الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّبِي صلى الله عليه وسلم قبل هَذَا، ثمَّ سمع هَذَا بعد، فَسمع النَّاسِخ والمنسوخ، فَوَافَقَ حَدِيث بسرة (وموافقتها) .
قلت: بل قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي شرح التِّرْمِذِيّ: إِن بسرة أسلمت عَام الْفَتْح فَيكون نَاسِخا مَعَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.
وَقد اجْتمع - بِحَمْد الله وَمِنْه - فِي الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث فَوَائِد جمة لَا تُوجد مَجْمُوعَة هَكَذَا فِي تصنيف، وَللَّه الْحَمد عَلَى ذَلِك.
الحَدِيث الرَّابِع عشر
قَوْله صلى الله عليه وسلم: «إِذا أَفْضَى أحدكُم بِيَدِهِ إِلَى فرجه، لَيْسَ دونهَا حجاب وَلَا (ستر) فقد وَجب (عَلَيْهِ) الْوضُوء» .
هَذَا (الحَدِيث)(يرْوَى) من طَرِيقين:
الأولَى: من حَدِيث يزِيد بن عبد الْملك النَّوْفَلِي، عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ، رَوَاهَا الشَّافِعِي، وَالْبَزَّار، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَاللَّفْظ لَهُ، وَالْبَيْهَقِيّ، وأعلت بِوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: بالضعف بِسَبَب يزِيد بن عبد الْملك وَقد ضَعَّفُوهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : تكلمُوا فِيهِ. قَالَ: وَسُئِلَ أَحْمد عَنهُ فَقَالَ: شيخ من أهل الْمَدِينَة، لَيْسَ بِهِ بَأْس.
قلت: وَكَذَا نَقله الْحَازِمِي عَنهُ، وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» عَنهُ أَنه قَالَ: عِنْده مَنَاكِير (و) قَالَ يَحْيَى وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَفِي رِوَايَة عَن يَحْيَى: مَا بِهِ بَأْس. وَقَالَ البُخَارِيّ: أَحَادِيثه شبه لَا شَيْء. وَضَعفه جدًّا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث (جدًّا. وَقَالَ السَّاجِي: ضَعِيف، مُنكر الحَدِيث) وَاخْتَلَطَ بِآخِرهِ. وَقَالَ الْبَزَّار: لين الحَدِيث. قَالَ: وَلَا نعلمهُ يرْوَى عَن أبي هُرَيْرَة (بِهَذَا) اللَّفْظ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. كَذَا قَالَ، وستعلم مَا (يُخَالِفهُ) .
الْوَجْه الثَّانِي: الِانْقِطَاع بَين النَّوْفَلِي وَسَعِيد المَقْبُري؛ فَإِنَّهُ ذكر عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: سقط بَينهمَا رجل، وَقد رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن عبد الله بن نَافِع، عَن النَّوْفَلِي، عَن أبي مُوسَى الحنَّاط، عَن سعيد، كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من جِهَة عبد الْعَزِيز بن مِقْلَاص عَن الشَّافِعِي بِهِ، قَالَ يَحْيَى بن معِين: أَبُو مُوسَى هَذَا رجل مَجْهُول، وَعبد الله
بن نَافِع هُوَ الصَّائِغ صَاحب مَالك، أَثْنَى عَلَيْهِ غير وَاحِد من الْعلمَاء، وَأخرج لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» وَالْأَرْبَعَة، وَقَالَ أَحْمد: لم يكن يحفظ الحَدِيث، كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الرَّأْي.
قلت: فَظهر (مِمَّا) قَرَّرْنَاهُ (رد) هَذِه الطَّرِيقَة بالضعف والانقطاع، وَمَعَ تَقْدِير الِاتِّصَال فِيهَا جَهَالَة أَيْضا، لَكِن نقل الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ فِي رِوَايَة حَرْمَلَة: إِن يزِيد بن عبد الْملك سمع من سعيد المَقْبُري، فتقوى بعض الْقُوَّة (مَعَ) تليين الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ يزِيد بن عبد الْملك، (وشهرة) الحَدِيث من طَرِيق عَن سعيد (المَقْبُري) بِغَيْر وَاسِطَة. لَا جرم قَالَ ابْن الصّلاح: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن جمَاعَة، فِي إِسْنَاده بعض الشَّيْء، لَكِن ذكر الْبَيْهَقِيّ لَهُ طرقًا فالتحق بِمَجْمُوع ذَلِك بِنَوْع الْحسن الَّذِي يحْتَج بِهِ.
