المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بقية أدوات الاستفهام - البلاغة ٢ - المعاني - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 فوائد علم البلاغة، ووجه الحاجة إلى دراستها

- ‌فوائد علم البلاغة، وبيان وجه الحاجة إلى دراسته

- ‌أشهر رجال البلاغة الذين ألفوا فيها

- ‌تعريف الفصاحة وشروطها وعلاقتها بالبلاغة

- ‌الدرس: 2 الفصاحة والبلاغة

- ‌معنى الفصاحة والبلاغة

- ‌العيوب المخلة بفصاحة الكلمة

- ‌فصاحة الكلام

- ‌فصاحة المتكلم

- ‌الدرس: 3 ما يعنيه مصطلح البلاغة - علم المعاني "أحوال الإسناد الخبري

- ‌ما يعنيه مصطلح البلاغة، سواء وقعت وصفًا للكلام أو المتكلم

- ‌مراتب البلاغة، وأهمية تربية الملكة على التكلم بالكلام البليغ

- ‌المراد بعلم المعاني، وما يعنى به

- ‌أحوال الإسناد الخبري

- ‌الدرس: 4 تابع: أحوال الإسناد الخبري

- ‌أضرب الخبر

- ‌مراعاة حال المتكلم

- ‌التجوز في الإسناد

- ‌الدرس: 5 الحقيقة العقلية والمجاز العقلي

- ‌تعريف الحقيقة العقلية

- ‌المجاز العقلي وعلاقاته

- ‌الدرس: 6 تابع المجاز العقلي وبلاغته

- ‌قرينة المجاز العقلي

- ‌بلاغة المجاز العقلي

- ‌الدرس: 7 أحوال المسند إليه: الحذف، والذكر

- ‌حذف المسند إليه

- ‌ذكر المسند إليه

- ‌الدرس: 8 تعريف المسند إليه

- ‌تعريف المسند إليه بالإضمار

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية

- ‌تعريف المسند إليه باسم الإشارة

- ‌الدرس: 9 تابع: تعريف المسند إليه

- ‌تعريف المسند إليه بالاسم الموصول

- ‌تعريف المسند إليه بـ"أل

- ‌تعريف المسند إليه بإضافته إلى أحد المعارف السابقة

- ‌الدرس: 10 تنكير المسند إليه، ووصفه بأحد التوابع

- ‌(تنكير المسند إليه

- ‌توابع المسند إليه

- ‌الدرس: 11 تقديم المسند إليه، ومذاهبه

- ‌(تقديم المسند إليه

- ‌المذاهب في إفادة تقديم المسند إليه

- ‌الدرس: 12 أحوال المسند

- ‌أغراض حذف المسند وذكره

- ‌قرائن حذف المسند

- ‌أسباب ذكر المسند في الكلام

- ‌الدرس: 13 تابع: أحوال المسند - أحوال متعلقات الفعل

- ‌أغراض تنكير المسند

- ‌أغراض تعريف المسند

- ‌أسرار تقديم المسند

- ‌المسند المفرد والجملة، والمسند الفعل والاسم

- ‌أحوال متعلقات الفعل، والأسرار البلاغية التي تكمن وراء الصيغ والعبارات

- ‌الدرس: 14 تابع: أحوال متعلقات الفعل

- ‌أغراض حذف المفعول

- ‌تقديم المفعول على العامل

- ‌الدرس: 15 الأساليب الإنشائية

- ‌التعريف بالأسلوب الإنشائي

- ‌أقسام الأسلوب الإنشائي

- ‌أسلوب الأمر

- ‌أسلوب النهي

- ‌الدرس: 16 تابع: الأساليب الإنشائية

- ‌أسلوب الاستفهام

- ‌من أدوات الاستفهام "هل

- ‌بقية أدوات الاستفهام

- ‌أسلوب: النداء، والتمني، ووقوع الخبري موقع الإنشائي

- ‌الدرس: 17 مبحث القصر

- ‌تعريف القصر، وبيان أنواعه

- ‌أقسام القصر باعتبار طرفيه: المقصور، والمقصور عليه

- ‌الدرس: 18 تابع: مبحث القصر

- ‌العطف بـ"لا" و"بل" و"لكن

- ‌ثاني طرق القصر: النفي والاستثناء

- ‌ثالث طرق القصر الاصطلاحي "إنما

- ‌رابع طرق القصر: التقديم

- ‌من طرق القصر: تعريف المسند أو المسند إليه بـ"أل" الجنسية

