الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير -: كل ما كان في كتاب الله «أو» فهو للتخيير، وما كان (فمن لم يجد) فالأول الأول، والله أعلم.
[الإطعام في كفارة اليمين]
قال: عشرة.
ش: الكلام في الإطعام في ثلاثة أمور: (أحدها) : في عددهم، وهو عشرة بنص الكتاب، نعم هل يقوم تكرار إطعام الواحد مقام تعداد الأشخاص، أم لا، أو يفرق بين العدم والوجود؟ فيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
قال: مساكين مسلمين أحرارا، كبارا كانوا أو صغارا، إذا أكلوا الطعام.
ش: هذا (الأمر الثاني) مما يتعلق بالإطعام وهو صفة المطعمين، وقد اشترط الخرقي رحمه الله لهم أربعة أوصاف:(الأول) : أن يكونوا مساكين، اعتمادا على ما تقدم من الآية، وعلى قَوْله تَعَالَى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الآية. ويدخل في المسكين الفقير، لأنه مسكين وزيادة على قاعدتنا، ولما تقدم من أن الفقير والمسكين في غير الزكاة صنف واحد، لأن
جهة استحقاقهم واحدة وهي الحاجة، وإنما جعلا صنفين في الزكاة للتفريق بينهما في الاسم والعطف المقتضي للمغايرة، ويخرج ما عدا هذين، وإن كان من أهل الزكاة، نعم يجوز الدفع للغارم لإصلاح نفسه لاحتياجه، فهو كالمسكين، وكلام أبي محمد يوهم المنع. (الثاني) : أن يكونوا مسلمين، وقد تقدم هذا في الظهار فلا حاجة إلى إعادته. (الثالث) : أن يكونوا أحرارا، وهذا أيضا قد تقدم في كفارة الظهار، ونزيد هنا بأن ظاهر كلامه أنه لا يجوز دفعها إلى مكاتب، لأنه ليس بحر، وهذا (إحدى الروايتين) واختيار القاضي في المجرد، وأبي الخطاب في الهداية، وأبي محمد، لأنه صنف آخر غير المساكين، والله سبحانه إنما جعل الإطعام للمساكين، ولأنه يأخذ ليفك رقبته، لا لتحصيل كفايته كالمسكين. (والثانية) : - وهي اختيار القاضي، والشريف، وأبي الخطاب في خلافاتهم - يجوز، لأنه محتاج للأخذ فأشبه المسكين. (الرابع) : أن يكونوا قد أكلوا الطعام، فلا يجوز دفعها إلى صغير لم يأكل الطعام، وهذا (إحدى الروايتين) واختيار القاضي، لظاهر قَوْله تَعَالَى:{فَإِطْعَامُ} [المجادلة: 4] فظاهره أن الواجب إطعامهم، فإذا لم يعتبر ذلك فلا أقل من اعتبار إمكانه ومظنته، ولا يتحقق المظنة فيمن لم يأكل. (والثانية) - وهي اختيار
أبي الخطاب - لا يشترط ذلك، إذ حقيقة الأكل ليس بشرط، والإطعام مصدر أريد به المطعوم، فالواجب مطعوم عشرة مساكين، بأن يملكهم ذلك، وهذا يمكن في حق من لم يأكل الطعام، بأن يقبض له وليه فيحصل له الملك، كما يقبض للصغير الذي قد أكل الطعام.
قال: لكل مسكين مد من حنطة أو دقيق، أو رطلان بالعراقي خبزا، أو مدان تمرا أو شعيرا.
ش: هذا الأمر الثالث، وهو في قدر ما يدفع للمساكين وهو مد حنطة، أو نصف صاع تمر أو شعير، وقد تقدمت هذه المسألة في الظهار، وتقدم أن غيره قال: يجزئ في الكفارة ما يجزئ في الفطرة، وقد نص الخرقي هنا على جواز إخراج الدقيق، ولم يتعرض له في الظهار، ولا ريب في إجزائه في الكفارتين، كما يجزئ في الفطرة، ومراد الخرقي بالدقيق دقيق الحنطة، أما دقيق الشعير فالواجب منه مدان، ثم المعتبر في الدقيق الوزن لتفرق أجزائه في الطحن، ولهذا قال أحمد: يجزئه بالوزن رطل وثلث، ولا يجزئه إخراج مد دقيق بالكيل، اهـ.
نعم لو طحن مد الحنطة وأخرجه أجزأه،
وكذلك إن أخرج من الدقيق ما يعلم أنه مد.
