الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد بعلم المعاني، وما يعنى به
وعادة ما يبدأ البلاغيون الحديث عن البلاغة بعلم المعاني، فما المراد به إذن؟
علم المعاني: هو علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال، واللفظ هنا يشمل: المفرد والمركب، والمراد بأحوال اللفظ هنا ما يشمل أحوال الجملة وأحوال أجزائها، فأحوال الجملة: كالفصل والوصل والقصر والإيجاز والإطناب والمساواة، وأحوال أجزائها كأحوال المسند إليه، والمسند ومتعلقات الفعل، وهي الأمور التي تعرض لها من التقديم والتأخير والحذف والذكر والتعريف والتنكير والإظهار والإضمار وغير ذلك من الخصائص والاعتبارات التي يقتضيها الحال، ويدعو إليها المقام؛ لتتحقق مطابقة الكلام لمقتضى الحال. وقد حصر البلاغيون مباحث علم المعاني في ثمانية أبواب هي:
1 -
أحوال الإسناد الخبري.
2 -
أحوال المسند إليه.
3 -
أحوال المسند.
4 -
أحوال متعلقات الفعل.
5 -
القصر.
6 -
الإنشاء.
7 -
الفصل والوصل.
8 -
الإيجاز والإطناب والمساواة.
وجه انحصار علم المعاني في هذه المباحث الثمانية أن الكلام قسمان: خبر وإنشاء، ذلك أن الكلام إما أن يكون له واقع خارجي تطابقه أو لا تطابقه، أو لا، فالخبر هو ما يحتمل الصدق والكذب لذاته؛ لأن له نسبة خارجية في الواقع إن طابقت كلام المتكلم كان الخبر صادقًا، وإن لم تطابقه كان الخبر كاذبًا مثل قولك مثلًا: سافر محمد. والعلم النافع. والأرض تدور حول الشمس. أما الإنشاء فهو ما لا يحتمل الصدق والكذب لذاته؛ إذ ليست له نسبة خارجية تطابقه أو لا تطابقه، كالأمر في قولك مثلًا: اكتب الدرس. فالأمر بالكتابة ليست له حقيقة ثابتة في الخارج؛ أي الواقع؛ لأنه يستدعي مطلوبًا غير حاصل وقت الطلب، فلا يحتمل أن يقال لقائله: صدقت أو كذبت، ومثله بقية أنواع الطلب: كالنهي والاستفهام والتمني والنداء. والخبر لا بد له من: إسناد ومسند إليه ومسند، والمسند قد يكون له متعلقات إذا كان فعلًا أو في معنى الفعل، كاسم الفاعل واسم المفعول والمصدر ونحو ذلك. فأحوال هذه الأربعة هي الأبواب الأربعة الأولى في علم المعاني.
ثم إن الإسناد قد يكون بقصر أو بغير قصر، فهذا هو الباب الخامس في القصر، والإنشاء هو الباب السادس، ثم الجملة إذا قورنت بأخرى فالثانية إما أن تكون معطوفة على الأولى أو غير معطوفة، وهذا هو الباب السابع في الفصل والوصل، ولفظ الكلام البليغ إما زائد على أصل المراد لفائدة أو غير زائد عليه، وهذا هو الباب الثامن. ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن كثيرًا من أحوال اللفظ العربي يُبحث عنها في علم النحو، كالذكر والحذف والتقديم والتأخير والتعريف والتنكير، فما الفرق إذن بين تناول النحاة لمثل هذا، وتناول البلاغيين؟ هناك فرق بين طبيعة البحث بالطبع
في علم المعاني، وطبيعة البحث في علم النحو. فالبحث النحوي بحث تحليلي، يسعى للكشف عن الوظائف، والبحث البلاغي -وخاصة في علم المعاني- بحث تركيبي يسعى إلى إيضاح الدلالات والكشف عن خصوصيات التراكيب، فعلم النحو يبحث هذه الأحوال من حيث الصحة والفساد، أما علم المعاني فيبحث في سر بلاغتها ومطابقتها لمقتضى الحال.
وإذا تأملنا في تعريف علم المعاني السابق، فإننا نلاحظ الشبه القوي بينه وبين تعريف البلاغة التي عرفناه آنفًا، فالبلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته، ومع ذلك انفرد علم واحد من علومها، وهو المعاني بالبحث في هذه المطابقة، فهل تقتصر المطابقة بمقتضى الحال على تلك المباحث الثمانية، التي حصروا فيها علم المعاني؟ أم أنها تتعدى إلى علم البيان والبديع؟ هذا أمر يحتاج إلى إعادة نظر، والصواب في ذلك أن علوم البلاغة الثلاثة تقوم بصفة أساسية على تحقيق مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وليس علم المعاني وحده، فالمطابقة مطلوبة في كل فن من فنون البلاغة بين اللفظ والمعنى، والتركيب والغرض الذي يصاغ له، ومطابقة ذلك كله لعقول السامعين ونفسياتهم، وبدون هذه المطابقة يفقد الكلام بلاغته وتأثيره في نفوس السامعين.
ومثل هذه التراكيب ذات الخصائص المستحسنة لا تصدر إلا عن متكلم بليغ يخاطب إنسانًا ذا فهم سليم وذوق رفيع؛ ولذلك يقول سعد الدين التفتازاني في (المطول): "ومما يتم به أمر البلاغة، ويظهر كون كل من المتكلم والسامع كامل المعرفة بجهات حسن الكلام ولطائف اعتباراته، وعندئذ يحدث الأثر المطلوب للكلام البليغ، فيصل إلى أعماق النفوس، ويقنع العقول، ويمتع العواطف بما يحمل من معان جليلة، وصور ساحرة ذات تأثير خلاب". فلا يكفي أن يكون