- ‌الدرس: 19 باب: الفصل والوصل

- ‌باب: الوصل والفصل بين المفردات

- ‌باب: الوصل والفصل بين الجمل

- ‌الدرس: 20 تابع: باب الفصل والوصل

- ‌باقي مواضع الفصل بين الجمل

- ‌مواضع الوصل بين الجمل

- ‌الدرس: 21 مبحث: الإيجاز، والمساواة، والإطناب

- ‌الإيجاز، وأنواعه

- ‌المساواة والإطناب

- ‌صور الإطناب

الفصل: ‌بقية أدوات الاستفهام

‌بقية أدوات الاستفهام

أما بقية أدوات الاستفهام، فهي كما قلنا للتصور فقط، فيسأل بها عن معانيها، ويكون الجواب عنها بتعيين المستفهم عنه؛ ولذا لا يلتزم في بناء الجملة معها سوى الضبط العام في النظام الإعرابي لصياغة الجمل، مع مراعاة تصدر تلك الأدوات كما قلنا، فليس وراء بناء الجمل مع تلك الأدوات دقائق ينبغي مراعاتها كما هو الحال بالنسبة للهمزة وهل. فـ"من" يطلب بها تصور من يعقل أو من يعلم، كقولك: من عندك؟ من فتح بلاد الأندلس؟ فيقال في الجواب: زيد والقائد البطل طارق بن زياد، ولك أن تقول في جواب الأول: العالم الصادق، وفي جواب الثاني: القائد البطل، الذي لا تخفى على أحد بطولاته وتفانيه في نشر دين الله، أي: أن الجواب يكون إما بذكر الذات المستفهم عنها، أو بذكر الأوصاف الخاصة بالمستفهم عنه المشخِّصة له، ومن ذلك قول الله تعالى:{قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (طه: 49، 50) فقد أجاب موسى عليه السلام ببيان الصفات الخاصة برب العزة المنفرد بها سبحانه وتعالى.

وانظر إلى قوله جل وعلا: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} (الأنبياء: 59، 60) وقوله عز من قائل: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} (فصلت: 15) فواضح من الآيتين أن الجواب قد اشتمل على ذكر الذات المستفهم عنها.

ص: 382

و"ما" يستفهم بها عن غير العقلاء، ويُطلب بها بيان الذات غير العاقلة، كقوله تعالى:{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} (طه: 17، 18) وقوله: {قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} (الشعراء: 70، 71) كما يطلب بها بيان حقيقة المسمى وصفته، كقولك: ما زيد؟ فيجاب عالم أو طويل، ومنه قوله عز وجل:{مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} (الأنبياء: 52، 53) وقوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} (الشعراء: 23، 24) فالمراد بالاستفهام في الآيتين بيان حقيقة المسمى وصفته التي يُعرف بها، وقد جاء الجواب على خلاف ما يقتضي الاستفهام في الآية الأولى، وعلى خلاف ما يريد السامع ويتوقع في الآية الثانية، ويُطلب بها أيضًا إيضاح الاسم، نحو: ما العسجد؟ فيجاب: الذهب.

أما "متى" فيستفهم بها عن الزمان ماضيًا كان أو مستقبلا، كقولك: متى حضرت؟ ومتى تسافر؟ ومنه قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (النمل: 71). "أيان" يستفهم بها عن الزمان المستقبل، وتستعمل في مواضع التفخيم والتهويل، كقول الله تعالى:{يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} (الذاريات: 12). "أين" يسأل بها عن المكان، كقوله تعالى:{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} (القيامة: 7 - 10).

