الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(64) - (471) - بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
(185)
- 1590 - (1) حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أَيْ أُمَّهْ؛
===
(64)
- (471) - (باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
(185)
- 1590 - (1)(حدثنا سهل بن أبي سهل) زنجلة بن أبي الصغدي أبو عمرو الخياط، صدوق، من العاشرة، مات في حدود الأربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي أبي عبد الله المدني، ثقة ثبت فقيه، من الثالثة، مات دون المئة سنة أربع وتسعين (94 هـ)، وقيل: سنة ثمان وتسعين، وقيل غير ذلك. يروي عنه:(ع).
(قال: سألت عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
قال عبيد الله: (فقلت) في سؤالها: (أي أمه) أصله: أماه، وأصل أماه: أمي، وإنما أضافها إليه؛ لأنَّها أم المؤمنين، وإعرابه: أي: حرف نداء لنداء القريب مبنية على السكون، أمه: أم منادىً مضاف منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفًا للتخفيف بعد قلب الكسرة فتحة؛ لمناسبة الألف المحذوفة للتخفيف، منع من ظهور تلك الفتحة اشتغال المحل
أَخْبِرِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتِ: اشْتَكَى فَعَلِقَ يَنْفُثُ، فَجَعَلْنَا نُشَبِّهُ نَفْثَهُ بِنَفْثَةِ آكِلِ الزَّبِيبِ، وَكَانَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ، فَلَمَّا ثَقُلَ .. اسْتَأْذَنَهُنَّ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، وَأَنْ يَدُرْنَ عَلَيْهِ،
===
بالفتحة المجلوبة لمناسبة الألف، أم: مضاف، وياء المتكلم المنقلبة ألفًا للتخفيف في محل الجر مضاف إليه مبني على السكون، والهاء حرف زائد للسكت مبني على السكون، وقد بسطنا الكلام في إعراب المنادى المضاف في رسالتنا المسماة:"هدية أولى العلم والإنصاف في إعراب المنادى المضاف" فراجعها إن أردت تحقيق المقام، وإنما أضافها إلى نفسه، فقال لها: يا أمي؛ لأنَّها أم المؤمنين كما مر آنفًا.
(أخبريني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض موته، فـ (قالت) لي عائشة في جواب سؤالي: (اشتكى) ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه، (فعلق) أي: شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم (ينفث) ويتفل على جسده الشريف؛ ليرقي نفسه بالقراءة عليه، يقال: علق يفعل كذا - بكسر اللام - كطفق يفعل كذا وزنًا ومعنىً، وقول السندي هنا: بفتح اللام غير صواب، والنفث: التفل مع الريق الخفيف، قالت عائشة:(فجعلنا) أي: كنا معاشر الحاضرين عنده (نشبه) من التشبيه؛ أي: نشبه (نفثه) وتفله ذلك (بنفثة آكل الزبيب) أي: بنفثه وتفله لرمي الحبوب عن فمه.
(وكان) صلى الله عليه وسلم قبل أن يشتد به المرض (يدور) أي: يطوف (على) حجرات (نسائه) وفاءً لنوباتهن، وأداءً لحقوقهن من القسم، (فلما ثقل) واشتد به المرض .. (استأذنهن) أي: طلب الإذن منهن في (أن يكون في بيت عائشة) ويمرض في حجرتها، فأَذِنَّ له في ذلك، (و) أمرهن (أن يدرن عليه) أي: أن يكون كلّ منهن في نوبتها معه في بيت عائشة.
قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ بالْأَرْضِ؛ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ، فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَتَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّهِ عَائِشَةُ؟ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
===
(قالت) عائشة: (فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرتي حين أذن له (وهو) أي: والحال أنه يهادى ويمشى (بين رجلين) واضعًا يديه على عاتقهما، (ورجلاه) أي: والحال أن رجليه (تخطان بالأرض) أي: تجران على الأرض؛ كشأن الضعيف في المشي، فإنه لا يقدر على رفع الرجل من الأرض، بل يجرها على الأرض، فيظهر بها في الأرض أثرها كالخط (أحدهما) أي: أحد الرجلين اللذين يهادى بينهما (العباس) والآخر علي بن أبي طالب.
