الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس التاسع
(تابع: تعريف المسند إليه)
تعريف المسند إليه بالاسم الموصول
الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلامًا على سيد خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، ومَن سلك طريقه إلى يوم الدين؛ وبعد:
فنستكمل الحديث عن تعريف المسند إليه بباقي أنواع المعارف التعريف بالموصولية، وبالاسم المقترن بأل، وبالإضافة لكل واحد مما سبق ذكره من سائر أنواع المعارف، ونبدأ بأسرار ووجوه تعريف المسند إليه بالموصولية.
يؤتى المسند إليه اسم الموصول بأسرار يقصدها المتكلم منها عدم علم المخاطب بالأحوال المختصة بالمسند إليه سوى الصلة، والمراد باختصاص الأحوال بالمسند إليه عدم عمومها لغالب الناس لا عدم وجودها في غيره.
هذا؛ ومعلوم أن الموصول اسم يعين مسماه بواسطة جملة تأتي بعده تسمى بجملة الصلة، وقد يكون المخاطب لا يعلم شيئًا عن ذات المسند إليه سوى مضمون هذه الجملة؛ لذا يعمد المتكلم في هذا المقام إلى التعبير عن ذات المسند إليه باسم الموصول فيتعين بواسطة الصلة لدى المخاطب، ويتسنى بتعريفه بالموصولية للمتكلم والإخبار عنه والحكم عليه، كأن ترى عند أحد أصدقائك رجلًا لا عهد له به من قبل فت ق ول له في الغد: الذي كان عندك أمس رجل عالم، أو لا عهد لك أنت به من قبل، حيث لا تعرف عنه سوى مضمون الصلة، فتورده معرفًا بالموصولية حتى تتمكن من الإخبار عنه أو الحكم عليه.
ثاني الوجوه للتعبير عن المسند إليه باسم الموصول: استهجان التصريح بالاسم الدال على المسند إليه بأن كان مشعرًا بما تقع نفرة النفس منه أو قبح التلفظ به؛ لذا يعمد المتكلم إلى تعريف المسند إليه بالموصولية؛ دفعًا لقبح التلفظ باسمه، ونفور النفس من سماعه، مثل قولهم: الذي يخرج من السبيلين ناقض للوضوء، والخارج هو البول والغائط، وغيرهم، فمن هنا عبروا باسم الموصول؛ تحاشيًا للنطق بما يقبح التلفظ به، وتجنبًا لإسماع المخاطب ما تشمئز منه نفسه وتأباه أذنه.
ومن تعريف المسند إليه بالموصولية استهجانًا لذكر اسمه قول حسان بن ثابت رضي الله عنه يخاطب أم المؤمنين رضي الله عنها ويبرئ نفسه مما نُسِبَ إليه في حديث الإفك:
فإن الذي قد قيل ليس بلائط
…
ولكنه قول امرئ بي ماحل
ومعنى ليس بلائط؛ أي: ليس بلازم ولا لاحق، ومعنى الماحل الذي يمشي بالنميمة، حيث استهجن حسان أن يذكر اتهام عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك فعبر عنه باسم الموصول مشيرًا بما تضمنته الصلة من فعل القول المبني للمجهول، وقد قيل: أن هذا الاتهام قول ساقط لا يصدر مثله عن عاقل، كما أشار بالتعبير بالزعم في بيت آخر؛ لأن هذا القول كذب وافتراء، وذلك في قوله:
فإن كنتُ قد قلت الذي زعمتم
…
فلا رفعت صوتي إلي أناملي
ومن دواعي تعريف المسند إليه بالموصولية: زيادة تقرير الغرض المسوق له الكلام، كما في قوله تعالى:{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} (يوسف: 23) فالغرض المسوق له الكلام هو تقرير نزاهة سيدنا يوسف عليه السلام وعِفته، والتعبير باسم الموصول أدل على هذا الغرض مما لو قال: وراودته زُليخا أو امرأة العزيز؛ لأن هذا التقدير الأخير يقرر الغرض فقط ولا يزيده تأكيدًا، بينما اشتملت الصلة المعبر عنها بالموصول على ما تفيده هذه الزيادة في التقرير؛ لأنه في بيتها وتمكن من أداء ما طلبت منه، حيث هيأت له كل أسباب التمكن ومع ذلك عف وامتنع، فكان ذلك غاية في نزاهته عن الفحشاء.
