الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْكُلِّيَّةِ الْمُتَّفَقِ» عَلَيْهَا «أَوِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي الْفَرْعِ» ، إِلَى آخِرِهِ.
هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنْوَاعِ الِاجْتِهَادِ فِي الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَقْيِسَةِ، وَهُوَ إِمَّا بِ
تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ
، أَوْ تَنْقِيحِهِ، أَوْ تَخْرِيجِهِ، وَالْمَنَاطُ: مَا نِيطَ بِهِ الْحُكْمُ، أَيْ: عُلِّقَ بِهِ، وَهُوَ الْعِلَّةُ الَّتِي رُتِّبَ عَلَيْهَا الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ، يُقَالُ: نُطْتُ الْحَبَلَ بِالْوَتَدِ، أَنُوطُهُ نَوْطًا: إِذَا عَلَّقْتُهُ، وَمِنْهُ ذَاتُ أَنْوَاطٍ: شَجَرَةٌ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَلِّقُونَ فِيهَا سِلَاحَهُمْ، وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ.
أَمَّا تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ، فَنَوْعَانِ وَإِلَيْهِمَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ:«وَهَذَا قِيَاسٌ دُونَ الَّذِي قَبْلَهُ» -:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ قَاعِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، أَوْ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْأَصْلُ، فَيَتَبَيَّنُ الْمُجْتَهِدُ وُجُودَهَا فِي الْفَرْعِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:«إِمَّا بِبَيَانِ وُجُودِ مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُتَّفَقِ، أَوِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي الْفَرْعِ» .
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَعْرِفَ عِلَّةَ حُكْمٍ مَا فِي مَحَلِّهِ بِنَصٍّ، أَوْ إِجْمَاعٍ، فَيَتَبَيَّنُ الْمُجْتَهِدُ وُجُودَهَا فِي الْفَرْعِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:«أَوْ بَيَانُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ» .
مِثَالُ النَّوْعِ الْأَوَّلِ أَنْ يُقَالَ: «فِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَالضَّبُعِ مَثَلُهُمَا» ، أَيْ: فِي حِمَارِ الْوَحْشِ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ مِثْلُهُ، وَفِي الضَّبُعِ أَيْضًا يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ مِثْلُهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [الْمَائِدَةِ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
95] ، «وَالْبَقَرَةُ وَالْكَبْشُ» كَذَلِكَ، أَيِ: الْبَقَرَةُ مِثْلُ حِمَارِ الْوَحْشِ، وَالْكَبْشُ مِثْلُ الضَّبُعِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْجَزَاءُ، «فَوُجُوبُ الْمِثْلِ اتِّفَاقِيٌّ نَصِّيٌّ» ، أَيْ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ، «وَكَوْنُ هَذَا مِثْلًا» يَعْنِي كَوْنَ الْبَقَرَةِ مِثْلَ الْحِمَارِ، وَالْكَبْشِ مِثْلَ الضَّبُعِ «تَحْقِيقِيٌّ اجْتِهَادِيٌّ» أَيْ: ثَابِتٌ بِالِاجْتِهَادِ فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ؛ إِذْ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا إِجْمَاعَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّ الْكَبْشَ مَثَلًا مِثْلُ الضَّبُعِ، إِنَّمَا نَصَّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا مِثْلُهَا، وَفَوَّضَ تَعْيِينَ الْمِثْلِ إِلَى نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ، فَتَحَقَقَ مِثْلِيَّتُهَا فِي الْكَبْشِ.
قَوْلُهُ: «وَمِثْلُهُ» ، أَيْ: وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَنْ يُقَالَ: «اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاجِبٌ، وَهَذِهِ جِهَتُهَا» ، فَوُجُوبُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، أَمَّا كَوْنُ هَذِهِ جِهَتُهَا فِي حَقِّ مَنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، فَيَثْبُتُ بِالِاجْتِهَادِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا: «قَدْرُ الْكِفَايَةِ فِي» نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَنَحْوِهُمْ «وَاجِبٌ» ، وَكَذَلِكَ قَدْرُهَا كَالرِّطْلِ وَالرِّطْلَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَوُجُوبُ قَدْرِ الْكِفَايَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَمَّا كَوْنُ قَدْرِ الْكِفَايَةِ رِطْلًا أَوْ رِطْلَيْنِ، فَيُعْلَمُ بِالِاجْتِهَادِ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ، فَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لَكِنَّ كَوْنَ هَذَا مِثْلًا لَهُ، أَوْ هَذَا الْمِقْدَارِ قِيمَتَهُ، فَهُوَ اجْتِهَادِيُّ.
وَقَوْلُنَا: هَذَا الْفِعْلُ يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ الرَّادِعُ، لَكِنَّ كَوْنَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ وَمَا فَوْقَهَا أَوْ دُونَهَا رَادِعًا، فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ عَلَى رَأْيِ مَنْ لَمْ يَتَقَيَّدْ فِي التَّعْزِيزِ بِخَبَرِ أَبِي بُرْدَةَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا: نَصْبُ الْإِمَامِ وَالْوَالِي وَالْقَاضِي وَاجِبٌ، لَكِنَّ تَعْيِينَ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ لِذَلِكَ هُوَ إِلَى اجْتِهَادِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فِي ذَلِكَ، فَهَذَا تَمَامُ الْقَوْلِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ.
وَمِثَالُ النَّوْعِ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ: «الطَّوَافُ عِلَّةٌ لِطَهَارَةِ الْهِرَّةِ» بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ عليه السلام: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ، وَالطَّوَّافُ «مَوْجُودٌ فِي الْفَأْرَةِ وَنَحْوِهَا» مِنْ صِغَارِ الْحَشَرَاتِ، وَفِي الْكَلْبِ أَيْضًا حَيْثُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الطَّوَافُ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ بِطَهَارَتِهِ اسْتِدْلَالًا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ: الْحَيَاءُ عِلَّةُ الِاكْتِفَاءِ مِنَ الْبِكْرِ فِي تَزْوِيجِهَا بِالصُّمَاتِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيمَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِغَيْرِ نِكَاحٍ.
قَوْلُهُ: «وَهَذَا قِيَاسٌ دُونَ الَّذِي قَبْلَهُ» ، أَيْ: هَذَا النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ الَّذِي هُوَ بَيَانُ وُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي الْفَرْعِ، هُوَ قِيَاسٌ دُونَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ بَيَانُ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا أَوِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ الْأَوَّلَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ، وَهُوَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الشَّرِيعَةِ لِعَدَمِ وُجُودِ النَّصِّ عَلَى جُزْئِيَّاتِ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ فِيهَا، كَعَدَالَةِ الْأَشْخَاصِ وَتَقْدِيرِ كِفَايَةِ كُلِّ شَخْصٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مُتَغَايِرَانِ، وَالثَّانِي قِيَاسٌ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بِقِيَاسٍ.
قَوْلُهُ: «وَيُسَمَّيَانِ: تَحْقِيقَ الْمَنَاطِ» ، يَعْنِي: النَّوْعَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَمَّى تَحْقِيقَ الْمَنَاطِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ هُوَ إِثْبَاتُ عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ، أَوْ إِثْبَاتُ مَعْنًى مَعْلُومٍ فِي مَحَلٍّ خَفِيَ فِيهِ ثُبُوتُ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي النَّوْعَيْنِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي أَنَّ أَحَدَهُمَا قِيَاسٌ دُونَ الْآخَرِ، فَتَحْقِيقُ الْمَنَاطِ أَعَمُّ مِنَ الْقِيَاسِ.