قال عبيد الله: (فحدثت به) أي: بالحديث الذي سمعته من عائشة (ابن عباس، فقال) لي ابن عباس: (أتدري) أي: هل تعلم (من) هو (الرجل الذي لَمْ تسمه عائشة) أي: لَمْ تذكره باسمه عائشة (هو) أي: ذلك الرجل الذي لَمْ تسمه عائشة (علي بن أبي طالب) رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب فضل المعوذات، ومسلم في كتاب السلام، باب رقية المريض بالمعوذات والنفث، ومالك في "الموطأ" في كتاب العين، باب التعوذ والرقية في المرض.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة هذا بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها، فقال:
(186)
- 1591 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: "أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا"، فَلَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ
===
(186)
- 1591 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن) أبي الضحى (مسلم) بن صبيح - بالتصغير - الهمداني الكوفي العطار مشهور بكنيته، ثقة فاضل، من الرابعة، مات سنة مئة (100 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبي عائشة الكوفي ثقة فقيه عابد مخضرم، من الثانية، مات سنة اثنتين أو ثلاث وستين (63 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قالت) عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم دائمًا قبل مرض موته أو فيه أولًا (يتعوذ) أي: يتحصن ويتحفظ (بهؤلاء الكلمات) المذكورة ها هنا بقوله: (أذهب الباس) والضرر والشدة عني يا (رب الناس) ومالكهم (واشفـ) ـني، أي: أوجد لي الشفاء والعافية، والشفاء لا ينافي الموت، إذا كان الذي يعقبه خيرًا (أنت الشافي لا شفاء) نافعًا (إلَّا شفاؤك شفاءً) منصوب بقوله:"اشف"، وما بينهما اعتراض، وجملة قوله:(لا يغادر) ولا يترك (سقمًا) ولا ألمًا ولا مرضًا -بفتحتين أو بضم فسكون- صفةٌ لقوله: "شفاء".
(فلما ثقل) وضعف (النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه ..
أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَجَعَلْتُ أَمْسَحُهُ وَأَقُولُهَا، فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِي ثُمَّ قَالَ:"اللهُمَّ؛ اغْفِرْ لِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى"، قَالَتْ: فَكَانَ هَذَا آخِرَ مَا سَمِعْتُ مِنْ كَلَامِهِ صلى الله عليه وسلم.
===
أخذت بيده) لشدة المرض عليه، والفاء في قوله:(فجعلت) زائدة في جواب لما الرابطة؛ أي: شرعت (أمسحه) أي: أمسح جسمه الشريف بيده المباركة، (و) الحال أني (أقولها) أي: أقول بلساني هذه الكلمات التي يتعوذ بها في عادته بدل ما يقولها، كأنها قصدت بذلك الصحة، تشبيهًا بما يفعل في عادته، (فنزع) أي: جذب (يده) المباركة (من يدي، ثم) بعدما نزع يده من يدي (قال) بلسانه: (اللهم؛ اغفر لي) وفيه دلالة على أن هذا المرض مرض الموت، والمطلوب فيه طلب المغفرة واللحوق بالملأ الأعلى (وألحقني بالرفيق الأعلى) الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا؛ كما في الحديث الآتي، (قالت) عائشة:(فكان هذا) الكلام تعني قوله: "بالرفيق الأعلى" (آخر ما سمعت من كلامه صلى الله عليه وسلم في الدنيا.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب المَرْضي، باب دعاء العائذ للمريض، وفي مواضع كثيرة، ومسلم في كتاب الطب، باب استحباب رقية المريض، وابن ماجة أيضًا في كتاب الطب.
فدرجة هذا الحديث: أنه في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به لحديث عائشة الأول.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها، فقال:
(187)
-1592 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ الْعُثْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ .. إِلَّا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ مَرَضُهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ .. أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:
===
(187)
-1592 - (3)(حدثنا أبو مروان العثماني) محمد بن عثمان بن خالد الأموي المدني، نزيل مكة، صدوق يخطئ، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومئتين (241 هـ). يروي عنه:(س ق).
(حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من الثامنة، مات سنة خمس وثمانين ومئة (185 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف، ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن عروة) بن الزبير بن العوام، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين (94 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(ع).
(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأنه رجاله ثقات أثبات.
(قالت) عائشة: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهو صحيح غير مريض: (ما من نبي) من الأنبياء (يمرض) من باب فرح؛ أي: يأخذه المرض والداء .. (إلَّا خير بين) المقام في (الدنيا و) وبين الانتقال إلى (الآخرة، قالت) عائشة: (فلما كان) وحصل (مرضه الذي قبض) وتوفي (فيه .. أخذته بحة) -بضم الموحدة وتشديد المهملة-: وهي الخشونة والغلظة في الصوت، (فسمعته) صلى الله عليه وسلم (يقول) في ذلك المرض: اللهم؛
"مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ"، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ.
(188)
-1593 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ فِرَاسٍ،
===
أريد أن أكون (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) قالت عائشة: (فعلمت) أي: تيقنت حين سمعته يقول ذلك (أنه خير) بين الدارين، فاختار الآخرة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب التفسير، في باب أولئك الذين أنعم الله عليهم
…
إلى آخره، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل عائشة، وأحمد في "مسنده".
فالحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها، فقال:
(188)
-1593 - (4)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير عن زكريا) بن أبي زائدة خالد بن ميمون بن فيروز الهمداني الوادعي، ثقة، وكان يدلس، وسماعه من أبي إسحاق بأخرة، من السادسة، مات سنة سبع أو ثمان أو تسع وأربعين ومئة (149 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن فراس) - بكسر أوله وبمهملة - ابن يحيى الهمداني الخارفي - بمعجمة وفاء - أبي يحيى الكوفي المكتب، صدوق، ربما وهم، من السادسة، مات سنة تسع وعشرين ومئة (129 هـ). يروي عنه:(ع).
عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اجْتَمَعْنَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ تُغَادِرْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"مَرْحَبًا بِابْنَتِي"،
===
(عن عامر) بن شراحيل الشعبي -بفتح المعجمة- أبي عمرو، ثقة فقيه فاضل، من الثالثة، مات بعد المئة، وله نحو من الثمانين. يروي عنه:(ع).
(عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبي عائشة، ثقة فقيه عابد مخضرم، من الثانية، مات سنة اثنتين أو ثلاث وستين (63 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قالت) عائشة: (اجتمعن نساء النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه عنده في مرض موته، وهذا التركيب نظير قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} (1) فالاسم الظاهر بدل من الضمير بدل كلّ، (فلم تغادر منهن) وتتخلف عن ذلك الاجتماع (امرأة) واحدة منهن، قالت عائشة:(فجاءت فاطمة) بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهن مجتمعات عنده صلى الله عليه وسلم (كأن مشيتها) - بكسر الميم - أي: كأن هيئة مشية فاطمة (مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: كهيئة مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فـ) لما دخلت عليه فاطمة .. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لها: (مرحبًا) أي: أتيت مكانًا واسعًا لك (بابنتي) أي: لابنتي، أو المعنى: رحبت بابنتي مرحبًا؛ أي: قلت لها: مرحبًا؛ أي: سعةً لك في كلّ الأمور،
(1) سورة الأنبياء: (3).
ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ فَاطِمَةُ، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ أَيْضًا، فَقُلْتُ لَهَا: مَا يُبكِيكِ؟ قَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَقُلْتُ لَهَا حِينَ بَكَتْ: أَخَصَّكِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحَدِيثٍ دُونَنَا ثُمَّ تَبْكِينَ، وَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم،
===
وفي "المختار": وقولهم: (مرحبًا) و (أهلًا) أي: أتيت سعةً، وأتيت أهلًا، فاستأنس ولا تستوحش، ورحب به ترحيبًا؛ إذا قال له: مرحبًا. انتهى منه.
