الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لحيته» وَقد قَالَ ابْن الْقطَّان - وَهُوَ الإِمام المدقق فِي النّظر فِي علل الحَدِيث -: إِسْنَاد حَدِيث أنس عِنْدِي صَحِيح. ثمَّ أوضح ذَلِكَ، وَفِي كل هَذَا رد عَلَى مَا قَالَه ابْن حزم فِي «الْمُحَلَّى» : أنَّ حَدِيث عُثْمَان هَذَا رَوَاهُ إِسْرَائِيل، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ عَن عَامر بن شَقِيق، وَلَيْسَ مَشْهُورا بِقُوَّة النَّقْل. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهُ: عَامر (بن شَقِيق) ضَعِيف.
قَالَ ابْن عبد الحقّ فِي الرَّد عَلَى المحلَّى: هَذَا من أعجب مَا يسمع؛ يُقَال فِي إِسْرَائِيل بن يُونُس: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقد خرج عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم.
وَقَالَ فِيهِ أَحْمد بن حَنْبَل: شيخ ثِقَة. وَعجب من حفظه، وفَضَّله عَلَى شريك وَعَلَى يُونُس فِي أبي إِسْحَاق، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ثِقَة متقن من أتقن أَصْحَاب أبي إِسْحَاق. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل أَيْضا: مَا أثبت حَدِيث إِسْرَائِيل وأصحَّه.
وَوَثَّقَهُ ابْن نمير وَغَيره، قَالَ: وَلَا يحفظ عَن أحد فِيهِ تجريح إِلَّا مَا ذكر عَن يَحْيَى بن سعيد، وَلم يعرج عَلَيْهِ أحد!
قلت: وعامر بن شَقِيق وَثَّقَهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم كَمَا تقدم قَرِيبا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَعَن ابْن معِين تَضْعِيفه.
الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ
رُوِيَ «أنَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ يخلل لحيته ويدلك عارضيه بعض الدَّلك» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» من حَدِيث عبد الحميد بن حبيب، نَا الْأَوْزَاعِيّ، نَا عبد الْوَاحِد بن قيس، حَدَّثَني نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ:«كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا تَوَضَّأ عَرك عارضيه بعض العرك، ثمَّ شَبكَ لحيته بأصابعه من تحتهَا» .
(وأعل) بِثَلَاث علل:
أَحدهَا: عبد الحميد بن حبيب هَذَا هُوَ ابْن أبي الْعشْرين، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لم يكن صَاحب حَدِيث، وَضَعفه دُحَيْم. وَقَالَ النَّسَائِيّ:(لَيْسَ) بِالْقَوِيّ. وَعَن أَحْمد توثيقه.
الثَّانِيَة: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: اخْتلفُوا فِي عَدَالَة عبد الْوَاحِد بن قيس؛ فوثقه يَحْيَى بن معِين. و (أَبَاهُ) يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ. انْتَهَى كَلَامه.
وَقَالَ النَّسَائِيّ فِيهِ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحتجّ بِهِ.
وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ، عَن يَحْيَى بن معِين أنَّه مرّة ضعفه وَمرَّة وَثَّقَهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أنَّه لَا بَأْس بِهِ.
وَتَركه البرقاني. وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم: مُنكر الحَدِيث.
الْعلَّة الثَّالِثَة: التَّعْلِيل بالإِرسال وَالْوَقْف. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ ابْن أبي حَاتِم: - ورأيته أَنا بعد ذَلِكَ فِي «علله» - قَالَ (أبي) : رَوَى هَذَا الحَدِيث الْوَلِيد، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن [عبد الْوَاحِد] (عَن) يزِيد الرقاشِي وَقَتَادَة قَالَا: «كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم
…
» مُرْسلا [وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ] .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَرَوَاهُ أَبُو الْمُغيرَة، عَن الْأَوْزَاعِيّ مَوْقُوفا. ثمَّ أسْندهُ عَن ابْن عمر من [غير] طَرِيق ابْن أبي الْعشْرين. وصَوَّب الدَّارَقُطْنِيّ الْمَوْقُوف، وَأخرج هَذَا الحَدِيث عبد الحقّ فِي «أَحْكَامه
الصُّغْرَى» . قَالَ: وَالصَّحِيح أنَّه فعل ابْن عمر غير مَرْفُوع إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
قَالَ ابْن الْقطَّان: هَذَا نَص كَمَا ذكر وَلم يبين علته، وَقد يظنّ أنَّ تَعْلِيله إِيَّاه هُوَ مَا ذكر من وَقفه وَرَفعه، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيح، فإنَّه إنَّما يَصح أَن يكون هَذَا عِلّة لَو كَانَ رافعه ضَعِيفا وواقفه ثِقَة، فَفِي مثل هَذَا الْحَال كَانَ يصدق قَوْله:«الصَّحِيح مَوْقُوف من (فعل) ابْن عمر» أمَّا إِذا كَانَ رافعه ثِقَة وواقفه ثِقَة فَهَذَا لَا يضرّهُ، وَلَا هُوَ عِلّة فِيهِ، وَهَذَا حَال هَذَا الحَدِيث، فإنَّ رافعه عَن الْأَوْزَاعِيّ هُوَ عبد الحميد بن حبيب بن أبي الْعشْرين كَاتبه، وواقفه عَنهُ هُوَ أَبُو الْمُغيرَة، وَكِلَاهُمَا ثِقَة، فالقضاء للْوَاقِف عَلَى الرافع يكون خطأ، وَبعد هَذَا فعلة الْخَبَر هِيَ غير ذَلِكَ، وَهِي: ضعف عبد الْوَاحِد بن قيس رَاوِيه عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، وَعنهُ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْوَجْهَيْنِ، قَالَ يَحْيَى بن معِين: عبد الْوَاحِد بن قيس الَّذِي (رَوَى) عَنهُ الْأَوْزَاعِيّ: شبه لَا شَيْء. وَإِذا الْمَوْقُوف الَّذِي صحّح لابدَّ فِيهِ من عبد الْوَاحِد (بن قيس) فَلَيْسَ إِذا بِصَحِيح، وَالدَّارَقُطْنِيّ لم يقل فِي الْمَوْقُوف: صَحِيح وَلَا أصحّ، إنَّما قَالَ: إنَّ رِوَايَة (أبي) الْمُغيرَة بوقفه هُوَ الصَّوَاب؛ فَاعْلَم ذَلِكَ.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : عبد الحقّ تبع الدَّارَقُطْنِيّ فِيمَا
قَالَ. وَقَول ابْن الْقطَّان: «إنَّما كَانَ يَصح أَن يكون هَذَا عِلّة، لَو كَانَ رافعه ضَعِيفا وَوَافَقَهُ ثِقَة» فِي هَذَا الْحصْر نظر، فقد يَأْخُذُونَ ذَلِكَ من كَثْرَة الواقفين، أَو تَقْدِيم مرتبَة الْوَاقِف عَلَى الرافع، ولعلَّ هَذَا مِنْهُ عِنْد من قَالَ ذَلِكَ، فإنَّ أَبَا الْمُغيرَة عبد القدوس بن الْحجَّاج احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ، وَعبد الحميد رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَوَثَّقَهُ الرَّازِيّ، وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ الْعجلِيّ قَرِيبا مِنْهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ البُخَارِيّ: شَامي رُبمَا يُخَالف فِي حَدِيثه. وقَدَّمه هِشَام بن (عمار) عَلَى أَصْحَاب الْأَوْزَاعِيّ فَقَالَ فِي حِكَايَة: «أوثق أَصْحَابه كَاتبه عبد الحميد» قَالَ الشَّيْخ: وَلَعَلَّ أَبَا الْحسن بن الْقطَّان أَرَادَ إنَّما يَصح ذَلِكَ فِي النّظر الصَّحِيح عِنْده.
(وَقَالَ) شَيخنَا أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي: أمَّا مَا ذكره ابْن الْقطَّان فَلَيْسَ بَعيدا من حَيْثُ النّظر، إِذا اسْتَويَا فِي مرتبَة الثِّقَة وَالْعَدَالَة أَو تقاربا، كَمَا هُوَ هَا هُنَا؛ لأنَّ الرّفْع زِيَادَة عَلَى الْوَقْف، وَقد جَاءَ عَن ثِقَة فسبيله الْقبُول، وَهَذَا هُوَ الَّذِي زَعمه ابْن الصّلاح، فَإِن كَانَ نظرا مِنْهُ فَهُوَ نظر صَحِيح، وَإِن كَانَ نقلا عَمَّن تقدمه فَلَيْسَ للنَّاس فِي ذَلِكَ عمل مطرد، وَأَبُو الْمُغيرَة احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ، وَابْن أبي الْعشْرين رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ الْعجلِيّ قَرِيبا من ذَلِكَ. وَذكر مقَالَة النَّسَائِيّ وَالْبُخَارِيّ الْمُتَقَدّمَة، ثمَّ قَالَ: فَإِن كَانَ عبد القدوس مرجحًا عَلَى عبد الحميد فإنَّ لعبد الحميد اختصاصًا بالأوزاعي يُوجب لَهُ مزية فِيمَا يروي عَنهُ - كَانَ كَاتبه - وقَدَّمه هِشَام بن عمار عَلَى أَصْحَاب
الْأَوْزَاعِيّ، [فَقَالَ فِي حِكَايَة: أوثق أَصْحَابه كَاتبه عبد الحميد] وَعرف عَن يَحْيَى بن معِين أنَّ قَوْله: «لَيْسَ بِهِ بَأْس» يَعْنِي بِهِ الثِّقَة، فَلَيْسَ (يقصر) فِي الْأَوْزَاعِيّ عَن دَرَجَة (أبي) الْمُغيرَة وَإِن احْتمل أَن يقصر عَنهُ فِي غَيره. قَالَ: وأمَّا رد ابْن الْقطَّان الْخَبَر بِعَبْد الْوَاحِد بن قيس فَلَيْسَ فِي عبد الْوَاحِد كَبِير أَمر، عبد الْوَاحِد مُخْتَلف فِي حَاله، وَثَّقَهُ ابْن معِين وأباه البُخَارِيّ وَيَحْيَى الْقطَّان، وَقَالَ ابْن عدي: ضَعِيف، وَإِذا رَوَى عَنهُ الْأَوْزَاعِيّ فَهُوَ صَالح. وَهَذَا من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَنهُ، وأمَّا أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق فإنَّه قد صحّح ذَلِكَ عَن ابْن عمر من فعله، وَلَيْسَ إِلَّا الِاعْتِمَاد عَلَى الدَّارَقُطْنِيّ فِي تَرْجِيح مَوْقُوف هَذَا الْخَبَر عَلَى مرفوعه، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي تَصْحِيح الْمَوْقُوف مُطلقًا.
فتلخص أَن للحفاظ فِي هَذَا الحَدِيث اضْطِرَاب تَرْجِيح، وَأَرْجُو أَن يكون حسنا، وَذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» وتنبه لأمر آخر (يتعلَّق) بِالْكِتَابَةِ، وَهُوَ أَن الحَدِيث الَّذِي أوردته مَوْجُود كَذَلِك فِي عدَّة نسخ من الرَّافِعِيّ وَفِي بَعْضهَا ضرب عَلَى قَوْله:«كَانَ يخلل لحيته» وَوصل (الثَّانِي) بِحَدِيث عُثْمَان الْمُتَقَدّم. وَهُوَ هَكَذَا فِي هَذِه النُّسْخَة، وَعَن عُثْمَان:«أنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يخلل لحيته ويدلك (عارضيه) » وَهَذِه النُّسْخَة معتنى بهَا؛ فَإِن صَحَّ ذَلِكَ فَلم أر هَذِه الْجُمْلَة فى حَدِيث عُثْمَان، فَاعْلَم ذَلِكَ.