الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث الثَّامِن عشر
«أنَّه صلى الله عليه وسلم نهَى عَن الِاسْتِنْجَاء (بالروث) والرمة» .
(هَذَا حَدِيث) صَحِيح رَوَاهُ جماعات من الْأَئِمَّة، وَقد تقدم بِطُولِهِ فِي أول هَذَا الْبَاب.
الحَدِيث التَّاسِع عشر
أما النَّهْي عَن الِاسْتِنْجَاء بالعظم فَصَحِيح، رَوَاهُ جماعات من الصَّحَابَة، مِنْهُم: أَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنه رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» (فِي هَذَا الْبَاب) من رِوَايَة (يَحْيَى بن سعيد) عَنهُ قَالَ: «اتبعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَخرج لِحَاجَتِهِ، فَكَانَ لَا يلْتَفت، فدنوت مِنْهُ فَقَالَ: أبغني أحجارًا أستنفض بهَا أَو نَحوه، وَلَا تأتني بِعظم وَلَا رَوْث. فَأَتَيْته بأحجار بِطرف ثِيَابِي (فَوَضَعتهَا) إِلَى جنبه وأعرضت عَنهُ، فَلَمَّا قَضَى حَاجته اتبعته
بِهن» . (زَاد فِي بَاب ذكر الْجِنّ) : «فَقلت: مَا بَال الْعظم والروثة؟ فَقَالَ: هما من طَعَام الْجِنّ، وَإنَّهُ أَتَانِي وَفد (جن) نَصِيبين - وَنعم الْجِنّ - فسألوني الزَّاد، فدعوت الله عز وجل أَن لَا يمروا بِعظم وَلَا بروثة إِلَّا وجدوا عَلَيْهَا طَعَاما» .
قَالَ أَبُو عبد الله (الْقَزاز) فِي «تَفْسِير غَرِيب البُخَارِيّ» : هَكَذَا رُوِيَ « (استنفض) » كَأَنَّهُ أستفعل من (النفض) وَهُوَ أَن يهز الشَّيْء ليطرد غباره أَو يَزُول مَا عَلَيْهِ وَهَذَا مَوضِع أستنظف بهَا، أَي: أنظف نَفسِي بهَا من الْحَدث، وَلَكِن هَكَذَا رُوِيَ.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «جَامع المسانيد» : انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ البُخَارِيّ، وَمَعْنى (أستنفض) بهَا أزيل بهَا عني الْأَذَى.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : ورأيته: أستنظف فِي غير «كتاب البُخَارِيّ» .
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول
الله (نهَى أَن يستنجى بروث (أَو) عظم، وَقَالَ: إنَّهُمَا لَا تطهران» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده صَحِيح.
قلت: فِي سَنَده سَلمَة بن رَجَاء، قَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن عدي: حدث بِأَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا. (و) ذكره ابْن حبَان فِي «الثِّقَات» وَرَوَى لَهُ البُخَارِيّ فِي «الصَّحِيح» (وَفِيه) أَيْضا يَعْقُوب بن كاسب، قيل: رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» أَيْضا وَلم ينْسبهُ. وَقَالَ يَحْيَى وَالنَّسَائِيّ: لَيْسَ بِشَيْء. وَوَثَّقَهُ يَحْيَى مرّة.
وَمِنْهُم: عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» عَنهُ من حَدِيث طَوِيل، وَفِيه:«وسألوه - يَعْنِي الْجِنّ - الزَّاد، فَقَالَ: لكم كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِي أَيْدِيكُم أوفر مَا يكون لَحْمًا، وكل بَعرَة علف لدوابكم. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: فَلَا تستنجوا بهما (فَإِنَّهُمَا) طَعَام إخْوَانكُمْ» .
وَوَقع فِي مُسْند إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه بدل «وَذكر اسْم الله» : «لم يذكر اسْم الله» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَنهُ قَالَ: «قدم وَفد الْجِنّ عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد، اِنْهَ أمتك أَن يستنجوا بِعظم أَو رَوْثَة أَو
حُممة؛ فَإِن الله جعل لنا فِيهَا رزقا. فَنَهَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن ذَلِك» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا وَقَالا: إِسْنَاده شَامي لَيْسَ بِثَابِت. وَقَالَ الْحَازِمِي: لَا يعرف مُتَّصِلا (إِلَّا) من حَدِيث الشاميين، وَهُوَ عَلَى شَرط أبي دَاوُد.
الحُمَمَة - بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الميمين مَعَ التَّخْفِيف - (الفحم) . وَيُقَال (إِنَّه) الرخو الَّذِي (لَا) يقْلع النَّجَاسَة.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» عَن أَحْمد بن عَمْرو بن السَّرْح، عَن ابْن وهب، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي عُثْمَان بن سنّة الْخُزَاعِيّ الدِّمَشْقِي، عَن ابْن مَسْعُود «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهَى أَن يَسْتَطِيب أحدكُم بِعظم أَو (رَوْث) » .
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» فِي أَوَاخِر كتاب التَّفْسِير بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَإِسْنَاده لَا أعلم بِهِ بَأْسا.
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (أَيْضا) من حَدِيث مُوسَى بن عُلَي - بِضَم الْعين وَفتح اللَّام عَلَى الْمَعْرُوف - عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن مَسْعُود «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهَى أَن يستنجى بِعظم حَائِل أَو رَوْثَة أَو حممة» ثمَّ قَالَ: عَلّي
بن رَبَاح لَا يثبت سَمَاعه من ابْن مَسْعُود.
وَأخرجه أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» من حَدِيث حَرْمَلَة، ثَنَا ابْن وهب، عَن يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن سنة الْخُزَاعِيّ أَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: «قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابه وَهُوَ بِمَكَّة: من أحب مِنْكُم أَن يحضر اللَّيْلَة أَمر الْجِنّ فَلْيفْعَل
…
» ثمَّ ذكر الحَدِيث قَالَ: «فَأَعْطَاهُمْ عظما وَرَوْثًا زادًا، ثمَّ نهَى رَسُول (أَن يَسْتَطِيب أحد بِعظم أَو رَوْث» .
ثمَّ قَالَ ابْن مَنْدَه: هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَرُوِيَ بِإِسْقَاط ابْن مَسْعُود، ذكره أَبُو نعيم فِي تَرْجَمَة أبي عُثْمَان بن سنة الْخُزَاعِيّ الصَّحَابِيّ.
وَمِنْهُم: سلمَان رضي الله عنه رَوَاهُ مُسلم، وَسَيَأْتِي قَرِيبا حَيْثُ ذكره المُصَنّف.
وَمِنْهُم: جَابر بن عبد الله رضي الله عنه رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق، نَا أَبُو الزبير أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول:«نهَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن نتمسح بِعظم أَو ببعر» .
وَمِنْهُم: رويفع بن ثَابت رضي الله عنه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد جيد عَنهُ قَالَ: «قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: يَا رويفع، لَعَلَّ الْحَيَاة ستطول بك بعدِي، فَأخْبر النَّاس أَن من عقد لحيته أَو تقلد وترا أَو استنجى برجيع دَابَّة أَو عظم؛ فَإِن مُحَمَّدًا بَرِيء مِنْهُ» .
قَالَ صَاحب «الدَّلَائِل فِي غَرِيب الحَدِيث» بعد رِوَايَته لَهُ: هَكَذَا فِي الحَدِيث «من عقد لحيته» وَصَوَابه - وَالله أعلم -: «من عقد لحاء» من قَوْلك لحيت الشّجر إِذا قشرته، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يعقدون لحاء الْحرم فيقلدونه (فِي) أَعْنَاقهم فيأمنون بذلك، وَهُوَ قَول الله - تَعَالَى -:(لَا تحلوا شَعَائِر الله وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا القلائد) فَلَمَّا أظهر الله الْإِسْلَام نهَى عَن ذَلِك. قَالَ السّديّ: شَعَائِر الله: حرم الله. وَأما الْهَدْي والقلائد؛ فَإِن الْعَرَب كَانُوا يقلدون من لحاء الشّجر - شجر مَكَّة - فيقيم الرجل بِمَكَّة حَتَّى إِذا انفضت الْأَشْهر الْحرم وَأَرَادَ أَن يرجع إِلَى أَهله قلد نَفسه وناقته من لحاء الشّجر، فَيَأْمَن حَتَّى يَأْتِي أَهله.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَمَا أشبه مَا قَالَه بِالصَّوَابِ، لَكِن لم نره فِيمَا وقفنا عَلَيْهِ فِي رِوَايَة.
وَمِنْهُم: سهل بن حنيف رضي الله عنه رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» عَن أبي عَاصِم، عَن ابْن جريج، عَن عبد الْكَرِيم - وَهُوَ ابْن أبي الْمخَارِق - عَن الْوَلِيد بن مَالك، عَن عبد الْقَيْس، عَن مُحَمَّد بن قيس مولَى سهل بن حنيف، عَن سهل بن حنيف أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ:«أَنْت رَسُولي إِلَى أهل مَكَّة، فَقل: إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقْرَأ عَلَيْكُم السَّلَام، ويأمركم أَن لَا تستنجوا بِعظم وَلَا ببعر» . قَالَ أَبُو عَاصِم مرّة: و «يَنْهَاكُم» أَو «يَأْمُركُمْ» .
وَأخرجه أَحْمد فِي «الْمسند» عَن عبد الرَّزَّاق، أَنا ابْن جريج، نَا عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق أَن الْوَلِيد بن مَالك أخبرهُ أَن مُحَمَّد بن قيس
…
. فَذكر الحَدِيث إِلَّا أَنه قَالَ: «يَأْمُركُمْ بِثَلَاث: لَا تحلفُوا بِغَيْر الله، وَإِذا تخليتم فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة [وَلَا تستدبروها] وَلَا تستنجوا بِعظم وَلَا ببعرة» .
وَمِنْهُم رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن مُوسَى بن أبي إِسْحَاق الْأنْصَارِيّ، عَن (عبد الله بن) عبد الرَّحْمَن، عَن رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من الْأَنْصَار أخبرهُ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم « (أَنه) نهَى أَن يَسْتَطِيب أحد بِعظم أَو رَوْث أَو جلد» .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده غير ثَابت. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَسَببه جَهَالَة مُوسَى وَعبد الله.
وَأما قَول الإِمَام الرَّافِعِيّ وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «إِن الْعظم زَاد إخْوَانكُمْ من الْجِنّ» فَصَحِيح أَيْضا رَوَى مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث الشّعبِيّ، عَن عَلْقَمَة، عَن ابْن مَسْعُود، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيث
طَوِيل قَالَ فِي آخِره: وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «لَا تستنجوا بالعظم والبعر؛ فَإِنَّهُمَا طَعَام إخْوَانكُمْ - يَعْنِي: من الْجِنّ» كَمَا تقدم. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر، وَلم يذكر هَذِه الزِّيَادَة فِيهِ، وَرَوَاهُ من طَرِيق ثَالِث عَن دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن الشّعبِيّ وَلم يذكر هَذِه الزِّيَادَة ثمَّ قَالَ: قَالَ الشّعبِيّ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تستنجوا بالعظم والبعر» .
قَالَ التِّرْمِذِيّ: كَأَن هَذِه الرِّوَايَة أصح - يَعْنِي: فَيكون مُرْسلا - قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : لَا نوافق التِّرْمِذِيّ عَلَى ذَلِك؛ بل الْمُخْتَار أَن هَذِه الزِّيَادَة مُتَّصِلَة.
قلت: وَقد حكم أَيْضا أَبُو حَاتِم بن حبَان للطريقة الموصولة بِالصِّحَّةِ فَإِنَّهُ أخرجهَا فِي «صَحِيحه» بالطريقة الأولَى الَّتِي ذكرهَا مُسلم، ولفظها إِلَّا أَنه قَالَ:«زَاد» بدل «طَعَام» وَالْمعْنَى وَاحِد.
وَفِي «تَلْخِيص الْخَطِيب» من حَدِيث يَحْيَى بن عبد الله بن بكير، أَنا ابْن لَهِيعَة (عَن أَحْمد بن خازم) - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة - عَن صَالح مولَى التوءمة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن ابْن مَسْعُود، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم:«أَنه جعل زَاد الْجِنّ الروث وَالْعِظَام، لَا يَمرونَ عَلَى شَيْء مِنْهُ إِلَّا وجدوه لَحْمًا طريًّا» .
وَفِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» من حَدِيث بَقِيَّة، نَا نمير بن يزِيد، نَا أبي،