(ثم) بعدما قال لها مرحبًا (أجلسها عن شماله، ثم إنه) صلى الله عليه وسلم (أسر إليها حديثًا) أي: حدثها حديث سر لَمْ نسمعه (فبكت فاطمة، ثم) بعد بكائها (إنه صلى الله عليه وسلم (سارها) أي: كلمها كلام سر لَمْ نسمعه (فضحكت) فاطمة (أيضًا) أي: كما بكت أولًا، قالت عائشة (فقلت لها) أي: لفاطمة: (ما يبكيك؟ ) أي: أي شيء يبكيك من كلامه صلى الله عليه وسلم أولًا سرًّا؟ (قالت) لي فاطمة: (ما كنت لأفشي) من الإفشاء؛ وهو الإشاعة والإذاعة بين الناس، واللام فيه لام الجحود، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة وجوبًا؛ أي: ما كنت مريدة لإفشاء (سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وإظهاره لهم.
قالت عائشة: (فقلت) لفاطمة: (ما رأيت كاليوم فرحًا أقرب من حزن) أي: ما رأيت فرحًا أقرب من حزن؛ كقربه منه في هذا اليوم، (فقلت لها حين بكت: أخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث دوننا ثم تبكين؟ وسألتها عما قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بكت، (فقالت) فاطمة:(ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم)
حَتَّى إِذَا قُبِضَ سَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُنِي أَنَّ جِبْرَائِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، وَأَنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، "وَلَا أُرَانِي إِلَّا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي، وَأَنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقًا بِي وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ"، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّنِي فَقَالَ:"أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ"، فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ.
===
فسكت عنها (حتى إذا قبض) وتوفي .. (سألتها عما قال) لها حين بكت.
(فقالت) فاطمة: (إنه) صلى الله عليه وسلم (كان يحدثني أن جبرائيل كان يعارضه بالقرآن) أي: يراجع له القرآن ويتسمع له فيه (في كلّ عام) بعد نزوله (مرّة) واحدة، (وأنه) أي: وأن جبرائيل (عارضه به) أي: راجعه فيه (العام) أي: في هذا العام (مرتين، ولا أراني) أي: ولا أظن نفسي (إلَّا قد حضر) وقرب (أجلي) أي: أجل موتي ووقته، (وأنك) يا فاطمة (أول أهلي) أي: أول أهل بيتي (لحوقًا بي) في الموت، (ونعم السلف أنا لك) أي: ونعم السلف لك، والمخصوص بالمدح "أنا"، والسلف: هو السابق من القوم إلى الماء؛ ليهيئ لهم أسباب الشرب؛ كالدلاء والحياض للدواب.
(فبكيت) لذلك الحديث في أول الأمر، (ثم إنه) صلى الله عليه وسلم (سارني) ثانيًا، أي: كلمني سرًّا في المرة الثانية، (فقال) لي حين بكيت:(ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين) الأولين والآخرين من هذه الأمة وغيرها؟ (أو) قالت لي فاطمة: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ترضين أن تكوني سيدة (نساء هذه الأمة) المحمدية؟ قالت فاطمة: (فضحكت لذلك) الذي قاله لي؛ تعني: "أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو نساء هذه الأمة"، والشك من عائشة فيما قالته فاطمة.
(189)
- 1594 - (5) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ،
===
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الاستئذان، باب من ناجى بين الناس ولم يخبر بسره صاحبه، وفي مواضع كثيرة، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة، والبيهقي في "دلائل النبوة"، وأحمد.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها، فقال:
(189)
- 1594 - (5)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومئتين (234 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا مصعب بن المقدام) الخثعمي أبو عبد الله الكوفي، صدوق له أوهام، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين (253 هـ). يروي عنه:(م ت س ق).
(حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة إمام حجة، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة (161 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي الكوفي، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي، ثقة، من الثانية مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مئة سنة. يروي عنه:(ع).
عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
(190)
- 1595 - (6) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
===
(عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي، ثقة مخضرم، من الثانية، مات سنة اثنتين أو ثلاث وستين. يروي عنه:(ع).
