المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إذا نص على حكمين مختلفين في مسألة - شرح مختصر الروضة - جـ ٣

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْإِجْمَاعُ

- ‌ جَوَازَ الْإِجْمَاعِ

- ‌ الْمُعْتَبَرُ فِي الْإِجْمَاعِ

- ‌ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ

- ‌ اتِّفَاقُ التَّابِعِينَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الصَّحَابَةِ

- ‌ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ الْوَاحِدِ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ

- ‌إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ

- ‌أَقْسَامِ الْإِجْمَاعِ

- ‌ إِجْمَاعِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ

- ‌مُنْكِرُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ

- ‌ارْتِدَادُ الْأُمَّةِ جَائِزٌ عَقْلًا لَا سَمْعًا

- ‌اسْتِصْحَابُ الْحَالِ

- ‌ أَنْوَاعِ مَدَارِكِ نَفْيِ الْحُكْمِ

- ‌الْأُصُولُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا

- ‌الثَّالِثُ: الِاسْتِحْسَانُ

- ‌الرَّابِعُ: الِاسْتِصْلَاحُ:

- ‌الْقِيَاسُ

- ‌ أَرْكَانُ الْقِيَاسِ

- ‌ الْفَرْعِ

- ‌تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ

- ‌ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ

- ‌ تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ

- ‌ حُجَجُ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ

- ‌ الْعِلَّةَ

- ‌تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ»

- ‌ الْمُنَاسِبُ، وَالْمَنْشَأُ، وَالْحِكْمَةُ

- ‌قِيَاسُ الشَّبَهِ:

- ‌قِيَاسُ الدَّلَالَةِ:

- ‌ أَحْكَامِ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌ التَّعْلِيلُ بِالْحِكْمَةِ

- ‌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ

- ‌الْأَسْئِلَةُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ

- ‌«الِاسْتِفْسَارُ»

- ‌ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ

- ‌ فَسَادُ الْوَضْعِ

- ‌ الْمَنْعُ

- ‌ التَّقْسِيمُ:

- ‌ مَعْنَى التَّقْسِيمِ

- ‌ الْمُطَالَبَةُ:

- ‌ النَّقْضُ

- ‌الْكَسْرُ:

- ‌ الْقَلْبُ

- ‌ الْمُعَارَضَةُ

- ‌ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ

- ‌ الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ

- ‌ عَدَمُ التَّأْثِيرِ

- ‌ الْقِيَاسُ الْمُرَكَّبُ

- ‌ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ

- ‌الِاجْتِهَادُ

- ‌مَا يُشْتَرَطُ لِلْمُجْتَهِدِ

- ‌ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ»

- ‌الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌النَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ

- ‌إِذَا نَصَّ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ

- ‌التَّقْلِيدُ

- ‌الْقَوْلُ فِي تَرْتِيبِ الْأَدِلَّةِ وَالتَّرْجِيحِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ دِلَالَةِ اللَّفْظِ وَالدِّلَالَةِ بِاللَّفْظِ

- ‌ التَّرْجِيحِ فِي الْأَدِلَّةِ

- ‌التَّرْجِيحُ اللَّفْظِيُّ

- ‌ التَّرْجِيحَ مِنْ جِهَةِ السَّنَدِ

- ‌ التَّرْجِيحَ مِنْ جِهَةِ الْقَرِينَةِ

- ‌التَّرْجِيحُ الْقِيَاسِيُّ

- ‌ تَرْجِيحَ الْقِيَاسِ مِنْ جِهَةِ أَصْلِهِ

- ‌ تَرْجِيحَ الْقِيَاسِ مِنْ جِهَةِ عِلَّتِهِ

- ‌ التَّرْجِيحُ بِالْقَرَائِنِ

- ‌مِنَ التَّرْجِيحِ الْعَائِدِ إِلَى الرَّاوِي:

- ‌ تَرْجِيحِ النُّصُوصِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌ تَرْجِيحِ بَعْضِ مَحَامِلِ الْأَثَرِ عَلَى بَعْضٍ:

- ‌ تَرْجِيحِ الْأَقْيِسَةِ عَلَى النُّصُوصِ

الفصل: ‌إذا نص على حكمين مختلفين في مسألة

وَ‌

‌إِذَا نَصَّ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ

، فَمَذْهَبُهُ آخِرُهُمَا إِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ، كَتَنَاسُخِ أَحْكَامِ الشَّارِعِ، وَإِلَّا فَأَشْبَهُهُمَا بِأُصُولِهِ وَقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ وَأَقْرَبُهُمَا إِلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ.

وَقِيلَ: كِلَاهُمَا مَذْهَبٌ لَهُ، إِذْ لَا يُنْقَضُ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ، فَإِنْ أُرِيدَ ظَاهِرُهُ فَمَمْنُوعٌ، وَإِنْ أُرِيدَ مَا عُمِلَ بِالْأَوَّلِ لَا يُنْقَضُ، فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، ثُمَّ يَبْطُلُ بِمَا لَوْ صَرَّحَ بِرُجُوعِهِ عَنْهُ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ مَذْهَبًا لَهُ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِاعْتِقَادِ بُطْلَانِهِ، وَلَوْ خَالَعَ مُجْتَهِدٌ زَوْجَتَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَعْتَقِدُ الْخُلْعَ فَسْخًا، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَاعْتَقَدَهُ طَلَاقًا لَزِمَهُ فِرَاقُهَا، وَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ حَاكِمٌ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ لَمْ يُنْقَضْ، لِلُزُومِ التَّسَلْسُلِ بِنَقْضِ النَّقْضِ ; وَاضْطِرَابِ الْأَحْكَامِ ; وَلَوْ نَكَحَ مُقَلِّدٌ بِفَتْوَى مُجْتَهِدٍ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَالظَّاهِرُ لَا يَلْزَمُهُ فِرَاقُهَا، إِذْ عَمَلُهُ بِالْفُتْيَا جَرَى مَجْرَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

ــ

قَوْلُهُ: «وَإِذَا نَصَّ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ» كَقَوْلِهِ: يُجْزِئُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَلَا يُجْزِئُ ; «فَمَذْهَبُهُ آخِرُهُمَا» ، أَيْ: آخِرُ الْحُكْمَيْنِ «إِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ» ، أَيْ: لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُعْلَمَ تَارِيخُ الْقَوْلَيْنِ أَوْ لَا، فَإِنْ عُلِمَ ; فَمَذْهَبُهُ آخِرُهُمَا، «كَتَنَاسُخِ أَحْكَامِ الشَّارِعِ» ، أَيْ: كَمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، كَذَلِكَ يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرُ مِنْ أَحْكَامِ الْأَئِمَّةِ، لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ نُصُوصَ الْأَئِمَّةِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مُقَلِّدِيهِمْ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ بِالْإِضَافَةِ

ص: 646

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إِلَى الْأَئِمَّةِ. وَإِنْ لَمْ يُعْلَمِ التَّارِيخُ فَمَذْهَبُهُ أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ «بِأُصُولِهِ» ، أَيْ: بِأُصُولِ الْإِمَامِ «وَقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ وَأَقْرَبُهُمَا» ، أَيْ: أَقْرَبُ الْقَوْلَيْنِ «إِلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ» تَرْجِيحًا لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْإِمَامِ مَعَ سَبْرِهِ الْأحْكَامَ وَالنَّظَرَ فِي مَآخِذِهَا أَنَّهُ يَطَّرِدُ أُصُولُهُ وَقَوَاعِدُهُ فِيهَا، وَأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ.

