الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[شروط القاضي]
قال: ولا يولى قاض حتى يكون بالغا عاقلا، مسلما حرا عدلا، عالما فقيها ورعا.
3781 -
ش: (أما اشتراط البلوغ) فلما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعوذوا بالله من رأس السبعين، وإمارة الصبيان» رواه أحمد، ولأن الصبي مولى عليه فلا يكون مولى على غيره، ولأن الصبي يستحق الحجر عليه، والقاضي يستحق الحجر على غيره فتنافيا، (وأما اشتراط الإسلام) فلأن ذلك شرط في الشهادة، ففي القضاء أولى، ودليل الأصل:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] ولأن الكفر يقتضي إذلال صاحبه، والقضاء يقتضي احترامه، وبينهما منافاة، وقد قال الله سبحانه:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] وأي سبيل أعظم من أن يلزمه، ويحكم عليه بغير
اختياره، (وأما اشتراط الحرية) فقياسا لمنصب القضاء على منصب الإمامة؛ ولأن العبد في أعين الناس ممتهن، والقاضي موضوع للفصل بين الخصومات، وبين الحالتين منافاة.
3782 -
وما ورد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي، ما أقام فيكم كتاب الله عز وجل» رواه مسلم وغيره، فمحمول على من كان عبدا مجازا، أو على غير ولاية الحكم، (وأما اشتراط العدالة) فلقول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] والقاضي يخبر بقول، فلا يجوز قبوله مع فسقه لذلك، ولأن العدالة شرط في الشاهد، ففي
القاضي أولى، ولأن قوله ألزم، وضرره أشمل، ودليل الأصل:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2](وأما اشتراط كونه عالما) أي عالما بوجوه الكتاب والسنة، واختلاف علماء المسلمين - فقيها - وهو من صار الفقه له سجية، لأن الفقيه اسم فاعل من فقه - بالضم - ككرم فهو كريم، وذلك من صار له أهلية استنباط الأحكام الشرعية.
3783 -
فلما تقدم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، إذ فيه في صحيح مسلم: إذا حكم الحاكم فاجتهد؛ قال العلماء: معناه إذا أراد أن يحكم، فعند ذلك يجتهد، وإلا لو حمل على ظاهره لاقتضى أن الاجتهاد مؤخر عن الحكم، وليس كذلك اتفاقا.
3784 -
وعن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القضاة «ثلاثة، واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق وقضى به، ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى على جهل فهو في النار» رواه أبو داود وابن ماجه.
3785 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أفتي بفتيا بغير علم كان إثم ذلك على الذي أفتاه» رواه أحمد وابن ماجه.
3786 -
وعن عمرو بن الحارث يرفعه إلى معاذ رضي الله عنه، أن «رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال له:«كيف تقضي إذا عرض لك قضاء» ؟ قال: أقضي بكتاب الله. قال: «فإن لم تجد في كتاب الله؟» قال: أقضي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فإن لم
تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أجتهد رأيي ولا آلو. قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: «الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم» -» رواه أبو داود والترمذي، وقد شهد لهذا قَوْله تَعَالَى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] الآية.
(وأما اشتراط كونه ورعا) فلأن غير الورع لا يؤمن أن يتساهل، فيأخذ الرشا الملعون آخذه عن الله وعن الحق.
3787 -
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم» رواه الترمذي.
3788 -
وعن ابن عمرو رضي الله عنهما نحوه رواه أبو داود.
3789 -
وعن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال: ينبغي للقاضي أن يجتمع فيه سبع خصال، وإن فاتته واحدة كانت فيه وصمة، العقل، والعفة، والورع، والنزاهة، والصرامة، والعلم بالسنن، والحلم. رواه سعيد.
وظاهر كلام الخرقي أن الورع شرط لصحة تولية القضاء، وهو ظاهر كلام أحمد على ما حكاه أبو بكر في التنبيه قال: إذا كان فيه ست خصال فقيها، عالما، ورعا، عفيفا، بصيرا بما يأتي بصيرا بما يذر، أي صلح للقضاء، أو صلح أن يستقضى، وعامة المتأخرين كالقاضي ومن بعده لا يشترطون ذلك، بل
يجعلونه من المندوبات.
إذا تقرر هذا فقد أهمل الخرقي رحمه الله شروطا أخر لا بد من التنبيه عليها، ولعله لوضوحها، أو لإشعار كلامه بها تركها، (منها كونه عاقلا) وهذا واضح جدا، لأن المجنون أسوأ حالا من الصبي، (ومنها كونه ذكرا) ويحتمله كلام الخرقي لذكره ما تقدم بصيغة التذكير، وذلك لما تقدم من قوله: القضاة ثلاثة قال: «فرجل» إلى آخره، وظاهره حصر القضاة في الثلاثة الموصوفين بما ذكر.
3790 -
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: «لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى، قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» رواه البخاري والنسائي والترمذي وصححه، ولأن القاضي يحضره الرجال، ويحتاج فيه إلى كمال رأي، وتمام عقل،
وفطنة، والمرأة لا تحضر محافل الرجال، وهي ناقصة عقل بدليل النص، قليلة رأي وفطنة، وقد نبه الله سبحانه على ذلك بقوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282] فأشار سبحانه إلى كثير نسيانها وغلطها، (ومنها) أن يكون متكلما سميعا بصيرا، لأن الأخرس يتعذر عليه النطق بالحكم، وإشارته إن فهمت لكن لا يفهمها كل أحد، والأصم لا يسمع قول الخصمين، والأعمى لا يعرف المدعي من المدعى عليه، والشاهد من المشهود له، (واختلف) هل يشترط كونه كاتبا، وهو الذي أورده ابن حمدان مذهبا، حذارا من أن يخفى عليه ما يكتبه كاتبه، فربما دخل عليه الخلل، أو لا يشترط، وهو ظاهر كلام عامة الأصحاب، الخرقي وأبي بكر، وابن عقيل في التذكرة، والشيرازي وابن البنا وغيرهم، ونصبه أبو محمد للخلاف، نظرا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أميا، وهو سيد الحكام؟ على قولين، (وكذلك اختلف) أيضا في اشتراط كونه زاهدا،
والمذهب عدم الاشتراط، وحكى ابن حمدان قولا بالاشتراط، وظاهر كلام أبي بكر في التنبيه أنه يشترط أن يكون أعلم من غيره، وهو يرجع إلى صحة تولية المفضول مع وجود الفاضل، والمذهب الصحة فيما أظن.
