الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب الأقضية]
قال: وإذا هلك رجل وخلف ولدين ومائتي درهم، فأقر أحدهما بمائة درهم دينا على أبيه لأجنبي، دفع إلى المقر له نصف ما في يده من إرثه عن أبيه، إلا أن يكون المقر عدلا فيشاء الغريم أن يحلف مع شهادة الابن، ويأخذ مائة، وتكون المائة الباقية بين الابنين.
ش: وضع هذه المسألة إذا أقر بعض الورثة بدين على مورثهم، فإن عندنا يلزمه من الدين بقدر إرثه، ففي مسألة الخرقي إرثه النصف، فيلزمه نصف الدين، ولو كان إرثه الثلث، لزمه ثلث الدين، ولو كان إرثه الثمن كما لو كان المقر والحال ما تقدم زوجة، لزمها ثمن الدين وعلى هذا، لأن إقراره تضمن أن المقر له يستحق من أصل التركة هذا المبلغ، وفي يده مثلا نصفها، فيلزمه نصفه، وأن إقراره تضمن حقا عليه وحقا على غيره، فيسمع على نفسه، ولم يسمع على غيره، فإن كان المقر عدلا فالغريم مخير، إن شاء استشهده على ذلك، فإذا أتى بلفظ الشهادة حلف مع شهادته واستحق الباقي، إذ لا تهمة في حق المقر، لأنه لا يجر إلى نفسه بالشهادة نفعا، ولا
يدفع بها ضررا والحال هذه، وإن شاء لم يستشهده، واقتصر على ما حصل له بالإقرار، ولو كان المقر عدلين فأكثر وشهدا بذلك، ثبت الدين بشهادتهما، ولزمه قضاؤه من أصل التركة.
واعلم أن في كلام كثير من الأصحاب في المسألة تساهلا يعرف مما أصلوه، وهو أن قولهم: يلزمه من الدين بقدر إرثه.
يشمل ما لو كان الدين المقر به مثلا ألف درهم، وإرثه النصف، وهو مائة درهم، فإن إطلاقهم يقتضي أنه يلزمه خمسمائة درهم لأنها قدر إرثه، وليس كذلك، وإنما تركوا التنبيه على ذلك لأنه أصلوا أولا أن الدين إنما يلزم قضاؤه من التركة، ولا يلزم الورثة شيء زائد عليها، والله أعلم.
قال: وإذا هلك رجل عن ابنين، وله حق بشاهد، وعليه من الدين ما يستغرق ماله، فأبى الوارثان أن يحلفا مع الشاهد، لم يكن للغريم أن يحلف مع شاهد الميت ويستحق.
ش: إنما لم يكن للغريم الذي هو صاحب الدين أن يحلف مع الشاهد ويستحق، لأن الحق ليس له، إنما هو للميت أو للورثة، فأشبه ما لو لم يستغرق حقه الدين، وقد أشعر كلام
الخرقي بأنه لا يجب على الورثة أن يحلفوا، وهو كذلك، لأنهم قد يقوم عندهم شبهة تمنعهم من اليمين، والإنسان لا يجب عليه أن يضر نفسه لنفع غيره.
وقوله: فأبى الوارثان أن يحلفا. يعلم منه أن الحق لا يثبت إلا بيمين جميع الورثة، وهو كذلك، نعم إذا حلف بعضهم ثبت له من الحق بقدر إرثه، ولا يشاركه فيه صاحبه، ويتعلق به من الدين بقدر ما ثبت له.
قال فإن حلف الوارثان مع الشاهد حكم بالدين ودفع إلى الغريم.
ش: هذا مبني على ما تقدم من أن الحقوق المالية تثبت بشاهد ويمين الطالب، وإذا إذا حلف الورثة مع الشاهد حكم بالدين، فصار تركة، ودفع إلى الغريم، لوجوب قضاء الدين قبل الإرث والوصية.
