الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْتُ: وَقَالَ عبد الْغَنِيّ الْمصْرِيّ: أَبُو رزين الْعقيلِيّ هُوَ لَقِيط بن عَامر بن المنتفق، وَهُوَ لَقِيط بن صبرَة.
الحَدِيث الثَّلَاثُونَ
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، عَن أبي بكر بن خَلاد الْبَاهِلِيّ، حَدَّثَنِي مَرْحُوم بن عبد الْعَزِيز الْعَطَّار، حَدَّثَنِي عبد الرَّحِيم (بن) زيد الْعمي، عَن أَبِيه، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن ابْن عمر قَالَ:«تَوَضَّأ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَاحِدَة وَاحِدَة، فَقَالَ: هَذَا وضُوءُ مَن لَا يقبلُ اللهُ (مِنْه) صَلَاة إِلَاّ بِهِ. ثمَّ تَوَضَّأ (اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ) فَقَالَ: هَذَا وضُوءُ القَدْرِ من الوضُوءِ. وَتَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ: هَذَا أَسْبَغ الوضُوء، ووضُوء خَلِيل اللهِ إِبْرَاهِيم، وَمن تَوَضَّأ هَكَذَا ثمَّ قَالَ عِنْد فَرَاغه: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أنَّ مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فُتِحَ لَهُ ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة يدْخل من أَيهَا شَاءَ» .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» من رِوَايَة مَرْحُوم بن عبد الْعَزِيز، عَن عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي، عَن أَبِيه، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة،
عَن أَبِيه، عَن جده. قَالَ: «تَوَضَّأ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَاحِدَة وَاحِدَة فَقَالَ: هَذَا وضوءُ من لَا يقبلُ اللهُ (مِنْهُ صَلَاة) إِلَاّ بِهِ. ثمَّ تَوَضَّأ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ فَقَالَ: مَن تَوضَّأ هَكَذَا ضاعفَ اللهُ لهُ أَجْرَه مَرَّتَيْن. ثمَّ تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا إسباغُ الوضُوءِ وهَذَا وُضُوئِي ووُضُوءُ خَلِيلِ اللهِ إِبرَاهِيمَ
…
» وَذكر بَاقِي الحَدِيث.
وَرَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» إِلَى قَوْله: «ووضوء الْأَنْبِيَاء قبلي» .
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْفضل، عَن زيد الْعمي، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن ابْن عمر (أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دَعَا) بِمَاء فَتَوَضَّأ مرّة مرّة، ثمَّ قَالَ:(هَذَا) وَظِيفَةُ الوُضُوءِ الَّذِي لَا يقبلُ اللهُ صَلاةً إِلَاّ بِهِ. ثمَّ دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ ثمَّ سكت سَاعَة ثمَّ قَالَ: هَذَا وضُوءُ من تَوَضَّأَ بِهِ كَانَ لَه أَجْرُهُ مَرَّتَينِ. ثمَّ دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: (هَذَا) وضُوئِي ووضُوءُ الأنبياءِ مِن قَبْلِي» .
وَرَوَاهُ أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ (أَيْضا) من حَدِيث الْأسود بن عَامر، عَن أبي إِسْرَائِيل عَن زيد الْعمي، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن
النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «من تَوَضَّأ (مرّة مرّة) [فَتلك] وَظِيفَة الْوضُوء الَّتِي لَا بُد مِنْهَا، وَمن تَوَضَّأ ثِنْتَيْنِ فَلهُ كفلان، وَمن تَوَضَّأ ثَلَاثًا فَذَلِك وضوئي ووضوء الْأَنْبِيَاء قبلي» .