ص: 383

و"كيف" يُسأل بها عن الحال، كما في قوله تعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} (البقرة: 28). وأما "أنى" فتكون بمعنى كيف كقوله عز من قائل: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ} (آل عمران: 40) وبمعنى من أين كقوله: {قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا} (آل عمران: 37) وبمعنى متى كما في قوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (البقرة: 223) فأنى في الآية الكريمة تحتمل المعاني الثلاثة، أي متى شئتم وكيف شئتم ومن أين شئتم، على أن يكون الإتيان في موضع الحرث.

و"كم" يُستفهم بها عن العدد كقوله تعالى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} (الكهف: 19) ويسأل بها أيضًا عن تمييز الزمان أو المكان أو الحال أو العدد، وكذا عن تمييز العاقل وغير العاقل، فهي تكتسب معنى ما تضاف إليه، فتقول في السؤال بها عن تمييز الزمان: في أي يوم عاد البطل؟ وعن المكان: في أي مكان نلتقي؟ وعن الحال: على أي حال تركت أباك؟ وعن العدد: إلى أي عدد بلغت دراهمك؟ وعن العاقل: أي الرجلين أكبر سنًّا، وعن غير العاقل: أي جواد امتطيت؟ تلك هي معاني أدوات الاستفهام، وهي وإن كانت لا تخلو من فوائد ودقائق واعتبارات بلاغية -وبخاصة بناء الجمل مع الهمزة وهل- إلا أن جل اهتمام البلاغيين يتجه إلى المعاني البلاغية التي تفيدها أساليب الاستفهام؛ كالإنكار والتعجب والاستبعاد والتهديد والتهكم والتحقير، ونحو ذلك من مستتبعات التراكيب.

ص: 384

وإنما قلنا: من مستتبعات التراكيب؛ لأن الاستفهام قد دخلته هذه المعاني، وشابته وصار بإفادته لها استفهامًا غير محض؛ إذ التنبيه وإيقاظ المخاطب، وحثه على التأمل الذي هو لب الاستفهام؛ لا يفارقه عند إفادة تلك المعاني، التي منها الاستبطاء، كما في قول الله تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} (البقرة: 214) فالخطاب في الآية الكريمة للصحابة -رضوان الله عليهم- والمعنى: أحسبتم أن تدخلوا الجنة بلا ابتلاء وتمحيص، وقد جرت سنة الله أن يبتلي عباده! فقد ابتلى الأمم قبلكم ابتلاءً شديدًا، ومستهم البأساء والضراء حتى قال الرسول -وهو أعلم الناس بالله وأوثقهم بنصره- وقال الذين آمنوا معه لشدة ما حلّ بهم ونزل: متى نصر الله؟ فقد استطالوا مدة العذاب واستبطئوا مجيء النصر، وسر التعبير بأسلوب الاستفهام في مقام الاستبطاء هو إظهار المعاناة من طول الانتظار وجذب انتباه السامع ودعوته للمشاركة والنظر فيما نزل وحل، ولا يخفى عليك ما للسياق في الآية الكريمة من إبراز وتصوير لحال هؤلاء القائلين وما حل بهم من ابتلاء وشدة، جعلتهم يتطلعون إلى فرج الله ونصره، الذي طال انتظارهم له.

ومن ذلك أن تقول وقد اشتد الحر وأنت صائم: متى يؤذن لصلاة المغرب؟ فأنت لا تجهل موعد الأذان والإفطار، ولكنك تصور حالتك وطول انتظارك وترقبك لهذا الوقت، وتدعو المخاطب ليشاركك ما تعاني منه وتتطلع إلى تفريجه، ومثل قولك وقد طال انتظارك للقطار: متى يصل القطار! وقولك لصاحب لك تدعوه كثيرا للحضور وهو يماطل ويتأخر ولا يجيب دعوتك: كم دعوتك! فأنت تستبطئ إجابته وتحثه على مراجعة نفسه ومعرفة تقصيره وخطئه، ومن ذلك قول المتنبي:

حتى ما نحن نساري النجم في الظلم

وما سراه -أي النجم- على خف ولا قدم

ص: 385

نساري من السري وهو السير ليلا، يقول: إلى متى نسري مع النجم في الليل وهو لا يسري على خف كالإبل ولا على قدم كالناس! فهو لا يتعب مثلنا ومثل خطايانا، فالمتنبي لا يسأل عن الزمان ولكنه يستبطئ مجيء هذا اليوم الذي يصل فيه إلى هدفه ويُحقق بغيته، وقد يراد من الاستفهام معنى الاستبعاد، وهو عد الشيء بعيدًا، والفرق بينه وبين الاستبطاء أن الاستبعاد متعلقه غير متوقع، أما الاستبطاء فمتعلقه متوقع، والمستفهِم يتطلع إلى وقوعه ومجيئه، ومن الاستفهام الذي جاء مفيدًا الاستبعاد قوله تعالى:{قَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} (ق: 2، 3) فالكفرة يستبعدون البعث وينكرون وقوعه، وقد عبروا عن هذا الاستبعاد بصيغة الاستفهام التي طوي فيها البعث المستفهم عنه، والتقدير: أنُبعث إذا كنا ترابًا ذلك رجع بعيد! وكأنهم يريدون أن يظل البعث هكذا سؤالا مثارًا وتعجبًا مقامًا، يسأله كل كافر ويتعجب من وقوعه كل جاحد عنيد. ومنه قوله تعالى:{أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} (الدخان: 13، 14) إلى غير ذلك.

ومن المعاني التي يفيدها الاستفهام: التحسر والتألم، وذلك في مقام يظهر فيه المستفهم حزنه وتألمه وتحسره على ما فاته، تأمل قول حافظ إبراهيم في وصف حريق:

سائلوا الليل عنهم والنهار

كيف باتت نساؤهم والعذارى

ويتحسر ويتفجع لهؤلاء المنكوبين، الذين ساءت أحوالهم وأتى الحريق على ما يملكون من متاع ومأوى، فباتوا هم وأهلهم في العراء، وقد لجأ الشاعر إلى أسلوب الاستفهام ليُلهب الناس ويثير حميتهم لمساعدة المصاب لتبديد ما ألمّ به

ص: 386

وأصابه. ومن ذلك قول الله تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} (القيامة: 7 - 10)، فالاستفهام في الآية يفيد تحسّر الإنسان وندمه على ما فاته في الدنيا، واستبعاده الفرار في ذلك اليوم:{كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} (القيامة: 11، 12) ويأتي الاستفهام ويراد به التعجب، كما في قوله تعالى:{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} (النمل: 20) فسليمان عليه السلام كما تفقد الطير ولم يجد الهدهد تعجب كيف لا يراه وهو لا يغيب إلا بإذنه، ولذا توعده بالعذاب الشديد إذا لم يكن غيابه هذا لسبب قوي يدعو إليه:{لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} (النمل: 21).

ومثل ذلك قوله تعالى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} (هود: 72) تعجبت امرأته من بشارة الملائكة لإبراهيم عليه السلام بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، كيف تلد وهي عجوز وقد عاشت حياتها عقيمًا وهذا بعلها قد صار شيخا!! إنه لأمر عجيب، ولذلك تساءلت الملائكة متعجبة من تعجبها:{أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ} (هود: 73) وقد يأتي ويراد به التنبيه إلى ضلال كما في قوله تعالى: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} (التكوير: 26، 27) فهو تنبيه للكفرة إلى خطأ ما يقولون وضلال ما يعتقدون وباطل ما يعبدون من دون الله، ويتضح لك هذا التنبيه عندما تتأمل سياق الآيات الكريمة:{فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِي الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} (التكوير: 15 - 21) إلى آخر الآيات.

ص: 387

ويأتي الاستفهام ويفيد معنى التهويل، كما في قول الله تعالى:{الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} (الحاقة: 1 - 3)، {الْقَارِعَةِ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} (القارعة: 1 - 3) {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} (الهمزة: 4، 5) فالاستفهام في الآيات الكريمة يكشف عن أهوال يوم القيامة، ويصور ويبرز فظاعة العذاب وشدته.

ويأتي ليفيد معنى الوعد والتهديد، كقولك لمن يسيء إليك: ألم أؤدب فلانًا! تريد بذلك تهديده وتوعده حتى يقلع عن إساءته، ومنه قوله تعالى:{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ} (المرسلات: 15 - 17) ولا يخفى عليك ما يفيده الاستفهام من توعد للكفرة، وحث لهم على الإقلاع عن كفرهم والانصياع لصوت الحق حتى لا يصيبهم ما أصاب الأولين من إهلاك وتعذيب. ويأتي ويفيد الأمر والحث على الفعل، كما في قوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (هود: 14) وقوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (القمر: 17) وقوله: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ} (آل عمران: 20) وقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة: 91) وقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} (الحديد: 11) فالمراد بالاستفهام في هذه الآيات الأمر، وقد جاء في صيغة الاستفهام؛ لأن في ذلك إغراء للمخاطب وحثًا له على الاستجابة وقبول الأمر.

يأتي الاستفهام أيضًا ويراد به التقرير، بمعنى طلب الإقرار أو بمعنى التحقيق والإثبات، فمن الأول قوله تعالى: {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا

ص: 388

يَا إِبْرَاهِيمُ} (الأنبياء: 62)، ومثله قوله:{أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (المائدة: 116) فهو تقرير بما يعرفه عيسى عليه السلام من هذا الحكم، وهو أنه لم يصدر منه هذا القول، وفيه توبيخ وتبكيت لمن اتخذوه وأمه إلهين من دون الله، ومنه قوله:{أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} (الشعراء: 18) فالمراد بالاستفهام تذكير موسى عليه السلام بنشأته وتربيته فيهم، وحمله على الإقرار بذلك أملًا من فرعون في أن يُقلع ويكف عما جاء به من قِبل الله، ولكن أنى له ذلك وموسى رسول رب العالمين!!.

ومن الثاني: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} (الضحى: 6، 7){أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} (الشرح: 1، 2){أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} (الفيل: 2){هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} (الإنسان: 1) فالمراد بالاستفهام في الآيات التقرير؛ بمعنى التحقيق والإثبات، ومجيء التحقيق في صورة الاستفهام فيه تنبيه للمخاطب وحث له على تدبر الأمر وتأمله.

ويأتي الاستفهام ويراد به معنى الإنكار، وقد يكون هذا الإنكار توبيخيًّا، وقد يكون تكذيبيًّا؛ فالأول إنكار وتوبيخ على أمر قد وقع في الماضي، بمعنى: ما كان ينبغي أن يقع، أو على أمر يخشى المستفهم أن يقع في المستقبل، بمعنى: ينبغي ألا يكون، فالإنكار أو النفي في التوبيخي موجه إلى الانبغاء، والمعنى: ما كان ينبغي في الماضي وينبغي ألا يكون في المستقبل، تأمل قوله تعالى:{أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} (الكهف: 37) فالمعنى: ما كان ينبغي أن يقع هذا الكفر وقد خلقك الله وسوّاك وأنعم عليك من نعمه التي تباهي بها وتفتخر، ومثله قوله:{هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} (يوسف: 89) وقوله: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ

ص: 389

الْخَالِقِينَ} (الصافات: 125) فالاستفهام في كل ذلك للتوبيخ على أمر واقع، والمراد: ما كان ينبغي أن يقع منكم ما وقع.

والثاني: وهو الإنكار التكذيبي ويسمى بالإنكار الإبطالي، إذا كان التكذيب في الماضي وكان الاستفهام بمعنى لم يكن، وإذا كان في المستقبل كان بمعنى لن يكون، وتأمل في ذلك قول الله تعالى:{أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا} (الإسراء: 40) تجد أن الاستفهام في الآية يفيد تكذيبهم وإبطال ما قالوه، والمعنى: لم يكن من الله تعالى اصطفاء ولا اتخاذ، وقد يأتي الاستفهام بمعنى النفي، كما في قول الله تعالى:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (الرحمن: 60) والمعنى: ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، تلك حقيقة مقررة، لا يُعارض فيها عاقل، ولكن فرق بين الدلالة عليها بالاستفهام والدلالة عليها بطريق النفي المعهود؛ إن في الاستفهام تحريكًا للفكر وتنبيهًا للعقل وحثًّا على النظر والتأمل، وهذا هو الفرق بين النفي الصريح وبين النفي عن طريق الاستفهام.