الطَّرِيقَة الثَّانِيَة: وَعَلَيْهَا الِاعْتِمَاد، وَكَانَ يجب تَقْدِيمهَا، وَقد صححها غير وَاحِد من الْحفاظ مِنْهُم: أَبُو حَاتِم بن حبَان؛ فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أصبغ بن الْفرج، نَا عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن يزِيد بن عبد الْملك وَنَافِع بن أبي نعيم الْقَارئ، عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذا أَفْضَى أحدكُم بِيَدِهِ إِلَى فرجه، وَلَيْسَ بَينهمَا ستر وَلَا حجاب فَليَتَوَضَّأ» .
ثمَّ قَالَ: احتجاجنا فِي هَذَا الْخَبَر بِنَافِع بن أبي نعيم دون يزِيد
بن عبد الْملك النَّوْفَلِي؛ لِأَن يزِيد بن عبد الْملك تبرأنا من عهدته فِي «كتاب الضُّعَفَاء» ، وَقَالَ فِي كِتَابه «وصف الصَّلَاة بِالسنةِ» بعد أَن أخرجه: هَذَا حَدِيث صَحِيح سَنَده، عدُول نقلته. وَمِنْهُم الْحَاكِم أَبُو عبد الله؛ فَإِنَّهُ أخرجه فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث أصبغ - أَيْضا - نَا عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، نَا نَافِع بن أبي نعيم، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ» .
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. قَالَ: وَشَاهده الحَدِيث الْمَشْهُور، عَن يزِيد بن عبد الْملك، عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة - يَعْنِي الطَّرِيقَة الأولَى - وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ كَمَا أخرجه ابْن حبَان، وَكَذَا الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن نَافِع إِلَّا عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم الْفَقِيه الْمصْرِيّ، وَلَا عَن عبد الرَّحْمَن إِلَّا أصبغ؛ تفرد بِهِ أَحْمد بن سعيد. وَأخرجه الْحَافِظ أَبُو عمر بن عبد الْبر من هَذِه الطَّرِيقَة ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَالح صَحِيح - إِن شَاءَ الله. قَالَ: وَقَالَ ابْن السكن: هَذَا الحَدِيث من أَجود مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب؛ لرِوَايَة ابْن الْقَاسِم صَاحب مَالك لَهُ، عَن نَافِع بن أبي نعيم. قَالَ: وَأما يزِيد بن عبد الْملك فضعيف. قَالَ أَبُو عمر: (و) حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا لَا يعرف إِلَّا بِيَزِيد بن عبد الْملك هَذَا، حَتَّى رَوَاهُ أصبغ بن الْفرج، عَن ابْن الْقَاسِم، عَن نَافِع بن أبي نعيم، وَيزِيد بن عبد الْملك النَّوْفَلِي جَمِيعًا، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة. وَأصبغ
وَابْن الْقَاسِم ثقتان فقيهان، فصح الحَدِيث بِنَقْل الْعدْل عَن الْعدْل - عَلَى مَا ذكر ابْن السكن - إِلَّا أَن أَحْمد بن حَنْبَل لَا يرْضَى بِنَافِع بن أبي نعيم، أَي فَإِنَّهُ يَقُول فِيهِ: يُؤْخَذ عَنهُ الْقُرْآن وَلَيْسَ بِشَيْء فِي الحَدِيث، وَخَالفهُ ابْن معِين فَقَالَ: هُوَ ثِقَة.