وَرَوَاهُ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ فِي كتاب «إِيضَاح الإِشكال» من حَدِيث عباد بن صُهَيْب، عَن مسعر بن كدام، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن عبد الله بن عمر، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم «أنَّه تَوضَّأَ مرّة مرّة فَقَالَ: هَذِهِ فَرَيضَةُ الوُضُوءِ وهوَ وضُوئِي، وهُوَ الذِي لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةَ إلَاّ بِهِ، ثمَّ تَوَضَّأ مَرَّتَينِ مَرَّتينِ فَقَالَ: هَذَا وضُوء مَرتَين، وَمَنْ تَوضَّأَ هَكَذَا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ، ثُمَّ تَوضَّأَ ثَلاثًا ثَلاثًا وَقَالَ: هَذَا وضُوئِي ووضُوءُ الأَنبياءِ قَبْلي، ووضُوءُ (أبِي) إِبْرَاهيمَ خَليلِ الرَّحْمَن» .
وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف بِمرَّة لَا يَصح من جَمِيع هَذِه الطّرق. أمَّا (عبد الرَّحِيم) بن زيد الْعمي فَهُوَ مَتْرُوك واه، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: كَذَّاب. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: ترك حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: (جدًّا) . وَقَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ. وَقَالَ السَّعْدِيّ: غير ثِقَة. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: ضَعِيف.
وَأما وَالِده زيد فالأكثر عَلَى تَضْعِيفه، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي عَن أنس أَشْيَاء مَوْضُوعَة لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث. وَحَكَى ابْن أبي حَاتِم أَنه إِنَّمَا قيل (لَهُ)(زيد) الْعمي؛ لِأَنَّهُ كَانَ كلما سُئِلَ عَن شَيْء قَالَ: (حتَّى) أسأَل عمي. وَقَالَ ابْن عدي: لَعَلَّ شُعْبَة لم يروِ عَن أَضْعَف مِنْهُ. وَقَالَ الإِمام أَحْمد: هُوَ صَالح. وَقَالَ الْحسن بن سُفْيَان: ثِقَة. وَلَا أعلم من وَثَّقَهُ غَيرهمَا.
وَأما مُحَمَّد بن الْفضل الْمُتَقَدّم فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فضعيف جدًّا، كَانَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة شَدِيد الْحمل عَلَيْهِ، وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ حَدِيثه حَدِيث أهل الْكَذِب. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء وَلَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ مرّة: كَانَ كذابا. وَكَذَلِكَ قَالَ السَّعْدِيّ وَعَمْرو بن عَلّي وَيَحْيَى بن الضريس، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات، لَا يحل كَتْب حَدِيثه إلَاّ عَلَى سَبِيل الِاعْتِبَار. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث يرويهِ زيد الْعمي، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن ابْن عمر. وَأَبُو إِسْرَائِيل الْملَائي، عَن زيد الْعمي، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر وَوهم فِيهِ، وَالصَّوَاب قَول من قَالَ: عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن أبي بن كَعْب وَلم يُتَابع عَلَيْهِ.
وَأما عباد بن صُهَيْب الْمَذْكُور فِي رِوَايَة عبد الْغَنِيّ فمتروك، كَمَا قَالَه البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: ذهب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير حتَّى إِذا سَمعهَا الْمُبْتَدِئ شهد لَهَا بِالْوَضْعِ.
قُلْتُ: ووراء هَذَا كُله عِلّة أُخْرَى وَهِي الِانْقِطَاع، فَإِن مُعَاوِيَة بن قُرَّة لم يدْرك ابْن عمر.
قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ:(عبد الرَّحِيم) بن زيد مَتْرُوك الحَدِيث، وَزيد الْعمي ضَعِيف الحَدِيث، وَلَا يَصح هَذَا الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وسُئل أَبُو زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث أَيْضا فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي حَدِيث واهٍ، وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة لم يلْحق ابْن عمر.
قُلْتُ لأبي: فإنَّ الرّبيع بن سُلَيْمَان حَدَّثَنَا بِهَذَا الحَدِيث عَن أَسد بن مُوسَى، عَن سَلام بن سليم، عَن زيد بن أسلم، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا. فَقَالَ: هُوَ سَلام الطَّوِيل وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث وَهُوَ زيد الْعمي وَهُوَ (مَتْرُوك) الحَدِيث.