(قال) مسروق: (قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(ما رأيت أحدًا أشد عليه الوجع) والألم (من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب المَرْضي، باب شدة المرض، ومسلم في كتاب البر والصلة والاداب، وأحمد، وأبو يعلى في "مسنده".
فالحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها، فقال:
(190)
- 1595 - (6)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب، ثقة ثبت، من صغار التاسعة، مات سنة سبع ومئتين (207 هـ). يروي عنه:(ع).
حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَرْجِسَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَمُوتُ وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ، فَيُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ؛ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ".
===
(حدثنا ليث بن سعد) بن عبد الرَّحمن الفهمي المصري، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من السابعة، مات في شعبان سنة خمس وسبعين ومئة (175 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن يزيد بن أبي حبيب) سويد المصري، ثقة فقيه وكان يرسل، من الخامسة، مات سنة ثمان وعشرين ومئة (128 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن موسى بن سرجس) -بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة- مدني مستور، من السادسة. يروي عنه:(ت ق).
(عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق، ثقة أحد الفقهاء بالمدينة، من كبار الثالثة، مات سنة ست ومئة (106 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الحسن، لأن فيه موسى بن سرجس، وهو مستور.
(قالت) عائشة: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت) أي: والحال أنه في سكرة الموت مشغول بها، (وعنده قدح) أي: كأس (فيه ماء) والقدح -بفتحتين-: إناء للشرب معروف، (فيدخل يده) الشريفة (في القدح) فيأخذ الماء منه بيده، (ثم يمسح وجهه بالماء) دفعًا لحرارة الموت، أو دفعًا للغشيان وكربه، (ثم يقول: اللهم، أعني على) شدة (سكرات الموت) وأهوالها، أي: ما سأل رفع تلك المكروهات والشدائد، بل سأل الإعانة على
(191)
- 1596 - (7) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ
===
حملها، ففيه: أن ذاك خير له لرفع الدرجات، وسكرات الموت: جمع سكرة - بسكون الكاف - وهي: شدة الموت، وقيل: ما يترتب عليه من الدهشة والحيرة الموجبة للغفلة، وقال القاضي في تفسير قوله تعالى:{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} (1): إن سكرته شدته الذاهبة بالعقل. انتهى، انتهى "تحفة الأحوذي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في التشديد عند الموت، وقال: هذا حديث حسن غريب، ورواه أبو يعلى في "مسنده" بسند آخر، وقال: إسناده ضعيف؛ لأن فيه سويد بن سعيد ورشدين بن سعد.
فدرجة الحديث: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث عائشة الأول بحديث أنس رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(191)
- 1596 - (7)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق مقرئ، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ عم).
(حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري) أنه (سمع أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه (يقول) أي: أنس.
وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
أي: سمع الزهري أنس بن مالك يقول: (آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله
(1) سورة ق: (19).
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَشْفَ السِّتَارَةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، فَنَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ كَأَنَّهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ وَالنَّاسُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَحَرَّكَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنِ أثْبُتْ، وَأَلْقَى السِّجْفَ، وَمَاتَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
===
صلى الله عليه وسلم كشف الستارة يوم الاثنين) أي: آخر نظرتي إياه نظري إياه وقت كشفه الستارة التي بين حجرة عائشة وبين المسجد يوم الاثنين؛ لينظر إلى الناس، هل يقيمون الصلاة، أم لا؟ قال أنس:(فنظرت) يومئذ (إلى وجهه) الشريف (كأنه) أي: كأن وجهه (ورقة مصحف) قال النووي: وهذا عبارة عن الجمال البارع، وحسن البشرة، وصفاء الوجه واستنارته، مع كونه محبوبًا للنفس، معظمًا في الصدر، وإلا .. لما كان لخصوص الورقة بالمصحف وجه، فليتأمل. انتهى "سندي".
