الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وَقد تَركه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره، ونصَّ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» أَيْضا أَن وقف رِوَايَة الأول هُوَ الصَّوَاب، وَنقل الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن الْجريرِي أَنه سَأَلَ خَالِد بن غلاق الرَّاوِي، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن اسْتِحْقَاق النّوم؛ فَقَالَ: هُوَ أَن يضع جنبه.
وَاعْلَم أَن الإِمَام الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله عَلَى أَن النّوم من نواقض الْوضُوء، وَقد علمت حَالهمَا. ويغني فِي الدّلَالَة عَنْهُمَا حَدِيث صَفْوَان بن عَسَّال الْآتِي فِي مسح الْخُف - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - (فَإِنَّهُ) حَدِيث صَحِيح.
الحَدِيث الْعَاشِر
رُوِيَ أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا وضوء عَلَى من نَام قَاعِدا، إِنَّمَا الْوضُوء عَلَى من نَام مُضْطَجعا؛ فَإِن من نَام مُضْطَجعا استرخت مفاصله» وَرُوِيَ أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا وضوء عَلَى من نَام قَائِما أَو رَاكِعا أَو سَاجِدا» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِنَحْوِهِ الْأَئِمَّة، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف، رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي «مُسْند أَبِيه» عَن عبد الله بن مُحَمَّد، عَن عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن يزِيد بن عبد الرَّحْمَن الدالاني - نزل فيهم فنسب إِلَيْهِم - عَن قَتَادَة، عَن أبي الْعَالِيَة، عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَيْسَ عَلَى من نَام سَاجِدا وضوء حَتَّى يضطجع؛ فَإِنَّهُ إِذا اضْطجع استرخت مفاصله» .
وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» من رِوَايَة عبد الله بن أَحْمد، عَن أَبِيه، عَن عبد السَّلَام. وَالَّذِي رَأَيْته فِي «الْمسند» من رِوَايَة ابْنه (عَن) غير أَبِيه. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بالسند االمذكور بِلَفْظ:«رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر، ونام حَتَّى غط وَنفخ وَهُوَ ساجد - أَو جَالس - ثمَّ قَامَ فَصَلى؛ فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّك قد (نمت) ! قَالَ: إِنَّمَا يجب الْوضُوء عَلَى من نَام مُضْطَجعا؛ فَإِذا اضْطجع استرخت مفاصله» .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بالسند الْمَذْكُور بِلَفْظ «أَنه عليه السلام كَانَ يسْجد وينام وينفخ، ثمَّ يقوم فَيصَلي وَلَا يتَوَضَّأ، فَقلت لَهُ: صليت وَلم تتوضأ [وَقد نمت!] فَقَالَ: إِنَّمَا الْوضُوء عَلَى من نَام مُضْطَجعا -[زَاد عُثْمَان وهناد]- فَإِنَّهُ إِذا اضْطجع استرخت مفاصله» .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بالسند الْمَذْكُور أَيْضا بِلَفْظ: «أَنه رَأَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم نَام وَهُوَ ساجد حَتَّى غط أَو نفخ، ثمَّ قَامَ يُصَلِّي؛ فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّك قد نمت! قَالَ: إِن الْوضُوء لَا يجب إِلَّا عَلَى من نَام مُضْطَجعا؛ فَإِنَّهُ إِذا اضْطجع استرخت مفاصله» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك وَالْبَيْهَقِيّ
قَالَ الرَّافِعِيّ عقب الرِّوَايَة الثَّانِيَة الَّتِي أسلفناها عَنهُ: ضعفه أَئِمَّة الحَدِيث. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَكَأَنَّهُ تبع فِي ذَلِك إِمَام الْحَرَمَيْنِ؛ فَإِنَّهُ نقل فِي «أساليبه» إِجْمَاع أهل الحَدِيث عَلَى ضعفه، وَنقل أَيْضا الِاتِّفَاق عَلَى ضعفه: النَّوَوِيّ، وَهُوَ كَمَا قَالُوا وَمِمَّنْ صرح بضعفه من الْمُتَقَدِّمين: أَحْمد، وَالْبُخَارِيّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحَرْبِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، وَغَيرهم.
