الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النَّصُّ، وَحُكْمُهُ، وَمَحَلُّهُ، وَكَذَلِكَ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ فَلَا يَمْتَنِعُ إِطْلَاقُ اسْمِ الْأَصْلِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَالنَّصُّ أَصْلٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِهِ، وَالْمَحَلُّ أَصْلٌ كَالْخَمْرِ وَالْأَعْيَانِ السِّتَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ فِيهِ، وَالْحُكْمُ أَصْلٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ
الْفَرْعِ
مُسْتَفَادٌ مِنْهُ وَمُلْحَقٌ بِهِ، وَالْعِلَّةُ أَصْلٌ؛ لِأَنَّهَا مُصَحِّحَةٌ لِلْإِلْحَاقِ، فَأَرْكَانُ الْقِيَاسِ الْأَرْبَعَةِ أُصُولٌ لَهُ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي مُنَاظَرَاتِهِمْ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ مَحَلُّ حُكْمِ النَّصِّ كَالْخَمْرِ وَالْبُرِّ، وَسُمِّيَ هَذَا مَحَلًّا لِلْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِهِ عَقْلًا تَعَلُّقَ الْحَالِّ بِمَحَلِّهِ حِسًّا.
وَحَدِيثُ الرِّبَا وَالْأَعْيَانِ السِّتَّةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا فِي عِبَارَةِ «الْمُخْتَصَرِ» هُوَ مَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مِثْلًا بِمَثَلٍ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرُ مَثَلًا بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: «وَالْفَرْعُ مَا عُدِّيَ إِلَيْهِ الْحُكْمُ بِالْجَامِعِ» .
قُلْتُ: وَذَلِكَ كَالنَّبِيذِ وَالْأَرُزِّ فِي قَوْلِنَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، فَيَحْرُمُ كَالْخَمْرِ، وَالْأَرُزُّ مَكِيلٌ، فَيَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَالْبُرِّ، وَكَالْأَمَةِ فِي قَوْلِنَا: رَقِيقٌ، فَيَسْرِي فِيهِ الْعِتْقُ كَالْعَبْدِ، وَكَالْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ فِي قَوْلِنَا: قَتْلُ عَمْدٍ عُدْوَانٍ، فَيَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ كَالْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ، وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْفَرْعِ أَنَّهُ الْمَحَلُّ الَّذِي تَعَدَّى إِلَيْهِ الْحُكْمُ بِالْوَصْفِ الْجَامِعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحَلِّ النَّصِّ.
وَقِيلَ: الْفَرْعُ هُوَ الْحُكْمُ الْمُنَازَعُ فِيهِ، وَهُوَ تَحْرِيمُ النَّبِيذِ، وَتَحْرِيمُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التَّفَاضُلِ فِي الْأَرُزِّ، وَسِرَايَةُ الْعِتْقِ فِي الْأَمَةِ مَثَلًا، وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، فَالْفَرْعُ إِذَنْ هُوَ النَّبِيذُ مَثَلًا أَوْ تَحْرِيِمُهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
قَوْلُهُ: «وَالْعِلَّةُ وَالْحُكْمُ مَضَى ذِكْرُهُمَا» .
قُلْتُ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَرْكَانَ الْقِيَاسِ أَصْلٌ، وَفَرْعٌ، وَعِلَّةٌ، وَحُكْمٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا حَقِيقَةَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مَا هِيَ، وَبَقِيَ عَلَيْنَا بَيَانُ حَقِيقَةِ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ، لَكِنْ قَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا مُفَصَّلًا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي تَكْرَارِهِ، فَلْنَقْنَعْ بِالْإِحَالَةِ عَلَى مَا سَبَقَ فِيهِمَا، غَيْرَ أَنَّا نُشِيرُ إِلَيْهِمَا هَاهُنَا إِشَارَةً خَفِيفَةً؛ لِئَلَّا يَخْلُوَ هَذَا الْمَوْضِعُ عَنْ بَيَانِهِمَا.
