الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليهما مع يسارهما إن قبله الولي، لكونه قائما مقامهما، أو لا يسري لدخوله في ملكهما بغير اختيارهما؟ فيه وجهان، وعليهما يتفرع جواز قبول الولي وعدمه، وحيث جاز له القبول فشرطه أن يكونا ممن لا تلزمه النفقة، وحيث منع من القبول فقبل فهل يصح ويلزمه الغرامة، أو لا يصح رأسا؟ فيه احتمالان.
[الإعتاق في مرض الموت]
قال: وإذا كان له ثلاثة أعبد فأعتقهم في مرض موته، أو دبرهم، أو دبر أحدهم. وأوصى بعتق الآخرين، ولم يخرج من ثلثه إلا واحد منهم، لتساوي قيمتهم، أقرع بينهم بسهم حرية، وسهمي رق، فمن وقع له سهم حرية عتق دون صاحبيه.
ش: أما كونه يقرع بينهم والحال هذه:
3892 -
فلما «روى عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة، وقال له قولا شديدا» ، رواه الجماعة إلا البخاري.
3893 -
«وعن أبي زيد الأنصاري رضي الله عنه، أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته، ليس له مال غيرهم، فأقرع بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتق اثنين وأرق أربعة» ، رواه أحمد وأبو داود بمعناه، وقال فيه:«لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين» ولأنه حق في تفريقه ضرر، فوجب جمعه بالقرعة كقسمة الإجبار مع الطلب إجماعا، وبذلك يبطل قول الخصم: إنه مخالف للقياس، ثم لو سلم ذلك فالحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم -
مطلقا، ويدل على دخول القرعة في المشتبهات في الجملة قوله سبحانه:{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] وقوله سبحانه: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] ولا يعترض على هذا بأنه منسوخ، لعدم جوازه في شريعتنا، لأنا نقول: دل ذلك على شيئين، مشروعية القرعة مطلقا في الكفالة، وإلقاء واحد من الجماعة في اليم، وامتناع القرعة في دين لا يدل على عدم مشروعية القرعة مطلقا، كيف وقد حصل تواتر معنوي على مشروعيتها، قال أحمد: في القرعة خمس سنن:
3894 -
«أقرع بين نسائه، وأقرع بين ستة مملوكين» .
3895 -
وقال لرجلين: «استهما.
3896 -
وقال: «مثل القائم بحدود الله والمداهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة» .
3897 -
وقال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا
عليه» . انتهى.
3898 -
ولما تشاح الناس في الأذان يوم القادسية أقرع بينهم سعد، وهذا إجماع من الصحابة على مشروعية القرعة، وصفة القرعة أن يقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رق، فمن خرج له سهم الحرية عتق دون الآخرين، فيكتب ثلاث رقاع، في واحدة حرية، وفي اثنتين رق، وتترك في ثلاث بنادق شمع أو طين، وتغطى بثوب، ويقال لمن لم يحضر: أخرج بندقة لهذا، فإن خرج له رقعة حرية عتق، ورق الآخران، وإن خرجت رقعة رق رق، وأخرجت أخرى على آخر، فإن خرجت رقعة الحرية عتق ورق الثالث، وإن خرجت رقعة رق رق، وتعين عتق الثالث، لانحصار العتق في الثلاثة، ولا تتعين هذه الصفة، بل كيف ما أقرع جاز، وهذا في الصورة التي ذكرها الخرقي، وهي إذا استوت قيمتهم، أما إن اختلفت فلذلك صور ليس هذا موضع
بيانها. واعلم أنه يستفاد من كلام الخرقي مسائل غير ما استفيد منه بالنص وهو ما تقدم (إحداها) أن قوله: إذا كان له ثلاثة أعبد فأعتقهم في مرض موته. يشمل ما إذا أعتقهم دفعة واحدة أو دفعات، بل لو حمل على أن مراده أعتقهم في دفعات لكان أولى، لأنه قال بعد: ولو قال لهم في مرض موته: أحدكم حر، أو كلكم حر. ومات فكذلك؛ فصرح بما إذا أعتقهم، فلو لم يحمل هذا على أنه أعتقهم في دفعات أو على العموم لكان تكرارا وهو خلاف الظاهر، لا سيما في هذا المحل، فإنه يبعد جدا، لعدم الفصل بين المسألتين، ويعلم من هذا أن مذهب الخرقي أنه يسوي في العطايا بين متقدمها ومتأخرها، وهذا إحدى الروايات، لما تقدم من حديثي جابر وأبي زيد رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل هل أعتقهم بكلمة أو بكلمات (والرواية الثانية) أن يقدم الأول فالأول، إلى أن يستوفي الثلث، وهي المذهب عند الأصحاب، حتى إن أبا محمد جزم بها، وحمل كلام الخرقي على العتق دفعة واحدة، ويلزم منه المحذور السابق (والرواية الثالثة) إن كان فيها عتق قدم، وإلا سوي بين متقدمها ومتأخرها. انتهى. (الثانية) أن قوله: في مرض
موته. يخرج ما إذا أعتقهم في صحته، فإن عتقهم ينفذ وإن كان عليه دين يستغرق قيمتهم، على المذهب المعروف، ما لم يكن محجورا عليه بفلس أو سفه، فإن في نفوذ عتقه خلافا مشهورا (الثالثة) دل كلامه على أن العتق في مرض الموت من الثلث، ولا خلاف في ذلك فيما نعلمه، وقد شهد له حديث جابر وأبي زيد، وأن الوصية أيضا بالعتق من الثلث، وهذا واضح أيضا، لما تقدم من قوله عليه السلام:«إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم» الحديث. وكذلك التدبير أيضا، وهو المذهب بلا ريب، لأن التدبير عتق معلق بالموت فهو كالوصية، (وعن أحمد) رواية أخرى أن التدبير في الصحة معتبر من رأس المال، نظرا لحالته الراهنة. (الرابعة) إطلاقه هنا يقتضي أن الوصايا إذا وقعت دفعات سوي بين متقدمها ومتأخرها، وهذا هو المذهب هنا بلا ريب، عكس المذهب في العطايا، وفيه رواية أخرى إن كان فيها عتق قدم، وإلا سوي كرواية ثم، ولا نعلم هنا رواية بتقديم الأسبق فالأسبق.
(الخامسة) صريح كلامه التسوية بين التدبير والوصية بالعتق، وذلك لأنهما اجتمعا في كونهما عتقا بعد الموت، ولأبي محمد احتمال بتقديم التدبير، لأن الحرية تقع فيه بالموت، والوصية تقف فيه على الإعتاق بعده. انتهى. ويقوى هذا الاحتمال أو يتعين إن قيل: إن كان التدبير في الصحة وقلنا: إنه من رأس المال.
(السادسة) قوله: ولم يخرج من الثلث إلا أحدهم لتساوي قيمتهم. يخرج به ما إذا خرج الجميع من الثلث فإنا نعتقهم، ولو لم يخرج منهم شيء لدين على الميت ونحو ذلك فإنا لا نعتق منهم شيئا.
قال: ولو قال لهم في مرض موته: أحدكم حر. أو كلكم حر. ومات فكذلك.
ش: يعني حكم ذلك حكم ما تقدم، وقد تقدم التنبيه على صورة: كلكم حر. أما أحدكم حر إذا لم ينو معينا فإنه يقرع بينهم، إذ لم يكن عليه دين يستغرقهم، فمن خرجت عليه القرعة عتق إن خرج من الثلث، وإلا عتق منه قدر الثلث، وإن نوى معينا تعين العتق فيه، وليس للمعتق التعيين إذا لم ينوه على المذهب، والله أعلم.
قال: وإذا ملك نصف عبد فدبره، أو أعتقه في مرض موته، فعتق بموته، وكان ثلث ماله يفي بقيمة النصف الذي لشريكه أعطي وكان كله حرا في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله رحمه الله، والرواية الأخرى لا يعتق إلا حصته وإن حمل ثلث ماله حصة شريكه.
ش: الرواية الأولى اختيار أبي الخطاب في خلافه، إلا أنه إنما صرح بذلك في العتق، وذلك لأن تصرف المريض في ثلث ماله كتصرف الصحيح في الجميع، ولو أعتق الصحيح الموسر سرى في كل ماله، فكذلك يسري في ثلثه (والثانية) اختيار الشيرازي، والشريف، وحكاه عن شيخه، لأن حق الورثة تعلق بماله إلا ما استثنيناه من الثلث بتصرفه فيه، وفي المذهب (رواية ثالثة) يسري في العتق لما تقدم، إذ العتق يقع في حال الحياة، ولا يسري في التدبير، لأن ملكه يزول بموته، فلم يبق له شيء يوفي منه، وهذه اختيار القاضي في الروايتين، إلا أنه لم يصرح برواية إنما قال: يجب أن يكون الصحيح من الروايتين أنه إذا أعتق في مرضه قوم، وإذا أوصى لم يقوم، واعلم أن حكم الوصية يعتق بذلك حكم تدبيره، صرح به القاضي في روايتيه، وأبو الخطاب وغيرهما.