قلت: هُوَ أحد السَّبْعَة، وَوَثَّقَهُ مَعَ يَحْيَى أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فَقَالَ: صَالح الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: مُسْتَقِيم الحَدِيث. وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَأخرج لَهُ فِي «صَحِيحه» كَمَا سلف؛ فَهَذِهِ الطَّرِيقَة مُحْتَج بهَا، وَإِن (كَانَ) فِيهَا بعض لين، وَقد شهد لَهَا هَؤُلَاءِ بِالصِّحَّةِ، وَإِن نَافِعًا تَابع النَّوْفَلِي وأسقطه الْحَاكِم - أَعنِي: النَّوْفَلِي - من (رِوَايَته) كَمَا سقته لَك، وَاقْتصر عَلَى رِوَايَة نَافِع، وَاسْتشْهدَ بِرِوَايَة النَّوْفَلِي.
ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك أَن الإِمَام الرَّافِعِيّ لم يفصح بإيراد الحَدِيث كَمَا ذكرته لَك، وَإِنَّمَا قَالَ: وَإِنَّمَا ينْتَقض الْوضُوء إِذا مس بِبَطن الْكَفّ، وَالْمرَاد بالكف: الرَّاحَة وبطون الْأَصَابِع. وَقَالَ أَحْمد: تنْتَقض الطَّهَارَة سَوَاء مس بِظهْر الْكَفّ أَو بِبَطْنِهَا. لنا الْأَخْبَار الْوَارِدَة، جَرَى فِي بَعْضهَا لفظ (الْمس) وَفِي بَعْضهَا لفظ «الْإِفْضَاء» ، وَمَعْلُوم أَن المُرَاد مِنْهُمَا وَاحِد، والإفضاء فِي اللُّغَة: الْمس بِبَطن الْكَفّ هَذَا كَلَامه، فَذكرت حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الْإِفْضَاء لإشارته إِلَيْهِ، وَأَشَارَ بِمَا ذكره أَيْضا، إِلَّا أَن الْإِفْضَاء (مُبين مُقَيّد؛ فَيحمل الْمُطلق عَلَيْهِ. لَكِن فِيمَا نَقله عَن أهل اللُّغَة
أَن الْإِفْضَاء:) الْمس بِبَطن الْكَفّ فَقَط (نظرا) فقد قَالَ ابْن سَيّده: أَفْضَى فلَان إِلَى فلَان: وصل. والوصول أَعم (من) أَن يكون بِظَاهِر الْكَفّ أَو بَاطِنه تركنَا وَسلمنَا أَنه بِبَطن الْكَفّ؛ فالمسّ شَامِل للإفضاء وَغَيره، والإفضاء فردٌ من أَفْرَاده، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيص عَلَى الْمَشْهُور فِي الْأُصُول، نعم؛ طَرِيق الِاسْتِدْلَال أَن يُقَال: مَفْهُوم الشَّرْط يدل عَلَى أَن غير الْإِفْضَاء لَا ينْقض؛ فَيكون تَخْصِيصًا لعُمُوم الْمَنْطُوق، وَتَخْصِيص الْعُمُوم بِالْمَفْهُومِ جَائِز.
وَادَّعَى ابْن حزم فِي «محلاه» : أَن قَول الشَّافِعِي إِن الْإِفْضَاء لَا يكون إِلَّا بِبَطن الْكَفّ؛ لَا دَلِيل عَلَيْهِ من قُرْآن وَلَا سنة وَلَا إِجْمَاع، وَلَا قَول صَاحب وَلَا قِيَاس ورأي صَحِيح، وَأَنه لَا يَصح فِي الْآثَار «من أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى فرجه» وَلَو صَحَّ؛ فالإفضاء يكون بِظهْر (الْكَفّ) كَمَا يكون بِبَطْنِهَا.
قلت: قد صَحَّ لفظ الْإِفْضَاء - كَمَا قَرَّرْنَاهُ - وَعرفت طَرِيق الِاسْتِدْلَال، فقوي قَول الشَّافِعِي، وَللَّه الْحَمد.
(و) وَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ أَنه جَرَى فى بعض الْأَخْبَار لفظ اللَّمْس وَهَذَا لم أره بعد الْبَحْث عَنهُ، والنسخ الْمُعْتَمدَة من الرَّافِعِيّ لَيْسَ فِيهَا هَذِه الزِّيَادَة.