أي: فنظرت إلى وجهه والحال أنه كشف الستارة (والناس) أي: والحال أن الناس صفوف (خلف أبي بكر) الصديق (في الصلاة) أي: في صلاة الظهر، (فأراد) أبو بكر؛ أي: فلما رأى أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم .. أراد (أن يتحرك) ويرجع إلى ورائه ظانًا أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد الصلاة بهم، (فأشار) النبي صلى الله عليه وسلم (إليه) أي: إلى أبي بكرب (أن اثبت) في مكانك وصل بالناس، (وألقى) النبي صلى الله عليه وسلم وأرخى (السجف) أي: الستارة وأسدلها ورجع إلى مضجعه، (ومات من آخر ذلك اليوم)، والسجف: - بكسر السين وسكون الجيم -: الستر.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، والنسائي في كتاب الجنائز، باب الموت يوم الاثنين وغيرهما.
ودرجة هذا الحديث: أنه صحيح، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
(192)
- 1597 - (8) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ سَفِينَةَ،
===
ثم استشهد المؤلف سابعًا بحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها، فقال:
(192)
- 1597 - (8)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
(حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقة متقن عابد، من التاسعة، مات سنة ست ومئتين (206 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا همام) بن يحيى بن دينار العوذي -بفتح المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة- المُحَلِّمِيُّ مولاهم أبو عبد الله البصري، ثقة، ربما وهم، من السابعة، مات سنة أربع أو خمس وستين ومئة (165 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي البصري، ثقة ثبت، من الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن صالح) بن أبي مريم الضبعي -بضم المعجمة وفتح الموحدة- نسبة إلى ضبيعة بن قيس؛ بطن من بكر بن وائل مولاهم (أبي الخليل) البصري، وثقه ابن معين والنسائي، وأغرب ابن عبد البر، فقال: لا يحتج به، من السادسة، بقي إلى حدود المئة. روى عن: سفينة، ويروي عنه:(ع)، وقتادة. انتهى " تهذيب التهذيب".
(عن سفينة) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي عبد الرَّحمن، قيل: اسمه مهران لقب بسفينة؛ لكونه حمل شيئًا كثيرًا في السفر، مشهور بلقبه، له أربعة عشر حديثًا، الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه. يروي عنه:(م عم)، وصالح بن أبي مريم أبو الخليل.
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ: "الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى مَا يُفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ.
===
(عن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة، وقال البوصيري: هذا الإسناد صحيح على شرط الشيخين؛ فقد احتجا بجميع رواته.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه الذي توفي فيه): الزموا (الصلاة) أنتم (وما ملكت أيما نكم) أي: أيديكم؛ يعني: العبيد والإماء.
(فما زال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقولها) أي: يقول هذه الكلمة ويكررها (حتى) كانت هذه الكلمة (ما يفيض) ويموت (بها) أي: عليها (لسانه) يقال: فاض الرجل؛ إذا مات، وبابه باع، وفاضت نفسه: خرجت روحه، قاله أبو عبيدة، قال الأصمعي: ولا يقال: فاض الرجل، ولا فاضت نفسه، وإنما يفيض الدمع والماء. انتهى "مختار".
قال السندي: قوله "الصلاة": منصوب على الإغراء؛ أي: الزموا الصلاة، واهتموا بشأنها، ولا تغفلوا عنها، قوله:"وما ملكت أيمانكم" معطوف على الصلاة؛ أي: الزموا ما ملكت أيمانكم من الأموال؛ أي: أدوا زكاتها ولا تسامحوا، وهذا المعنى هو الموافق لقران الصلاة؛ فإن المتعارف في عرف الشرع قرانهما، ويحتمل أن يكون المعنى: وصيةً بالعبيد والإماء؛ أي: أدوا حقوقهم، وحَسِّنوا مَلْكَتَهُم؛ فإن المتبادر من لفظ:"ما ملكت أيمانكم" في عرف القرآن .. هم العبيد والإماء، قوله:(حتى ما يفيض بها لسانه) أي: كررها حتى ما يجري ولا يسيل بهذه الكلمة لسانه؛ أي: كررها حتى عجز لسانه وكسل عن نطقها؛
(193)
-1598 - (9) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ،
===
لكثرة تكرارها؛ أي: حتى لَمْ يقدر على الإفصاح بهذه الكلمة؛ لكثرة التكرار. انتهى منه بزيادة وتصرف.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ولكن رواه مسدد في "مسنده" عن يزيد، حدثنا سعيد عن قتادة، فذكره بإسناده ومتنه، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" من حديث أم سلمة أيضًا، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في "مسنده" هكذا، ورواه عبد بن حميد في "مسنده" عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون، ورواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده"، ورواه النسائي في "الكبرى" في كتاب الوفاة، ورواه الخطيب في "تاريخ بغداد" عن أنس، وابن سعد في "طبقاته"(2/ 195) ذكَرَ ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه، عن أم سلمة، ولهذا الحديث شواهد كثيرة.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، ولهذه الشواهد، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثامنًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها، فقال:
(193)
-1598 - (9)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، ثقة، من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين ومئة (193 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني مولاهم أبي عون البصري الخزاز، ثقة ثبت فاضل، من السادسة، مات سنة خمسين ومئة (150 هـ). يروي عنه:(ع).
عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ وَصِيًّا فَقَالَتْ: مَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ؟ فَلَقَدْ كُنْتُ مُسْنِدَتَهُ إِلَى صَدْرِي أَوْ إِلَى حَجْرِي، فَدَعَا بِطَسْتٍ فَلَقَدِ انْخَنَثَ فِي حِجْرِي، فَمَاتَ وَمَا شَعَرْتُ بِهِ، فَمَتَى أَوْصَى صلى الله عليه وسلم.
===
(عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من الخامسة، مات سنة ست وتسعين (96 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمرو الكوفي، ثقة مخضرم مكثر فقيه، من الثانية، مات سنة أربع أو خمس وسبعين (75 هـ). يروي عنه:(ع).
(قال) الأسود: (ذكروا) أي: ذكر الناس (عند عائشة أن عليًّا كان وصيًا) للنبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(فقالَتْ) عائشةُ للحاضرين عندها: (متى أوصى) النبي صلى الله عليه وسلم (إليه)؟ أي: إلى علي؛ فإني ملازمته في آخر حياته، فمتى أوصاه؛ (فـ) والله (لقد كنت) أنا (مسندته) صلى الله عليه وسلم (إلى صدري، أو) قالت عائشة: مسندته (إلى حَجْري) -بفتح الحاء- أي: إلى مقدم بدني (فدعا) أي: طلب (بطست) ماء، (فـ) والله (لقد انخنث) واسترخى وانثنى أعضاؤه (في حِجْري) - بكسر الحاء - أي: في بيتي (فمات) في ذلك الوقت (وما شعرت) أي: وما علمت أنا (به) أي: بموته، بل فاجأني موته، (فمتى أوصى صلى الله عليه وسلم إلى علي وأنا ملازمة له في آخر حياته ومات في بيتي؟ فمتى أوصى إليه؟
قال السندي: قوله: (مسندته) اسم فاعل من أسند الرباعي، قوله: (أو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
إلى حجري) بتقديم الحاء المهملة المفتوحة أو المكسورة على الجيم، قوله:(فانخنث) أي: انكسر وانثنى لاسترخاء أعضائه عند الموت، قال في "النهاية" (2/ 82): ولا يخفى أن هذا لا يمنع الوصية قبل ذلك، ولا يقتضي أنه مات فجأة؛ بحيث لا تمكن منه الوصية ولا تتصور، كيفَ وقد عُلِمَ أنه صلى الله عليه وسلم عَلِمَ بقرب أجله قبل المرض، ثم مرض أيامًا؟ ! نعم؛ هو يوصي إلى على بماذا؟ إن كان بالكتاب والسنة .. فالوصية بهما لا تختص بعلي، بل تعم المسلمين كلهم، وإن كان بالمال .. في ترك مالًا حتى يحتاج إلى وصية، والله أعلم. انتهى "سندي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الوصايا، باب الوصايا عن عائشة، ومسلم في كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي به، والنسائي في كتاب الوصايا، باب هل أوصى النبي صلى الله عليه وسلم، وأحمد.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: تسعة أحاديث:
الأول منها للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم