الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: لا يصوم أحد عن أحد، كما لا يفعل ذلك عنه في الحياة، وهو مردود بالنصوص، والذي يصوم عنه ورثته من أقاربه، لأنهم لما خلفوه في أخذ ميراثه كذلك فيما عليه، وهذا على سبيل الاستحباب، فلو لم يصوموا فلا شيء عليهم، إلا أنه وقع للقاضي في تعليقه ما ظاهره أنه لو خلف إذا تركة فالورثة مخيرون، إن شاءوا صاموا، وإن شاءوا أنفقوا على من يصوم، وهو حسن، ولو صام عنه قريبه غير الوارث، أو وارثه غير القريب أو أجنبي أجزأ عنه، كما لو قضى عنه دينه، وقد شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالدين، ولتشبيهه بالدين قلنا: لا يجب على الوارث القريب القضاء، بل يستحب له، إذ قضاء الدين عن الميت لا يجب على الوارث ما لم يخلف تركة يقضى منها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«صومي عنها» ونحو ذلك أمر بالصوم على جهة الفتوى فيما سئل عنه، والغرض منه بيان الجواز.
3769 -
وقد جاء مصرحا به «من مات وعليه صيام صام عنه وليه لمن شاء» .
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يجب مع القضاء فدية، وهو كذلك، لظاهر الحديث.
[قضاء نذر الطاعة عن الميت]
قال: وكذلك كل ما كان من نذر طاعة.
ش: كحج وصدقة، وعتق واعتكاف، ونحو ذلك من القرب.
3770 -
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن «امرأة من جهينة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: «نعم، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء» رواه البخاري والنسائي بمعناه، وفي رواية لأحمد والبخاري قال: جاء رجل فقال: إن أختي نذرت أن تحج. وهو دليل على الإجزاء من الوارث وغيره، حيث لم يستفسره النبي صلى الله عليه وسلم أوارث هو أم لا، فقد ورد النص بالقيام في الصوم والحج خصوصا، وورد في غيرهما عموما.
3771 -
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن «سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقض عنها» رواه أبو داود والنسائي.
وقد عمل على ذلك ابن عباس رضي الله عنهما، وعائشة رضي الله عنها، وهما راويا الحديث، وكذلك ابن عمر رضي الله عنهما.
3772 -
قال البخاري: أمر ابن عمر رضي الله عنهما امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء يعني ثم ماتت فقال: صلي عنها، قال: وقال ابن عباس نحوه.
3773 -
وروى سعيد عن سفيان، عن عبد الكريم أبي أمية عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه سأل ابن عباس عن نذر كان على أمه من اعتكاف، قال: صم عنها، واعتكف عنها.
3774 -
وقال: حدثنا أبو الأحوص، عن إبراهيم بن مهاجر، عن عامر بن مصعب، أن عائشة رضي الله عنها اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن رضي الله عنه بعدما مات.
ولنا قول آخر ضعيف أنه لا يفعل شيئا من ذلك كما تقدم في الصوم.
وقد شمل كلام الخرقي الصلاة المنذورة، وهو إحدى الروايتين، واختيار أبي بكر، والقاضي في التعليق وغيرهما، قياسا على ما تقدم (والرواية الثانية) : لا يفعل الصلاة بخلاف الصوم
وغيره، لأنها عبادة تختص بالبدن، لا بدل لها بحال.
ومفهوم كلام الخرقي أن الولي لا يفعل ما هو واجب بغير النذر، من قضاء رمضان، وصوم كفارة، وصوم السبعة أيام للمتمتع، وحج، وزكاة مال، وعتق في كفارة، وقد صرح بذلك الأصحاب في قضاء رمضان، لما تقدم من الإشارة في الاستدلال، وكذلك نص عليه أحمد في السبعة الأيام للمتمتع في رواية المروذي، قياسا على قضاء رمضان، لوجوبها بأصل الشرع، وهو فرق صوري، وقد يقال: الأصل عدم الاستنابة إلا ما استثناه الدليل، وكذلك نص أحمد في صوم الكفارة في رواية ابن منصور، إذ الكفارة زاجرة كالحد، فلم ينب فيها الولي؛ بخلاف نذر الصوم فإنه نذر طاعة، أشبه نذر صدقة المال.
وأما الحج الواجب فقد قال الأصحاب إن لوارثه ولغير وارثه أن يفعله عنه بعد مماته وإن لم يوص بذلك، سواء كان له تركة أو لم يكن.
3775 -
وقد شهد لذلك ما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إن أبي مات وعليه حجة الإسلام، أفأحج عنه؟ قال: «أرأيت لو أن أباك ترك دينا عليه أقضيته عنه؟» قال: نعم. قال: «فاحجج عن أبيك» رواه الدارقطني، وأما
زكاة المال فلا يحضرني الآن فيه نقل، والقياس أنه كالعتق الواجب، وقد صرح القاضي وأبو البركات وغيرهما بصحته عن الميت مطلقا، وقد علم من مجموع هذا أن مفهومه إنما عمل به في الصوم فقط.
(تنبيه) : قول الخرقي: صام عنه ورثته من أقاربه، ظاهره كما تقدم أن الذين يطلب منهم الصوم هم الورثة من الأقارب، وأحمد رحمه الله قال - في من مات وعليه اعتكاف -: ينبغي لأهله أن يعتكفوا عنه. وهو شامل للوارث وغير الوارث، وقال ابن عبدوس: إذا صام الولي صام الأقرب من الأولياء. ثم قول الخرقي أيضا: ورثته. يشمل جميع الورثة، وظاهره أنه لو صام عنه الكل صح، كأن يكونوا مثلا عشرة، وعليه عشرة أيام،
فيصوموا عنه كل واحد يوما، وقد ذكر لأحمد في رواية أبي طالب من كان عليه صوم شهر، هل يصوم عشرة أنفس شهرا؟ فقال: يصوم واحد؛ وقد قرر القاضي في تعليقه هذا النص على ظاهره، لما أورده على لسان الخصم، وقال فيه: كما لا يصح أن يطوف واحد ويسعى آخر والله أعلم.