الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث الرَّابِع
عَن جَابر رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ آخر الْأَمريْنِ من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار» .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْأَئِمَّة من حَدِيث (عَلّي) بن عَيَّاش - بالشين الْمُعْجَمَة - ثَنَا شُعَيْب بن أبي حَمْزَة، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ.
(رَوَاهُ) كَذَلِك أَبُو دَاوُد (عَن) مُوسَى بن سهل الرَّمْلِيّ، عَن عَلّي بِهِ، إِلَّا أَنه قَالَ:«غيرت» بدل «مست» .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه الْكَبِير وَالصَّغِير» عَن عَمْرو بن مَنْصُور، عَن عَلّي بِهِ بِاللَّفْظِ الأول الَّذِي ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ.
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن ابْن خُزَيْمَة إِمَام الْأَئِمَّة، عَن مُوسَى بن سهل الْمَذْكُور أَولا. وبلفظ النَّسَائِيّ، ثمَّ رَأَيْته بعد ذَلِك فِي «صَحِيح ابْن خُزَيْمَة» كَمَا رَوَاهُ ابْن حبَان عَنهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا اخْتِصَار من الحَدِيث الأول؛ يَعْنِي من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر حَيْثُ «قَرَّب للنَّبِي (خبْزًا وَلَحْمًا فَأكل،
ثمَّ دَعَا بِوضُوء فتوضَّأ (ثمَّ صَلَّى) الظّهْر، ثمَّ دَعَا بِفضل طَعَامه فَأكل ثمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة وَلم يتَوَضَّأ) .
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث يَعْنِي: حَدِيث «ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُضْطَرب الْمَتْن؛ إِنَّمَا هُوَ «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أكل كَتفًا وَلم يتَوَضَّأ» كَذَا رَوَاهُ الثِّقَات، عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن جَابر؛ وَيُمكن أَن يكون شُعَيْب حدث بِهِ من حفظه فَوَهم فِيهِ، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: إِنَّمَا هُوَ «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أكل كَتفًا ثمَّ صَلَّى وَلم يتَوَضَّأ» .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي كِتَابه «الإِمَام» : الَّذِي ذكره أَبُو دَاوُد أقرب مِمَّا قَالَه أَبُو حَاتِم؛ فَإِن المتنين متباعدي اللَّفْظ (أَعنِي) قَوْله: «آخر الْأَمريْنِ» وَقَوله: «أكل كَتفًا ثمَّ صَلَّى وَلم يتَوَضَّأ» وَلَا يجوز التَّعْبِير بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر (والانتقال) من أَحدهمَا إِلَى الآخر؛ إِنَّمَا يكون عَن غَفلَة شَدِيدَة، وَأما مَا ذكره أَبُو دَاوُد من (أَنه) اخْتِصَار من حَدِيثه الأول (فأقرب) لِأَنَّهُ يُمكن أَن يكون (قد) عبَّر بِهَذِهِ الْعبارَة عَن مَعْنَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى.
قلت: وَفِي التَّعْبِير أَيْضا بذلك نظر، إِلَّا أَن تكون تِلْكَ الْحَالة آخر الْأَمر عِنْده؛ فَعبر بهَا. (ونحا) ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» إِلَى مقَالَة أبي دَاوُد السالفة، فَقَالَ: هَذَا (خبر) مُخْتَصر من حَدِيث طَوِيل، اخْتَصَرَهُ شُعَيْب بن أبي حَمْزَة مُتَوَهمًا نسخ إِيجَاب الْوضُوء (مِمَّا مسته النَّار مُطلقًا، وَإِنَّمَا هُوَ نسخ لإِيجَاب الْوضُوء) مِمَّا مست النَّار خلا لحم الْجَزُور.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «إِعْلَامه بناسخ الحَدِيث ومنسوخه» : حَدِيث جَابر هَذَا وَمَا رُوِيَ مثله كَحَدِيث مُحَمَّد بن (مسلمة) كَانَ آخر الْأَمريْنِ من النَّبِي صلى الله عليه وسلم: ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار. (وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة بِفِعْلِهِ، وَلم يتَوَضَّأ مفصحة بالنسخ ودالة عَلَى أَن مَا عارضها مَنْسُوخ، كَحَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَرْفُوع: «توضئوا مِمَّا مسته النَّار» ) .
وَحَدِيث عَائِشَة: «مَا ترك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْوضُوء مِمَّا مست النَّار حَتَّى قبض» . وَقَالَ (الْجوزجَاني) فِي «مَوْضُوعَاته» : حَدِيث عَائِشَة هَذَا بَاطِل، وَحَدِيث جَابر يُخَالِفهُ وَهُوَ صَحِيح.
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَقد رُوِيَ لنا حَدِيث يدل عَلَى أَن المُرَاد (بِالْوضُوءِ) : غسل الْيَد؛ فَحِينَئِذٍ لَا يتَوَجَّه نسخ، ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث النَّضر بن طَاهِر، عَن عبيد الله بن عكراش، عَن أَبِيه «أَنه أكل مَعَ
النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي قَصْعَة من ثريد، ثمَّ أُتِي بِمَاء فَغسل يَده وفمه، وَمسح بِوَجْهِهِ وَقَالَ: يَا عِكْراش، هَذَا الْوضُوء مِمَّا مست النَّار» . رَوَاهُ ابْن شاهين، عَن هَارُون بن أَحْمد النجراني، عَن النَّضر بِهِ.
قلت: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث الْعَلَاء بن الْفضل، عَن عبيد الله بِهِ، وَفِيه:«فَغسل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (يَده) ثمَّ مسح ببلل كفيه وَجهه وذراعيه وَرَأسه، ثمَّ قَالَ: يَا عِكْراش، هَكَذَا الْوضُوء مِمَّا غيرت النَّار» . وَعبيد الله هَذَا ضَعِيف. قَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر، وَقَالَ (أَبُو) حَاتِم: مَجْهُول. وَقَالَ ابْن حبَان: مُنكر الحَدِيث.
وَأخرج التِّرْمِذِيّ طرفا مِنْهُ وَهُوَ: أَنه عليه السلام قَالَ لَهُ فِي الثَّرِيد: «كل من مَوضِع واحدٍ» . ثمَّ قَالَ: غَرِيب تفرد بِهِ الْعَلَاء.
قلت: هُوَ صَدُوق؛ لَكِن قَالَ ابْن حبَان: كَانَ (مِمَّن) ينْفَرد بأَشْيَاء مَنَاكِير عَن أَقوام مشاهير، لَا يُعجبنِي الِاحْتِجَاج بأخباره الَّتِي انْفَرد بهَا، فَأَما مَا وَافق الثِّقَات فَإِن اعْتبر بهَا مُعْتَبر لم (أر) بذلك بَأْسا.
وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ رحمه الله ذكر الحَدِيث الَّذِي قبل هَذَا دَلِيلا لمن قَالَ بِالْوضُوءِ من أكل لحم الْجَزُور. ثمَّ ذكر حَدِيث جَابر هَذَا فِي أَنه لَا يتَوَضَّأ (مِنْهُ) .