وَذكر هَذَا الحَدِيث الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» مستشهدًا بِهِ وسَمَّاه مُرْسلا، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَوْصُولا من رِوَايَة أبي إِسْرَائِيل، عَن زيد الْعمي،
عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا كَمَا تقدم، وَمن حَدِيث الْمسيب بن وَاضح، عَن حَفْص بن ميسرَة، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِنَحْوِ الَّذِي قبله. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ الْمسيب عَن حَفْص، وَالْمُسَيب ضَعِيف.
(قُلْتُ: وَقد وثق أَيْضا، قَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق. وَقَالَ (ابْن) عدي: كَانَ النَّسَائِيّ حسن الرَّأْي فِيهِ، وَهُوَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه.
لَا جرم) قَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» : هَذِه الطَّرِيق أحسن طرق الحَدِيث. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث نظر.
وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه «مرج الْبَحْرين» : انْفَرد بِهِ زيد بن الْحوَاري، وَهُوَ حَدِيث لَا يَصح أصلا.
قُلْتُ: لم ينْفَرد (بِهِ) ، بل تَابعه مسعر بن كدام كَمَا تقدم.
قُلْتُ: وَلِلْحَدِيثِ طَريقَة أُخْرَى، رَوَاهَا ابْن مَاجَه عَن جَعْفَر بن مُسَافر، نَا إِسْمَاعِيل بن قعنب (أَبُو) بشر، نَا عبد الله بن عَرَادَة
الشَّيْبَانِيّ، عَن زيد بن الْحوَاري، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن عبيد (بن) عُمَيْر، عَن أبي بن كَعْب رضي الله عنه «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ مرّة مرّة فَقَالَ: هَذَا وظيفةُ الوضُوءِ - أَو قَالَ: وضُوءٌ مَنْ لمْ يَتَوَضَّأه لمْ يقبل اللهُ لَهُ صَلَاةً - ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ ثمَّ قَالَ: هَذَا وضُوءٌ مَنْ (تَوَضَّأه) أَعْطَاه اللهُ كِفْلَينِ مِنَ الأَجْرِ، ثمَّ تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا وضُوئِي ووضُوءُ المُرْسَلِين قَبْلي» .
وَهَذِه الطَّرِيقَة لَا شكّ فِي اتصالها لَكِنَّهَا ضَعِيفَة لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: زيد بن الْحوَاري وَقد تقدم.
وَالثَّانِي: عبد الله بن عَرَادَة وَهُوَ واه، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ (يقلب) الْأَخْبَار، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» بعد أَن سَاق هَذَا الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ: هَذَا الحَدِيث فِيهِ نظر، وَعبد الله بن عَرَادَة يُخَالف فِي حَدِيثه (ويهم كثيرا) .
فتلخص أَن هَذَا الحَدِيث من جَمِيع طرقه لَا يَصح.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه «معرفَة السّنَن والْآثَار» : هَذَا الحَدِيث رُوِيَ
من أوجه كلهَا ضَعِيفَة.
وَقَالَ فِي «السّنَن الْكَبِير» : هَذَا الحَدِيث - يَعْنِي الأول - رَوَاهُ عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي [عَن أَبِيه] وَخَالَفَهُمَا غَيرهمَا، وَلَيْسوا فِي الرِّوَايَة بأقوياء.
وَقَالَ فِي «خلافياته» : هَذَا حَدِيث غير ثَابت فَإِن زيد الْعمي لَيْسَ بِقَوي.
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي: هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الإِسناد لايعرف إلَاّ من جِهَة ابْن الْحوَاري وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث. قَالَ: وَقد رُوِيَ من أوجه عَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة وَكلهَا ضَعِيفَة، قَالَ: وَحَدِيث ابْن عمر فِي الْبَاب نَحْو حَدِيث أبي وَلَيْسَ فِي حَدِيثهمَا: «ووضوء خليلي إِبْرَاهِيم» .