انظر مثلا إلى قوله تعالى: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} (الفتح: 11) فالمعنى لا محالة: لا أحد يملك لكم من الله شيئا، ولكن الدلالة على هذا المعنى بالاستفهام فيها تنبيه لهؤلاء المخلّفين وحث لهم على تدبر أحوالهم ومراجعة أنفسهم والانقياد للحق واتباع سبيل الرشاد. وهكذا القول في الآيات الكريمة:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} (البقرة: 114)، وقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ

ص: 390

كَذِبًا} (الأنعام: 21) وقوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} (الأحقاف: 35).

وقد يأتي الاستفهام للتشويق وذلك عندما يقصد المتكلم إلى ترغيب المخاطب واستمالته، كما في الآيات الكريمة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (الصف: 10){قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ} (آل عمران: 15){هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى} (النازعات: 15، 16){هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} (النازعات: 18، 19). فلا يخفى عليك ما في الآيات الكريمة من ترغيب للمخاطب وتشويق له إلى معرفة الجواب، فهو يفكر فيه وينشغل به وينتظره في ترقب وتطلع، وعندئذ يأتي الجواب فيقع في نفس المخاطب موقعًا حسنًا؛ لأنه جاء والنفس مهيّئة له ومتلهفة إلى معرفته. ومن المعاني التي يفيدها الاستفهام: التعظيم كما في قول المتنبي:

من للمحافل والجحافل والسرى

فقدتْ بفقدك نيّرًا لا يطلع

فهو يريد تعظيم المخاطب، والإشادة بفضله وأن المحافل وهي المجامع والجحافل وهي الجيوش والسرى أي السير ليلا، والزحف إلى الأعداء؛ هذه الأمور قد فقدت بفقده نيرًا لا يطلع، ومن التحقير كما في الآيات الكريمة:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ} (الشعراء: 69، 70) وقوله: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} (الفرقان: 41) وقوله: {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} (الأنبياء: 36)

ص: 391

ومن ذلك: التهكم كما في قوله تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} (هود: 87)، فهم يسخرون منه ويتهكمون بما جاء به، وقد عبروا عن ذلك بصيغة الاستفهام ليدلوا على ثباتهم على الكفر ووقوفهم الصامد في الضلال والمكابرة.

ومنها: التمني، وذلك عندما يطلب السائل الأمور المحالة أو البعيدة الحصول، كما في قوله تعالى:{فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} (الأعراف: 53){هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} (الشورى: 44){إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} (غافر: 47) وكأنهم لفرط ما هم فيه من هول العذاب صاروا يسألون غير الممكن، كما يسأل عن الشيء الذي لا محالة في وجوده، إلى غير ذلك من الأغراض البلاغية التي يفيدها الاستفهام، هي أكثر من أن يحاط بها؛ لأنها معان تستنبط من السياق وتأمُّل أحواله، والمعول عليه في ذلك هو سلامة الذوق وتتبع التراكيب الجيدة، ولا ينبغي لك أن تقتصر أنت في ذلك على معنى سمعته أو مثال وجدته من غير أن تتخطاه إلى غيره، بل عليك التصرف واستعمال الرويّة لمعرفة هذه الأسرار والنكات.

وكثيرًا ما تجد أسلوب الاستفهام يفيض بأكثر من معنى بلاغي، تأمل مثلا قول الله تعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (البقرة: 28) فإنك تجد الاستفهام يفيد الإنكار التوبيخي؛ أي لا ينبغي أن يكون منكم كفر، وقد علمتم قصة خلقكم وحياتكم، كما يفيد التعجيب من وقوع هذا الكفر والحث على الإقلاع عنه والإقبال على الهدى والإيمان؛ لأن في خلق السموات والأرض وفي خلق

ص: 392