الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أنواع النذر]
قال: ومن نذر أن يطيع الله عز وجل لزمه الوفاء به، ومن نذر أن يعصيه لم يعصه وكفر كفارة يمين، ونذر الطاعة الصلاة والصيام، والحج والعمرة، والعتق والصدقة، والاعتكاف والجهاد، وما كان في هذه المعاني، سواء نذره مطلقا، بأن يقول: لله علي أن أفعل كذا وكذا. أو علقه بصفة، مثل قوله: إن شفاني الله عز وجل من علتي، أو شفى فلانا، أو سلم مالي الغائب، أو ما كان في هذا المعنى، فأدرك ما أمل بلوغه من ذلك، فعليه الوفاء به، ونذر المعصية أن يقول: لله علي أن أشرب الخمر، أو أقتل النفس المحرمة، وما أشبهه، فلا يفعل ذلك، ويكفر كفارة يمين لأن النذر كاليمين؛ وإذا قال: لله علي أن أركب دابتي، أو أسكن داري، أو ألبس أحسن ثيابي، وما أشبهه، لم يكن هذا نذر طاعة ولا معصية، فإن لم يفعل كفر كفارة يمين، وإذا نذر أن يطلق زوجته، استحب له أن لا يطلق، ويكفر كفارة يمين.
ش: النذر أولا على ضربين، مطلق ومقيد (فالمطلق) أن يقول: لله علي نذر، ولا ينوي شيئا، فيجب عليه كفارة يمين.
3740 -
لما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كفارة النذر إذا لم يسم شيئا كفارة يمين» رواه أبو داود والترمذي وصححه، ومسلم والنسائي ولم يقولا:«إذا لم يسم شيئا» .
3741 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا أطاقه فليف به» رواه أبو داود، (والمقيد) على ضربين (أحدهما) : ما يقصد به المنع من الشيء، أو الحمل عليه، ويسمى نذر اللجاج والغضب، وقد تقدم الكلام عليه في الأيمان؛ (والثاني) : ما ليس كذلك، وهو على خمسة أقسام (أحدها) : أن ينذر قربة تستحب ولا تجب، من صوم وصلاة ونحوهما، فيجب الوفاء به بلا خلاف نعلمه عندنا، سواء نذره مطلقا، كقوله: لله علي صوم يوم، أو صلاة ركعتين، أو مقيدا كقوله: إن شفاني الله أو شفى ولدي فلله علي الحج، فوجد القيد، وسواء كانت القربة مما لها أصل وجوب في الشرع كما تقدم، أو لم تكن كالاعتكاف، وهو إجماع في المقيد، وفيما له أصل وجوب، وقول الجمهور في
الآخرين، ويشهد للجميع عموم حديث ابن عباس، وقَوْله تَعَالَى:{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] الآية.
3742 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» وفي رواية: «فليف بنذره، ومن نذر أن يعصي الله فلا يف به» رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
3743 -
ويشهد لغير المقيد ولما لا أصل لوجوبه في الشرع ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن «عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة، - وفي رواية - يوما في المسجد الحرام. فقال:«أوف بنذرك» متفق عليه.
3744 -
وعن جابر رضي الله عنه أن «رجلا قام يوم الفتح فقال: يا رسول الله: إني نذرت لله عز وجل إن فتح الله عليك مكة أن أصلي صلاة في بيت المقدس. فقال: «صل ها هنا» ثم أعاد عليه، فقال:«صل ها هنا» ثم أعاد عليه، فقال:«فشأنك إذا» . رواه أبو داود، وله في رواية: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي بعث محمدا بالحق لو صليت ها هنا لأجزأ عنك كل صلاة في بيت المقدس» » .
(الثاني) : أن ينذر معصية، كشرب الخمر، وقتل النفس التي حرم الله بغير حق، وصوم يوم الحيض، والتصدق بمال الغير، ونحو ذلك، فلا يجوز الوفاء به إجماعا، ويشهد له حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم.
3745 -
ولأبي داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نذر إلا فيما يبتغى به وجه الله تعالى، ولا يمين في قطيعة رحم» .
3746 -
وللنسائي عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نذر في معصية، ولا فيما لا يملك ابن آدم» ثم فيه روايتان (إحداهما) : أنه لاغ ولا شيء فيه،
قال أحمد - فيمن نذر ليهدمن دار غيره لبنة لبنة -: لا كفارة عليه. وذلك لما تقدم.
3747 -
ولأن «النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي إسرائيل حين نذر أن يقوم في الشمس، ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم: «مروه فليتكلم، وليجلس وليستظل، وليتم صومه» رواه البخاري وغيره.