قَالَ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» : قَوْله: «الْوضُوء عَلَى من نَام مُضْطَجعا» هُوَ حَدِيث مُنكر، لم يروه إِلَّا يزِيد الدالاني عَن قَتَادَة. وَرَوَى أَوله جمَاعَة عَن ابْن عَبَّاس لم يذكرُوا شَيْئا من هَذَا؛ وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَحْفُوظًا.
وَقَالَت عَائِشَة: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «تنام عينايَ وَلَا ينَام قلبِي» قَالَ شُعْبَة: إِنَّمَا سمع قَتَادَة من أبي الْعَالِيَة أَرْبَعَة أَحَادِيث: حَدِيث يُونُس بن مَتى، وَحَدِيث ابْن عمر فِي الصَّلَاة، وَحَدِيث الْقُضَاة ثَلَاثَة، وَحَدِيث [ابْن عَبَّاس] حَدثنِي رجال مرضيون.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَسمع أَيْضا حَدِيث ابْن عَبَّاس فِيمَا يَقُول عِنْد الكرب، وَحَدِيثه فِي رُؤْيَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ مُوسَى وَغَيره. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «كتاب الْعِلَل» - وَهُوَ مُجَلد مُفْرد - بعد أَن ذكره بِلَفْظِهِ فِي
«جَامعه» إِلَّا أَنه ذكره بِلَفْظ « (نَام» ) بدل «اضْطجع» : سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: إِنَّه لَا شَيْء، رَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن ابْن عَبَّاس قَوْله، وَلم يذكر فِيهِ أَبَا الْعَالِيَة، وَلَا أعرف لأبي خَالِد الدالاني سَمَاعا من قَتَادَة. قلت: أَبُو خَالِد كَيفَ هُوَ؟ قَالَ: صَدُوق، وَإِنَّمَا يهم فِي الشَّيْء. قَالَ مُحَمَّد: وَعبد السَّلَام (بن حَرْب) صَدُوق. وَقَالَ فِي «جَامعه» : رَوَاهُ (سعيد) ، عَن قَتَادَة، عَن ابْن عَبَّاس قَوْله، وَلم يذكر فِيهِ أَبَا الْعَالِيَة وَلم يرفعهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» : تفرد بِهِ (أَبُو) خَالِد الدالاني، وَلَا يَصح.
قلت: لَهُ متابع لكنه ضَعِيف كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِره. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : تفرد بِهِ يزِيد بن عبد الرَّحْمَن الدالاني. ثمَّ ذكر عَن التِّرْمِذِيّ مَا نَقَلْنَاهُ عَنهُ من «علله» ثمَّ ذكر. عَن أبي دَاوُد السجسْتانِي أَن قَوْله: «الْوضُوء عَلَى من نَام مُضْطَجعا» : حَدِيث مُنكر. لم يروه إِلَّا الدالاني، عَن قَتَادَة، وَإنَّهُ ذكر هَذَا الحَدِيث لِأَحْمَد بن حَنْبَل فَقَالَ: مَا ليزِيد الدالاني يدْخل عَلَى أَصْحَاب قَتَادَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يَعْنِي أَحْمد بِهَذَا: مَا ذكره البُخَارِيّ من أَنه لَا يعرف لأبي خَالِد سَماع من قَتَادَة، وَسَيَأْتِي مثل هَذَا، عَن أبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ مَعَ مَا فِيهِ.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : لَعَلَّ هَذِه إِشَارَة إِلَى المحكي
عَن البُخَارِيّ (و) غَيره من اشْتِرَاط الِاتِّصَال فِي السماع وَلَو مرّة.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد: لَا يُتَابع الدالاني فِي بعض أَحَادِيثه. قَالَ: وَلَا أعلم أحدا رَوَى هَذَا الحَدِيث غير عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن أبي خَالِد، عَن قَتَادَة.