وقول الخرقي: فعتق بموته. أي بسبب موته، إشعار منه بأن العتق في المرض والتدبير والوصية جميع ذلك معتبر بالموت، إن
كان له مال يخرج له من ثلثه نفذ، وإلا نفذ منه قدر الثلث، وإن لم يكن له مال، أو كان له لكن عليه دين يستغرقه، لم ينفذ منه شيء، وقوله: وكان ثلث ماله يفي بقيمة نصف الشريك، يحترز عما إذا لم يف بقيمة نصيب الشريك، وتحته صورتان (إحداهما) لا يفي بشيء منه، فهذا لا يعتق إلا نصيبه، قال أبو محمد: بلا خلاف نعلمه، إلا قول من يقول بالسعاية (الثانية) وفى ببعضه، فينبغي أن يتخرج على العتق والحال هذه في حال الصحة، إن قلنا: يسري في ذلك القدر على المنصوص. خرج هنا الخلاف السابق، وإن قلنا: لا يسري ثم فهاهنا أولى.
ومقتضى كلام الخرقي أنه بمجرد التدبير لا يسري عليه، وهذا هو المذهب المشهور المجزوم به للقاضي وغيره، إذ التدبير إما تعليق للعتق بصفة أو وصية، وكلاهما لا يسري، وحكى أبو الخطاب والشيخان وجها، وابن حمدان في رعايتيه رواية بالسراية، فيصير كله مدبرا، ويغرم لشريكه قيمة حقه منه، لأنه سبب يوجب العتق بالموت، فسرى كالاستيلاد، وهذا التعليل يوجب السراية ولو مع الإعسار، كالاستيلاد على
المنصوص، وهو مقتضى إطلاق أبي الخطاب وأبي محمد في المقنع، وابن حمدان، وهو مشكل على أبي الخطاب، لأن الأصل عنده إنما يسري مع اليسار، فكذلك الفرع، وقيد ذلك أبو محمد في المغني وأبو البركات باليسار، والله أعلم.
قال: وكذلك إذا دبر بعضه وهو مالك لكله.
ش: يعني فيه الروايتان، هل يسري في بقيته إن وفى ثلثه به، لما تقدم من أنه غير محجور عليه في الثلث، أو لا يسري، لما تقدم من أن ملكه يزول بالموت؟ ولم يتعرض الخرقي لما إذا أعتق بعضه في مرض موته وهو مالك لكله، وفيه أيضا الخلاف السابق.
قال: ولو أعتقهم وثلثه يحتملهم فأعتقناهم، ثم ظهر عليه دين يستغرقهم بعناهم في دينه.
ش: وهذا راجع لما تقدم من قوله: وإذا كان له ثلاثة أعبد، فأعتقهم في مرض موته. وهذا الذي قاله الخرقي هو المذهب بلا ريب، قطع به غير واحد من الأصحاب، لأنه تبرع في المرض بما يعتبر من الثلث، فقدم الدين عليه كالهبة، ولأن العتق والحال هذه بمنزلة الوصية، والدين مقدم على الوصية.
3899 -
«وقال علي رضي الله عنه: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدين قبل الوصية» . ذكره البخاري تعليقا، وهو بعض حديث رواه أحمد
والترمذي وابن ماجه وحكى أبو الخطاب في كتابيه رواية يعتق ثلثهم والحال هذه، فعلى الأولى إن اختار الورثة إمضاء العتق وقضاء الدين فهل لهم ذلك؟ فيه وجهان في المغني، واحتمالان في الكافي.
وقيل: مبناهما إذا تصرف الورثة في التركة، وعلى الميت دين، وقضي الدين هل ينفذ؟ فيه وجهان، والخرقي صور المسألة فيما إذا ظهر عليه دين، فلو كان الدين ظاهرا فكلام أبي الخطاب يقتضي جريان الخلاف فيه أيضا.
قال: ولو أعتقهم وهم ثلاثة فأعتقنا منهم واحدا لعجز ثلثه عن أكثر منه، ثم ظهر له مال يخرجون من ثلثه عتق من أرق منهم.
ش: يعني أن الاعتبار بما في نفس الأمر، لا بما يظهر لنا، كما في المسألة التي قبلها، إذ خفاء صحة التصرف علينا لا يمنع صحته إذا وجد شرطه، وقد وجد، إذ الإنسان له أن