الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث الثَّامِن
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» تَعْلِيقا فَقَالَ: «وَيذكر أَن عَمْرو بن الْعَاصِ أجنب فِي لَيْلَة بَارِدَة (فَتَيَمم) وتلا: (وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم إِن الله كَانَ بكم رحِيما) فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَلم يعنفه» .
وأسنده أَبُو دَاوُد عَن ابْن الْمثنى، نَا وهب بن جرير، نَا أبي، قَالَ: سَمِعت يَحْيَى بن أَيُّوب يحدث، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عمرَان بن أبي أنس، عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير، عَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ:«احْتَلَمت فِي لَيْلَة بَارِدَة فِي غَزْوَة ذَات السلَاسِل فَأَشْفَقت إِن اغْتَسَلت أَن أهلك، فَتَيَمَّمت ثمَّ صليت بِأَصْحَابِي الصُّبْح، فَذكرُوا ذَلِك للنَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَقَالَ: يَا عَمْرو، صليت بِأَصْحَابِك وَأَنت جنب؟ ! فَأَخْبَرته بِالَّذِي مَنَعَنِي من الِاغْتِسَال وَقلت: إِنِّي سَمِعت الله - تَعَالَى - يَقُول: (وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم إِن الله كَانَ بكم رحِيما) فَضَحِك نَبِي الله صلى الله عليه وسلم َ وَلم يقل شَيْئا» .
وأسنده أَحْمد فِي «مُسْنده» كَذَلِك من حَدِيث ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بن أبي حبيب بِهِ سَوَاء، قَالَ أَبُو دَاوُد: وثنا مُحَمَّد بن سَلمَة، نَا ابْن وهب، عَن ابْن لَهِيعَة وَعَمْرو بن الْحَارِث، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عمرَان بن أبي أنس، عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير، عَن أبي قيس مولَى عَمْرو بن الْعَاصِ «أَن عَمْرو بن الْعَاصِ كَانَ عَلَى سَرِيَّة
…
» فَذكر الحَدِيث نَحوه قَالَ: «فَغسل مغابنه وَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة، ثمَّ صَلَّى بهم
…
» فَذكر نَحوه وَلم يذكر التَّيَمُّم، قَالَ أَبُو دَاوُد - وَرَوَى هَذِه الْقِصَّة عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن حسان بن عَطِيَّة -: قَالَ فِيهِ: «فَتَيَمم» .
وأسنده الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» عَن أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب، أَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم، أَنا (ابْن) وهب، حَدَّثَني عَمْرو بن الْحَارِث وَرجل آخر، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عمرَان بن أبي أنس، عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير، عَن أبي قيس مولَى عَمْرو بن الْعَاصِ « (أَن عَمْرو بن الْعَاصِ) كَانَ عَلَى سَرِيَّة وَأَنَّهُمْ أَصَابَهُم برد شَدِيد لم ير مثله، فَخرج لصَلَاة الصُّبْح فَقَالَ: وَالله لقد احْتَلَمت البارحة، وَلَكِنِّي وَالله مَا رَأَيْت بردا مثل هَذَا، هَل مر عَلَى وُجُوهكُم مثله؟ قَالُوا: لَا. فَغسل مغابنه وَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ثمَّ صَلَّى بهم، فَلَمَّا قدم عَلَى رَسُول، سَأَلَ رسولُ الله: كَيفَ وجدْتُم عمرا وصحابته؟ فَأَثْنوا عَلَيْهِ خيرا، وَقَالُوا: يَا رَسُول الله، صَلَّى بِنَا وَهُوَ جنب.
فَأرْسل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى عَمْرو فَسَأَلَهُ، فَأخْبرهُ بذلك وَبِالَّذِي لَقِي من الْبرد، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن الله قَالَ: (وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم (وَلَو اغْتَسَلت مِنْهُ لهلكت، فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ إِلَى عَمْرو» .
وأسنده أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن سلم، نَا حَرْمَلَة بن يَحْيَى، نَا ابْن وهب بِهِ سَوَاء، إِلَّا أَنه لم يذكر الرجل الآخر فِي سَنَده، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّهُمَا لم يخرجَاهُ. لحَدِيث جرير بن حَازِم، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن يزِيد بن أبي حبيب. ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ الرِّوَايَة الأولَى الَّتِي سقناها من طَرِيق أبي دَاوُد ثمَّ قَالَ: حَدِيث جرير هَذَا لَا يُعلل حَدِيث عَمْرو بن الْحَارِث الَّذِي وَصله بِذكر أبي قيس؛ فَإِن أهل مصر أعرف بِحَدِيثِهِمْ من أهل الْبَصْرَة - يَعْنِي: أَن رِوَايَة الْوضُوء يَرْوِيهَا مصري عَن مصري، وَرِوَايَة التَّيَمُّم يَرْوِيهَا بَصرِي عَن مصري - وَجمع الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِجمع حسن فَقَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون فعل مَا (نقل) فِي الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا، فَغسل مَا أمكنه وَتيَمّم للْبَاقِي.