وَلما (ذكره) الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» بِلَفْظ «أَنه عليه السلام نَام وَهُوَ ساجد حَتَّى غط أَو نفخ، فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّك قد نمت! قَالَ: إِن الْوضُوء لَا يُوجب حَتَّى تنام مُضْطَجعا؛ فَإِنَّهُ إِذا اضْطجع استرخت مفاصله» . تفرد بآخر هَذَا الحَدِيث: أَبُو خَالِد الدالاني، عَن قَتَادَة؛ وَأنْكرهُ عَلَيْهِ جَمِيع (أَئِمَّة) أهل الحَدِيث، ثمَّ ذكر كَلَام أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ السالفين. وَنقل عَن شُعْبَة أَنه قَالَ: لم يسمع قَتَادَة من أبي الْعَالِيَة إِلَّا ثَلَاثَة أَشْيَاء. قَالَ يَحْيَى الْقطَّان: هِيَ قَول عَلّي فِي الْقُضَاة ثَلَاثَة، وَحَدِيث لَا صَلَاة بعد الْعَصْر، وَحَدِيث يُونُس بن مَتى (ثمَّ) نقل كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ الَّذِي أسلفناه عَنهُ وَأقرهُ، وَقد علمت مَا فِيهِ من المناقشة.
ثمَّ نقل عَن أبي حَاتِم بن حبَان أَنه قَالَ: فِي «كتاب الْمَجْرُوحين» (و) رَأَيْته فِيهِ أَيْضا: يزِيد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو خَالِد الدالاني، من أهل وَاسِط، كَانَ كثير الْخَطَأ، فَاحش الْوَهم، يُخَالف الثِّقَات فِي الرِّوَايَات، حَتَّى إِذا سَمعهَا الْمُبْتَدِئ فِي هَذِه الصِّنَاعَة علم أَنَّهَا (معمولة) أَو مَقْلُوبَة
لَا يجوز الِاحْتِجَاج (بِهِ) إِذا وَافق الثِّقَات؛ فَكيف إِذا انْفَرد عَنْهُم بالمعضلات؟ !
وَقد غلظ أَبُو حَاتِم بن حبَان القَوْل فِيهِ وخطئ فِي ذَلِك. وَمُقَابل (هَذِه الْمقَالة) قَول الْحَاكِم أبي عبد الله فِي آخر «مُسْتَدْركه» فِي آخر كتاب الْأَهْوَال: أَبُو خَالِد الدالاني الْأَئِمَّة المتقدمون كلهم يشْهدُونَ لَهُ بِالصّدقِ والإتقان.
وَتبع فِي ذَلِك أَبَا حَاتِم؛ فَإِنَّهُ قَالَ: يجمع حَدِيثه فِي أَئِمَّة الْكُوفَة، لم (يخرجَا) لَهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» لما ذكر من انحرافه عَن السّنة فِي ذكر الصَّحَابَة. فَأَما الْأَئِمَّة المتقدمون؛ فَإِنَّهُم شهدُوا لَهُ بِالصّدقِ والإتقان. وَالْحق التَّوَسُّط فِي أمره؛ قَالَ ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَكَذَا (قَالَه) أَحْمد، وَاقْتصر ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» فِي تَرْجَمته عَلَى قَول أَحْمد هَذَا (وَقَول) ابْن حبَان السالف مُخْتَصرا، وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فِي «الْمُغنِي» ، وَذكره ابْن شاهين فِي «ثقاته» ، وَاقْتصر عَلَى (قولة) يَحْيَى بن معِين (السالفة) فِيهِ، وَسُئِلَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ عَنهُ فَقَالَ: صَدُوق ثِقَة. وَقَالَ ابْن عدي: لَهُ أَحَادِيث صَالِحَة، وَفِي حَدِيثه لين، إِلَّا أَنه مَعَ لينه يكْتب حَدِيثه.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : فَأَما هَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ قد أنكرهُ عَلَى أبي خَالِد الدالاني جَمِيع الْحفاظ. وَهَذَا قد أسلفناه عَنهُ من «خلافياته» . قَالَ: وَأنكر سَمَاعه من قَتَادَة: أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا. قَالَ: وَلَعَلَّ الشَّافِعِي وقف عَلَى عِلّة هَذَا الحَدِيث حَتَّى رَجَعَ عَنهُ فِي الْجَدِيد.
قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَلَو فرض استقامة حَال الدالاني (جَمِيع الْحفاظ كَانَ) فِيمَا علم من انْقِطَاع (سَنَده) واضطرابه، ومخالفته الثِّقَات (مَا) يعضد قَول من ضعفه من الْأَئِمَّة.
قلت: وَمِمَّنْ ضعفه من الْمُتَأَخِّرين: ابْن حزم فِي «محلاه» فَقَالَ: هَذَا (حَدِيث) سَاقِط جملَة؛ وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : هَذَا حَدِيث مُنكر، وَلَيْسَ بِمُتَّصِل الْإِسْنَاد (وَقَالَ) أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فَقَالَ: إِن قَتَادَة لم يسمع هَذَا الحَدِيث من أبي الْعَالِيَة، وَجزم بِهَذَا من الْفُقَهَاء القَاضِي عبد الْوَهَّاب فِي «شرح الرسَالَة» لَكِن ذكر صَاحب «الْكَمَال» أَنه سمع مِنْهُ، وَقَالَ ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» تفرد بِهَذَا الحَدِيث: عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن أبي خَالِد الدالاني، لَا أعلم لَهُ غَيره.
وَخَالف الْحفاظ كلهم: ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» فرجح صِحَّته؛ فَقَالَ بعد أَن أخرجه من طَرِيق أَحْمد: وَفِيه مَا ناقشناه بِهِ مِمَّا سبق
(مستدلاً) عَلَى أحد قولي إِمَامه؛ أَنه إِذا نَام عَلَى حَالَة من أَحْوَال الصَّلَاة نومًا يَسِيرا لم يبطل وضوءه، وَنقل عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه تفرد بِهِ يزِيد، عَن قَتَادَة، وَلَا يَصح (و) عَن ابْن حبَان: أَنه كَانَ كثير الْخَطَأ، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ، و (أَن) ابْن أبي عرُوبَة رَوَاهُ، عَن قَتَادَة مَوْقُوفا -: قد ذكرنَا أَن مَذْهَب الْمُحدثين إِيثَار من وقف الحَدِيث احْتِيَاطًا، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء. قَالَ: وَقَول الدَّارَقُطْنِيّ: لَا تصح: دَعْوَى بِلَا دَلِيل، وَقد قَالَ أَحْمد: يزِيد لَا بَأْس بِهِ (وَرِوَايَة) من وَقفه لَا يمْنَع كَونه مَرْفُوعا، فَإِن الرَّاوِي قد يسند وَقد يُفْتِي بِالْحَدِيثِ هَذَا كَلَامه، وَفِيه من التعسف مَا لَا يخْفَى، وَقد ذكر (هُوَ) فِي «ضُعَفَائِهِ» يزِيد بن خَالِد، وَنقل فِيهِ مقَالَة ابْن حبَان وَأحمد فَقَط، وَقَالَ فِي خطْبَة كِتَابه هَذَا - أَعنِي: الضُّعَفَاء -: إِنَّه قد يَقع خلاف فِي بعض الْمَجْرُوحين، فيعده بَعضهم من الثِّقَات، وترجيح أحد الْأَمريْنِ إِلَى الْمُجْتَهدين من عُلَمَاء النَّقْل، عَلَى أَن تَقْدِيم الْجرْح عَلَى التَّعْدِيل مُتَعَيّن. فقد نَاقض قَوْله بقوله، وَقَالَ أَيْضا فِي خطْبَة «تَحْقِيقه» :(ألوم) عِنْدِي (مِمَّن)(قد لمته) من الْفُقَهَاء جمَاعَة من كبار الْمُحدثين عرفُوا صَحِيح النَّقْل وسقيمه وصنفوا فِي ذَلِك، فَإِذا
