الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(30) - (437) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا يُدْفَنُ
(86)
- 1491 - (1) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيع ح وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ جَمِيعًا، عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَيّ بْنِ رَبَاحٍ
===
(30)
- (437) - (باب ما جاء في الأوقات التي لا يصلى فيها على الميت ولا يدفن)
(86)
- 1491 - (1)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث أو خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه:(ق).
(حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(ح وحدثنا عمرو بن رافع) بن الفرات القزويني البجلي أبو حُجْر -بضم المهملة وسكون الجيم- ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة سبع وثلاثين ومئة (137 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا عبد الله بن المبارك) المروزي الحنظلي مولاهم، ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد، من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين ومئة (181 هـ)، وله ثلاث وستون. يروي عنه:(ع).
(جميعًا) أي: كل من وكيع وعبد الله بن المبارك رويا (عن موسى بن عُلَيِّ) بضم العين مصغرًا (ابن رباح) -بموحدة- اللخمي أبي عبد الرحمن المصري، صدوق ربما أخطأ، من السابعة، مات سنة ثلاث وستين ومئة (163 هـ). يروي عنه:(م عم).
قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ يَقُول: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ نَقْبِرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا؛ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ.
===
(قال: سمعت أبي) عُلَيَّ بن ربَاح -بضم العين وبالموحدة- ابنِ قصير -ضِدَّ الطويل- اللخمي المصري، ثقة، والمشهور فيه التصغير، وكانَ يغضب منه، من كبار الثالثة، مات سنة بضع عشرة ومئة (113 هـ). يروي عنه:(م عم).
(يقول: سمعت عقبة بن عامر الجهني) الصحابي المشهور رضي الله عنه.
(يقول: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن) على موتانا (أو نقبر) من بابي نصر وضرب؛ أي: (فيهن موتانا؛ حين تطلع الشمس بازغةً) أي: طالعة ظاهرة لا يخفى طلوعها، وهذا بيان للساعات الثلاث، (وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس) وتزول عن وسط السماء؛ أي: حين يقف ويستقر الظل الذي يقف عادةً عند الظهيرة، والاستواء حَسْبَ ما يبدو؛ فإن الظل عند الظهيرة لا يظهر له سرعة حركة حتى يظهر، والمعنى: أنه قائم وهو سائر في الحقيقة، وفي "المجمع": إذا بلغت الشمس وسط السماء .. أبطأَتْ حركتُها إلى أن تزول، فيُحْسَب؛ أي: يُظنُّ أنها وقفت وهي سائرة، ولا شك أن الظل تابع لها، والخلاصة عند الاستواء.
(وحين تَضَيَّفُ) -بتشديد الياء المثناة بعد الضاد المعجمة وضم الفاء وحذف إحدى التاءين- لأنه مضارع تضيف من باب تفعل؛ أي: وحين تميل الشمس (للغروب حتى تغرب) بجميع قرصها.
وفي "العون": قوله: (حين قام قائم الظهيرة) أي: حين قيام الشمس وقت الزوال من قولهم: قامت به دابته، أي: وقفت، والمعنى: أن الشمس إذا بلغت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وسط السماء .. أبطأت حركة الظل إلى أن تزول، فيظن الناظر المتأمل أنها قد وقفت، وهي سائرة، لكن سيرًا لا يظهر له أثر سريع، كما يظهر قبل الزوال وبعده، فيقال لذلك الوقوف المشاهد: قائم الظهيرة، قاله في "النهاية".
قوله: (وحين تضيف للغروب) أي: تميل وتجنح للغروب، يقال: ضاف الشيء يضيف بمعنى يميل، واختلف الناس في جواز الصلاة على الجنازة والدفن في هذه الأوقات الثلاث: فذهب أكثر أهل العلم إلى كراهة الصلاة على الجنازة في الأوقات التي تكره فيها الصلاة، وروي ذلك عن ابن عمر، وهو قول عطاء النخعي والأوزاعي، وكذلك قال الثوري وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وكان الشافعي يرى الصلاة على الجنازة أَيَّة ساعةٍ شاء من ليل أو نهار، وكذلك الدفن أَيَّة ساعةٍ شاء من ليل أو نهار، وقول الجماعة أولى؛ لموافقة الحديث، قاله الخطابي. انتهى منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها، وأبو داوود في كتاب الجنائز، باب الدفن عند طلوع الشمس وغروبها، والترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في كراهية الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وغروبها، والنسائي في كتاب الجنازة، باب الساعات التي نهي عن إقبار الموتى فيهن.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عقبة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(87)
-1492 - (2) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، عَنْ مِنْهَالِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَدْخَلَ رَجُلًا قَبْرَهُ لَيْلًا وَأَسْرَجَ فِي قَبْرِهِ.
===
(87)
- 1492 - (2)(حدثنا محمد بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).
