الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم.
فَهَذِهِ أَحَادِيث و (أثر) كلهَا بِلَفْظ الْمس، مَعَ أَن تَحْرِيم الْحمل مستنبط من بَاب أولَى.
الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» : من حَدِيث أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس «أَنه عليه السلام كتب إِلَيْهِ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، من مُحَمَّد عبد الله وَرَسُوله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم، سَلام عَلَى من اتبع الْهدى، أما بعد؛ فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام، أسلم تسلم، وَأسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ؛ فَإِن توليت فَإِن عَلَيْك إِثْم الأريسيين و (يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ» .
فساقا الحَدِيث بِطُولِهِ وَلَيْسَ لأبي سُفْيَان فِي «الصَّحِيحَيْنِ» غَيره، وَهُوَ من رِوَايَة ابْن عَبَّاس عَنهُ.
فَائِدَة: هِرَقْل، بِكَسْر الْهَاء، وَفتح الرَّاء، وَإِسْكَان الْقَاف هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَيُقَال: بِكَسْر الْهَاء وَإِسْكَان الرَّاء وَكسر الْقَاف، حَكَاهُ
الْجَوْهَرِي فِي «صحاحه» (وَلم يذكر الْقَزاز غَيره) . وَهُوَ أول من ضرب الدَّنَانِير، وَأول من أحدث الْبيعَة (قَالَه) الجواليقي، وَهُوَ عجمي مُعرب، وَهُوَ اسْم علم لَهُ، ولقبه: قَيْصر، وَكَذَلِكَ كل من ملك الرّوم يُقَال لَهُ: قَيْصر.
فَائِدَة ثَانِيَة: الدِّعاية بِكَسْر الدَّال، أَي: يَدعُونَهُ، وَهِي كلمة التَّوْحِيد، وَلَفظ مُسلم:«بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام» أَي: بِالْكَلِمَةِ الداعية إِلَى الْإِسْلَام.
قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَيجوز أَن يكون دَاعِيَة بِمَعْنى دَعْوَة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:(لَيْسَ لَهَا من دون الله كاشفة) أَي: كشف.
وَقَوله: «وَعَلَيْك إِثْم الأريسيين» كَذَا هُوَ فِي «صَحِيح مُسلم» ؛ بِهَمْزَة مَفْتُوحَة ثمَّ رَاء مُهْملَة مَكْسُورَة ثمَّ مثناة تَحت، ثمَّ سين مُهْملَة ثمَّ مثناة تَحت ثمَّ أُخْرَى مثلهَا - وَفِي رِوَايَة حذف هَذِه - ثمَّ نون. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «غَرِيب الحَدِيث» وَمن خطه نقلت:(هَكَذَا) يرويهِ أهل اللُّغَة، وَوَقع فِيهِ (و) فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» اليريسيين بياء فِي أَوله، وبيائين بعد السِّين وَالأَصَح أَنهم الأكارون؛ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ فِي «دَلَائِل النُّبُوَّة» أَي: الفلاحون والزراعون، وَفِي رِوَايَة البرقاني يَعْنِي: الحراثين، وَمَعْنَاهُ: أَن عَلَيْك إِثْم رعاياك الَّذين يتبعونك وينقادون بانقيادك، وَنبهَ بهؤلاء عَلَى جَمِيع الرعايا؛ لأَنهم الْأَغْلَب،
وَلِأَنَّهُم أسْرع انقيادًا؛ فَإِذا (أسلم) أَسْلمُوا، وَإِذا امْتنع امْتَنعُوا.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.