(تنبيهات) : «أحدها» : ما يتصور فقده من هذه الشروط إذا فقد في الدوام أزال الولاية، إلا فقد السمع أو البصر فيما ثبت عنده ولم يحكم به، فإن ولايته ثابتة فيه، «الثاني» : العاقل من عرف الواجب والممتنع والممكن، وما ينفعه وما يضره غالبا، والعقل ضرب من العلوم الضرورية، مثل العلم باستحالة اجتماع الضدين ونحوه، قاله القاضي وغيره، وقال التميمي: هو نور كالعلم، وعن إبراهيم الحربي، عن أحمد أنه قال: العقل غريزة، والحكمة فطنة، والعلم سماع، والرغبة في الدنيا هوى، والزهد فيها عفاف.
قال القاضي: معنى قوله أنه غريزة، أنه خلق الله ابتداء وليس باكتساب، وللناس فيه أقوال كثيرة، وهل محله القلب أو الدماغ؟ فيه روايتان، المختار منهما للأصحاب الأول، قال التميمي: الذي نقول به أن العقل في القلب، يعلو نوره إلى الدماغ فيفيض إلى الحواس، ما جرى في العقل. انتهى، وجعل الماوردي الاختلاف في محله مفرعا على قول من زعم أنه جوهر لطيف، يفصل به بين حقائق المعلومات كلها، وقال: كل من نفى كونه جوهرا أثبت محله في القلب، لأن القلب محل العلوم كلها.
(الثالث) : العدالة المشترطة هنا هل هي العدالة ظاهرا وباطنا كما في الحدود، أو ظاهرا فقط كما في إمامة الصلاة، والحاضن، وولي اليتيم، ونحو ذلك، أو فيها الخلاف كما في العدالة في الأموال؟ ظاهر إطلاقات الأصحاب أنها كالذي في الأموال، وقد يقال إنها كالذي في الحدود.
(الرابع) غير واحد من الأصحاب يقول: من شرط القاضي كونه مجتهدا، وهو الذي أشار إليه الخرقي بقوله: عالما فقيها، والمجتهد من له أهلية يمكنه أن يعرف بها غالب الأحكام الشرعية الفرعية بالدليل إذا يشاء. مع معرفة جملة كثيرة منها
بأدلتها، فيحتاج أن يعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام المذكورة جملة، ويعرف حقيقة ذلك ومجازه، وأمره ونهيه، ومبينه ومجمله، ومحكمه ومتشابهه، وعامه وخاصه، ومطلقه ومقيده، وناسخه ومنسوخه، والمستثنى والمستثنى منه ويزيد في السنة بأن يعرف مما يتعلق بالأحكام صحيحه وسقيمه، وتواتره وآحاده، ومرسله ومنقطعه ونحو ذلك،
ويعرف موضع الوفاق من موضع الخلاف فيما يتعلق بالأحكام، والقياس وما يتعلق به، والعربية، المتداولة بالحجاز واليمن والشام والعراق، ومن حولهم من العرب، وزاد ابن عقيل في التذكرة: والاستدلال، واستصحاب الحال، والقدرة على إبطال شبه المخالف، وإقامة الدلالة على مذهبه. والله أعلم.
قال رحمه الله: ولا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان.
ش: هذا - والله أعلم - اتفاق.
3791 -
وقد شهد له ما روى «عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنهما قال: كتب أبي وكتبت له إلى ابنه عبيد الله بن أبي بكرة، وهو قاض بسجستان، أن لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان» رواه الجماعة. وفي معنى هذا كل مشغل للفكر،
كشدة جوع أو عطش أو ألم، أو هم أو حزن، أو فرح أو نعاس، أو حر مزعج، أو برد مؤلم، أو مدافعة بول أو غائط ونحو ذلك.
وظاهر كلام الخرقي وعامة الأصحاب أن المنع من ذلك على سبيل التحريم، وفي الخصال لابن البنا الإتيان بلفظ الكراهة، وفي المغني: لا خلاف نعلمه أن القاضي لا ينبغي له أن يقضي وهو غضبان، وعلى كل حال فإذا خالف وحكم فوافق الحق (فعن القاضي) لا ينفذ حكمه، لارتكاب النهي.
3792 -
فيدخل تحت قوله عليه السلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» ، (وعنه) - في المجرد وهو الذي أورده الشيخان، وأبو الخطاب مذهبا - أنه ينفذ، إذ المنع من ذلك كان حذارا من
شغل فكره المؤدي إلى عدم استيفاء النظر في الحكم، فربما وقع الخلل فيه، والفرض أن لا خلل في الحكم.
3793 -
وأما ما روي عن عبد الله بن الزبير، عن أبيه رضي الله عنهما، أن «رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر. فأبى عليه، فاختصما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: «اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك» ، فغضب الأنصاري ثم قال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال للزبير:«اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر» ، فقال الزبير: والله إني لأحسب أن هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] الآية» متفق عليه. فهذا الذي وجد من النبي صلى الله عليه وسلم كان غضبا