واعلم أن في كلام الخرقي ما يشعر بأن الدين يمنع نقل التركة إلى الورثة لأنه قال أولا: ولو هلك رجل عن ابنين وله حق بشاهد.
إلى آخر المسألة، فأضاف الحق إلى الميت، والأصل في الإضافة الحقيقية، وقد اختلفت الرواية في هذه المسألة، والمنصوص المشهور المختار للأصحاب أن الدين لا يمنع نقل التركة إلى الورثة (وعن أحمد) رواية أخرى أنه يمنع في قدره، وعلى هذه يكون نماء التركة حكمه حكمها، وما تحتاج إليه من المؤونة منها، ولا يصح تصرفهم فيها، لعدم ملكهم لها، وعلى
المذهب هل يصح تصرفهم فهيا؟ فيه خلاف مبني على أن تعلق حق الغرماء بالتركة هل هو كتعلق حق المرتهن بالرهن، وهو الذي ذكره القاضي في تعليقه في الزكاة في موضعين استطرادا، فعلى هذا لا يصح تصرفهم، أو كتعلق حق المجني عليه بالعبد الجاني؟ وهو الذي أورده أبو محمد في المغني مذهبا، وقال ابن حمدان: إنه الأقيس، وعلى هذا يصح تصرفهم، ثم إن قضوا الدين وإلا نقض، قاله أبو محمد في المغني، وحكى ابن حمدان قولا آخر على هذا القول أن الوارث لا يتصرف قبل الوفاء بدون إذن الغريم، أو التوثيق برهن يفي بالحق، أو كفيل مليء، وينبني أيضا على الخلاف في التعلق حكم النماء، فإن قيل كتعلق المرتهن بالرهن، تعلق الدين بالنماء، وإن قيل كتعلق حق المجني عليه بالجاني؛ اختصت الورثة بالنماء، والله أعلم.
قال: ومن ادعى دعوى على رجل، وذكر أن بينته بالبعد منه فحلف المدعى عليه، ثم أحضر المدعي بينته حكم بها، ولم تكن اليمين مزيلة للحق.
ش: لأن البينة تبين الحق وتظهره ولعموم قول: النبي صلى الله عليه وسلم: «البينة لمن ادعى» وهذا قد ادعى وأقام البينة، فيكون له،
واليمين لا تزيل الحق، ولا تبطل الحكم بالبينة، لأن أثرها عند عدم البينة، أما مع وجودها فالحكم لها.
والخرقي رحمه الله ذكر المسألة في البعد، ولم يتعرض لحد البعد، وكذا أبو محمد في المغني، وظاهر الإطلاق يقتضي مسافة القصر، ومقتضاه أنها لو كانت قريبة لم يكن الحكم كذلك، فيحتمل أنه لا يملك تحليف المدعى عليه، ويحتمل أنه إذا أحلفه ثم أحضر بينة لم يحكم بها، وأبو الخطاب قال: إذا قال: لي بينة وأريد تحليفه. فهل يحلف له؟ يحتمل وجهين، وقيد في المغني الوجهين بما إذا كانت حاضرة، وفصل في الكافي فقال: إن قال مع الحضور: أحلفوه ثم أقيم بينتي، لم يستحلف، وإن قال: ولا أقيمها. أحلف، ثم هل يمكن من إقامة البينة بعد؟ فيه وجهان، وفصل أبو البركات تفصيلا آخر فقال: إن كانت البينة غائبة عن البلد ملك تحليفه، ثم إقامة البينة، وإن كانت حاضرة في مجلس الحكم لم يملك إلا أحدهما.
(إقامة) البينة من غير تحليف أو (تحليفه) ولا تسمع البينة، وإن كانت غائبة عن المجلس حاضرة في غير مجلس الحكم فوجهان، الذي أورده مذهبا ملكهما، وحكى ابن حمدان فيما إذا كانت حاضرة ثلاثة أوجه، (يملكهما)(يملك) أحدهما فقط، (لا يملك) إلا إقامة البينة.