ومن منطلق قول البلاغيين: النكات البلاغية لا تتزاحم، يمكننا أن نقول للتعريف بالموصولية هنا سر ثاني يتمثل في التقرير للمسند الذي هو المراودة، وأنها وقعت منها لا محالة؛ لأن وجوده عليه السلام في بيتها مع ما لها من سعة السلطان وقوة النفوذ ومع فرط الاختلاط والألفة، دال على وقوع المراودة وصدور الاحتيال منها.
ويصح أن يكون لتعريف المسند إليه بالموصولية سر بلاغي آخر، وتقرير المسند إليه نفسه الذي هو امرأة العزيز المعبر عنه في الآية باسم الموصول التي، وأنها هي بذاتها التي راودته لا امراة أخرى؛ إذ لو قيل: وراودته زليخا، لم يعلم يقينًا أنها المرأة التي هو في بيتها بخلاف التعبير بالموصول، فإنه لا احتمال فيه؛ لأنه معلوم من الخارج أن التي هو في بيتها إنما هي زليخا امرأة العزيز لا غير.
هذا؛ ويصح أن يكون الغرض للتعبير بالموصول أيضًا استهجان التصريح بالاسم إما لأن العادة جرت على استهجان التصريح بأسماء النساء، وإما لشناعة الفعل المنسوب إليها؛ لأن مَن تقبل على فعل الفاحشة تنفر منها النفوس السليمة، وتأبَى نسبتها إلى زوجها، لا سيما مع كونه من ذوي المكانة والخطر في المجتمع.
ومن الأغراض البلاغية التي تقتضي تعريف المسند إليه بالموصولية: التفخيم والتهويل؛ فإن قصد تفخيم المسند إليه وتهويل أمره يمكن أن يُفاد من الموصولية؛ لما في بعض أسماء الموصول من إبهام وغموض يشعر بالتفخيم والتهويل؛ كما في قول الله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} (طه: 78) أي: غمرهم ماء غزير لا يدركه وهم ولا يحده وصف. وكقوله سبحانه: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} (النجم: 16) أي: يغشاها أمور عظيمة الله وحده بها عليم.
ومن أجل تحقيق هذا المعنى عبر في الآيتين بـ"ما" الموصولية؛ لأن في إبهامها تفخيمًا وتهويلًا لا يفي به التصريح فيما لو قيل: غشيهم من اليم مقدار كذا، أو إذ يغشى السدرة أشياء كثيرة مثل كذا؛ لأن في الموصول إشارةً إلى أن تفصيل المسند إليه وبيانه مما لا تفي به عبارة ولا يحيط به عقل مخلوق، ولله در الإمام الزمخشري حين قال معقبًا على قول الله تعالى:{إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}
وذلك في (الكشاف): وقد علم بهذه العبارة أن ما يغشاها من الخلائق الدالة على عظمة الله وجلاله أشياء لا يكتنهها النعت ولا يحيط بها الوصف.
ومن دواعي تعريف المسند إليه بالموصولية أيضًا: تنبيه المخاطب على خطأ وقع منه أو من غيره، وذلك إذا كانت الصلة ما يشعر بهذا الخطأ، فإذا أراد المتكلم تنبيه المخاطب إلى خطئه أتى بالمسند إليه اسمًا موصولًا؛ تحقيقًا لهذه النكتة البلاغية مثل قول عبدة بن الطيب من قصيدة يعظ فيها بنيه:
إن الذين ترونهم إخوانكم
…
يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا
فهنا ينبه الشاعر إلى خطئهم في ظنهم أن هؤلاء الناس إخوان وأصدقاء وهم في الحقيقة مخدوعون فيهم؛ لأن صدورهم تغلي حقدًا عليهم ولا يشفيها إلا أن تصيبهم أحداث الدهر بالنكبات والرزايا والهلاك، ولو صرَّح الشاعر بأسماء هؤلاء الأعداء لبنيه بالموصول لَمَا أفاد التعبير به من تنبيههم إلى خطئهم، ومما أفاد هذا الغرض في آي الذكر الحكيم قول الله تبارك وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} (الأعراف: 194) فإنك إذا تأملتَ تجد أن جملة الصلة: {تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} تفيد تنبيه المشركين إلى خطئهم في عبادتهم غير الله تعالى.
