوم، لتعذر الجمع بين الحقين، فأشبه ما لو لم يكن له فضل، وتمام الكلام على ذلك له محل آخر، والله أعلم.
قال: ويجزئه إن أطعم خمسة مساكين وكسا خمسة.
ش: مناط المسألة أن يطعم بعضا ويكسو بعضا، بحيث يستوفي من المجموع عشرة، والخرقي ذكر صورة على سبيل المثال، وإنما أجزأ ذلك لأن كل فقير من العشرة مخير فيه بين إطعامه وكسوته، فإذا أطعم مثلا خمسة وكسا خمسة، فقد قام بالواجب عليه، فوجب أن يجزئه، ولأن كلا من الطعام والكسوة يقوم مقام الآخر في جميع العدد، فكذلك في بعضه، كالتيمم لما قام مقام الماء في البدن كله في الجنابة، قام مقام البعض فيما إذا كان بعض البدن صحيحا وبعضه جريحا.
ويتخرج لنا وجه آخر أنه لا يجزئه، كما لو أعطى في الجبران شاة وعشرة دراهم، لاستلزامه التخيير ثم بين ثلاثة أشياء، وهنا بين أربعة أشياء، والشارع إنما خيره ثم بين شيئين، وهنا بين ثلاثة أشياء.
(تنبيه) : لو أطعم المسكين بعض الطعام وكساه بعض الكسوة لم يجزئه بلا ريب، لأنه لم يأت بالواجب من أحدهما، والله أعلم.
قال: وكذلك إن أعتق نصفي عبدين، أو نصفي أمتين، أو نصفي عبد وأمة أجزأ عنه.
ش: هذا اختيار القاضي في تعليقه، وعامة أصحابه كالشريف وأبي الخطاب في خلافيهما، وابن البنا والشيرازي، لأن نصف الشيئين بمنزلة الشيء الواحد، بدليل ما لو كان له نصف ثمانين شاة مشاعا، وجبت عليه الزكاة كما لو ملك أربعين، واختار ابن حامد فيما حكاه القاضي في روايتيه، وأبو بكر وحكاه نصا عن أحمد أنه لا يجزئه ذلك، لأن إطلاق الرقبة ينصرف إلى الكاملة، ثم إن المراد من العتق تكميل الأحكام ولا يحصل من ذلك، وفي المذهب وجه ثالث اختاره الشيخان: إن كان نصفهما حرا أجزأ لتكميل الأحكام، إذ بذلك يحصل تكميل عبدين لا عبد واحد، فهو بالجواز أولى، وإلا لم يجزئ لما تقدم في دليل أبي بكر، والله أعلم.
قال: وإن أعتق نصف عبد، وأطعم خمسة مساكين أو كساهم لم يجزئه.
ش: لأن الأصل عدم التلفيق، لأنه عدول عن
المنصوص، وإنما قلنا به في الإطعام والكسوة لتساويهما في المعنى، وهنا لم يتساويا، بل تباينا، إذ القصد من العتق تكميل الأحكام، وتخليص الرقبة من الرق، والقصد من الإطعام والكسوة سد الخلة بدفع الحاجة، ودفع ضرر الحر والبرد مع ستر العورة، وهما متباينان، بخلاف الطعام والكسوة، فإنهما لتقاربهما أجريا مجرى الجنس الواحد، والخرقي رحمه الله نص على جواز التلفيق من الطعام والكسوة، وعلى منع ذلك في العتق مع أحدهما، وبقي عليه لو أتى ببعض واحد من الثلاثة ثم عجز عن تمامه، هل له التتميم بالصوم؟ ليس له ذلك قاله أبو محمد، قال: لأنه إذا لم يجز تكميل أحد نوعي المبدل من الآخر وهو الطعام أو الكسوة فتكميله بالمبدل أولى.
(قلت) : وقد يقال بذلك كما في الغسل والوضوء مع التيمم، فإنه لو وجد ماء يكفي لبعض طهارته لزمه استعماله ثم تيمم للباقي، وأبو محمد استشعر هذا، وأجاب عنه بأن التيمم لا يأتي ببعضه عن بعض الطهارة، وإنما يأتي به بكماله، قال: وها هنا لو أتى بالصيام جميعه أجزأه. قلت: وهذا الجواب فيه نظر، فإنه وإن أتى به بكماله، فإنه إنما يأتي به عن بعض الطهارة لا عن كلها، ولهذا لو قدر على الماء لزمه غسل ما بقي من بدنه ولا يلزمه غسل الجميع وإنما كان يأتي به بكماله، لأنه التيمم ليس له إلا صفة واحدة ويرجح هذا أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» .
قال: ومن دخل في الصوم ثم أيسر لم يكن عليه الخروج من الصوم إلى العتق أو الإطعام إلا أن يشاء.
ش: هذا المذهب المجزوم به عند عامة الأصحاب، منهم أبو محمد في المغني، لأنه بدل لا يبطل بالقدرة على المبدل، فلم يلزمه الخروج إلى المبدل بعد الشروع فيه، كالمتمتع العاجز عن الهدي إذا شرع في صوم السبعة الأيام، فإنه لا يلزمه الخروج اتفاقا، وفارق التيمم فإنه يبطل بالقدرة على الماء بعد فراغه منه، وليس كذلك الصوم، فإنه لا يبطل إذا قدر على العتق وأيضا فإن الصوم يجري كل يوم منه مجرى عبادة منفردة، بدليل افتقاره إلى نية، وعدم تعدي فساده إلى ما قبله، وليس كذلك الصلاة.
ولأبي محمد في المقنع احتمال أنه يلزمه الانتقال، لقدرته على المبدل قبل إتمام البدل، فأشبه المتيمم إذا قدر على الماء قبل إتمام الصلاة، وقد تقدم الفرق.
وصريح كلام الخرقي أن له أن ينتقل إلى العتق والإطعام إذا شاء ذلك، لأنه إنما سقط عنه ذلك للرفق به، فإذا أتى به أجزأه، كالمريض الساقط عنه حضور الجمعة إذا حضرها، وقد تقدم للخرقي في العبد أنه إذا أعتق لا يجزئه غير الصوم، والفرق أن العبد ليس له أهلية التكفير بغير
الصوم كما تقدم، بخلاف الحر المعسر، وخرج أبو الخطاب في الحر المعسر قولا أنه كالعبد لا يجزئه غير الصوم، نظرا إلى أنهما إنما خوطبا بالصوم، ففعل غيره يكون عدولا عما وقع به الخطاب، ويتلخص أن في العبد والحر المعسر ثلاثة أقوال:(ثالثها) : للحر الانتقال بخلاف العبد، وهو اختيار الخرقي.
(تنبيه) : قال الشريف وأبو الخطاب في خلافيهما: فائدة هذه المسألة إذا قلنا: الاعتبار بأعلى الحالين، أما إن قلنا بحال الوجوب فلا، لأنه إذا لو قدر على العتق قبل الشروع في الصوم لم يلزمه. (قلت) : ومن هنا قالا: إن مذهب الخرقي أن الاعتبار بأعلى الحالين، والذي يظهر أن الخرقي إنما نص على هذه المسألة للخلاف فيها؛ إذ مذهب الحنفية لزوم الانتقال والحال ما تقدم، ومن هنا يقال: إنه لا مفهوم لقوله: ومن دخل في الصوم ثم أيسر لم يكن عليه الخروج منه. والله سبحانه أعلم.