3748 -
«وقال للمرأة التي نذرت أن تنحر ناقته صلى الله عليه وسلم: «لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك العبد» رواه مسلم وغيره، وظاهر هذا أنه لا نذر صحيح في معصية الله، أو لا نذر مشروع، وغير المشروع وجوده كعدمه، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر في ذلك بكفارة، ولو وجبت لبينها. (والرواية الثانية) وهي المذهب المعروف عند الأصحاب أنه منعقد.
3749 -
لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين» رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
3750 -
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «النذر نذران فما كان نذر طاعة فذلك لله
فيه الوفاء، وما كان نذر معصية فذلك للشيطان ولا وفاء فيه، ويكفره ما يكفر اليمين» . رواه النسائي، وهذا المبين يقضي على ذلك المجمل ويبين أن المراد به: لا وفاء لنذر في معصية الله. وكذلك جاء مصرحا به في مسلم في التي نذرت نحر ناقة النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملكه العبد» .
3751 -
وقد استشهد ترجمان القرآن لذلك من الكتاب، فعن يحيى بن سعيد، أنه سمع القاسم بن محمد يقول: أتت امرأة إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقالت: إني نذرت أن أنحر ابني. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تنحري ابنك، وكفري عن يمينك. فقال شيخ عند ابن عباس رضي الله عنهما: كيف يكون في هذا كفارة؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] ثم جعل فيه من الكفارة ما رأيت. رواه مالك في الموطأ، فعلى هذه الرواية إن لم يفعل ما نذره من
المعصية وجبت عليه كفارة يمين، وإن فعل ذلك أثم ولا شيء عليه على المعروف، كما لو حلف على فعل معصية ففعلها، ولأبي محمد احتمال بوجوب الكفارة مطلقا، وهو ظاهر كلام الخرقي، وظاهر الحديث.
(الثالث والرابع) : نذر مكروها أو مباحا، كطلاق زوجته من غير حاجة ونحوه، أو ركوب دابة، أو لبس ثوب له ونحوها، وفي ذلك أيضا روايتان، (إحداهما) : أنه لاغ لا شيء فيه، لما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله» ، وهذا لم يبتغ به وجه الله تعالى، ولحديث أبي إسرائيل، فإنه نذر أفعالا تكره المداومة عليها وقد تحرم، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بكفارة.
3752 -
3753 -
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «رأى شيخا يهادى بين ابنيه، فقال: «ما بال هذا؟» قالوا: نذر أن يمشي. قال: «إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني» وأمره أن يركب» ، متفق عليهما، ولم يأمره في ذلك بكفارة، ولو وجبت
لبينها. (والثانية) - وهي المذهب أنه منعقد، لأن في حديث عقبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:«إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا، فلتحج راكبة، ولتكفر عن يمينها» . رواه أبو داود، وفي رواية له أيضا وللترمذي: ولتصم ثلاثة أيام؛ وهذه زيادة فيجب قبولها، ولعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:«كفارة النذر كفارة يمين» فعلى هذه الرواية إن لم يفعل ما نذره وجبت عليه الكفارة، وإن فعل فلا شيء عليه، إلا أنه في المكروه لا يستحب له الفعل، وفي المباح يتخير بين الفعل وتركه قاله الأصحاب.
3754 -
وقد روى أبو داود عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن «امرأة قالت: يا رسول الله إني نذرت أن أضرب
على رأسك بالدف. قال: «أوفي بنذرك» » .
(القسم الخامس) : نذر الواجب، كقوله: لله علي أن أصوم رمضان، أو أحج حجة الإسلام، ونحو ذلك، فحكى أبو محمد عن الأصحاب عدم انعقاد النذر والحال هذه، لأن النذر التزام، والواجب لازم له، فالتزامه تحصيل الحاصل، وحكى في المغني احتمالا - وجعله في الكافي قياس المذهب - أنه ينعقد موجبا للكفارة إن لم يفعله، كما لو حلف على ذلك.
3755 -
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك يمينا فقال: «النذر حلف» ولا نسلم أن نذر الواجب تحصيل الحاصل، لاختلاف جهة الإيجاب، إذ الواجب بالشرع غير الواجب بإيجاب المكلف، ولهذا لو ترك الناذر صوم رمضان والحال ما تقدم لزمه كفارة يمين، ولو تركه من غير نذر لم يلزمه غير القضاء، وقال في المغني في موضع آخر: إن قياس قول الخرقي الانعقاد،