فَنَقُولُ: الْعِلَّةُ: هِيَ الْوَصْفُ أَوِ الْمَعْنَى الْجَامِعُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ الَّذِي بِاعْتِبَارِهِ صَحَّتْ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ، كَالْإِسْكَارِ فِي الْخَمْرِ، وَتَبْدِيلِ الدِّينِ فِي قَتْلِ الْمُرْتَدِّ، حَيْثُ قُلْنَا فِي الْمُرْتَدَّةِ: بَدَّلَتْ دِينَهَا، فَتُقْتَلُ كَالْمُرْتَدِّ، وَسُمِّيَ هَذَا عِلَّةً؛ لِوُجُودِ الْحُكْمِ بِهِ حَيْثُ وُجِدَ، كَوُجُودِ السَّقَمِ بِالْعِلَّةِ الطَّبِيعِيَّةِ حَيْثُ وُجِدَتْ.
وَأَمَّا الْحُكْمُ: فَهُوَ قَضَاءُ الشَّرْعِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ خِطَابِهِ أَوْ إِخْبَارِهِ الْوَضْعِيِّ بِوُجُوبٍ، أَوْ نَدْبٍ، أَوْ كَرَاهَةٍ، أَوْ حَظْرٍ، أَوْ إِبَاحَةٍ، أَوْ صِحَّةٍ، أَوْ فَسَادٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ قَضَائِهِ. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ مُقْتَضَى خِطَابِ الشَّرْعِ الْمُتَعَلِّقِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ أَوِ الْوَضْعِ، وَهُنَاكَ لَهُ مَزِيدُ بَيَانٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَارْجِعْ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: «وَهِيَ» ، يَعْنِي الْعِلَّةَ «فَرْعٌ فِي الْأَصْلِ» ، «أَصْلٌ فِي الْفَرْعِ» . أَمَّا أَنَّهَا «فَرْعٌ فِي الْأَصْلِ» ، فَلِأَنَّهَا مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِهِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمَّا حَرَّمَ الْخَمْرَ، اسْتَنْبَطْنَا مِنْهُ أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيِمِهَا الْإِسْكَارُ الْمُفْسِدُ لِلْعُقُولِ؛ إِذْ لَا مُنَاسِبَ لِلتَّحْرِيمِ فِيهَا سِوَاهُ، وَكَذَلِكَ لَمَّا نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِي الْأَعْيَانِ السِّتَّةِ، اسْتَخْرَجْنَا مِنْ تَحْرِيمِهِ أَنَّ عِلَّتَهُ الْكَيْلُ أَوِ الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ جَزْمٌ بِالْحُكْمِ وَهُوَ قَتْلُ الْمُرْتَدِّ وَتَحْرِيمُ الْحُكْمِ مَعَ الْغَضَبِ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الْعِلَّةَ تَبْدِيلُ الدِّينِ وَاضْطِرَابُ رَأْيِ الْقَاضِي بِالْغَضَبِ، فَكَانَتِ الْعِلَّةُ فَرْعًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِالْحُكْمِ جَزَمًا، وَأَشَارَ إِلَيْهَا إِشَارَةً، وَالِاهْتِمَامُ بِالْأُصُولِ أَوْلَى مِنَ الِاهْتِمَامِ بِالْفُرُوعِ، فَكَانَ الْمَجْزُومُ بِهِ أَصْلًا، وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ فَرْعًا.
وَأَمَّا أَنَّ الْعِلَّةَ «أَصْلٌ فِي الْفَرْعِ» ; فَلِأَنَّهَا إِذَا تَحَقَّقَتْ فِيهِ، تَرَتَّبَ عَلَيْهَا إِثْبَاتُ حُكْمِ الْأَصْلِ، كَالْإِسْكَارِ لَمَّا تَحَقَّقَ فِي النَّبِيذِ، تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إِثْبَاتُ التَّحْرِيمِ، فَالْعِلَّةُ مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَالْمُسْتَخْرَجُ فَرْعٌ عَلَى الْمُسْتَخْرَجِ مِنْهُ، وَالْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ مَبْنِيٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، وَالْمَبْنِيُّ فَرْعٌ عَلَى الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ، وَالْمُتَرَتِّبُ فَرْعٌ عَلَى الْمُتَرَتَّبِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: «وَالِاجْتِهَادُ فِيهَا» ، أَيْ: فِي الْعِلَّةِ، «إِمَّا بِبَيَانِ مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