(أخبرنا يحيى بن اليمان) العجلي الكوفي، صدوق عابد يخطئ كثيرًا وقد تغير، من كبار التاسعة، مات سنة تسع وثمانين ومئة (189 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن منهال بن خليفة) العجلي الكوفي، ضعيف، من السابعة. يروي عنه:(د ت ق)، ولكن أخرج له ابن خزيمة في "صحيحه"، وقال البزار: ثقة، وأخرج له حديثًا عن ثابت عن أنس تفرد به، فهو إذًا مختلف فيه. انتهى "تهذيب".
(عن عطاء) بن أبي رباح -بفتح الراء والموحدة- واسم أبي رباح أسلم القرشي مولاهم المكي، ثقة فقيه فاضل، لكنه كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة أربع عشرة ومئة (114 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه منهال بن خليفة، وهو مختلف فيه.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل رجلًا) من الصحابة (قبره ليلًا) لم أر من ذكر اسم الرجل (وأسرج) النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: أوقد السراج لإدخاله (في قبره) وأسرج هنا بالبناء للفاعل.
وفي رواية الترمذي: (فأسرج) بالبناء للمفعول (له) أي: للميت أو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
للنبي صلى الله عليه وسلم (سراجٌ، فأخذه من قبل القبلة، وقال: رحمك الله إنْ كنتَ لَأَوَّاهًا تَلَّاءً للقرآن، وكبَّر عليه أربعًا).
قوله: (فأخذه) أي: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الميت (من قبل القبلة) أي: من جانبها، وفي "الأزهار": احتج أبو حنيفة بهذا الحديث على أن الميت يوضع في عرض القبر في جانب القبلة بحيث يكون مؤخر الجنازة إلى مؤخر القبر ورأسه إلى رأسه، ثم يدخل الميت القبر، وقال الشافعي والأكثرون: يُسَلُّ مِنْ قبل الرأس بأن يوضع رأسُ الجنازة على مؤخر القبر، ثم يدخل الميت القبر. انتهى.
(إن كنت) إن مخففة من الثقيلة؛ أي: إنك كنت (لأوَّاهًا) -بتشديد الواو- أي: كثير التأوه من خشية الله تعالى، قال في "النهاية": الأواه المتأوه المتضرع، وقيل: هو الكثير البكاء أو الكثير الدعاء (تلاءً) -بتشديد اللام- أي: كثير التلاوة اللقرآن). انتهى من "التحفة".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الدفن بالليل، وفي الباب عن جابر، ويزيد بن ثابت وهو أخو زيد بن ثابت أكبر منه، قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا، وقالوا: يدخل الميت القبر من قبل القبلة. وقال بعضهم: يسل سلًا. ورخص بعض أهل العلم في الدفن في الليل لهذا الحديث، ومن لا يرى ذلك .. يحمله على أنه كان للضرورة.
فدرجة هذا الحديث: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا، كما مر آنفًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عقبة.
* * *
(88)
-1493 - (3) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَوْدِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْمَكِّيِّ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَدْفِنُوا مَوْتَاكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَّا أَنْ تُضْطَرُّوا".
===
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عقبة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، فقال:
(88)
-1493 - (3)(حدثنا عمرو بن عبد الله) بن حنش -بفتح المهملة والنون بعدها معجمة- (الأودي) ثقة، من العاشرة، مات سنة خمسين ومئتين (250 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا وكيع) بن الجراح.
(عن إبراهيم بن يزيد) الخُوْزِيِّ -بضم المعجمة وبالزاي- أبو إسماعيل (المكي) مولى بني أمية، متروك الحديث، من السابعة، مات سنة إحدى وخمسين ومئة (151 هـ). يروي عنه:(ت ق).
(عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه إبراهيم بن يزيد المكي، وهو متروك متفق على ضعفه.
(قال) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدفنوا موتاكم) أيها المسلمون (بالليل إلا أن تضطروا) أي: إلا أن تحتاجوا إلى دفنه ليلًا لضرورة شديدة؛ كأن خيف انفجارُهُ أو تَغيُّرهُ تغيرًا فاحشًا، والحديث يدل على عدم الجواز، والقائل بالجواز يحمل هذا الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم نهى الصحابة عن ذلك؛ إرادة أن يصلي على جميع موتى المسلمين، وقيل: نهاهم عن ذلك؛ لأنهم كانوا لا يحسنون إكفان موتاهم ويدفنونهم بالليل. انتهى
(89)
- 1494 - (4) حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ،
===
"سندي". والحديث دليل على أنه لا بأس في دفنه ليلًا لضرورة كما مثلنا.
وقد اختلف العلماء في الدفن ليلًا: فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة، وهذا الحديث مما يستدل به، وقال جماهير العلماء من السلف والخلف: إنه لا يكره واستدلوا بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة من السلف دفنوا ليلًا من غير إنكار، وبحديث المرأة السوداء أو الرجل الذي كان يقم المسجد، فتوفي بالليل فدفنوه ليلًا، وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل، قالوا: توفي ليلًا، فدفناه في الليل، فقال:"ألا آذنتموني؟ "، قالوا: كانت ظلمة فتركناك، ولم يُنْكِرْ عليهم، وأجابوا عن هذا الحديث أن النهي كان لترك الصلاة عليه، ولم يَنْهَ عن مجرد الدفن بالليل، وإنما نهى لترك الصلاة عليه، أو لقلة المصلين عليه، أو عن إساءة الكفن، أو عن المجموع. انتهى "نووي".