وَأما آثاره فَذكر فِيهِ (أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانُوا ينتظرون الْعشَاء فينامون قعُودا ثمَّ يصلونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ) وَهَذَا أثر صَحِيح، رَوَاهُ الإِمَام الشَّافِعِي فِي «الْأُم» عَن الثِّقَة، عَن حميد عَن أنس قَالَ:«كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصَّلَاة - أَحْسبهُ قَالَ: قعُودا - حَتَّى تخفق رُءُوسهم، ثمَّ يصلونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» - بعد أَن رَوَاهُ -: قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: إِذا قَالَ الشَّافِعِي: أخبرنَا الثِّقَة، حَدثنَا حميد الطَّوِيل؛ فَإِنَّهُ يكني بالثقة عَن إِسْمَاعِيل ابْن علية، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم؛ فَقَالَ: أَنا بعض أَصْحَابنَا، عَن الدستوَائي، عَن قَتَادَة، عَن أنس «أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانُوا ينتظرون الْعشَاء حَتَّى تخفق رُءُوسهم، ثمَّ يصلونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» . وَرَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث خَالِد بن الْحَارِث، عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس قَالَ:«كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثمَّ يصلونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» .
(وَرَوَاهُ) أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث هِشَام الدستوَائي، عَن قَتَادَة، عَن أنس قَالَ:«كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم ينتظرون الْعشَاء الْآخِرَة حَتَّى تخفق رُءُوسهم، ثمَّ يصلونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» زَاد فِيهِ شُعْبَة، عَن قَتَادَة
قَالَ: «كَانَ عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
…
» وَهَذَا إِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن سعيد، عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس (قَالَ:«كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثمَّ يقومُونَ وَيصلونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» . ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن الْمُبَارك، ثَنَا معمر، عَن قَتَادَة، عَن أنس) قَالَ:«لقد رَأَيْت أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يوقظون للصَّلَاة حَتَّى إِنِّي لأسْمع لأَحَدهم غطيطًا، ثمَّ يقومُونَ فيصلون وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» . قَالَ ابْن الْمُبَارك: هَذَا عندنَا وهم جُلُوس. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَعَلَى هَذَا حمله عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، وَالشَّافِعِيّ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي «الإِمَام» :(هَكَذَا أَوله) كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ؛ لِأَن اللَّفْظ مُحْتَمل، وَالْحَاجة إِلَى هَذَا التَّأْوِيل فِي هَذِه الرِّوَايَة أَشد لذكر الغطيط. وَأما رِوَايَة مُسلم الْمُتَقَدّمَة فمحتملة لذَلِك أَيْضا، لَكِن وَردت زِيَادَة تمنع هَذَا التَّأْوِيل، قَالَ ابْن الْقطَّان: هَذَا الحَدِيث بسياقته فِي مُسلم يحْتَمل أَن ينزل عَلَى نوم الْجَالِس، وَعَلَى ذَلِك (ينزله) أَكثر النَّاس، وَفِيه زِيَادَة تمنع من ذَلِك، رَوَاهَا يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس قَالَ:«كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصَّلَاة فيضعون جنُوبهم، فَمنهمْ من ينَام ثمَّ يقوم إِلَى الصَّلَاة» .
قَالَ قَاسم بن أصبغ: نَا مُحَمَّد بن عبد السَّلَام الْخُشَنِي، ثَنَا مُحَمَّد بن بشار، نَا يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، (نَا شُعْبَة
…
فَذكره. قَالَ: وَهَذَا كَمَا ترَى صَحِيح من رِوَايَة الإِمَام عَن شُعْبَة) قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين: وَمن اعْتبر حَالَة النّوم فَلهُ أَن يحمل هَذَا عَلَى النّوم الْخَفِيف (أَو الْقصير) ويعارضه رِوَايَة (الغطيط) الْمُتَقَدّمَة.
قَالَ: وَرَوَى أَحْمد بن عبيد هَذَا الحَدِيث من جِهَة يَحْيَى بن سعيد، عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس قَالَ:«كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثمَّ يقومُونَ فيصلون وَلَا يَتَوَضَّئُونَ عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم» ، وَهَذِه هِيَ الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا ابْن الْقطَّان، وَلَيْسَ فِيهَا «فيضعون جنُوبهم» .