وَاعْترض النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» عَلَى الْحَازِمِي فِي قَوْله: لَيْسَ فِي حَدِيثهمَا «ووضوء خليلي إِبْرَاهِيم» . فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيح، بل ذَلِكَ مَوْجُود فِي حَدِيث ابْن عمر، رَوَاهُ أَبُو يعْلى الْموصِلِي فِي «مُسْنده» . كَذَلِك رَأَيْته فِيهِ
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الإِمام الشَّافِعِي رحمه الله.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «معرفَة السّنَن والْآثَار» : قَالَ الشَّافِعِي فِي (رِوَايَة) حَرْمَلَة، وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم «أَنه تَوَضَّأ مرّة مرّة ثمَّ قَالَ:
هَذَا وضُوءٌ لَا يقبل اللهُ الصَّلَاةَ إِلَاّ بِهِ. ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ ثمَّ قَالَ: مَنْ تَوضَّأَ مَرَّتَين آتاهُ اللهُ أَجْرَهُ مَرَّتين ثمَّ تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا وضُوئِي ووضُوءُ الأنبياءِ قَبْلي، ووضُوءُ خلِيلِي إِبْرَاهيمَ» .
هَذَا لفظ رِوَايَة الشَّافِعِي.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب (فِي «تلخيصه» ) لَكِن قَالَ: «خَلِيل الله إِبْرَاهِيم» . وَهَذَا لَفظه: عَن ابْن عمر، قَالَ:«تَوَضَّأ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مرّة مرّة فَقَالَ: هَذَا الوضُوءُ (الذِي) لَا يقبل الله الصَّلَاة إِلَاّ بِهِ. ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ فَقَالَ: هَذَا القصدُ مِنَ الوضُوءِ. ثمَّ تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا وضُوئِي ووضُوءُ (خليلِ اللهِ) إبراهيمَ، ووضُوءُ الْأَنْبِيَاء قَبْلِي، وهوَ وَظِيفَة الوضُوءِ، فَمَنْ تَوَضَّأَ وضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَن لَا إِلَه إلَاّ الله وأَشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورَسُولُهُ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة يَدْخُل مِنْ أَيها شَاءَ» .
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» بِلَفْظ: «ووضُوءُ خَلِيلِ اللهِ إِبْرَاهِيمَ» ، كَمَا تقدم فِي الطَّرِيق الأول.
فصحَّ حينئذٍ رِوَايَة المُصَنّف لهَذَا الحَدِيث بِهَذِهِ اللَّفْظَة.
وَلِلْحَدِيثِ أَيْضا طَريقَة ثَالِثَة:
قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث يَحْيَى بن مَيْمُون، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم «فِي صفة الْوضُوء مرّة مرّة، فَقَالَ: (هَذَا الذِي افْتَرَضَ اللهُ عَلَيكُمْ. ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ، ثمَّ قَالَ: مَنْ ضَعَّفَ ضَعَّفَ اللهُ لَهُ. ثمَّ أَعَادَهُ ثَلَاثًا فَقَالَ:
هَذَا وضُوءنَا مَعْشَر الأَنْبَيَاء» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر واهٍ ضَعِيف.
ورابعة: عَن عَلّي بن الْحسن السَّامِي، ثَنَا مَالك، عَن ربيعَة، عَن ابْن الْمسيب، عَن زيد بن ثَابت وَأبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم «أَنه دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ مرّة مرّة فَقَالَ: هَذَا الذِي لَا يَقْبِل اللهُ العَمَلَ إِلَاّ بِهِ. وَتَوَضَّأ مرَّتَيْنِ فَقَالَ: هَذَا يُضَاعِفُ الأَجْرَ. وَتَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا وضُوئِي ووضُوءُ الأنبياءِ قَبْلي» .
رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كتاب «أَسمَاء الروَاة عَن مَالك» بِإِسْنَادِهِ كَذَلِك، ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ عَن مَالك عَلّي بن الْحسن السَّامِي وَغَيره أوثق مِنْهُ.