جَاءَ حَدِيث ضَعِيف يُخَالف مَذْهَبهم بينوا وَجه الطعْن فِيهِ، وَإِن كَانَ مُوَافقا لمذهبهم سكتوا عَنهُ، وَهَذَا يُنبئ (عَن) قلَّة دين وَغَلَبَة هوى. هَذَا لَفظه، وَقد وَقع هُوَ فِيمَا عابه عَلَى غَيره، فضعف جمَاعَة (فِي مَوضِع) لما كَانَ الحَدِيث يُخَالف مذْهبه، ثمَّ احْتج بهم فِي مَوضِع آخر لما كَانَ يُوَافق مذْهبه، وَهَذَا الحَدِيث نَفسه قد ضعفه هُوَ فِي كتاب «الْإِعْلَام بناسخ الحَدِيث ومنسوخه» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف، وَالله الْمُوفق.
قلت: وَلَا ينفع مُتَابعَة جماعات ضعفاء يزِيد بن خَالِد هَذَا؛ فَإِنَّهُ قد تَابعه مهْدي بن هِلَال الْمُتَّهم بِالْوَضْعِ فَقَالَ: ثَنَا يَعْقُوب بن عَطاء، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا:«لَيْسَ عَلَى من نَام قَاعِدا أَو قَائِما وضوء حَتَّى يُضجع جنبه عَلَى الأَرْض» .
قَالَ ابْن عدي بعد أَن رَوَاهُ من طَرِيق مهْدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَى حَدِيثه ضوء وَلَا نور!
(وَعمر) بن هَارُون الْمَتْرُوك؛ فَرَوَاهُ عَن يَعْقُوب (بن) عَطاء، عَن عَمْرو بِهِ:«من نَام جَالِسا فَلَا وضوء عَلَيْهِ، وَمن وضع جنبه فَعَلَيهِ الْوضُوء» .
وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان الْمُفَسّر الْكذَّاب؛ فَرَوَاهُ عَن عَمْرو بِهِ إِلَى قَوْله
«عَلَيْهِ» ، وقرّب ابْن عدي أَمر مقَاتل وَقَالَ: هُوَ مَعَ ضعفه يكْتب حَدِيثه.
وَرَوَى ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث حُذَيْفَة قَالَ: «كنت أخفق برأسي، فَقلت: يَا رَسُول الله، وَجب عليّ وضوء؟ فَقَالَ: لَا؛ حَتَّى تضع جَنْبك» .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ بَحر بن كنيز - أَي: بنُون مَكْسُورَة بعد الْكَاف ثمَّ مثناة ثمَّ رَاء - السقاء وَهُوَ ضَعِيف، لَا يحْتَج بروايته. وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» : لَا يحل رِوَايَة هَذَا الحَدِيث إِلَّا عَلَى بَيَان سُقُوطه؛ لِأَن (رَاوِيه) بَحر بن كنيز السقاء - وَهُوَ لَا خير فِيهِ - مُتَّفق عَلَى (إطراحه) . وَمن المقالات الغريبة العجيبة جَوَاب ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» : أَنه إِن صَحَّ حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور فَمَعْنَاه - وَالله أعلم - لَيْسَ عَلَى من نَام سَاجِدا وضوء حَتَّى يضطجع - يَعْنِي: فِي النَّوَافِل - قَالَ: وَيصدق هَذَا (حَدِيث) الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة، وسنذكره عَلَى الإثر فِي الحَدِيث إِثْر هَذَا الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: فَهَذَا يَعْنِي فِي النَّوَافِل وَصَلَاة اللَّيْل.