وَمِثَالُ ذَلِكَ: مَا لَوِ اخْتَلَفَ نَصُّ أَحْمَدَ فِي أَنَّ الْكُفَّارَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ، لَكَانَ الْأَشْبَهُ بِأَصْلِهِ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ بِنَاءً عَلَى تَكْلِيفِهِمْ بِالْفُرُوعِ كَمَا سَبَقَ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَاعِدَتِهِ فِي أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُحَرَّمَةَ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ، وَلِذَلِكَ رَجَّحَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَنَصْرَهُ فِي تَعْلِيقِهِ ; وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِنُصُوصِ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا.

وَلَمَّا اخْتَلَفَ نَصُّهُ فِي أَنَّ بَيْعَ النَّجَشِ، وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَنَحْوَهُمَا بَاطِلٌ ; كَانَ الْأَشْبَهُ بِأَصْلِهِ الْبُطْلَانَ بِنَاءً عَلَى اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ: «وَقِيلَ: كِلَاهُمَا» ، أَيْ: كِلَا الْقَوْلَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ «مَذْهَبٌ لَهُ» ، أَيْ: لِلْإِمَامِ، لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ، وَالْقَوْلَانِ بِاجْتِهَادَيْنِ، فَلَا يَنْقُضُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ.

قَوْلُهُ: «فَإِنْ أُرِيدَ ظَاهِرُهُ» ، أَيْ: ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ: كِلَا الْقَوْلَيْنِ مَذْهَبٌ لَهُ بِمَعْنَى أَنَّ الْفُتْيَا وَالْعَمَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَهُوَ «مَمْنُوعٌ» ، أَيْ: لَا نُسَلِّمُهُ، لِمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، «وَإِنْ أُرِيدَ» بِكَوْنِهِمَا مَذْهَبًا لَهُ «أَنَّ مَا عُمِلَ» بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ حُكْمٍ وَعِبَادَةٍ «لَا يُنْقَضُ» ، وَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا «فَلَيْسَ» ذَلِكَ «مِمَّا نَحْنُ فِيهِ» أَيْ: لَيْسَ هَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ، إِنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا إِذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ هَلْ

ص: 647

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَبْقَى الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَمْ لَا؟ وَأَحَدُهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ. وَأَمَّا عَدَمُ نَقْضِ مَا عُمِلَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَلَا يُوجَبُ بَقَاؤُهُ مَذْهَبًا لِجَوَازِ امْتِنَاعِ النَّقْضِ لِعَارِضٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ.

قَوْلُهُ: «ثُمَّ يَبْطُلُ» - يَعْنِي مَا ذَكَرُوهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا يُنْقَضُ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ - «بِمَا لَوْ صَرَّحَ» الْإِمَامُ «بِرُجُوعِهِ عَنْهُ» ، أَيْ: بِرُجُوعِهِ عَنِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ إِذَا صَرَّحَ بِرُجُوعِهِ عَنْهُ، فَإِمَّا أَنْ لَا يَبْقَى مَذْهَبًا لَهُ فَقَدْ نَقَضَ الِاجْتِهَادَ بِالِاجْتِهَادِ، وَهُوَ الَّذِي نَفَاهُ الْخَصْمُ، أَوْ يَبْقَى مَذْهَبًا لَهُ، فَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِاعْتِقَادِ بُطْلَانِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ.

قَوْلُهُ: «وَلَوْ خَالَعَ مُجْتَهِدٌ زَوْجَتَهُ» ، إِلَى آخِرِهِ هَذَا مِنْ فُرُوعِ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ وَصُوَرِهِ. وَمَعْنَاهُ: أَنَّ مُجْتَهِدًا لَوْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَهُوَ «يَعْتَقِدُ الْخُلْعَ فَسْخًا» لَا طَلَاقًا، «ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَاعْتَقَدَهُ طَلَاقًا، لَزِمَهُ فِرَاقُهَا» ، لِأَنَّهَا صَارَتْ بِمُوجِبِ هَذَا الِاجْتِهَادِ الثَّانِي مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا وَهُوَ يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ إِمْسَاكُ مَنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ.

قَوْلُهُ: «وَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ حَاكِمٌ» مِثْلَ أَنْ حَكَمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ شُهُودٍ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ، أَوْ مُجْتَهِدٌ غَيْرُهُ، «ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ» ، فَرَأَى ذَلِكَ النِّكَاحَ بَاطِلًا، «لَمْ يُنْقَضْ» ذَلِكَ الِاجْتِهَادُ الْأَوَّلُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَذَلِكَ «لِلُزُومِ التَّسَلْسُلِ بِنَقْضِ النَّقْضِ» ، أَيْ: لَوْ نُقِضَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي لَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْحَاكِمِ، لَوَجَبَ أَنْ يُنْقَضَ الْحُكْمُ الثَّانِي بِالثَّالِثِ إِذَا تَغَيَّرَ

ص: 648

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اجْتِهَادُهُ، وَهَلُمَّ جَرًّا ; كُلَّمَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، حَكَمَ بِحُكْمٍ، وَنَقَضَ الَّذِي قَبْلَهُ، فَيَتَسَلْسَلُ النَّقْضُ، وَتَضْطَرِبُ أَحْكَامُ النَّاسِ لِنَقْضِهَا بَعْدَ تَرْتِيبِهَا عَلَى تِلْكَ الِاجْتِهَادَاتِ، وَقَدْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُنْقَضَ الْحُكْمُ بِمَا يُنَافِيهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ بَعْدَهُ، كَمَا يُنْقَضُ الِاجْتِهَادُ الْمُجَرَّدُ عَنْ حُكْمٍ بِمِثْلِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ، لَكِنْ هَهُنَا تُرِكَ الْقِيَاسُ لِلِاسْتِحْسَانِ تَحْصِيلًا لِضَبْطِ الْأُمُورِ، وَصِيَانَتِهَا عَنِ الِانْتِشَارِ.

قَوْلُهُ: «وَلَوْ نَكَحَ مُقَلِّدٌ بِفَتْوَى مُجْتَهِدٍ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ» - يَعْنِي اجْتِهَادَ الْمُجْتَهِدِ - «فَالظَّاهِرُ» أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ، أَيْ: لَا يَلْزَمُ الْمُقَلِّدُ فِرَاقُ زَوْجَتِهِ لِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ عَمَّا أَفْتَاهُ بِهِ أَوَلًا، «إِذْ عَمَلُهُ بِالْفُتْيَا جَرَى مَجْرَى حُكْمِ الْحَاكِمِ» .

وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُنْقَضُ، فَكَذَا مَا جَرَى مَجْرَاهُ.

وَحَاصِلُ مَا ذُكِرَ: أَنَّ اجْتِهَادَ الْمُجْتَهِدِ إِمَّا أَنْ يَتَجَرَّدَ عَنِ الْحُكْمِ وَالْفَتْوَى، أَوْ لَا يَتَجَرَّدْ.

فَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْهُمَا، وَجَبَ نَقْضُهُ بِالِاجْتِهَادِ الْمُخَالِفِ لَهُ بَعْدَهُ.

وَإِنِ اقْتَرَنَ بِهِ حَكَمٌ لَمْ يُنْقَضْ، وَاسْتُؤْنِفَ الْعَمَلُ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي.

وَإِنِ اقْتَرَنَ بِهِ الْفُتْيَا، وَالْعَمَلُ بِهَا، احْتَمَلَ أَنْ لَا يُنْقَضَ مَا عَمِلَ بِهَا مُطْلَقًا فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، تَنْزِيلًا لِلْعَمَلِ بِهَا مَنْزِلَةَ حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُنْقَضَ مَا سِوَى النِّكَاحِ، كَمَا فَرَضَ فِي الْمُخْتَصَرِ، فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِمَا عُرِفَ مِنْ خَوَاصِّهِ، وَتَشَوَّفَ الشَّرْعُ إِلَى تَكْثِيرِهِ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

ص: 649