الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويشاور أهل العلم والأمانة، إذ الجاهل لا قول له فيعتبر، وغير الأمين قوله هدر.
إذا تقرر هذا فهذه المشاورة لمعرفة الحق بالاجتهاد، فإذا إذا اتضح له الحكم حكم، وإلا أخره حتى يتضح له، لا لتقليد غيره فإنه لا يجوز، وإن كان أعلم أو ضاق الوقت.
(تنبيه) : هذه المشاورة على سبيل الاستحباب، قاله في المغني، وهو ظاهر كلام المجد، لأنه أتى بلفظ الابتغاء، ولا ريب أنه لا يقضي على جهل وتردد.
[قضاء القاضي بعلمه]
قال: ولا يحكم الحاكم بعلمه.
ش: هذا هو المذهب المنصوص، والمختار لعامة الأصحاب من الروايات.
3797 -
لما روت أم سلمة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار» متفق عليه، وظاهره
أنه لا يحكم إلا بما يسمع في حال حكمه، وقد روي: وإنما أحكم وهذا صريح أو كالصريح في أنه لا يحكم إلا بما يسمع.
3798 -
وأيضا «قوله صلى الله عليه وسلم في حديث هلال بن أمية رضي الله عنه لما لاعن زوجته: «أبصروه فإن جاءت به - يعني الولد - على نعت كذا فهو لهلال، وإن جاءت به على نعت كذا فهو لشريك» فجاءت به على النعت المكروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لو كنت راجما بغير بينة لرجمت هذه» فلم يحكم بعلمه، لعدم قيام البينة.
3799 -
وأصرح من هذين ما روت عائشة رضي الله عنها أن «النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقا، فلاجه رجل في صدقته، فضربه أبو جهم فشجه، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: القود يا رسول الله. فقال: «لكم كذا وكذا» فلم يرضوا، فقال:«لكم كذا وكذا» فرضوا، فقال:«إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم» قالوا: نعم، فخطب فقال:«إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود، فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا، أفرضيتم؟» قالوا: لا، فهم المهاجرون بهم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفوا عنهم فكفوا، ثم دعاهم فزادهم فقال:«أفرضيتم؟» فقالوا: نعم، قال:«إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم» قالوا: نعم. فخطب فقال: «أرضيتم؟» قالوا: نعم» . رواه الخمسة إلا الترمذي، فلم يحكم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بعلمه لما جحدوا، تعليما لأمته، وسدا لباب التهم والظنون.
3800 -
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: لو رأيت رجلا على حد من حدود الله عز وجل ما أخذته ولا دعوت له أحدا حتى يكون معي غيري، حكاه الإمام أحمد.
(والرواية الثانية) : يجوز أن يحكم بعلمه، أخذا من قول أحمد فيما نقله أبو طالب في الأمة إذا زنت يقيم مولاها الحد إذا تبين له الزنا، حملت لو رآها، قال أبو الخطاب: فإذا جاز للسيد ذلك برؤيته في الحدود فالحاكم أولى، ومن قوله في رواية حرب: إذا أقر في مجلسه بحد أو حق لزمه ذلك وأخذ به. وفي كلا المأخذين نظر، إذ السيد لا يتهم في ماله اتهام الحاكم، ولا يعم ضرره كضرر الحاكم، والإقرار في المجلس يخالف الإقرار في غيره كما سيأتي.
3801 -
وبالجملة استدل لهذه الرواية بما روي عن عائشة رضي الله عنها أن «هندا قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم؟ فقال: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» متفق عليه، كذا ترجم عليه البخاري فقال: باب حكم الحاكم بعلمه إذا لم يخف الظنون والتهم، وكان أمرا مشهورا؛ ولأنه
إذا جاز الحكم بشاهدين مع أنهما إنما يحصلان غلبة الظن، فما يجزم به أولى، وقد أجيب عن قضية أبي سفيان بأنها فتيا لا حكم، وإلا فكيف يحكم على الغائب مع إمكان حضوره؟ لا يقال: يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عالما بتعذر حضوره، لأنا نقول: ويجوز خلاف ذلك، فإذا هي واقعة عين.
(والرواية الثالثة) : يجوز ذلك في غير الحدود لما تقدم، لا في الحدود لدرئها بالشبهة، وذلك شبهة.
إذا تقرر هذا فلا فرق في ذلك بين ما سمعه قبل ولايته أو بعدها، ولا بين ما علمه في مجلس حكمه أو قبله، إلا أنه استثني من ذلك الحكم بالبينة في مجلسه بلا نزاع أعلمه، وكذلك الإقرار على منصوصه في رواية حرب المتقدمة، وهو الذي أورده الشيخان وأبو الخطاب مذهبا، لأن مجلس الحكم التهمة منتفية عنه غالبا، وطرد القاضي القاعدة في الإقرار، فقال: لا يحكم به حتى يسمعه معه شاهدان، حذارا من الحكم بالعلم، واستثنى عامة الأصحاب الجرح والتعديل، فإنه يحكم بعلمه فيه، وإلا يتسلسل، فإن الشاهدين يحتاج إلى معرفة عدالتهما، فإذا لم يحكم بعلمه احتاج كل واحد منهما إلى مزكيين، ثم كل واحد منهما إلى مزكيين وتسلسل، وحكى ابن