هذا؛ وكما يعرف المسند إليه بالموصولية لتنبيه المخاطب على خطأ وقع منه، يعرف كذلك بالموصولية لتنبيه المخاطب على خطأ وقع من غيره، مثل قول الشاعر:
إن التي زعمتْ فؤادك مَن لها
…
خلقت هواك كما خلقت هوًى بها
ففي التعبير بالموصول تنبيه على خطئها في زعمها أن قلبه زهَدَ فيها، كما أن فيه إيماءً إلى أن الخبر من نوع المحبة والوفاء.
ومن أسباب تعريف المسند إليه بالموصولية: تشويق المخاطب إلى الخبر ليتمكن في ذهنه فضلَ تمكنٍ، وذلك حيث يكون مضمون الصلة أمرًا غريبًا؛ كما في قول أبي العلاء المعري:
والذي حارت البرية فيه
…
حيوان مستحدَث من جماد
فقد عبر عن المسند إليه باسم الموصول بقصد تشويق المخاطب إلى الخبر؛ لما في مضمون الصلة من ذلك الأمر الغريب، وهو إيقاع البرية كلها في حَيرْة وارتباك؛ فإن مثل هذا الأمر الغريب مما يشوق النفس إلى أن تعرف ذلك الذي أوقع البرية كلها في هذه الحيرة، ومثل قول ك: الذي يصيد الأسود في مرابضها فلان، والذي يصيد الأفاعي في أوكارها فلان؛ وأشباه ذلك مما تضمن أمرًا غريبًا لا يقره الإلف والعادة.
ومن الأغراض البلاغية بتعريف المسند إليه والموصولية: أن يقصد المتكلم إخفاء الأمر المتحدث عنه عن غير المخاطب، مثل قول الشاعر:
وأخذت ما جاد الأمير به
…
وقضيت حاجاتي كما أهوى
وقد يقصد إخفاء اسم المتحدث عنه؛ رغبةً في هدايته واستمالة له، نحو: الحق والهدى؛ كما في قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} (البقرة: 204) قوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} (الحج: 8) وقوله تبارك وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} (لقمان: 6).
ومن دواعي تعريف المسند إليه بالموصولية أيضًا قصد الإيماء إلى وجه بناء الخبر؛ أي: الإشارة إلى نوع الخبر المراد إسناده إلى المسند إليه المعبر عنه باسم الموصول، من حيث كونه مدحًا أو ذمًّا أو نجاحًا أو إخفاقًا أو ثوابًا أو عقابًا، فإن المتكلم في بعض المقامات قد يقصد إشعارَ السامع بنوع الخبر قبل النطق به فيقتضيه هذا القصد أن يعرف المسند إليه بالموصولية؛ ليتحقق له الإيماء إلى نوع الخبر؛ نظرًا لما يكون في الصلة من مناسبة للخبر، تشعر بنوعه وطريق إسناده إلى الموصول قبل النطق به؛ كما في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} (الكهف: 107) ففي مدلول الصلة وهو الإيمان والعمل الصالح ما يشير إلى أن الخبر المحكوم به من نوع الإثابة والإمتاع. وكقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر: 60) وفي مضمون الصلة أيضًا وهو الاستكبار عن العبادة إيماء وإشارة إلى أن الخبر المترتب عليه من جنس الإذلال والعقوبة.
ومن ذلك قولهم: إن من يصبر ويتأنَّى ينال ما يتمنى، ومن يستمرئ مرعى الكسل يجانبه الأمل، ففي الأمل إيماء إلى أن الخبر من نوع الفوز والنجاح، وفي الثاني إشارة إلى أن الخبر من جنس الإخفاق والحرمان.
وهكذا يؤتَى بالمسند إليه معرفًا بالموصولية للإشارة إلى نوع الخبر المراد إسناده إليه أو الحكم به عليه، فيفطن المخاطب من فاتحة الكلام إلى ما تدل عليه خاتمته، والمرجع في ذلك إلى الذوق السليم.
هذا؛ وقد يكون الإيماء إلى نوع الخبر مقصودًا لذاته -كما سبق - وقد لا يكون مقصودًا لذاته، بل المقصود جعله وسيلة وواسطة لغرض آخر وهو التعريض بتعظيم شأن الخبر، أو التعريض بإهانته، أو التعريض بتعظيم شأن غير الخبر، أو التعريض بإهانة وتحقير غير الخبر.
