الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقد أسلفت لَك من كَلَام أبي حَاتِم بن حبَان أَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة اخْتَصَرَهُ مُتَوَهمًا نسخ إِيجَاب الْوضُوء مِمَّا مست النَّار مُطلقًا (وَإِنَّمَا هُوَ نسخ لإِيجَاب الْوضُوء مِمَّا مست النَّار) خلا لحم الْجَزُور.
وَحِينَئِذٍ فَلَا يحسن من الرَّافِعِيّ الرَّد بِهِ (عَلَى) الْمُخَالف؛ لِأَن جِهَة كَونه ممسوسًا بالنَّار غير جِهَة كَونه لحم جزور، وَمن أوجب الْوضُوء (مِنْهُ) لَا يَجْعَل سَببه (ممسوسًا) بالنَّار؛ بل كَونه لحم جزور (مُطلقًا) فمنتقض مُطلقًا.
الحَدِيث الْخَامِس
«أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الرجل يُصِيبهُ الْمَذْي: ينضح فرجه وَيتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة» .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من رِوَايَة عَلّي رضي الله عنه قَالَ:«كنت رجلا مذاء؛ فَاسْتَحْيَيْت أَن أسأَل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لمَكَان ابْنَته، فَأمرت الْمِقْدَاد بن الْأسود. فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يغسل ذكره وَيتَوَضَّأ» .
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «تَوَضَّأ (واغسل) ذكرك» وفيهَا: «فَأمرت رجلا» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «تَوَضَّأ وانضح فرجك» وَهِي مُنْقَطِعَة كَمَا نبه
عَلَيْهَا الدَّارَقُطْنِيّ، وَقد بيّنت ذَلِك فِي كتَابنَا «الْإِعْلَام بفوائد عُمْدَة الْأَحْكَام» وَذكرت فِيهِ الْجمع بَين رِوَايَة «الصَّحِيحَيْنِ» :«فَأمرت الْمِقْدَاد» (وَرِوَايَة) أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان: «فَأمر عمار بن يَاسر» (وَرِوَايَة) ابْن خُزَيْمَة: «أَن عليًّا سَأَلَ بِنَفسِهِ» وَغير ذَلِك من الْفَوَائِد، فَبلغ الْكَلَام عَلَيْهِ نَحْو كراسة؛ فسارع إِلَى اقتناص (ذَلِك مِنْهُ، وَذكرت فِيهِ أَيْضا أَن فِي «أبي دَاوُد» الْأَمر بِغسْل الْأُنْثَيَيْنِ مَعَ الذّكر، وَأَنَّهَا مُنْقَطِعَة؛ لِأَنَّهَا من حَدِيث عُرْوَة عَن عليّ، وَعُرْوَة لم يسمع مِنْهُ.
قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «مراسيله» : سَمِعت أبي يَقُول: عُرْوَة عَن عليّ مَرَاسِيل.
وَقَالَ عبد الْحق أَيْضا: لم يسمع مِنْهُ، قَالَ: وَالْمَحْفُوظ من رِوَايَة الثِّقَات أَنه قَول عُرْوَة. قَالَ: وَلَا يَصح أَيْضا عَن غَيره. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن الْعَلَاء، عَن الْحَارِث، عَن (حرَام) بن حَكِيم، عَن عَمه عبد الله بن سعد قَالَ: «سَأَلت
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن المَاء يكون بعد المَاء قَالَ: ذَاك الْمَذْي، وكل فَحل يمذي؛ فتغسل من ذَلِك فرجك (وأنثييك) وَتَوَضَّأ وضوءك للصَّلَاة» ثمَّ قَالَ: لَيْسَ يَصح غسل الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَيْسَ يحْتَج بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي ذَلِك. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «كِتَابه» : كَذَا قَالَ عبد الْحق، وَهُوَ كَذَلِك، وَلَكِن بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين مِنْهُ مَوضِع الْعلَّة، وَهُوَ الْجَهْل بِحَال حرَام بن حَكِيم الدِّمَشْقِي، وَهُوَ حرَام - بالراء بعد الْحَاء - وَقد يصحف بحزام بن حَكِيم - بالزاي بعد الْحَاء الْمَكْسُورَة - وَكِلَاهُمَا فِي طبقَة وَاحِدَة. وَقَالَ: عَلَيْهِ مُؤَاخذَة فِي ذَلِك؛ فَإِنَّهُ يقبل رِوَايَة المستور، وَحرَام هَذَا رَوَى عَنهُ الْعَلَاء بن الْحَارِث وَزيد بن وَاقد وَعبد الله بن الْعَلَاء، وَرَوَى أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة.
قلت: كَذَا نسب ابْن الْقطَّان حرَام بن حَكِيم إِلَى الْجَهَالَة، وَأقرهُ عَلَى ذَلِك الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» وَلَيْسَ كَذَلِك؛ فقد وَثَّقَهُ دُحَيْم كَمَا أَفَادَهُ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «تهذيبه» ، وَابْن حزم؛ فَإِنَّهُ ضعفه، ثمَّ ظَفرت بعد ذَلِك بطريقة خَالِيَة من الِانْقِطَاع الْمَذْكُور وَعَن حرَام هَذَا فِي «صَحِيح أبي عوَانَة» رَوَاهَا من حَدِيث سُلَيْمَان بن (حَيَّان) ، عَن هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي، عَن عَلّي قَالَ: «كنت رجلا مذاء، فَاسْتَحْيَيْت أَن أسأَل رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فَأرْسلت الْمِقْدَاد فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يغسل