الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الأحقاف: 34) أي: فيقال لهم: {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ} . ولا يخفى عليك ما وراء الحذف هنا من سرعة إبراز السخرية والتهكم بهؤلاء الكفرة الذين لم يجدوا بُدًّا من الإذعان والإقرار بعد فوات الأوان، بلى وربنا.
قرائن حذف المسند
هذا، ولا بد لكل حذف -كما ذكرنا ذلك في المسند إليه فيما سبق- من وجود القرينة التي تدل على المحذوف، وترشد إليه وإلا كان الحذف عبثًا.
ومن القرائن الدالة على حذف المسند: وقوع الكلام جوابًا عن سؤال محقق، كما في قول الله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25) أي: خلقهن الله. وقريب منه قوله -جل وعلا-: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (العنكبوت: 63). أو عن سؤال مقدر، كما في قول الحارث بن ضرار النهشلي يرثي أخاه يزيدًا:
ليبكِ يزيد ضارع لخصومة
…
ومختبط مما تطيح الطوائح
الضارع: الذليل. والمختبط: الذي يأتي إليك المعروف من غير وسيلة. وتطيح: بمعنى تذهب وتهلك. والطوائح: جمع مطيحة على غير قياس. وقياسه: مطاوح أو مطيحات. يصف يزيدًا بأنه كان ملجئًا للذليل، وعونًا للمحتاج الذي أطاحت به المطيحات. فكلمة: ليبك بالبناء للمجهول، ويزيد: نائب فاعل. فلما حذف الفاعل، وأقيم المفعول به مقامه، انبعثت من الجملة سؤال، تقديره: مَن يبكيه؟ فجاء الجواب: ضارع لخصومته، وقد حذف منه الفعل؛ لدلالة السؤال المقدر عليه. والمعنى: يبكيه ضارع.
وفضل هذا التركيب، أي: البناء للمجهول: ليُبكَ يزيد ضارع، على البناء للمعلوم ليَبك يزيد ضارع، من عدة أوجه، هي:
أولًا: تكرار الإسناد، حيث أسند البكاء إلى الفاعل مرتين إجمالًا، وذلك عند البناء للمجهول، ثم تفصيلًا، وذلك عند ذكر الفاعل ضالع فاعلًا للبكاء المقدر، وتكرار الإسناد أبلغ في مقام الرثاء وآكد.
ثانيًا: بيان وإيضاح بعد الإبهام، والإيضاح بعد الإبهام يكون أوقع في النفس، وأوقع أثرًا.
ثالثًا: وقوع يزيد فيه نائب فاعل، فيكون ركنًا أُسند فيه الفعل المبني للمجهول، وكونه ركنًا أولى من جعله فضلة للتركيب الآخر؛ إذ مدار الحديث إنما هو عنه، وعلى الرغم من هذا، فإن التركيب الآخر لا يخلو من مزية، وهي: تقديم المفعول يزيد، فقد جعل النفس تشتاق إلى معرفة الفاعل ضارع، وتتطلع إليه، فعند مجيئه يقع في النفس موقعًا حسنًا.
ومن وقوع الكلام جوابًا عن سؤال المقدر: قول الله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ} (النور: 36، 37)، وقوله عز وجل:" كَذَلِكَ يُوحَى إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"(الشورى: 3) وذلك في قراءة مَن قرأ ببناء الفعل للمجهول في الآيتين.
ومنه قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} (الأنعام: 100). وذلك على جعل: {لِلَّهِ} شركاء مفعولين للفعل جعل، والجن: مفعول به لفعل محذوف، دل عليه سؤال مقدر، والمعنى: مَن جعلوا لله شركاء؟ فيجاب الجن.