الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أحكام متفرقة في العتق] [
الحكم لو كان العبد بين ثلاثة فأعتقوه]
قال: وإذا كان العبد بين ثلاثة فأعتقوه معا، أو وكل نفسان للثالث أن يعتق حقوقهما مع حقه ففعل، أو أعتق كل واحد منهم حقه وكان معسرا، فقد صار العبد كله حرا، وولاؤه بينهم أثلاثا.
ش: إذا كان العبد بين ثلاثة أو أكثر فأعتقوه معا، إما بأن حصل تلفظهم بعتقه في آن واحد، أو وكلوا غيرهم أو أحدهم في عتقه، أو علقوا عتقه على صفة فوجدت، فإنه يصير حرا، لأنه عتق من مالك.
3884 -
فدخل تحت قوله عليه السلام: «لا عتق فيما لا يملك ابن آدم» الحديث، مفهومه نفوذ العتق فيما يملكه، وهذا - والله أعلم - اتفاق في الجملة، وإذا كان حرا كان الولاء بينهم أثلاثا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«الولاء لمن أعتق» وفي رواية: «إنما الولاء لمن أعتق»
متفق عليه وكل منهم أعتق جزءا فثبت له عليه الولاء، وكذلك إذا أعتق الشركاء حقوقهم واحدا بعد واحد وهم معسرون، فإنه يعتق على كل واحد منهم حقه على المذهب، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ويكون له ولاء ما عتق عليه، إذ الولاء تابع للعتق كما تقدم.
واعلم أن من شرط صحة عتق المالك أن يكون مختارا، فلا يصح عتق المكره، كما لا يصح طلاقه.
[نعم إن أكره بحق - كما إذا وجب عليه ذلك بشرط في بيع، أو كفارة ونحو ذلك، فأجبره الحاكم عليه صح من جائز التبرع، فلا يصح من مجنون ولا طفل بلا ريب] ، ولا مميز على إحدى الروايتين، والرواية الثانية يصح، كما يصح طلاقه ووصيته على المذهب فيهما، وهو المجزوم به عند أبي محمد، ولا من محجور عليه لسفه أو فلس على أصح الروايتين، والله أعلم.
قال: ولو أعتقه أحدهم وهو موسر عتق كله عليه.
ش: أما عتق نصيبه فلما تقدم.
3885 -
وأما عتق نصيب شريكه فلما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من أعتق شركا له في عبد، وكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوم العبد عليه قيمة عدل وأعطى شركاءه، حصصهم، وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق عليه ما عتق» رواه الجماعة، وفي رواية «من أعتق شركا له في عبد عتق ما بقي في ماله، إذا كان له مال يبلغ ثمن العبد» رواه مسلم وغيره وهذا كالنص.
3886 -
«وعن أبي المليح عن أبيه، أن رجلا من قومنا أعتق شقصا له من مملوك، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل خلاصه عليه في ماله، وقال: «ليس لله شريك» » رواه أحمد، وفي لفظ «هو حر كله، ليس لله شريك» رواه أحمد ولأبي داود معناه، وكلام
الخرقي يشمل الشريك المسلم والكافر وهو اختيار أبي محمد، وذكره القاضي، لعموم من أعتق شركا له في عبد ولما علل به في حديث أبي المليح.
3887 -
وقد روى النسائي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وجابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من أعتق عبدا وله فيه شركاء وله وفاء، فهو حر ويضمن نصيب شركائه بقيمته، كما أساء من مشاركتهم، وليس على العبد شيء» فعلل بسوء المشاركة، وهذا موجود في الشريك الكافر، وفيه وجه آخر أنه لا يسري على الكافر، إذا أعتق نصيبه من مسلم، حذارا من أن يملك كافر مسلما، ورد بأن هذا ليس بضمان تمليك، وإنما هو ضمان إتلاف، وليس بجيد، إذ لو صح لم يكن له الولاء، والفرض أن له الولاء على ما عتق عليه، فدل على أنه يدخل في ملكه، ثم يعتق، لكن المحذور في ملك الكافر للمسلم غير وجود هنا، ولو قدر وجود محذور ما فهو مغمور بما حصل من مصلحة العتق.