وهدا الحديث أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب تحسين الكفن بنحوه، وأحمد والطحاوي في "شرح معاني الآثار".
فدرجة الحديث: أنه صحيح المتن؛ لأن مسلمًا أخرجه في "صحيحه"، ضعيف السند، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به، فالحديث صحيح المتن، ضعيف السند، لأن فيه إبراهيم بن يزيد المكي.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عقبة بحديث آخر لجابر رضي الله عنهما، فقال:
(89)
- 1494 - (4)(حدثنا العباس بن عثمان) بن محمد البجلي أبو الفضل (الدمشقي) المعلم، صدوق يخطئ، من كبار الحادية عشرة، مات سنة تسع وثلاثين ومئتين (239 هـ). يروي عنه:(ق).
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"صَلّوا عَلَى مَوْتَاكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ".
===
(حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم الدمشقي، ثقة كثير التدليس، من الثامنة، مات في آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن) عبد الله (ابن لهيعة) بن عقبة الحضرمي المصري، صدوق، من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه، مات سنة أربع وسبعين ومئة (174 هـ). يروي عنه:(م د ت ق).
(عن أبي الزبير) المكي الأسدي مولاهم، صدوق، من الرابعة، مات سنة ست وعشرين ومئة (126 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لضعف ابن لهيعة وتدليس الوليد بن مسلم.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا على موتاكم بالليل والنهار").
والحديث يدل على جواز الدفن بالليل، وبه قال الجمهور، وكرهه الحسن البصري، واستدل بحديث جابر المتقدم قبل هذا الحديث، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر أن يقبر الرجل ليلًا حتى يصلى عليه.
وأجيب عنه أن الزجر منه صلى الله عليه وسلم إنما كان لترك الصلاة عليه، لا للدفن ليلًا، أو لأجل أنهم كانوا يدفنون بالليل لرداءة الكفن، فالزجر إنما هو لما كان الدفنُ بالليل مظنةَ إساءةِ الكفن، فإذا لم يكن تقصير في الصلاةِ على الميت وتكفينهِ .. فلا بأس بالدفن ليلًا، وقد دُفن النبي صلى الله عليه وسلم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ليلًا، كما رواه أحمد عن عائشة، وكذا دُفن أبو بكر ليلًا، كما عند ابن أبي شيبة.
قال الإمام أحمد: لا بأس بالدفن ليلًا، وقال: دفن أبو بكر ليلًا، وعلي دفن فاطمة ليلًا، وحديث عائشة سمعنا صوت المَسَاحِي -جمع مسحاة- من آخر الليل في دفن النبي صلى الله عليه وسلم، وممن دفن ليلًا عثمان وعائشة وابن مسعود، ورخص فيه عقبة بن عامر وابن المسيب وعطاء والثوري والشافعي وإسحاق، وكرهه الحسن وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وقد روى مسلم في "صحيحه" أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يومًا، فذكر رجلًا من أصحابه قبض، فكفن في كفن غير طائل ودفن ليلًا، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل ليلًا إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك.
والآثار في جواز الدفن ليلًا أكثر من أن تحصر، وفي "الترمذي" من حديث الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرًا ليلًا، فأُسْرِج لَه بسراج فأخَذَه مِن قِبَلِ القبلة، وقال:"رحمك الله، إن كنتَ لأوَّاهًا تَلَّاءً للقرآن"، وكبر عليه أربعًا، قال: وفي الباب عن جابر، ويزيد بن ثابت وهذا أخو زيد أكبر منه، قال: وحديث ابن عباس حديث حسن. قال: ورخص أكثر أهل العلم في الدفن في الليل، وقد نزل النبي صلى الله عليه وسلم في قبر ذي البجادين ليلًا، وفي "صحيح البخاري" أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن قبر رجل، فقال:"من هذا؟ " قالوا: فلان دفن البارحة، فصلى عليه، وهذه الآثار أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر من حديث مسلم، وفي "الصحيحين" عن ابن عباس قال: مات إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، فمات بالليل فدفنوه ليلًا، فلما أصبح .. أخبروه، فقال: "ما منعكم أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
تُعلموني"، فقالوا: كان ليلًا وكرهنا -وكانت ظلمة- أن نشق عليك، فأتى قبره فصلى عليه.
قيل: وحديث النهي محمول على النزاهة والتأديب والذي ينبغي أن يقال في ذلك -والله أعلم-: إنه متى كان الدفن ليلًا لا يفوت به شيء من حقوق الميت والصلاة عليه .. فلا بأس، وعليه تدل أحاديث الجواز، وإن كان يفوت بذلك حقوقه والصلاة عليه وتمام القيام عليه .. فقد نهي عن ذلك وعليه يدل الزجر، وبالله التوفيق.
وهذا الحديث درجته: أنه صحيح المتن؛ لأن له شواهد، وسنده ضعيف؛ لأن فيه ابن لهيعة، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:
الأول للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم