الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعْلِيل سَاقِط؛ فَإِن أبان هَذَا لم يُضعفهُ أحد، وَهُوَ أبان بن صَالح بن عُمَيْر الْقرشِي مَوْلَاهُم أَبُو بكر الْمدنِي، قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «التَّهْذِيب» : أخرج لَهُ البُخَارِيّ تَعْلِيقا. وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَثَّقَهُ المزكون يَحْيَى بن معِين وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم الرازيان. وَقَالَ ابْن عبد الْحق - فِيمَا رده عَلَى ابْن حزم -: لم يجرح (أَبَانَا هَذَا أحد) فِيمَا أعلم. وَفِي هَذَا رد عَلَى قَول (أبي مُحَمَّد بن حزم) أَيْضا حَيْثُ قَالَ: أبان هَذَا لَيْسَ بالمشهور.
قلت: فتلخص من هَذَا كُله أَن الحَدِيث صَحِيح مَعْمُول بِهِ، وَأما قَول ابْن عبد الْحق - فِيمَا رده عَلَى ابْن حزم -: إِن الحَدِيث غير صَحِيح؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وَلَيْسَ هُوَ عندنَا مِمَّن يحْتَج بحَديثه. فَلَا يقبل مِنْهُ؛ لِأَن الْمَحْذُور الَّذِي يخَاف (من) ابْن إِسْحَاق (زَالَ) فِي هَذَا الحَدِيث.
الحَدِيث الثَّامِن
أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اتَّقوا الْملَاعن» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي «سنَنَيْهِمَا» وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أبي سعيد الْحِمْيَرِي، عَن معَاذ بن جبل رضي الله عنه قَالَ:«سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: «اتَّقوا الْملَاعن الثَّلَاث: البرَاز فِي الْمَوَارِد، والظل، وقارعة الطَّرِيق» .
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
قلت: وَكَذَا صَححهُ ابْن السكن حَيْثُ ذكره فِي «صحاحه المأثورة» وَفِي ذَلِك نظر؛ فَأَبُو سعيد هَذَا قيل: لم يسمع من معَاذ فَيكون مُنْقَطِعًا. قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي: أَبُو سعيد هَذَا أرَاهُ لم يدْرك معَاذ بن جبل. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : أَبُو سعيد قيل: لم يسمع من معَاذ. وَبِذَلِك جزم عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» وَعَن كتاب «التفرد» لأبي دَاوُد لما ذكر هَذَا الحَدِيث بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُور قَالَ: لَيْسَ هَذَا بِمُتَّصِل.
وَذكر ابْن الْقطَّان: أَن أَبَا سعيد هَذَا لَا يعرف فِي غير هَذَا الْإِسْنَاد (وَلم يزدْ ابْن أبي حَاتِم فِي ذكره إِيَّاه عَلَى مَا أَخذ من هَذَا
الْإِسْنَاد) وَذكره أَيْضا كَذَلِك من غير مزِيد ابْن عبد الْبر فِي «الكنى الْمُجَرَّدَة» قَالَ: فَهُوَ مَجْهُول.
وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث ابْن لَهِيعَة حَدثنِي ابْن هُبَيْرَة، أَخْبرنِي من سمع ابْن عَبَّاس يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: « (اتَّقوا) الْملَاعن الثَّلَاث قيل: وَمَا الْملَاعن يَا رَسُول الله؟ قَالَ: أَن يقْعد أحدكُم فِي ظلّ يستظل بِهِ، أَو فِي طَرِيق، أَو فِي نقع مَاء» .
وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» عَن قيس، عَن سعد بن أبي وَقاص أَظُنهُ رَفعه قَالَ:«إيَّاكُمْ والملاعن: أَن يلقِي أحدكُم أَذَاهُ فِي الأَرْض فَلَا يمر بِهِ أحد إِلَّا قَالَ: من فعل هَذَا لَعنه الله!» ثمَّ قَالَ: رُوِيَ مَوْقُوفا، وَهُوَ الْمَحْفُوظ. انْتَهَى.
وَقد وَردت أَحَادِيث أخر فِي النَّهْي عَن البرَاز فِي أَمَاكِن؛ فَفِي «صَحِيح مُسلم» عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «اتَّقوا اللعانين. قَالُوا: وَمَا اللعانان يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الَّذِي يتخلى فِي طرق النَّاس أَو فِي ظلهم» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ السكن «طَرِيق المسملين» بدل «النَّاس» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان: «فِي طَرِيق النَّاس وأفنيتهم» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالْحَاكِم: «اتَّقوا اللاعنين. قَالُوا: وَمَا اللاعنان يَا رَسُول الله؟ قَالَ:
الَّذِي يتخلى فِي طَرِيق النَّاس (أَو) فِي ظلهم» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم (قَالَ:) وَقد أخرجه هُوَ عَن قُتَيْبَة.
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» : «اجتنبوا اللعانين قَالُوا: وَمَا اللعانان يَا رَسُول الله؟ ! قَالَ: الَّذِي يتبرز عَلَى طَرِيق النَّاس أَو فِي مجْلِس قوم» .
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَنْدَه: «اتَّقوا اللاعنين. قَالُوا: وَمَا اللاعنان يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الَّذِي يتخلى فِي طَرِيق الْمُسلمين أَو مجَالِسهمْ» قَالَ ابْن مَنْدَه: إِسْنَاده صَحِيح.
وَفِي «الْمُسْتَدْرك» للْحَاكِم و «السّنَن الْكَبِير» للبيهقي عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من سل (سخيمته) عَلَى طَرِيق عَامر من (طرق) الْمُسلمين؛ فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ» . قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح إِسْنَاده.
وَفِي «السّنَن الْأَرْبَعَة» - أَعنِي: «سنَن أبي دَاوُد» وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه (و «مُسْند أَحْمد» ) و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» عَن عبد الله بن مُغفل مَرْفُوعا: «لَا يبولن أحدكُم فِي مستحمه ثمَّ يتَوَضَّأ فِيهِ؛ فَإِن (عَامَّة) الوسواس مِنْهُ» .
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث (غَرِيب) وَقَالَ الْحَاكِم: حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَأعله عبد الْحق بِمَا بَين ابْن الْقطَّان أَنه غلط من جِهَة النَّقْل.
وَفِي «مُسْند أَحْمد بن منيع الْبَغَوِيّ» عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من جلس عَلَى قبر يتغوط أَو يَبُول فَكَأَنَّمَا جلس عَلَى جَمْرَة» .
إِسْنَاده ضَعِيف، وَقد صَحَّ النَّهْي عَن فعل ذَلِك عَلَى الْقَبْر، كَمَا سَيَأْتِي فِي كتاب الْجَنَائِز من حَدِيث جَابر:«نهَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يجصص الْقَبْر، وَأَن يُبْنَى عَلَيْهِ، وَأَن يقْعد عَلَيْهِ» قَالَ مَالك والهروي: المُرَاد بالقعود الْحَدث. وَقد خولفا فِي ذَلِك، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي الْموضع الْمَذْكُور.
وَفِي «ضعفاء الْعقيلِيّ» عَن ابْن عمر قَالَ: «نهَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يتخلى الرجل تَحت شَجَرَة مثمرة أَو ضفة نهر جاري» .
فِي إِسْنَاده فرات بن السَّائِب قَالَ البُخَارِيّ: كُوفِي تَرَكُوهُ.
وَفِي «كَامِل» بن عدي عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «نهَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يتغوط الرجل فِي القرع من الأَرْض، قيل: وَمَا القرع؟ قَالَ: أَن يَأْتِي أحدكُم الأَرْض فِيهَا النَّبَات كَأَنَّمَا قُمْت قمامتها فَتلك مسَاكِن إخْوَانكُمْ من الْجِنّ» .
فِي إِسْنَاده سَلام بن مُسلم قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَحْمد: مُنكر الحَدِيث.
وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» عَن جَابر بن عبد الله مَرْفُوعا: «إيَّاكُمْ والتعريس عَلَى جواد الطَّرِيق (وَالصَّلَاة) عَلَيْهَا فَإِنَّهَا مأوى الْحَيَّات وَالسِّبَاع، وَقَضَاء الْحَاجة عَلَيْهَا فَإِنَّهَا الْملَاعن» . إِسْنَاده صَحِيح.
وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» (بِزِيَادَة فِيهِ) .
وفيهَا أَيْضا عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهَى أَن
يصلى عَلَى قَارِعَة الطَّرِيق أَو (يضْرب) الْخَلَاء عَلَيْهَا أَو يبال فِيهَا» .
فِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة وقرة، وَضعفهمَا مَشْهُور، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : رَفعه غير ثَابت.
وَفِي «الْمَرَاسِيل» لأبي دَاوُد عَن مَكْحُول «نهَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يبال بِأَبْوَاب الْمَسَاجِد» .
وفيهَا أَيْضا عَن أبي مجلز «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَمر عمر أَن ينْهَى أَن يبال فِي قبْلَة الْمَسْجِد» .
وَسَيَأْتِي حَدِيث عبد الله بن سرجس فِي النَّهْي عَن الْبَوْل فِي الْجُحر، حَيْثُ ذكره المُصَنّف، وَحَدِيث الْبَوْل فِي المَاء الراكد بعد هَذَا.
ولنذكر مَا وَقع فِي هَذِه الْأَحَادِيث من إِيضَاح غَرِيب وَضبط لفظ؛ فَإِنَّهُ مُهِمّ فَنَقُول:
الْملَاعن: مَوضِع اللَّعْن، جمع ملعنة، فَإِذا مر بِهِ النَّاس لعنُوا فَاعله. واللعانان: هما صاحبا اللَّعْن الَّذِي يلعنهما النَّاس كثيرا. وَمَعْنى رِوَايَة أبي دَاوُد وَالْحَاكِم «اتَّقوا اللاعنين» الْأَمْرَانِ الجالبان للعن؛ لِأَن من فعلهمَا لَعنه النَّاس فِي الْعَادة، فَلَمَّا صَارا سَبَب اللَّعْن أضيف اللَّعْن إِلَيْهِمَا، قَالَ الْخطابِيّ: وَقد يكون اللاعن بِمَعْنى الملعون؛ فالتقدير: اتَّقوا الملعون فاعلهما.
وَأما البرَاز؛ قَالَ الْخطابِيّ: هُوَ بِفَتْح الْبَاء هُنَا، وَهُوَ الفضاء
الْوَاسِع من الأَرْض كنوا بِهِ عَن قَضَاء الْحَاجة (كَمَا) كنوا عَنهُ بالخلاء، وَيُقَال: تبرز الرجل إِذا تغوط، كَمَا يُقَال: تخلى [إِذا صَار إِلَى الْخَلَاء] . قَالَ: وَأهل الحَدِيث يَرْوُونَهُ: البرَاز - بِكَسْر الْبَاء - وَهُوَ غلط، إِنَّمَا البرَاز - بِالْكَسْرِ - مصدر بارزت برازًا. وَكَذَا قَالَ ابْن بري وتابعهما عَلَى ذَلِك الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى «الْمُهَذّب» وَقَالَ الشَّيْخ محيي الدَّين النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : قَالَ غير الْخطابِيّ: (الصَّوَاب) البرَاز - بِكَسْر الْبَاء - وَهُوَ الْغَائِط نَفسه، كَذَا ذكره أهل اللُّغَة. قَالَ: فَإِذا كَانَ البرَاز - بِالْكَسْرِ - فِي اللُّغَة هُوَ الْغَائِط، و (قد) اعْترف الْخطابِيّ بِأَن الروَاة رَوَوْهُ بِالْكَسْرِ، تعين الْمصير إِلَيْهِ. قَالَ: فَحصل أَن الْمُخْتَار كسر الْبَاء. وَقَالَ نَحوا من هَذَا (فِي كِتَابه «تَهْذِيب اللُّغَات» .
وَأما الْمَوَارِد) : فَقَالَ الْخطابِيّ: (هِيَ) طرق المَاء (وَاحِدهَا) موردة.
وَالْمرَاد بالظل: مستظل النَّاس الَّذين اتخذوه مقيلاً ومناخًا ينزلونه ويقعدون تَحْتَهُ، وَلَيْسَ كل ظلّ يمْنَع قَضَاء الْحَاجة (تَحْتَهُ) فقد قعد