(تنبيه) حد اليسار أن يكون حين الإعتاق واجدا لقيمة الشقص فقط، على ظاهر كلام أبي بكر في التنبيه وكلام غيره، قال: إذا كان يملك مبلغ ثمن حصة شريكه، وأورده ابن حمدان مذهبا، وحكى قولا آخر أن يكون ذلك فاضلا عن قوت يومه وليلته، ويحكى هذا عن القاضي في المجرد، وابن عقيل في الفصول، وهو الذي جزم به في المغني، إلا أنه اعتبر مع ذلك ما يحتاج إليه من حوائجه الأصلية، من الكسوة والمسكن، وسائر ما لا بد له منه، وقال: ذكره أبو بكر في التنبيه، ولم أر ذلك فيه، بل لفظه ما تقدم، ونظير ذلك صدقة الفطر، فإن أبا محمد في المغني اعتبر لوجوبها ذلك، ولم يعتبر القاضي وكثير من أصحابه وأبو البركات، وأبو محمد في كتابيه إلا قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته، وهو الذي أورده ابن حمدان في رعايتيه مذهبا، ثم ذكر ما في المغني انتهى، فإن أيسر ببعض القيمة عتق عليه بقدر ذلك، نص عليه أحمد في رواية ابن منصور، وقيل: لا.
قال: وصار لصاحبيه عليه قيمة ثلثيه.
ش: هذا فرع على أن العتق يسري عليه، وإذا يصير لصاحبيه عليه قيمة ثلثيه، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما -
وأعطي شركاؤه حصصهم أي قيمة حصصهم، ولأنه إما إتلاف معنوي فهو بمنزلة الحي، وإما تمليك بالقيمة، وإنما كان تجب القيمة وتعتبر القيمة حين العتق، لأنه وقت انتقال الملك، أو وقت الإتلاف على المعروف المشهور، المجزوم به لأبي محمد وغيره، وحكى الشيرازي قولا أنه وقت التقويم، وهو قياس القول الذي لنا في الغصب بأن الاعتبار بيوم المحاكمة، فإن اختلفا في القيمة رجع إلى قول أهل الخبرة، فإن تعذر بموت العبد أو غيبته ونحو ذلك فالقول قول المعتق، لأنه المنكر للزيادة، والأصل براءته منها، وكذلك القول قوله إن اختلفا في صناعة فيه، نعم إن كان العبد يحسنها في الحال، ولم يمض زمن يمكن تعلمها فيه، فالقول قول الشريك، لعلمنا بصدقه، وإن مضى زمن يمكن حدوثها فيه، فهل القول قول المعتق، لأن الأصل براءة ذمته من الزيادة، أو قول الشريك، لأن الأصل بقاء ما كان؟ على وجهين، وإن اختلفا في عيب كالسرقة والإباق، فالقول قول الشريك، إذ الأصل السلامة، فإن كان العيب موجودا واختلفا في حدوثه فهل القول قول الشريك أيضا، لأن الأصل البراءة منه حين العتق، أو قول المعتق، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، وهو الذي أورده في المغني مذهبا؟ فيه قولان.
(تنبيه) هل يقوم كاملا لا عتق فيه، أو وقد عتق بعضه؟ فيه قولان للعلماء، أصحهما الأول، وهو الذي قاله أبو العباس فيما أظن، لظاهر الحديث، ولأن حق الشريك إنما هو في نصف القيمة، لا قيمة النصف، بدليل ما لو أراد البيع، فإن الشريك يجبر على البيع معه، والله أعلم.
قال: فإن أعتقا بعد عتق الأول له، وقبل أخذ القيمة، لم يثبت لهما فيه عتق، لأنه قد صار حرا بعتق الأول.
ش: يعني أن العتق مع اليسار يسري بمجرد اللفظ، ولا يفتقر إلى أداء القيمة، وهذا هو المشهور من المذهب، لما تقدم من حديث ابن عمر وجابر رضي الله عنهم، الذي رواه النسائي، ولرواية مسلم المتقدمة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وللبخاري في رواية فيه «من أعتق نصيبا له في مملوك، أو شركا له في عبد، وكان له من المال ما يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق» .
3888 -
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعتق شقصا من مملوك فعليه خلاصه من ماله»
(وفي المذهب وجه آخر) قواه أبو العباس أنه لا يعتق إلا بعد أداء القيمة، لظاهر رواية ابن عمر رضي الله عنهما المتفق عليها، فإنه قال فيها «فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد» وفي رواية متفق عليها أيضا «من أعتق عبدا بينه وبين آخر، قوم عليه في ماله قيمة عدل، ولا وكس ولا شطط، ثم عتق عليه في ماله إن كان موسرا» وهذا أصح من رواية النسائي وغيره، وأصرح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، مع أن قوله:«فهو حر؛ أو فهو عتيق» يحمل على ما بعد القيمة، جمعا بين الأحاديث، إذ المقصود من جميعها واحد، وحمل مطلق ذلك على مقيده معتبر بلا ريب.
فعلى المذهب إذا أعتق الشريك بعد عتق الأول لم ينفذ عتقه، لأن عتق المعتق محال (وعلى الثاني) قال ابن حمدان: يحتمل وجهين، وظاهر هذا أنه لا يصح التصرف فيه بغير العتق.
