الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3833 -
وروي عن علي رضي الله عنه أنه أجاز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال، رواه أحمد وسعيد.
ونص الخرقي على الاكتفاء بامرأة واحدة، وهو إحدى الروايتين، واختيار القاضي وأبي بكر وغيرهما، لما تقدم، (والرواية الثانية) لا يكفي إلا امرأتان، لأن الرجال في غير ذلك أكمل منهن ولا يقبل منهم إلا رجلان، فكذلك النسوة.
انتهى، وحكم الرجل في ذلك حكم المرأة، لأنه أكمل منها، وظاهر كلام الخرقي أن ضبط ذلك بما لا يطلع عليه الرجال، وكذا أبو البركات، وخص القاضي ذلك بخمسة أشياء.
الولادة، والاستهلال، والرضاع، والعيوب تحت الثياب، والعدة، والله أعلم.
[حكم الشهادة]
قال: ومن لزمته الشهادة فعليه أن يقوم بها على القريب والبعيد، لا يسعه التخلف عن إقامتها وهو قادر على ذلك.
ش: ظاهر هذا أن أداء الشهادة (فرض عين) في الجملة، وهو منصوص أحمد، قاله أبو البركات، وقال السامري: إنه ظاهر كلامه، وذلك لقوله سبحانه وتعالى:{وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282]
وقوله سبحانه: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] ولأنها أمانة، فلزمه أداؤها كبقية الأمانات، ودليل القاعدة قَوْله تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] الآية وقيل: بل أداؤها (فرض كفاية) ، وهذا ظاهر ما جزم به أبو الخطاب في الهداية، وأبو محمد في الكافي والمغني، وحكاه ابن المنجا رواية، مستندا للفظ المقنع، فعلى هذا إذا كان المتحمل جماعة فالأداء متعلق بالجميع، فإذا قام به من يكفي منهم سقط عن الباقين، وإذا امتنع الكل أثموا، كسائر فروض الكفايات، وإن لم يوجد إلا من يكفي تعين عليه، كما لو لم يوجد في القرية إلا مؤذن واحد ونحو ذلك، ولو كان عبدا لم يكن لسيده منعه، من ذلك، كما لا يمنعه من صلاة الفرض فإن دعي بعضهم للفعل مع وجود غيره فهل يتعين عليه ذلك، بحيث يأثم إذا امتنع، نظرا للدعاء، أو لا يأثم، كما لو لم يدع؟ فيه وجهان، حكاهما في المغني، وفي ذلك بحث، فإن أدى شاهد وأبى الآخر، وقال: احلف أنت بدلي.
فهل يأثم؟
فيه وجهان، وإنما يأثم الممتنع إذا لم يكن عليه ضرر كما سيأتي بيانه، أما على الأول فيتعين على كل من المتحملين القيام بالشهادة، كما يجب على جميع المكلفين بالصلاة القيام بها، وسواء كان المشهود عليه نسيبا أو غيره، وهو الذي عبر عنه الخرقي بالقريب والبعيد، ولكن تشترط القدرة على أدائها، كما صرح به الخرقي، فلو كان عاجزا عن أدائها لحبس أو مرض ونحو ذلك لم يلزمه، إذ جميع التكاليف ملحوظ فيها القدرة، ولا بد مع ذلك أن لا يلحقه ضرر، فإن كان يلحقه بأدائها ضرر في نفسه أو ماله لم يلزمه، لقول الله سبحانه {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] . على أن يكون مبنيا للمفعول.
3834 -
كما صرح بذلك ابن عباس رضي الله عنهما في قراءته حيث قرأ (ولا يضارر) بالفتح، ولكن يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل.
3835 -
وقد صرح بذلك عمر رضي الله عنه فقرأ (ولا يضارر)
بالكسر، فيخرج من هذا أن النهي إذا للشاهد عما يطلب منه أو عن التحريف والزيادة والنقصان، انتهى، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا ضرر ولا ضرار» ولأن القاعدة أن الإنسان لا يلزمه أن يضر نفسه لنفع غيره، ومن ثم قلنا: إذا عجز الشاهد عن المشي فأجرة المركوب والنفقة على رب الشهادة، كما قلنا في نفقة المحرم في الحج ونحوه، أنه على المرأة، وقلنا: إنما يلزمه الأداء إذا كان فيما دون مسافة القصر، إذ مسافة القصر فما زاد يلحق الضرر بالسعي إليه قال ابن حمدان وقيل: أو ما يرجع فيه إلى منزله ليومه، قلت: وإبدال أو هنا ببل أظهر.
تنبيهان (أحدهما) الأداء يختص بمجلس الحكم.