ونص هنا أيضا على جواز إخراج الخبز، (وهو إحدى الروايتين) عن أحمد، واختيار القاضي وعامة الأصحاب، لدخول ذلك في قوله:{إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] والخبز من أوسط طعام أهلينا، وعلى هذا جرى السلف.
3722 -
فروى الإمام أحمد في التفسير، عن ابن عمر رضي الله عنهما:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] قال: الخبز واللبن، وفي رواية عنه، قال: الخبز والتمر، والخبز والزيت، والخبز والسمن.
3723 -
وعن علي رضي الله عنه الخبز والتمر، الخبز والسمن، الخبز واللحم.
3724 -
وعن الأسود بن يزيد: الخبز والتمر.
3725 -
وعن ابن سيرين كانوا يقولون: إن أفضله الخبز واللحم، وأوسطه الخبز والسمن، وأخسه الخبز والتمر. وهذا يقرب من حكاية الإجماع، وفارق زكاة الفطر ونحوها، لأن النص هنا تناول الخبز، بخلاف ثم، فإن قول الراوي: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من تمر. لا يتناوله، مع أنه لو قيل بالإجزاء في زكاة الفطر دون غيرها لكان متوجها، لأن قوله عليه السلام:«أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم» الملحوظ فيه سد حاجتهم، وحاجتهم تندفع بدفع الخبز، وهذا بخلاف غير زكاة الفطر، فإن الدفع يراد للاقتيات في جميع
العام، فيحتاج إلى الادخار ولا بد في المدخر من أن يكون على صفة يمكن ادخاره، (والرواية الثانية) : لا يجوز إخراج الخبز، لخروجه عن حال الكمال والادخار، أشبه الهريسة ونحوها.
فعلى المذهب لا بد أن يدفع رطلي خبز بالعراقي، لأن ذلك لا يكون أقل من مد، نعم لو طحن مدا وخبزه ودفع خبزه أجزأه، نص عليه أحمد.
تنبيهان: (أحدهما) : شرط إجزاء المخرج في الكفارة أن يكون سالما من العيب، بأن لا يكون مسوسا، ولا فيه تراب يحتاج إلى تنقية، لأنه مخرج في حق الله تعالى عما في الذمة، أشبه الشاة المخرجة في الزكاة. (الثاني) : قال أبو محمد: الأفضل البر، خروجا من الخلاف، قلت: وهذا كأنه على مختاره في الفطرة. وعلى المذهب ثم الأفضل التمر، فكذلك هنا، وقد قال أحمد: التمر أعجب إلي، والدقيق ضعيف، والتمر أحب إلي. ولأبي محمد احتمال بأفضلية الخبز على غيره، نظرا لرفع الكلفة عن المسكين وهو واضح والله أعلم.
قال: ولو أعطاهم مكان الطعام أضعاف قيمته ورقا لم يجزئه.
ش: لما ذكر صفة الدفع للفقراء في الإطعام أراد أن يبين أنه لا يجزئ إخراج قيمة ذلك، وأرشد إلى ذلك بمثال، وهو
أنه لا يجزئ إخراج أضعاف قيمة ذلك من الورق، وذلك لما فيه من العدول عن المنصوص، لأن المطعوم أو الثياب ليسا بورق ولا ذهب، ولأن الشارع خير بين ثلاثة، وجواز إخراج القيمة يفضي إلى التخيير بين أربعة، وهو خلاف النص أيضا، وقد حكى أبو محمد في المقنع وغيره من الأصحاب رواية بالجواز، وقطع في المغني هنا بالمنع، وكأنه بنى ذلك على المذهب. والله أعلم.
قال: ويعطي من أقاربه من يجوز أن يعطيه من زكاة ماله.
ش: لأنه حق لله واجب، فجرى مجرى الزكاة، فعلى هذا لا يجوز الدفع للوالدين وإن علوا، أو للولد وإن سفل، وفي بقية الأقارب الواجبة نفقتهم روايتان، ويجوز الدفع إلى من عدا ذلك من الأقارب.
قال: ومن لم يصب إلا مسكينا واحدا ردده عليه في كل يوم تتمة عشرة أيام.
ش: إذا ردد الكفارة على مسكين واحد عشرة أيام في كفارة اليمين، أو ستين يوما في كفارة الظهار ونحوها، فهل يجزئه؟ فيه ثلاث روايات (إحداها) - وهي اختيار أبي بكر وابن بطة فيما حكاه عنه أبو حفص في تعاليقه -: يجزئه مطلقا، نظرا إلى أن تكرار الإطعام قائم مقام تكرار الأشخاص، ولأنه لو أطعم كل يوم مسكينا حتى كملت