الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَفَاصِيلُ التَّرْجِيحِ كَثِيرَةٌ، فَالضَّابِطُ فِيهِ: أَنَّهُ مَتَى اقْتَرَنَ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَمْرٌ نَقْلِيٌّ، أَوِ اصْطِلَاحِيٌّ، عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ، أَوْ قَرِينَةٌ عَقْلِيَّةٌ، أَوْ لَفْظِيَّةٌ، أَوْ حَالِيَّةٌ، وَأَفَادَ ذَلِكَ زِيَادَةَ ظَنٍّ، رَجَحَ بِهِ.
وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا بَيَانُ الرُّجْحَانِ مِنْ جِهَةِ الْقَرَائِنِ ; وَوَجْهُ الرُّجْحَانِ فِي أَكْثَرِ هَذِهِ التَّرْجِيحَاتِ ظَاهِرٌ، فَلِهَذَا أَهْمَلْنَا ذِكْرَهُ اخْتِصَارًا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ــ
قَوْلُهُ: «وَتَفَاصِيلُ التَّرْجِيحِ كَثِيرَةٌ» .
اعْلَمْ أَنَّ التَّرْجِيحَاتِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي «الْمُخْتَصَرِ» هِيَ أَكْثَرُ مِنْ تَرْجِيحَاتِ «الرَّوْضَةِ» نَقَلْتُهَا مِنْ «الْحَاصِلِ» وَ «جَدَلِ ابْنِ الْمَنِّيِّ» ، وَغَيْرِهِمَا، وَمَعَ ذَلِكَ، فَثَمَّ تَرَاجِيحُ كَثِيرَةٌ لَمْ نَذْكُرْهَا ذُكِرَتْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِيِّينَ، وَذَلِكَ، لِأَنَّ مَثَارَاتِ الظُّنُونِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الرُّجْحَانُ وَالتَّرَاجِيحُ كَثِيرَةٌ جِدًا، فَحَصْرُهَا يَبْعُدُ.
وَحَيْثُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ; «فَالضَّابِطُ» ، وَالْقَاعِدَةُ الْكُلِّيَّةُ فِي التَّرْجِيحِ:«أَنَّهُ مَتَى اقْتَرَنَ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ» يَعْنِي الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ «أَمْرٌ نَقْلِيٌّ» ، كَآيَةٍ، أَوْ خَبَرٍ، «أَوِ اصْطِلَاحِيٌّ» كَعُرْفٍ، أَوْ عَادَةٍ ; عَامًّا كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ أَوْ خَاصًّا، «أَوْ قَرِينَةٌ عَقْلِيَّةٌ، أَوْ لَفْظِيَّةٌ، أَوْ حَالِيَّةٌ، وَأَفَادَ ذَلِكَ زِيَادَةَ ظَنٍّ ; رَجَحَ بِهِ» لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ رُجْحَانَ الدَّلِيلِ هُوَ الزِّيَادَةُ فِي قُوَّتِهِ، وَظَنُّ إِفَادَتِهِ الْمَدْلُولَ، وَذَلِكَ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ لَا يَخْتَلِفُ فِي نَفْسِهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مَدَارِكُهُ.
قَوْلُهُ: «وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا بَيَانُ الرُّجْحَانِ مِنْ جِهَةِ الْقَرَائِنِ» . هَذَا اعْتِذَارٌ عَنْ تَرْكِ التَّصْرِيحِ بِالْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَقْسَامِ التَّرْجِيحِ الْقِيَاسِيِّ، وَهُوَ
التَّرْجِيحُ بِالْقَرَائِنِ
، لِأَنَّا كُنَّا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّرْجِيحَ الْقِيَاسِيَّ: إِمَّا مِنْ جِهَةِ أَصْلِ الْقِيَاسِ، أَوْ عِلَّتِهِ، أَوْ قَرِينَةٍ عَاضِدَةٍ لَهُ، وَذَكَرْنَا الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنَ، وَهْمًا التَّرْجِيحُ مِنْ جِهَةِ الْأَصْلِ وَالْعِلَّةِ، وَبَقِيَ التَّرْجِيحُ مِنْ جِهَةِ الْقَرِينَةِ لَمْ يُصَرَّحْ بِذِكْرِهِ تَفْصِيلًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كَالْقِسْمَيْنِ قَبْلَهُ، لَكِنَّا أَدْرَجْنَاهُ إِجْمَالًا فِي الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِلتَّرْجِيحِ بِقَوْلِنَا:«أَوْ قَرِينَةٌ عَقْلِيَّةٌ، أَوْ لَفْظِيَّةٌ، أَوْ حَالِيَّةٌ» .
يَعْنِي أَنَّ التَّرْجِيحَاتِ الْمَذْكُورَةَ فِي «الْمُخْتَصَرِ» وَقَعَ أَكْثَرُهَا غَيْرَ مُوَجَّهٍ، أَيْ: لَمْ يُذْكَرْ وَجْهُ التَّرْجِيحِ فِيهِ، وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ، إِذِ الْعَادَةُ فِي الْمُخْتَصَرَاتِ ذِكْرُ الْأَحْكَامِ وَتَرْكُ التَّوْجِيهَاتِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنِ اخْتِصَارًا.
الثَّانِي: أَنَّ وَجْهَ تِلْكَ التَّرْجِيحَاتِ بَيِّنٌ، فَلَمْ نَرَ الْإِطَالَةَ بِذِكْرِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ تَوْجِيهُكُمْ لِذَلِكَ فِي الشَّرْحِ بِتَبْيِينِ الْبَيِّنِ، وَإِيضَاحِ الْوَاضِحِ، وَذَلِكَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ.
قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ، لِأَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ أَنَّ الْبَيَانَ لَهُ مَرَاتِبُ، بَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ. فَرُتْبَةُ بَيَانِ التَّرْجِيحَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الشَّرْحِ أَعْلَى مِنْ رُتْبَةِ بَيَانِهَا عَلَى الْمُخْتَصَرِ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِ الْبَسْطِ فِي الشُّرُوحَاتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اخْتِصَارِ الْمَشْرُوحَاتِ.
وَقَدْ نَجَزَ الْكَلَامُ فِي «الْمُخْتَصَرِ» ، فَلْنَسْرِدِ الْآنَ وُجُوهًا مِنَ التَّرْجِيحَاتِ ذُكِرَتْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ تَكْمِلَةً لِمَا فِي «الْمُخْتَصَرِ» . وَرُبَّمَا وَقَعَ تَكْرَارٌ بَيْنَ مَا