قلت: (لَكِن) رِوَايَة التَّيَمُّم مُنْقَطِعَة؛ لِأَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير لم يسمع الحَدِيث من عَمْرو بن الْعَاصِ، كَمَا نَص عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» لَا جرم جَاءَ فِي الطَّرِيق الثَّانِي مَوْصُولا بِذكر أبي قيس مولَى عَمْرو بن الْعَاصِ (بَين) عبد الرَّحْمَن وَعَمْرو.
وَصَححهُ الْحَاكِم وَابْن حبَان من هَذَا الْوَجْه كَمَا سلف، وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من طرق، مِنْهَا عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَن عمرا
…
» فَذكره، وَلم يذكر فِيهِ غسلا وَلَا تيممًا، وَكَذَا من طَرِيق (أبي) أُمَامَة عَنهُ، ثمَّ ذكر طَرِيقا آخر فِي غسل المغابن كَمَا سلف، وطريقًا آخر فِي التَّيَمُّم، قَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : وَمن مَرَاسِيل اللَّيْث: أَنه عليه السلام قَالَ (لَهُ) : يَا عَمْرو، مَا أحب أَنَّك تركت مَا فعلت وَفعلت مَا تركت» .
فَوَائِد:
الأولَى: فِي ضبط مَا وَقع فِي الحَدِيث من (أَلْفَاظ) وَبَيَان مَعْنَاهَا: مَعْنَى أشفقت: خفت. وَأهْلك - بِكَسْر اللَّام - وقُرئ شاذًّا بِفَتْحِهَا. والمغابن - بغين مُعْجمَة وباء مُوَحدَة قبل النُّون -: الآباط وأصول الفخذين، وكل مَا يتَعَلَّق بِهِ الْوَسخ من الْجَسَد. قَالَه عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» وَهُوَ كَذَلِك فِي «الصِّحَاح» (و) قَالَ فِي (غبن) : المغابن الأرفاغ. وَقَالَ فِي (رفغ) : الأرفاغ: المغابن من الآباط وأصول الفخذين (الْوَاحِد) رَفْغ ورُفْغ. والعاصي - بِإِثْبَات الْيَاء - أفْصح من حذفهَا.
الثَّانِيَة: يُؤْخَذ من الحَدِيث جَوَاز التَّيَمُّم لخوف التّلف مَعَ وجود المَاء، وجوازه للْجنب، ولشدة الْبرد فِي السّفر، وَسُقُوط الْإِعَادَة،
وَصِحَّة اقْتِدَاء الْمُتَوَضِّئ بالمتيمم، وَأَن التَّيَمُّم لَا يرفع الْحَدث، واستحباب الْجَمَاعَة للمسافرين، وَأَن صَاحب الْولَايَة أَحَق بِالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاة وَإِن كَانَ غَيره أكمل طَهَارَة أَو حَالا مِنْهُ، وَأَن التَّمَسُّك بالعمومات حجَّة صَحِيحَة، وَجَوَاز قَول الإِنسان سَمِعت الله - تَعَالَى - يَقُول، وَالله يَقُول كَذَا (وَقد كرهه بِهَذِهِ) الصِّيغَة مطرف بن عبد الله بن الشخير التَّابِعِيّ قَالَ: وَإِنَّمَا يُقَال: قَالَ الله - بِصِيغَة الْمَاضِي - وَهَذَا شَاذ؛ فقد قَالَ الله - تَعَالَى -: (وَالله يَقُول الْحق) .
الْفَائِدَة الثَّالِثَة: ذَات السلَاسِل الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث: مَوضِع مَعْرُوف بِنَاحِيَة الشَّام فِي أَرض بني عذرة من وَرَاء وَادي الْقرى (بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة عشرَة أَيَّام) وَهِي غَزْوَة من غزوات الشَّام، وَهِي بِفَتْح السِّين الأولَى وَكسر الثَّانِيَة، كَمَا ضَبطه الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» وَهُوَ الْمَشْهُور، كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ وَغَيره، وَاقْتصر ابْن الْأَثِير فِي «نهايته» عَلَى ضم السِّين الأولَى. وَكَانَت هَذِه الْغَزْوَة فِي السّنة (الثَّامِنَة) من سني الْهِجْرَة فِي جُمَادَى الأولَى، وَعَمْرو بن الْعَاصِ كَانَ أميرها (قَالَ) ابْن هِشَام: سميت بذلك باسم مَاء بِأَرْض جذام يُقَال لَهُ: السلسل.