قال: وإذا أعتقه الأول وهو معسر، وأعتقه الثاني وهو موسر عتق عليه نصيبه، ونصيب شريكه، وكان له عليه ثلث قيمته، وكان ثلث ولائه للمعتق الأول، وثلثاه للمعتق الثاني.
ش: قد تضمن كلام الخرقي أن عتق المعسر لا يسري لا عليه ولا على غيره، وإنما يعتق ما أعتقه فقط، وهذا هو المشهور من الروايتين، والمجزوم به عند أكثر الأصحاب، لما تقدم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وهو أصح وأشهر من غيره.
3889 -
وقد روى الدارقطني فيه ورق ما بقي وهذا نص إن ثبت.
3890 -
«وعن إسماعيل بن أمية، عن أبيه عن جده، رضي الله عنهم قال: كان لهم غلام يقال له طهمان أو ذكوان، فأعتق جده
نصفه، فجاء العبد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«تعتق في عتقك، وترق في رقك» قال: فكان يخدم سيده حتى مات» . رواه أحمد. (وعن أحمد رواية أخرى) اختارها أبو الخطاب في الانتصار أن العبد يعتق كله، ويستسعى في قيمة باقية غير مشقوق عليه.
3891 -
– لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعتق شقصا من مملوك فعليه خلاصه في ماله، فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل، ثم يستسعى في نصيب الذي لم يعتق، غير مشقوق عليه» رواه الجماعة إلا النسائي، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما رواه أيوب فقال فيه مرة: قال نافع: وإلا فقد عتق منه ما عتق، ومرة قال: فلا أدري أشيء قاله نافع أم هو من الحديث، وإذا لم يثبت أنه من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم فلا حجة
فيه، وقد أجيب عن هذا بأن مالكا جزم به كما تقدم، وقد تابعه على ذلك جماعة من الحفاظ، كجرير بن حازم، وعبيد الله وغيرهما، والجازم مع زيادة علم، فيقدم على الشاك، وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقد طعن فيه الحفاظ، قال الأثرم: ذكره سليمان بن حرب فطعن فيه وضعفه، وقال ابن المنذر: لا يصح. وقال أبو عبد الله: ليس في الاستسعاء شيء يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث أبي هريرة يرويه ابن أبي عروبة، وأما همام وشعبة وهشام الدستوائي - فلم يذكروه، وحدث به معمر فلم يذكر فيه السعاية، قال أبو داود:
وهمام أيضا لا يقوله. قلت: وهذا يدل على أن لفظ الاستسعاء شاذ، لمخالفته الجمهور، وقد ذكر همام أنه من قول قتادة وفتياه، ثم على تقدير صحته فالأول يترجح بعمل أهل المدينة، والجمهور عليه، وبأنه مخالف للظواهر والأصول، لإفضائه إلى منع المالك من التصرف في ملكه، وإحالته على سعاية قد لا يحصل منها شيء، وإدخال العبد في شيء قد لا يريده، وفي ذلك ضرر، ومعاوضة بغير رضا، وإنه منفي شرعا، ثم ذلك حصل بسبب جناية غيرهما، ومن الأنسب الأحرى أن {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] .
إذا تقرر هذا فعلى المذهب إذا أعتق المعسر استقر العتق في نصيبه، ثم إذا أعتقه الثاني وهو موسر عتق نصيبه، وسرى إلى نصيب شريكه الثالث كما تقدم، وكان ثلث الولاء للمعتق الأول، لأن الذي أعتقه هو الثلث، وثلثاه للمعتق الثاني، لأن الذي حصل له بالعتق مباشرة وسراية الثلثان.
وعلى القول بالسعاية هل يعتق في الحال، وهو ظاهر كلام الأكثرين، وأورده ابن حمدان مذهبا، أو لا يعتق حتى يؤدي السعاية، وهو اختيار أبي الخطاب في الانتصار؟ فيه وجهان، (فعلى الأول) يصير حكمه حكم الأحرار، وتبقى قيمته في ذمته، يستسعى فيها قدر طاقته، ولا يرجع على أحد، ولا يصح العتق فيه بعد، فإن مات مات حرا، فإن كان في يده مال كان لسيده بقية السعاية، وما بقي لورثته، (وعلى الثاني) حكمه حكم المكاتب، يملك اكتسابه ومنافعه، ويصح للشريك عتقه، وإن مات فللشريك الذي لم يعتق من ماله مثل الذي له، لكن تكون كتابته لازمة، والله أعلم.
قال: ولو كان المعتق الثاني معسرا عتق نصيبه منه، وكان ثلثه رقيقا لمن لم يعتق، فإن مات وفي يده مال كان ثلثه لمن لم يعتق، وثلثاه للمعتق الأول، والمعتق الثاني بالولاء، إذا لم يكن له وارث أحق منهما.