وَله طَريقَة خَامِسَة: ذكرهَا الْحَافِظ أَبُو عَلّي بن السكن فِي كِتَابه الْمُسَمَّى ب «السّنَن الصِّحَاح المأثورة» ، عَن أنس قَالَ:«دَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِوضُوء فَغسل وَجهه (مرّة) وَيَديه مرّة وَرجلَيْهِ مرّة مرّة وَقَالَ: هَذَا وضُوء من لَا يَقْبَل اللهُ منهُ غَيره. ثمَّ مكث سَاعَة ودعا بِوضُوء فَغسل وَجهه وَيَديه (وَرجلَيْهِ) مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ ثمَّ قَالَ: هَذَا وضُوءُ مَنْ يُضَاعِفُ اللهُ لَهُ الأَجْرَ. ثمَّ مكث سَاعَة ثمَّ دَعَا بِوضُوء فَغسل وَجهه ثَلَاثًا وَيَديه ثَلَاثًا وَرجلَيْهِ ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: هَذَا وضُوءُ نَبِيكُمْ ووضُوءُ النَّبيين (قَبْلنا) - أَو قَالَ: هَذَا وضُوءُ النَّبِيين قَبْلي» .
وَكَذَا ذكره بِإِسْقَاط مسح الرَّأْس فِي الْكل.
وَاعْلَم أَنه يُغني عَن (كل) هَذَا الحَدِيث فِي الدّلَالَة أَحَادِيث صَحِيحَة:
أَحدهَا: عَن عُثْمَان رضي الله عنه «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» . رَوَاهُ مُسلم.
وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «أَن عُثْمَان تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ لأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: هَل رَأَيْتُمْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فعل هَذَا؟ قَالُوا: نعم» .
الثَّانِي: عَن عَلّي - كرَّم الله وَجهه - قَالَ: «تَوَضَّأ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا ثَلَاثًا» .
رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: إِنَّه أحسن شَيْء فِي الْبَاب وَأَصَح.
وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» بِإِسْنَاد صَحِيح عَن شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: «رَأَيْت عُثْمَان وعليًّا يتوضآن ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ويقولان: هَكَذَا وضوء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم» .
الثَّالِث: عَن ابْن عمر رضي الله عنه (أَنه تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) وَرفع ذَلِكَ (إِلَى) رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِسَنَد صَحِيح.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد حسن، وَفِيه الْوَلِيد بن مُسلم وَهُوَ
مُدَلّس لكنه صرح بِالتَّحْدِيثِ.
الرَّابِع: عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» .
رَوَاهُ الْبَزَّار وَقَالَ: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن أبي هُرَيْرَة بِأَحْسَن من هَذَا الإِسناد. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : إِسْنَاده جيد.
قُلْتُ: وَصَححهُ ابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي «تهذيبه» .
وَفِي الْبَاب غير ذَلِكَ من الْأَحَادِيث، كَحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب الْآتِي بعد هَذَا.
فَائِدَة (مهمة) : وَهِي: هَل فعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَذَا الْوضُوء فِي مجْلِس وَاحِد أَو مجَالِس؟
وليعلم أَن النَّوَوِيّ رحمه الله نقل فِي «شرح الْمُهَذّب» عَن القَاضِي حُسَيْن أَنه حَكَى فِي تَعْلِيقه فِي ذَلِكَ خلافًا لِأَصْحَابِنَا، فَمنهمْ من قَالَ: كَانَ ذَلِكَ فِي مجَالِس؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ ذَلِكَ فِي مجْلِس لصار غسل كل عُضْو سِتّ مَرَّات، وَذَلِكَ مَكْرُوه. وَمِنْهُم من قَالَ: كَانَ ذَلِكَ فِي مجْلِس وَاحِد، واغتفر ذَلِكَ لأجل التَّعْلِيم. وَرجح الرَّوْيَانِيّ من أَصْحَابنَا فِي «الْبَحْر» كَونه فِي (مجْلِس) .
قَالَ النَّوَوِيّ رحمه الله: الظَّاهِر أَن هَذَا الْخلاف لم (ينقلوه) عَن رِوَايَة، بل قَالُوهُ بِالِاجْتِهَادِ.
وَظَاهر رِوَايَة ابْن مَاجَه وَغَيره أَنه كَانَ فِي مجْلِس وَاحِد.