(الثاني) الخرقي رحمه الله لم يتعرض لحكم التحمل، وهو فرض كفاية في الجملة، لأن الحاجة العامة تدعو إليه، فهو كالقضاء ونحوه، ثم هل ذلك مطلقا، وهو ظاهر إطلاق أبي محمد وغيره، ولذلك أورده ابن حمدان مذهبا مطلقا، أو يختص بالمال، وكل حق لآدمي، وبه قطع أبو البركات؟ فيه قولان، وقد تقدم التفريع
على القول بفرض الكفاية، والله أعلم.
قال: وما أدركه من الفعل نظرا أو سمعه تيقنا، وإن لم ير المشهود عليه شهد به.
ش: ملخص هذا أن ما عمله الشاهد شهد به، وما لا فلا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] .
قال علماء التفسير: من شهد بالحق وهو توحيد الله، وهو يعلم ما يشهد به عن بصيرة وإيقان، وجوزوا في الاستثناء الانقطاع، على معنى: لكن من شهد بالحق.
والاتصال، لأن من جملة ما يدعون من دون الله الملائكة، وقوله سبحانه:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] أي لا تتبع ما لا علم لك به.
3836 -
وقد فسره ابن الحنفية بشهادة الزور.
3837 -
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة قال: «ترى الشمس؟» قال: نعم.
قال: «على مثلها فاشهد أو دع» رواه الخلال.
إذا تقرر هذا فمدرك العلم الذي تحصل به الشهادة الرؤية بالبصر، والسماع بالسمع دون ما عداهما من مدارك العلم، وهو اللمس، والذوق، والشم، وقد أشار الله سبحانه إلى ذلك حيث قال:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] فخص سبحانه الثلاثة بالسؤال، لأن العلم بالفؤاد وهو القلب، ومستنده السمع والبصر، انتهى.
فالرؤية تختص بالأفعال، كالقتل والغصب،
والسرقة والزنا، وشرب الخمر، والصفات المرئية كالعيوب في المبيع ونحو ذلك، والسماع ضربان سماع من جهة الاستفاضة وسيأتي وسماع من المشهود عليه، كالإقرار والعقود، والطلاق ونحو ذلك، ولا يعتبر في ذلك عندنا رؤية المشهود عليه، بل المعتبر تيقن صوت المشهود عليه، وقد شهد لذلك جواز رواية الأعمى، ورواية من روى عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير محارمهن، وقول الخرقي: شهد به.
ظاهره اللزوم وهو يرشح أن مذهبه أن الأداء فرض عين، ثم كلامه يشمل وإن كان المشهود عليه غائبا، وهو كذلك إذا عرف المشهود عليه باسمه وعينه ونسبه، فإن لم يعرفه إلا بعينه لم يشهد عليه إلا بحضرته، نص عليه في رواية مهنا، وسأله عن رجل يشهد لرجل بحق له على رجل، وهو لا يعرف اسم هذا ولا اسم هذا، إلا أنه يشهد له فقال: إذا قال: أشهد أن لهذا على هذا، وهما شاهدان جميعا فلا بأس، وإذا كان غائبا فلا يشهد حتى يعرف اسمه.
انتهى.
وظاهر كلام أحمد الاكتفاء بمعرفة الاسم، وقد يقال إذا حصل به التمييز فلا حاجة إلى معرفة النسب والله أعلم.
قال: وما تظاهرت به الأخبار، واستقرت معرفته في قلبه شهد به، كالشهادة على النسب والولادة.
ش: هذا أحد ضربي السماع، وهو ما يحصل من جهة الاستفاضة، والشهادة بها إجماع في الجملة، إذ يتعذر العلم غالبا بدونها، فلو وقفت الشهادة على الرؤية، أو السماع من المشهود عليه، لامتنعت الشهادة على كثير من الأشياء، وفي ذلك ضياع لكثير من الحقوق، وإنه لمناف لأصل وضع الشهادة، وفيه ضرر عظيم، وإنه منفي شرعا، قال مالك رحمه الله: ليس عندنا من يشهد على أحباس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالسماع إذا ثبت ذلك في الجملة فمحل ذلك اختلف العلماء فيه، بعد أن حصل إجماعهم - على ما قال أبو محمد - ولله الحمد على الصورتين اللتين ذكرهما الخرقي، فخص ذلك القاضي في الجامع وأظن وفي الخلاف الكبير، وأتباعه كالشريف، وأبي الخطاب في خلافيهما، وابن عقيل في التذكرة، والشيرازي وابن البنا في سبعة أشياء الملك المطلق، والوقف، والنكاح، والعتق، والولاء، والنسب والموت، وكأنهم أدخلوا الولادة في النسب لما تقدم من الإجماع، قال ابن عقيل في التذكرة، والشيرازي وابن البنا: وما عدا ذلك فلا بد من سماعه من المشهود عليه، وحكى أبو محمد عن الأصحاب أنهم زادوا