قول الفرزدق يفتخر على جرير:
إن الذي سمك السماء بنَى لنا
…
بيتًا دعائمه أعز وأطول
أي: إن الذي رفع السماء ذلك البناء الضخم بنى لنا مجدًا وشرفًا لا يطاولهما شيء، والشاهد هو تعريف المسند إليه بالموصولية في قوله: الذي سمك السماء، فإن في الموصول إشارةً إلى أن الخبر المبني عليه من جنس الرفعة والبناء، ولكن هذه الإشارة وهذا الإيماءُ إلى نوع الخبر ليس مقصود الشاعر، وإنما هدفه التعريض بتعظيم بيته وتفخيمه من حيث إ ن بانيه هو ذلك الذي رفع السماء.
ومثال ما فيه تعريض بالتهوين من شأن الخبر قولك مثلًا: إن الذي لا يحسن الفقه صنَّف فيه، في الموصول إشارة إلى أن الخبر من جنس التأليف لكن ليس هذا هو الغرض الأساسي، وإنما المقصود هو التوسل بهذه الإشارة إلى التعريض بتحقير الخبر؛ وهو أن ما ألفه وصنفه في الفقه.
ومثال ما فيه تعريض بتعظيم شأن غير الخبر قوله تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ} (الأعراف: 92) ففي التعبير عن المسند إليه باسم الموصول إشارة إلى نوع الخبر، وأنه من جنس الخسران، وذلك أن شعيبًا نبي تكذيبه يؤدي إلى الخيبة والخسران، لكن هذا الإيماء إلى نوع الخبر ليس مقصودًا لذاته، بل هو وسيلة إلى التعريض بتعظيم شأن غيره، وهو شعيب عليه السلام لأن تكذيبه هو سبب خسرانه، ولفظ شعيب واقع في سياق الصلة لا في سياق الخبر، ف التعريض إذن لتعظيم شأن غير الخبر.
ومثال ما فيه تعريض بتحقير غير الخبر قولهم: إن الذي يتبع الشيطان خاسر، ففي الصلة إيماء إلى أن الخبر من نوع الخسران والبَوار؛ لأن الشيطان ضال مضل فاتباعه ضرب من الخسران والضلال والهلاك، غير أن الغرض التعريض بتحقير
شأن الشيطان من حيث إن اتباعه يؤدي إلى هذا المصير البغيض، ولفظ الشيطان وقع كذلك في جملة الصلة لا في جملة الخبر، والتعريض حينئذٍ بالتهوين والتحقير من شأن غير الخبر.
والذي يتأمل كلام السكاكي قد نقله عنه القزويني يرى أن الإيماء إلى نوع الخبر الذي هو أحد أغراض تعريف المسند إليه بالموصولية قد يكون ذريعةً ووسيلةً إلى تحقيقه وتقريره، وذلك إنما يكون حيث تكون الصلة كالسبب للخبر أو كالدليل على ثبوته كما في قول الشاعر يشكو ويتوجع من جفاء حبيبه:
إن التي ضربت بيتًا مهاجرة
…
بكوفة الجند غالت ودها غول
غالت يعني: أكلت، يقول: إن التي نزعت إلى الكوفة واتخذت بها موطن إقامة دائمة، وانحلت عُرى العلاقة بيني وبينها، ففي الموصول إيماء إلى وجه بناء الخبر، وأنه من نوع زوال المحبة وانقطاع المودة والجفاء من جانبها هي، كما يدل على ذلك قوله بعد هذا البيت معزيًا ومسليًا نفسه؛ حتى يهون عليها تشبثه بحبها، حيث قال:
فعدِّ عنها ولا تشغلك عن عمل
…
إن الصبابة بعد الشيب تضليلٌ
لأنها هي التي هجرت الوطن، والإنسان لا يهجر وطنه إلى غيره عادة إلا إذا كان كارهًا لأهله راغبًا عنهم، ومع ما في الموصول من هذه الإشارة إلى نوع الخبر هو كالدليل على تحقيق هذا الجفاء وتقريره، فالإيماء هنا وسيلة إلى تحقيق الخبر عند السكاكي.
من هنا ندرك أن هناك فرقًا واضحًا بين الإيماء إلى وجه بناء الخبر وتحقيق الخبر؛ فالإيماء إشعار بالخبر ودلالة عليه، أما تحقيق الخبر فمعناه ثبوته وتقريرُه في الواقع، فهذا غير ذاك، وقد يجتمعان كما في البيت: إن التي ضربت بيتًا مهاجرة، وقد ينفرد الإيماء كما في بيت الفرزدق: إن الذي سمك السماء بنى لنا،؛ لأن الإيماء إلى الخبر أعم من تحقيقه وإفادة الجزم به.