قَالَ الشَّيْخ: وَقَرِيب مِمَّا (ذكره) ابْن الْقطَّان رِوَايَة يَحْيَى بن سعيد، عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس «أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانُوا يشبعون جنُوبهم؛ فَمنهمْ من يتَوَضَّأ، وَمِنْهُم من لَا يتَوَضَّأ» وَرَوَى ابْن عدي من حَدِيث (أبي هِلَال مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي) ، عَن
قَتَادَة، عَن أنس قَالَ:«كُنَّا ننام فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؛ فَلَا نُحدث لذَلِك وضُوءًا» . وَمُحَمّد هَذَا وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَضَعفه أَحْمد، وَأخرج لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن عدي: فِي بعض رواياته مَا لَا يُوَافقهُ الثِّقَات عَلَيْهِ، وَهُوَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه.
وَذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا فِيهِ عِنْد قَوْله تَعَالَى: (أَو لامستم النِّسَاء) أَن اللَّمْس المُرَاد بِهِ الجس بِالْيَدِ (كَذَلِك. و) رُوِيَ عَن ابْن عمر وَغَيره. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد رَوَى مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم، عَن أَبِيه، وَهُوَ ابْن عمر رضي الله عنه قَالَ:«قبْلَة الرجل امْرَأَته وجسها (بِيَدِهِ) من الْمُلَامسَة؛ فَمن قبل امْرَأَته (أَو) جسها بِيَدِهِ فَعَلَيهِ الْوضُوء» وَفِي رِوَايَة ابْن بكير عَن مَالك: «فقد وَجب عَلَيْهِ الْوضُوء» .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» عَن ابْن عمر، عَن
عمر أَنه قَالَ: «إِن الْقبْلَة من (اللَّمْس) فَتَوضئُوا مِنْهَا» وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هَذَا عِنْدهم خطأ؛ لِأَن حفاظ أَصْحَاب ابْن شهَاب يجعلونه عَن (ابْن) عمر لَا عَن عمر، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» و «خلافياته» عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله - يَعْنِي: ابْن مَسْعُود - قَالَ: «الْقبْلَة من اللَّمْس، وفيهَا الْوضُوء، واللمس مَا دون الْجِمَاع» ثمَّ قَالَ: وَفِيه إرْسَال؛ أَبُو عُبَيْدَة لم يسمع من أَبِيه، قَالَ: وَقد رَوَيْنَاهُ بِإِسْنَاد آخر صَحِيح مَوْصُول، ثمَّ أخرجه من طَرِيق طَارق بن شهَاب «أَن عبد الله قَالَ فِي قَوْله:(أَو لامستم النِّسَاء) قولا مَعْنَاهُ مَا دون الْجِمَاع» .
وَلما ذكر الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» قَول عمر السالف قَالَ: قد اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَى إِخْرَاج أَحَادِيث فِي «صَحِيحَيْهِمَا» يسْتَدلّ بهَا عَلَى أَن اللَّمْس مَا دون الْجِمَاع، مِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة «فاليد زنَاهَا اللَّمْس» وَحَدِيث (ابْن عَبَّاس) :«لَعَلَّك لمست» وَحَدِيث ابْن مَسْعُود (وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار) وَبَقِي عَلَيْهِمَا أَحَادِيث صَحِيحَة فِي التَّفْسِير وَغَيره، مِنْهَا حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها «مَا كَانَ - أَو قل - يَوْم إِلَّا وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (يأتينا) فَيقبل ويلمس
…
» الحَدِيث. وَمِنْهَا
حَدِيث أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله «فِي قَوْله تَعَالَى: (أَو لامستم النِّسَاء) قَالَ: هُوَ مَا دون الوقاع؛ وَمِنْه الْوضُوء» وَمِنْهَا عَن عمر، وَقد قدمْنَاهُ، وَمِنْهَا حَدِيث معَاذ بِنَحْوِ حَدِيث ابْن مَسْعُود، وأسندها كلهَا. ثمَّ قَالَ: هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي ذكرتها أَن الشَّيْخَيْنِ اتفقَا عَلَيْهَا، غير أَنَّهَا مخرجة فِي الْكِتَابَيْنِ بالتفاريق، وَكلهَا صَحِيحَة دَالَّة عَلَى أَن اللَّمْس الَّذِي يُوجب الْوضُوء دون الْجِمَاع.